Tuesday, November 11, 2008

علاقة جبهة أحزاب المعارضة بمكونات الساحة السياسية (1-2)

علاقة جبهة أحزاب المعارضة بمكونات الساحة السياسية (1-2)
محمد علي خوجلي
لا نحتاج لاثبات حقيقة الانتفاع من تجارب الماضي. والحاضر هو نقطة التقاء حي بين تجارب الماضي وبرامج المستقبل. والانتفاع يكون بالتعلم لا النقل. فالواقع يتغير على الدوام. ولكل زمان رجاله.
والتحالف والتعاون والتنسيق بين الأحزاب السياسية الوطنية حول قضايا مختلفة امر طبيعي. وأساس التحالفات السياسية المؤقتة (التكتيكية) ان يكون من أجل اهداف وطنية مطروحة في الساحة السياسية. ونحن نفرق بين اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية والتحالفات السياسية ذات السمات الوطنية والديمقراطية حيث نلاحظ خلطاً مروعاً عبر عنه بعض القادة السياسيين ومن ذلك ان التجمع الوطني الديمقراطي (المعارض) تنظيم استراتيجي يبقى ما بقيت الحياة السياسية السودانية(!).
ومع الذكرى الرابعة بعد الاربعين لثورة اكتوبر 4691م وجدت مهماً استعادة واحد من دروسها العديدة الثمينة: علاقة جبهة احزاب المعارضة بمكونات الساحة السياسية السودانية. وسبب الاهتمام ان اقساماً من قادة المعارضة الثوريين والطائفيين يحاولون نقل تجارب الماضي ـ في النشاط العملي ـ من غير هدي ودون اعتبار لتباين الظروف واختلاف الاهداف، ومتغيرات الساحة السياسية. واعتقد ان ذلك يعود لأمرين:
الأول: ان قيادات الزمان الماضي، هم في معظمهم قيادات الحاضر ويرتبون ايضا ليكونوا قيادات المستقبل في ذات الوقت الذي يتم فيه حرمان الشباب من تعلم دروس الماضي وبالذات تجارب النشاط العملي.
الثاني: ان بعض قيادات الأحزاب السياسية الثورية المعارضة تعتقد خطأ ان مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تغيرت طبيعتها. والحقيقة ان ارتباكها الفكري وفقدانها للاتجاه هو سبب هذا الاعتقاد حيث لم تستوعب ان المرحلة الثورية لم تتغير طبيعتها الوطنية الديمقراطية بل تغير توازن القوى في السودان وتغيرت مكونات الساحة السياسية مثلما تغيرت الظروف الاقليمية والدولية.. ومن ثم اسقطت الاجابة على السؤال: كيف يتم اقامة اتحاد القوى الوطنية ببرنامج الحد الأدنى في ظل الواقع الجديد؟ وبالطبع فان ذلك الاتحاد لابد ان يقوم باشكال ووسائل وادوات جديدة وقيادات جديدة،ولا اقصد بالقيادات الجديدة القيادات من الشباب التي استنسخها قادة الماضي(!).
قاد العمال والمزارعون والطلاب وصغار التجار من خلال تنظيماتهم الشعبية والجماهيرية ومعهم احزاب سياسية معارضة مقاومة مشروع المعونة الامريكية في السودان وكان اضراب 12 اكتوبر 8591م حدثا مهماً حيث انتظمت الاضرابات والمظاهرات معظم المدن السودانية ويهمنا في التجربة ان الجماهير في المدن المختلفة ابتدعت الهيئات التنسيقية لا الاجسام التنظيمية ومن بين خطوات التحضير والتنفيذ جاءت القيادات التي نسفت اعمال الاضرابات والتظاهرات ذات الهدف الواحد: اسقاط المشروع الامريكي. وعرفت تجربة العمل الجماهيري هيئات التنسيق من بعد ذلك مع اضرابات سكان المدن خلال الحقبة المايوية وذات هذه الاجسام اقامتها الجماهير من تلقاء نفسها دون رعاية من أي حزب معارض لحكومة مايو في 5891م والتي ايضا كان هدفها واحداً، اسقاط نميري.
ومقاومة الجماهير للمشروع الامريكي في 8591م كادت ان تبلغ مرادها، حيث انعزلت حكومة المعسكر الموالي للاستعمار الحديث بقيادة حزب الامة في مطلع نوفمبر 8591م، وبدأ اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية يقوى (من دون جسم تنظيمي وبلا ديباجة أو هيكلة!!) فلم تحتمل قوى اليمين الهزيمة التي احاطت بها، وضربها اليأس فاستبدلت الصراع السلمي بالعنف والانقلاب العسكري بتسليم قيادات حزب الامة السلطة السياسية لقيادة الجيش.
وأبان التقرير السياسي للمؤتمر الرابع لحزب الشيوعيين السودانيين (7691): ان النظام العسكري في 8591م دعم مواقع اليمين في البلاد، في اجهزة الدولة. والمصالح الطبقية للفئات اليمينية بقيادة حزب الامة بقيت ولم تمس في مراكزها بل على العكس نصب الحكم العسكري نفسه حاميا لها. وقويت مراكز اليمين بين قطاعات الصناعة والدفع الرأسمالي. ونتيجة للارهاب الشامل الذي وجه نحو قوى التقدم نمت مراكز يمينية جديدة بين حركة الجماهير وخاصة الطلاب. وفي كل هذه المواقع كانت تعمل عناصر من اليمين تحت حماية الحكومة بينما الحركة الثورية تدفع بطاقاتها حماية لبقائها. وهذا الوضع هيأ ظروفا افضل لقوى اليمين لتعيد تنظيم نفسها سريعا (وهو ذات ما حدث خلال حقبة مايو 9691 ـ 5891 وهو الذي ساعد حزب الحركة الاسلامية ـ الطليعة ـ في احراز مواقع متقدمة في الانتخابات عقب الانتفاضة).
والساحة السياسية السودانية والى ما قبل انقلاب 8591م كانت تتكون من الأحزاب السياسية الوطنية، والفئات الاجتماعية بتنظيماتها الشعبية وادوات نشاطها الجماهيري والتجمعات القومية وبالذات في جنوب الوطن. اما الجيش فقد دخل الساحة السياسية لاول مرة منذ ثورة 4291م مع انقلاب نوفمبر 8591م. ووجد الجيش كأحد مكونات الساحة السياسية اهتمام الاحزاب السياسية فشهدنا المحاولات الانقلابية ضد حكومة عبود وحتى تمرد اقسام من الجيش خلال ثورة اكتوبر 4691م ورفضها ان تكون اداة في يد السلطة السياسية الحاكمة. ومعلوم بعد ذلك ما جرى من انقلاب مايو 9691م والانقلابات المضادة له حتى الانتفاضة.. الى آخر. وخلال تلك السنوات لم يتوقف سعي الأحزاب السياسية لتغيير التركيبة الاجتماعية للجيش بهدف تحويله الى اداة حزبية بالتجنيد الحزبي للجنود والضباط.
وفي مقاومة الحكم العسكري الأول 8591م ـ 4691م ساهمت كل مكونات الساحة السياسية، ونذكر انه مع قيام الانقلاب وجد معارضة الحزب الشيوعي وحده وباركته الاحزاب السياسية الاخرى حتى 9591م عندما تكونت (جبهة احزاب المعارضة) في كافة الاحزاب. ويهمنا في التعلم من التجربة ان العمل المعارض للحزب الشيوعي مع مكونات الساحة السياسية ظل متقدا قبل قيام جبهة احزاب المعارضة. وتوصل الحزب الشيوعي في 1691م لوسيلة الاضراب السياسي العام كأداة لاسقاط النظام وطرحها داخل جبهة احزاب المعارضة لمرتين ورفضت مما دفعه للخروج من جبهة احزاب المعارضة 3691م ورأى التوجه المباشر نحو مكونات الساحة السياسية والتي من بينها قواعد جبهة احزاب المعارضة على أساس ان التحضير للاضراب السياسي وتنفيذه ونجاحه رهين بالقوى التي تنفذ الاضراب لا قيادات جبهة احزاب المعارضة. وهذا ما حدث فعلا، ونتعلم ان قوة المعارضة تكمن في استجابة مكونات الساحة السياسية لبرنامجها الواضح وليس في اقامة جبهة لقيادات الأحزاب المعارضة.
وانسحاب الحزب الشيوعي من جبهة احزاب المعارضة ليس كما يشيع اعداؤه انه بسبب المهادنة استجابة لنصح السوفيت ولكن لان الحزب استهدف سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية فالحزب لم يركب موجة الثورة بل قاد مع الجماهير التحضير للثورة حتى النصر بدلالة تكوين حكومة اكتوبر ومن كل مكونات الساحة السياسية وكانت قيادات جبهة احزاب المعارضة اضعف الحلقات وان تكون الفئات الاجتماعية العمال والمزارعون والمثقفون الثوريون وخاصة المهنيين هو الذي نظم واعلن وقاد الاضراب السياسي العام ودعمته اقسام من الجيش وجاء دور جبهة احزاب المعارضة مع المفاوضات لتكوين الحكومة. وتكرر السيناريو مع نهاية الحكم العسكري الثاني 5891م مع الفارق في موقف قيادة الحزب الشيوعي فهي في 4691م قادت عمليات التحضير للاضراب السياسي وساهمت في تكوين جبهة الهيئات اما في 5891م فكانت ضد الاضراب السياسي العام واعتبرت التجمع النقابي تنظيما امنيا.
وتجربة جبهة احزاب المعارضة في الحكم العسكري الاول والثاني اكدت تخلفها عن الاحداث وابتعادها عن العمل اليومي الصبور والدؤوب ولذلك ظلت خلف حركة الجماهير ومع ذلك تنظم صفوفها وتنقض على السلطة السياسية وتنقلب على مكاسب الجماهير كما حدث بعد 4691م و5891م. واثبتت التجربة ان قوى اليمين في الحكم او المعارضة لم ولن تبدل اهدافها ولكن تغير اساليبها ووسائل خداعها واكثر ما تخشاه النشاط المستقل لمكونات الساحة السياسية ولذلك فهي تعمل على:
? عزل القوى الثورية عن مراكز النضال الجماهيري بقوة القانون او تحويل قيادات ثورية نحو اليمين.
? الهيمنة على النقابات والاتحادات والتنظيمات الشعبية وحتى جمعيات ربات البيوت.
? تحريم او عرقلة نشاط المنظمات الديمقراطية وادوات عملها الجماهيري.
? استعمال العنف المادي والمعنوي.. الى آخر.
الاضراب السياسي كان الاداة الرئيسية لانتصار ثورة اكتوبر في ازالة الحكم العسكري وان تلك الفعالية جاءت نتيجة لشموله لمراكز الانتاج الاساسية بين القطاع الحديث وكما يتعلم الثوريون من تجاربهم فان قوى اليمين وطليعتها الرأسمالية الجديدة مثلما تتعلم ايضا الرأسمالية الدولية التي تخلت عن مناهجها القديمة بجعل بعض من قيادات احزاب سياسية وطنية تحت خدمة مصالحها وجددت مناهجها باختراق الفئات الاجتماعية التي تتكون منها الاحزاب كافة ولذلك جاء دعمها ومساندتها وتمويلها للجمعيات والمنظمات التي تقيمها تلك الفئات.
والحكومات العسكرية والانظمة الشمولية تنبهت لمكونات الساحة السياسية ولذلك فانها في كل مرة تحتاج لاستقرار حكمها تتجه نحو الفئات الاجتماعية، بالاصلاحات اليمينية او القمع (العصا والجزرة) وتلك الحكومات لم تكن تقنع بحل الاحزاب السياسية وتحريم نشاطها او اضعافها لعلمها يقينا ان الاحزاب السياسية هي جزء وليس كل الساحة السياسية بل ان جماهير العاملين هي التي ظلت تتحمل اعباء الهجوم والقمع لاربعين سنة ويزيد ولا تطالب قيادات احزاب جبهة المعارضة برد حقوقها ولكنها تتمسك برد حقوق الاحزاب السياسية وتعويضها عدا نقدا وهدف الهجوم سواء من جهة الحكومة او المعارضة اليمينية هو اضعاف تلك القوى وابطال قدراتها الثورية وقتل روح النضال وقسمة صفوفها وهذا ييسر المساومات.
وقيادات جبهة احزاب المعارضة وهي تعمل لاقامة (مركز واحد) و(تنظيم مركزي) في الحقبة الراهنة فانها تهمل عمدا مكونات الساحة السياسية ومتغيراتها ومن ذلك الجماهير في القطاع التقليدي التي عبرت عن تطلعاتها بالخروج من مؤسساتها القديمة منذ 4691م، واتجهت نحو النشاط المستقل وعلمت ابناءها واقامت تنظيماتها ومنها من وقع اتفاقيات مع الحكومة دون قيادات جبهة احزاب المعارضة. وتوجد بالسودان اليوم ست وعشرون حكومة، ولا حكومة واحدة، بدساتيرها وهذا من المتغيرات.
------

ثعبان الكوبرا يلتف حول مركز الخرطوم لحقوق الإنسان (1-3)

ثعبان الكوبرا يلتف حول مركز الخرطوم لحقوق الإنسان (1-3)
البشرى الصايم مصطفى
الفساد سرطان كل المجتمعات وكافة الدول.. والسودان يعد من بين أكثر الدول فساداً في العالم وفق تقرير الشفافية الدولية فهو الخامس عالمياً والثالث افريقيا



والأول عربياً.. والبلاد تمر هذه الأيام بحالة من الفساد المدمر للاقتصاد الوطني بحصول حفنة من الطفيليين على تسهيلات بنكية صدقت مقابل ضمانات لا تغطي قيمة المبالغ التي استولى عليها الفاسدون وبشروط تم فيها تجاوز الضوابط والقوانين من قبل الخونة والمرتشين من كبار الموظفين فأدخلوا البنوك مراحل العجز والافلاس وهربوا بأموالهم لخارج البلاد.
مفوضية محاربة الفساد بجنوب السودان اتخذت من ثعبان الكوبرا شعاراً لمحاربة الفساد فصار مواطنو جنوب السودان يطلقون على الفساد (ثعبان الكوبرا) حيث يتحدثون عن قضايا الفساد واصبح صفة تطلق على الفاسد كصفة التمساح عند أهل الشمال.
منطلقات متعددة أوجبت علي المداخلة بالقدر الذي أتملكه من معرفة متواضعة بالموضوع وفي مقدمتها ما أصاب الشيوعية التي يظنها الكثيرون من قوى اليسار بهجوم شنه عليها بعض أصحاب الأغراض الدنيئة من كتاب الأعمدة اليمينيين وباستغلالهم لاتهامات وممارسات فساد قام بها بعض من أدعياء اليسار والشيوعية بهدف الاساءة اليها وتشويه سيرتها النقية.. والشيوعية أعلى مراحل الحرية وليس حراً من كان منافقاً أو اذا اؤتمن خان، والشيوعيون الحقيقيون هم اصحاب الشعارات الثورية والنضال والنزاهة وتاريخهم شفاف وناصع النقاء ويتحدثون بجاهر الصوت عن الشفافية ويسلغون بألسنتهم سنان تهم الفساد والمفسدين من اليمين واليسار ويرمونهم بالحجارة لأن بيوتهم من طين ولا يخشون فقدان الأصدقاء والرفاق أمام قولة الحق ولا يترددون من ازالة ما يعلق بأجسادهم من دمامل وقراد ولا فرق عندهم بين فساد اليمين واليسار وما انتخاب الانقياء من الشيوعيين الحقيقيين الرفاق حسن عبد الحميد وأبو قصيصة من قبل الجمعية العمومية للمنظمة السودانية لمناهضة التعذيب بلندن لأكثر من دورة إلا دليل على فرز الأكوام وثقة السودانيين في الأنقياء من الشيوعيين.
قوى اليسار مبادئها تضعها في مواجهة مع الفساد وفضح المفسدين لكن طوائف منهم ترى تناول قضايا الفساد المالي والأخلاقي داخل تنظيماتهم بصورة معلنة فيه اضرار بالمنظمات لحداثة تاريخها وتربص الشامتين ويفضلون أمر المعالجة داخلياً وخلافنا معهم ان الأمر شأناً عاماً والأموال أموالاً عامة والفساد يمس الشعب ويضر به.
ومثلما باليمين من فساد ومفسدين ايضاً باليسار فساد ومفسدين واليسار مدارس مختلفة وفئات مختلفة ومصالح مختلفة وأخطر وأقذر اشكال الفساد المتدثر بثوب النقاء والشفافية والنضال وادعاء الثورية وحقوق الانسان وهو توأم للفساد المتدثر بثوب الدين وقيم وشعارات الاسلام وهما وجهان لعملة واحدة.
لكي التزم بالموضوعية في التناول لابد أولاً من تثبيت الوقائع ومصادرها التي استقيناها من بيان الدكتور صلاح بندر المنشور بجريدة (الأحداث) ومداخلاته بالشبكة العنكبوتية وما قدمه مركز الخرطوم من أوراق وتوضيحات في مؤتمره الصحفي الأخير رداً على البيان ومداخلات اخرى.
الأموال المرسلة لمركزي الأمل والخرطوم بلغت 504.555 جنيه استرليني وتعادل ما يقارب المليون وربع دولار للفترة من ابريل 2005 – مارس 2007م ومتفق عليها من الشركاء الثلاثة، أما الخلاف والاختلاف فيدور حول الفساد المتمثل في تبديد الأموال وسوء استخدامها وادارتها وطرق تقسيمها ولمن وجهت وأولويات مناطق الحوجة والجانب الاداري تمثل في رفض العمل والتعاون وارسال التقارير للممول والشريك الأكبر.
والاتهام المتبادل هو تجفيف الموارد وتعطيل الأعمال بالخرطوم ودارفور والفصل التعسفي والضغط والابتزاز واتهام المنسق السابق بالفساد والعمالة وسوء الادارة.
وهنا يخطر السؤال من هو المجفف الحقيقي من صرف على دارفور 3% من جملة مليون وربع دولار امريكي خلال عامين، أم من أعاب واستنكر لما قدم واستفسر ثم أوقف. وما الفرق بين نظام الانقاذ الحاكم ومعارضي انتهاكاته من المدافعين عن حقوق الانسان، يتفقان في الظلم والحرمان وعدم العدالة في قسمة الموارد لمستحقيها من شعوب دارفور وللأخت تراجي مصطفى وأبناء دارفور ألف قضية وألف حق.. وان كان لنا ان نفاضل فيما بين الشرور فسارق المال العام أشرف من سارق أموال ضحايا التعذيب.
الاتهام الموجه لمركزي الأمل والخرطوم صار قوياً لفشل الموظفين والنشطاء حقوقياً في تفنيده بالأرقام مثلما وجه لبرامجهم الستة ومسؤوليها ويصب في وجهه تهمة دخول الأموال للجيوب أو على ذمة العاملين عليها والمؤلفة قلوبهم من المناصرين ونطلب من كل صديق أو معجب أو مدافع أو مؤازر ان يحتفظ برأيه لنفسه حول من وجهت اليهم الاتهامات وعلى من اتهم ضحد الاتهام ولا نأخذه بجريرة غيره.
الفساد أو (الثعبان الكوبرا) في جنوب السودان كما ذكر السيد جيمس واني رئيس المجلس التشريعي تحميه القبيلة دفاعاً عن ابنها الفاسد والفساد في منظمات المجتمع المدني تحميه قبائل من أصحاب المصالح والاصدقاء بالمناصرات والمؤازرة ويحميه ايضاً التنظيم السياسي بالصمت عليه تمثلاً بقول المثل الشعبي (أضان الحامل طرشاء).
ارسال أو طلب المدير المالي للمركزين مشاعر عمر الى لندن مخالف للمؤسسية ولوائح ونظم الجمعية العمومية وتبديد لأموال ضحايا التعذيب للآتي:
1/ مشاعر عمر تشغل وظيفة مدير مالي (موظفة بأجر وليست ناشطة) ومسؤولة مالياً أمام المدير المالي للمنظمة السودانية وادارياً لدى المنسق العام والمنسق العام مسؤول لدى مجلس الأمناء ومجلس الأمناء بالتضامن مسؤول أمام الجمعية العمومية عن خطاب ميزانيته.
2/ خطاب وتقرير المالية للدورة المنتهية يقدمه للجمعية العمومية الرئيس أو من يفوضه المجلس وعدم مناقشة التقرير المالي أمام الجمعية العمومية هو سقوطه ومتابعته ومراجعته والمساءلة حوله تنقل الى مجلس الأمناء المنتخب.
3/ رفض دخول مشاعر عمر لتقديم التقرير المالي أمام الجمعية العمومية هو المؤسسية بعينها والجمعيات العمومية تنعقد حصرياً بأعضائها المسددين لاشتراكاتهم والقرار بشأنها هو احتراماً للجمعية ولوائح المنظمة.
4/ نظام الحسابات بمركزي الأمل والخرطوم فيه خرق لاسس ولوائح الحسابات فنجد الموظفة مشاعر عمر تشغل ست وظائف تتعارض وتتداخل مسؤولياتها فهي المدير المالي- رئيس الحسابات- المحاسب- الصراف- المراجع الداخلي- ضابط المشتريات بالرغم من صدور توجيه من المدير التنفيذي (السابق) للمنظمة عثمان حميدة بتكوين لجنة للمناقصات وتعاونها موظفة مؤقتة لادارة أموال تفوق مليارين ونصف من الجنيهات حينها ولمرات عديدة تتحول الموظفة مشاعر الى ناشطة تتولى مسؤولية المنسق لأحد البرامج بمكافآت مالية.. فأين المؤسسية والشفافية من هذا إن لم تكن أبواب ومداخل الفساد مشرعة؟.
الاجتماع العام للشركاء الثلاثة بالقاهرة هو اجتماع تنسيقي لموظفي المنظمات ولا اختصاص له في مناقشة التقارير المالية وايقاف الموظفين مما يعتبر تعدٍ على سلطات وحق الجمعيات العمومية للشركاء والخلاف الذي تفجر بالقاهرة تعود أسبابه لتبعية مركزي الأمل والخرطوم للمنظمة السودانية لمناهضة التعذيب ورفض المنسق السابق تبعية مركز الأمل.. اجتماع القاهرة اتخذ قراراً بالاجماع عزل فيه المنسق السابق لسوء الادارة والفساد والعمالة وكون لجنة للتحقيق واختار منسقاً آخر في ابريل 2007م ثم فصل المنسق السابق من قبل مجلس الأمناء السابق في اكتوبر 2007م بخطاب يعكس الضعف في الاجراء بفصله لموظف ان جاز اليه فصله دون ان يسلم عهدته من حسابات صرف عن مشروعات تحت مسؤوليته دون تسميتها أو تسمية مانحيها وشروط منحها ثم يطلب منه إعادة الأموال للمانحين وهو ليست لديه هذه المسؤولية بعد الفصل.
في يناير 2008م انعقدت الجمعية العمومية للمنظمة ولم يتضح لنا من بين قراراتها شيء حول الفساد والعمالة أو تأييد بقرار مجلس أمناء الدورة السابقة حول فصل المنسق السابق وفشل ايضاً مركز الخرطوم في تقديم مستندات تؤكد الفساد وتفضح العمالة للمنسق السابق مما قدم من أوراق في مؤتمر صحفي ولا عبر الصحف أو الشبكة العنكبوتية.
جاء في رد مركز الخرطوم على مقال د. صلاح البندر حول الممتلكات (بدورنا نؤكد انه لم يتصل بنا أي محامٍ بمركز الخرطوم لهذا الغرض).. بينما نجد في خطاب المنظمة السودانية بتاريخ 6/8/2008م المعنون للاستاذ أمير محمد سليمان المنسق الأخير للمركزين في فقرته الخامسة (رفض التعاون مع المحامي ساطع الحاج بخصوص جرد ممتلكات المنظمة) وذكروا أيضاً (ليس للمنظمة السودانية لمناهضة التعذيب أي ممتلكات بحوزة أو طرف مركز الخرطوم). ولمركز الأمل ممتلكات قبل الشراكة وبعدها والمنظمة السودانية هي اكبر الشركاء الثلاثة والممول الرئيسي للمشروعات ومعينات العمل من ممتلكات وأدوات مستهلكة ودافع الايجار حسب ما ورد في حديث علي العجب لجريدة (الأحداث).. وقد تم بهم اتصال آخر من الأستاذ بشرى عبد الكريم المحامي حول نفس الأمر.
رفض العاملان (ا ت) بمركزي الخرطوم والأمل بالخرطوم ودارفور العمل والتعاون مع مجلس الأمناء لرأي في المنسق السابق اخلال بالشراكة وعقودات العمل.. ومن أين للمواطن الحق بالتدخل في السياسة الادارية لمجلس الأمناء وان كان لهم رأي فطرق الاحتجاج المجربة اتخاذ الموقف بالاضراب المسبب أو الاستقالات الجماعية المسببة ومحاسبة المنسق السابق مسؤولية واختصاص الجمعية العمومية لمركز الأمل وعلى العاملين (ا ت) اعضاء الجمعية العمومية لمركز الأمل القيام بهذا الواجب.
بيان مركز الخرطوم جاء فيه أن د. صلاح البندر والمنسق السابق “ابتدرا حملة تصفية واسعة لمركزي الأمل بفصل عدد كبير من العاملين (ا ت) فيما يتعلق بمشاريع الشراكة”.
أولاً: لا د. صلاح البندر ولا المنسق السابق ولا المنظمة السودانية الحق في فصل أو تعيين اي من العاملين (ا ت) بمركزي الامل والخرطوم والعلاقة شراكة وليست استخدام.
ثانياً: ما تم انتهاء للعقودات التي تجدد سنوياً فيما بين المنظمة السودانية والعاملين (ا ت) بمركزي الأمل والخرطوم بالانفراد حسب الرغبة.
ثالثاً: انهاء العقودات بين العاملين (أ ت) والمنظمة جاء لاسباب ستة وردت بخطابات الفصل حسب كل حالة وهي (1/ رفض تنفيذ قرارات مجلس الأمناء 2/ رفض ارسال التقارير الشهرية 3/ التشكيك في الذمة المالية للمنظمة حول المرتبات 4/ احالة الاحتجاجات للمانحين 5/ رفض التعاون مع المحامي ساطع الحاج بخصوص جرد الممتلكات 7/ رفض ملء الاستبيان حول الرغبة في الاستمرار في العمل ام التوقف).
رابعاً: بارتكاب أي مخالفة من المخالفات الستة اعلاه يكون الموظف هو من قام بفصل نفسه بنفسه.
خامساً: قامت المنظمة السودانية بارسال رسالة حول الرغبة في الاستمرار بالعمل وفق الشراكة وتحت ادارة المنسق السابق لمن يرغب قوبلت بالرفض ووصفت بأنها ابتزاز صريح.
سادساً: لم يشهد تاريخ الخدمة المدنية أن رفض موظف التعاون في العمل واستلام المرتب من المخدم.
ورد في بيان مركز الخرطوم “هدف د. صلاح بندر تنفيذ مخطط لخدمة جهة معلومة للجميع هدفها تدمير منظمات المجتمع المدني” ما المصلحة في عدم كشف الجهة المعلومة والتستر عليها وهل السؤال عن اوجه الصرف والمحاسبة والتمرد برفض العمل والتعاون من أهداف تنفيذ مخطط تدمير منظمات المجتمع المدني.
ونواصل

دراسة حالة: تقييم تجربة البديل

دراسة حالة: تقييم تجربة البديل

إعداد: أنور حمام

























مقدمة
يشهد النظام السياسي الفلسطيني تحولات جديدة غير مستقرة، وخصوصا تلك الناجمة عن دخول الإسلام السياسي فيه كمكون أساسي تمثله حركة "حماس"، مقابل التيار التقليدي "الوطني" الذي تمثله حركة "فتح"، الأمر الذي أنتج حالة استقطاب وثنائية في الفكر والممارسة داخل الصف الفلسطيني.
وقد دفع هذا الاستقطاب قوى فلسطينية تضررت منه، للبحث في إمكانية خلق "التيار الثالث"، وفي هذا الإطار، ستركز هذه الورقة البحثية والبحث الضوء على تجربة قائمة "البديل" الانتخابية (تحالف بين حزب الشعب والجبهة الديمقراطية وحزب "فدا" ومستقلين) كحالة دراسية، من حيث سياق نشأة هذا التحالف، وظروف تكوينه، وارتباطه بازمة "اليسار"، ومشروع السلطة والتسوية، إضافة إلى برنامج التحالف، ومكوناته، والبحث بمدى استمراريته، وهل استطاع تجاوز كونه محاولة تحالفية - مصلحية في سياق البحث عن مقاعد في المجلس التشريعي باتجاه بناء "التيار الثالث".

أزمة اليسار الفلسطيني
عانى اليسار الفلسطيني والعربي منذ نشأته أزمة في فهم الماركسية كأداة تحليل، نتج عنها تقديس للنصوص وعدم مراعاة خصوصيات المجتمع العربي وملابساته المختلفة، كما غاب عن الفكر الماركسي العربي – إن صح التعبير- ربط عملي ما بين الصراع الطبقي والصراع ضد الاستعمار، رغم وجود محاولات نظرية لإحداث هذا الربط، مما أنتج أزمة "بين الفكر والممارسة العملية" .
وقد دخل اليسار – بما في ذلك اليسار الفلسطيني- أزمة كبرى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الأمر الذي عده كثيرون "انهياراً للمرجعية على المستوى الكوني" ، وزاد من عمق الأزمة حرب الخليج الثانية وما نتج عنها من ميلاد "للنظام العالمي الجديد" والتغلغل الأمريكي في المنطقة، وانتشار لمقولة التفاوض - والتوافق على حساب الصراع، وأخيرا جاء "اتفاق اوسلو" 1993 ليشكل ضربة قاسية أخرى، فهذا الاتفاق الذي ارتبط "بأوهام خطرة وخيال جامح وعالمية زائفة" عمق من أزمة اليسار بكافة تنظيماته واحزابه، وجعله عاجزا عن تقديم الأجوبة على الأسئلة التي يطرحها الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأدخله بجملة من المآزق والأزمات المتوالية تنظيمياً ومالياً وفكرياً وبنيوياً، وما نتج عنها من حالات" تفكك وترهل وتحلل داخلي"، "والانقسامات والتشظيات المعلن عنها والمستتره" .
ومن تجليات هذه الأزمة، قرار الحزب الشيوعي الفلسطيني الخروج من "فخ" الاسم (الشيوعي) باستبداله ليصبح "حزب الشعب"، مع استمراره الحزب ذاته من حيث البناء الهيكلي، أضف إلى ذلك انسحاب بعض المتنفذين من مؤسسات أسسها الحزب أصلا، استخدمت في البداية كمراكز نفوذ داخله ثم كأرضية لهذه "الانسحابات".
من جهتها، انشقت مجموعة من كوادر الجبهة الديمقراطية لتشكل حزب " فدا"، أما الجبهة الشعبية فقد عانت هي الأخرى مجموعة انسحابات لا يستهان بها، خاصة لكوادرها الوسطية التي تربط القيادة السياسية بالقواعد الجماهيرية. وقد كان جزء من هذه الانسحابات باتجاه مؤسسات ارتبطت بالتمويل خارجي وبالتسوية السياسية تحت سقف "أوسلو".
ما سبق، عمق من أزمة اليسار لتكون النتيجة اختزاله عمليا في نخب من "البرجوازية الصغيرة"، بعيدة عن الجماهير، وبدا هذا اليسار "المبعثر" كفصائل مختلفة، بل ومتعارضة أحيانا، وزاد من هذه الأزمة عدم قدرة اليسار وأحزابه من التعاطي مع التطورات السياسية بعد "أوسلو" وبالتالي العجز عن تقديم البدائل حيث لم تفلح فصائل اليسار في أخذ زمام المبادرة، وطرح بدائل مقبولة في إطار استراتيجية واضحة وواحدة وفعالة .

التسوية والسلطة وتعميق الأزمة
وقفت قوى اليسار من مسألة اتفاقية "أوسلو" والسلطة الفلسطينية الناشئة عنها بين مؤيد ومعارض، وقد نتج عن ذلك موافقة البعض على المشاركة في مؤسسات السلطة الفلسطينية فيما رفض البعض الأخر لذلك، أو وضع ضوابط على مشاركته.
فمثلا، في الانتخابات العامة الأولى 1996، رفضت الجبهتان الشعبية والديمقراطية المشاركة من منطلق رفض التسوية السياسية الجارية، ولكنهما أبقتا على التزامهما "بمنظمة التحرير وكمعارضة من داخلها" في حين قرر حزب الشعب و"فدا" خوض الانتخابات.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة، كان موقف اليسار مشتتا في مواقفها اتجاهها، ففي حين رفضت الجبهتان الشعبية والديمقراطية أي مشاركة على المستوى الوزاري أو الأمني، مع السماح لأفرادها بالانخراط بوظائف "غير سياسية"، شارك حزب الشعب و"فدا" وجبهة النضال الشعبي، عبر وزراء لهم في عدة حكومات ترأستها حركة "فتح".
على كل حال، فقد مثلت عودة الأمين العام السابق للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى (اغتالته إسرائيل عام 2001) للأراضي الفلسطينية عام 1999، ومصافحة أمين عام الجبهة الديمقراطية نايف حواتمه للرئيس الإسرائيلي عام 1999 في جنازة الملك حسين ملك الأردن السابق، علامات واضحة على تحول في النظر للسلطة رغم عدم المشاركة فيها، إلى حد جعل البعض أيعتقد ن الجميع قد أصبح مشاركا في "التسوية ولكن ليس بالضرورة مشاركا بالسلطة" ، ومقرا عمليا بوجود "أوسلو" دون الاعتراف الرسمي به.

استقطاب ثنائي
منذ "أوسلو" والمجتمع الفلسطيني يعيش استقطابا وصراعا حادا بين حركتي "فتح" و"حماس"، يمكن ملاحظته من خلال العبارات متعارضة على شاكلة: "نهج التسوية - نهج المقاومة" و"السلطة – المعارضة" و"الإسلامي – العلماني" و"الفساد – الإصلاح" و"الاستسلام- الممانعة" و"العقلاني والمتنور- الغيبي والظلامي" و"الأجندة الخارجية-الأجندة الوطنية" و"التمسك بالثوابت-والتنازل عنها" و"رايات صفراء – رايات خضراء".
وقد حاولت كل من "فتح" و"حماس"، إثبات أنها الممثل الأكبر للمجتمع، عبر انتخابات مجالس الطلبة والنقابات والجمعيات والمؤسسات المختلفة. وفي الواقع، فقد ساهم هذا الاستقطاب الثنائي على نحو سلبي على خلق أجواء من الريبة وعدم الثقة وغياب مفاهيم التسامح، وشيوع التحريض والنزعة الاقصائية والطعن في الشرعية.
كما واخذ الانقسام شكل سيطرة كل طرف على عدد من المؤسسات وتوظيفها لخدمته على حساب الطرف الآخر، فحركة "فتح" خلقت جسما بيروقراطيا ضخما عبر تعيينات لا حصر لها لكوادرها في مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية ومؤسسات منظمة التحرير ودوائرها، في حين لعبت وسائل الإعلام الرسمية والصحف دورا بارزا في الترويج لهذا وتعزيز مكانتها كحامي للمشروع الوطني الفلسطيني وللقرار الوطني الفلسطيني المستقل ، من جهتها سيطرت حركة "حماس" على شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة، واستخدمت المساجد لتعبئة الجماهير، فضلا عن مهاجمتها السلطة الفلسطينية واتهامها بالفساد والتنازل عبر صحف وإذاعات محلية ومواقع الكترونية تابعة لها.
وعليه فقد كان من الطبيعي أن تشهد الساحة الفلسطينية تراجعا في التعددية السياسية، وأن تهمش باقي التوجهات والقوى وتجد نفسها على الهامش: فهي لا تشارك في قيادة النظام السياسي الرسمي من جهة، ولا تتصدر المعارضة الذي احتكرته حماس من جهة اخرى.

ضرورة خلق تيار فلسطيني ثالث
محاولات فاشلة: كان الخوف من الاستقطاب داخل النظام السياسي الفلسطيني حاضرا في أوساط الإفراد والتنظيمات من غير "فتح" و"حماس" منذ تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي دفع باتجاه التفكير بإيجاد تيار يجمع هذه القوى.
أولى المحاولات كانت مع "حركة الإصلاح الديمقراطي" والتي كانت محدودة باقتصارها على عدد من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وقد أعقب هذه المحاولة ما عرف بـ " الحركة الشعبية الديمقراطية الفلسطينية"، التي ضمت داخلها الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب و"فدا" والنضال الشعبي ومستقلين، ولكنها لم تنجح في خلق تيار قادر على خوض الانتخابات التشريعية عام 1996، لبروز خلافات بين مكوناتها حول المشاركة في الانتخابات ، ويرى البعض أن قرار عدم المشاركة في الانتخابات من قبل العديد من القوى "قد حرم المجلس التشريعي من معارضة قوية وفعالة" .
بعد ذلك شكلت عودة الأمين العام السابق للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى للوطن، نقلة نوعية في الحديث عن ضرورة خلق تيار ديمقراطي، فعملية بناء تيار من هذا القبيل تحتاج فيما تحتاج "إلى تنظيم-حزب قوي وقائد قوي أيضا"، وبعودته، بدأت جملة من الحوارات بين الأطراف ذاتها، وتم الاتفاق على تشكيل ما عرف بـ" التيار الوطني الديمقراطي"، وتم التغلب على إشكاليات وعقبات تقليدية طالما مثلت حالة انقسامية بشان مواضيع تتعلق بالسلطة والمشاركة فيها، والخروج بتصور حول ما هو المطلوب من السلطة لتقرير المشاركة فيها من عدمها، وقد تم صياغة رؤية سياسية واجتماعية لهذا التيار، والبدء بصياغة أوراقه التنظيمية، ولكن اغتيال أبو على مصطفى، وتصاعد الانتفاضة، وإجتياح الضفة الغربية كل ذلك حال دون استمرار الحوارات .
ومرة أخرى جرت محاولة لتشكيل "التجمع الوطني الديمقراطي"، والذي بدوره فشل وكانت الضربة القاضية له هي انتخابات المجلس التشريعي 2006 لعدم قدرته على بلورة آلية لخوض الانتخابات المحلية والبلدية والرئاسية، وعمليا فان التجمع الديمقراطي لم ينضج لأسباب متعددة منها أن الظروف لم تنضج لكي يتم العمل بشكل جماعي ، ولعدم جدية ترجمة ما يتم الاتفاق عليه لآليات عمل من أجل تحويل التجمع الوطني الديمقراطي من يافطة وبرنامج سياسي إلى قوة على الأرض تخوض الانتخابات، ولغياب الإرادة السياسية عند القوى المختلفة التي يمكن أن تشكل رافعة للتجم ع ، فالصراع ظل صراعاً دائماً على السلطة والنفوذ داخل قوى اليسار، ومحاولة للحفاظ على سلطة هذه الأحزاب "الرمزية" المبنية على تصورات لا تزال ترتبط بالماضي الذي جرى عليه تحولات جوهرية دون أي اعتراف حقيقي بهذه التحولات من قبل قيادة اليسار.
الانتخابات الرئاسية والبلدية كحافز تمهيدي: أكدت التجربة فشل قوى اليسار والمستقلين الفلسطينيين في تشكيل "التيار الثالث" في كل المحطات التي افترضت البحث عن وجود مثل هذا التيار سواء في الانتخابات الرئاسية أو المحلية- البلدية، أو الانتخابات التشريعية لاحقا، رغم العديد من الحوارات المعمقة بين أقطاب هذا اليسار من أجل إيجاد مرشح يمثلهم في الانتخابات الرئاسية.
فعلى سبيل المثال، ترشحت ثلاث شخصيات "ديمقراطية" لمنصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد مرشح "فتح" محمود عباس "أبو مازن" عام 2005، فحزب الشعب رشح أمينه العام بسام الصالحي، والجبهة الديمقراطية رشحت عضو مكتبها السياسي تيسير خالد، فيما ترشح مصطفى البرغوثي أمين عام "المبادرة الوطنية الفلسطينية" ودعمته الجبهة الشعبية ( رغم عدم رضا القواعد التنظيمية عن هذا الدعم، واحتجاجهم بطرق عدة عليه).
وبحسب المراقبين فإن "الفشل" في التوصل لمرشح واحد يعود إلى الأسباب ذاتها المكررة التي حالت دون خلق "التيار الثالث"، وأهمها الفوقية والشخصانية، فكل المفاوضات التي جرت في هذا الإطار ظلت على الدوام محكومة بأجندة خفية تتمحور حول الشخص الأقدر على تمثيل هذا التيار.
بدورها مثلت الانتخابات المحلية – البلدية بمراحلها الأربعة إخفاقا جديدا للقوى اليسارية والديمقراطية في تشكيل تحالف، يمثل "نقطة ارتكاز" لائتلاف أوسع تخاض على أساسه الانتخابات التشريعية، فقد خضعت هذه الانتخابات (المحلية) إلى تجاذبات جهوية وعشائرية إضافة إلى استقطاب حاد بين "فتح" و"حماس".
في هذه الانتخابات كذلك، بقيت قوى اليسار مغيبة على نحو مريع، باستثناء نجاحات قليلة حققها مرشحون "ديمقراطيون" في إطار تحالفات عائلية وعشائرية وحزبية، والملفت للانتباه أن أيا من أحزاب اليسار لم يستطع الاتفاق حتى داخليا على أسم قائمة واحد يعممها على كافة المواقع لتخاض الانتخابات المحلية تحت رايتها، فقد وجد عدد هائل من أسماء القوائم، لدرجة أصبح معها يصعب التميز لمن هذه القائمة ولمن تلك .

الانتخابات التشريعية وتراكم الفشل بإيجاد تيار وطني ديمقراطي: بعد الفشل في الانتخابات الرئاسية والبلدية تعززت فكرة إيجاد قائمة تعبر عن التيار الديمقراطي "كقوة وازنة" بين "فتح" و"حماس"، وكتعبير عن قوى سياسية واجتماعية حقيقية وليست طارئة أو مفتعلة، قادرة على الدفاع عن رؤيتها الاجتماعية والسياسية .
وكالعادة، جرت داخل القوى والأفراد الذين ينتمون إلى هذا "التيار الديمقراطي" حوارات مكثفة، وطرحت مسائل تتعلق بطبيعة التحالف وفيما إذا كان يساري أم ديمقراطي الطابع، كما تم نقاش مسائل السلطة الفلسطينية والموقف من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. وقد أنتجت هذه الحوارات توافقا حول قضايا السياسية والبرامجية، وفي نفس الوقت، لم تستطع جسر الهوة حول قضايا أخرى.
ولكن السبب الرئيسي في عدم الاتفاق يعود في نظر الكثيرين إلى الاختلاف حول ترتيب الأسماء داخل القائمة الانتخابية، وفي محاولة لحل المشكلة، اقترحت الجبهة الديمقراطية إجراء انتخابات تمهيدية يشارك فيها جميع أنصار ومؤيدي القوى الراغبة بالتحالف، ليتم ترتيب القائمة بناء على نتائجها، ولكن العديد من القوى رفضت هذه الآلية ، مما لم يترك سوى خيار "التوافق" الذي اصطدم بدوره بخلافات حادة في تقدير القوى لأوزانها، ومن ذلك الخلافات حول من يرأس القائمة، هل هو الأمين العام للجبهة الشعبية القابع في السجن أحمد سعدات بما يمثله كذلك من حالة رمزية، أم مصطفى البرغوثي وحجم الأصوات العالية نسبيا التي حاز عليها في الانتخابات الرئاسية.

قائمة البديل:
هاجس نسبة الحسم وولادة تحالف "البديل" : كان ثمة استحالة إذن في الوصول إلى اتفاق شامل يضم جميع القوى المرشحة لتكوين "التيار الثالث"، وقد أدى ذلك في النهاية إلى أن يقتصر الائتلاف على ثلاث قوى هي الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب و"فدا" إضافة إلى عدد من الشخصيات المستقلة، أما "جبهة النضال الشعبي" فقد انسحبت بعد إصرار بعض القوى على إعطائها الترتيب السادس في القائمة ، حيث تم وان متأخرا الاتفاق بين هذه الفصائل الثلاثة على طبيعة توزيع المقاعد، خاصة المقاعد الأولى فيها، والتي جاءت كالتالي: المقعدان الأول والرابع للجبهة الديمقراطية، المقعدان الثاني والخامس لحزب الشعب، المقعد الرابع لـ"فدا".
ويشير البعض إلى تركز الحوارات التي سبقت تشكيل "البديل" بالأساس حول ترتيب القائمة، حيث لم يحدث جدل جدي حول البرامج التي تم لتوافق عليها أوتوماتيكيا، وللحقيقة، ما كان لهذا التحالف أن يتم لولا المرونة التي أبداها حزب الشعب و"فدا" في قبولهما ترتيب الأسماء الأولى بالقائمة كما وردت أعلاه.
ورغم توافر رغبة في أن يكون "البديل" نواة حقيقية "للتيار الثالث"، بأن يجلب إليه القوى والأحزاب والكفاءات والمستقلين مستقبلا، تقر الأطراف المشاركة في هذا التحالف باعتباره تكتيكا فرضته ضرورة أنية، فهو "تحالف انتخابي بالأساس" وبالتالي لا يجب المغالاة بالتفاؤل "فقد يحدث اختلاف في أية لحظة وينفرط عقده" .
على كل حال، فقد كان إنشاء "البديل" ضرورة انتخابية فرضتها مجموعة من الأسباب منها: هاجس اجتياز نسبة الحسم (2% من الأصوات)، وتجانس مكونات "البديل" في الرؤية الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى إيصال إشارات ايجابية "للجمهور الديمقراطي" بقدرة هذا التحالف على تجاوز المحاصصات التي وقفت دوما كعقبة أمام أي تشكيل لتيار أو تجمع ديمقراطي فلسطيني حقيقي.
في المقابل، تشير المعطيات إلى أن "البديل" لم ينجح في فتح نقاش حقيقي يستميل عبره قطاعات مجتمعية مختلفة، كإسلاميين متنورين أو "فتحاويين" ساخطين على الوضع الذي آلت إليه الأمور في حركتهم والسلطة الفلسطينية، والذين قرروا عدم دعم قائمة حركة "فتح" التي رؤوا في تركيبتها خللا كثيرا سواء من حيث الشكل أو المضمون أو الآلية التي تم على أساسها اختيار المرشحين.
ومن المشاكل التي لم يتم تذليلها من قبل أطراف "البديل" مسألة مرشحي الدوائر، حيث لم يتم تقديم مرشحين باسم قائمة "البديل" على مستوى الدوائر، بل فضلت القوى المكونة للقائمة التوجه لانتخابات الدوائر منفردة، عدا عدد محدود من الاتفاقات التي تمت في بعض دوائر قطاع غزة . بدورها، لم تشهد دوائر الضفة الغربية وجود أي مرشح عن قائمة "البديل"، بل على العكس خاض أطرافه انتخابات الدوائر كمستقلين بعيدا عن أي تنسيق، ولم تفلح كل محاولات إتباع "عملية الإخلاء" بمعنى انسحاب كافة مرشحي أطراف تحالف البديل على مستوى الدائرة لصالح مرشح واحد يتم دعمه من الجميع.
برنامج القائمة: لم يكن ثمة عناء في الوصول إلى برنامج لقائمة "البديل"، فأطراف هذه القائمة الانتخابية- كما أسلفنا- متقاربون في رؤيتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما أدى التوصل إلى قواسم مشتركة دون أية تعقيدات :
• سياسيا: يمكن القول أن الأرضية السياسية للأحزاب الثلاث تكاد تكون مشتركة، عدا بعض الاختلافات التي لها علاقة بالنظر لاتفاق "أوسلو"، والذي لم يعد يشكل نقطة اختلاف تحول دون التوصل إلى اتفاق، وبالتالي وسواء تم الاعتراف به أم لا، فالتركيز ضمن هذا التحالف شيد على قاعدة أن الانتخابات التشريعية الثانية ُتقام على أساس توافق فسطيني وبأجندة فلسطينية.
• اجتماعيا واقتصاديا: شكل الدفاع عن حقوق الفئات المحرومة والمهمشة نقطة مركزية في نقاط البرنامج الاجتماعية، بتأكيده على ضرورة إنشاء "صندوق وطني للتكافل الاجتماعي" و"نظام شامل للتأمينات الاجتماعية" وسن تشريعات لحماية حقوق العمل النقابي، ورعاية أسر الشهداء والأسرى وذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان حقوق الشباب، وتأمين المساواة الكاملة للمرأة، وتطوير قطاعات التعليم والخدمات الصحية والبلدية والاجتماعية والمناطق المهمشة. كما شدد "لبديل" على أهمية وجود إصلاحات حقيقة في الموازنة العامة لمعالجة قضايا الفقر والبطالة وإعادة بناء البنى التحتية، ووضع حد لهدر المال العام، وتطوير قطاع الزراعة، وحماية الإنتاج الوطني، ومكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وللمحسوبية والرشوة والمحاباة وضمان تكافؤ الفرص.
وأيدلوجيا تم التنويه إلى أن المطلوب هو "اقتصاد مختلط يجمع بين القطاع الخاص والحكومة، مع التشديد على منع الاحتكارات".
• شكل الحكم: ركز البرنامج على تأسيس نظام ديمقراطي برلماني تعددي يحمي الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، إضافة إلى العمل على تطوير القانون الأساسي والنظام الانتخابي، وتأمين التداول السلمي للسلطة واستقلال القضاء وتطوير قدراته، وإقامة حكومة ائتلاف وطني.
والملفت أن برنامج "البديل"، ابتعد وبشكل مقصود عن الإعلان عن هويته اليسارية العلمانية، وتجنب مقولات كـ "الاشتراكية" و"العلمانية" و"الصراع الطبقي"، وهو ما يمكن رده إلى الخوف من التعرض للنقد والتحريض من قبل الخصوم السياسيين، خاصة وأن مصطلحات "كالعلمانية" و"الاشتراكية" بات لحد ما مرادفة للكفر والإلحاد في نظر الكثير من الفلسطينيين.

البديل وتمثيل التيار الثالث: ظلت قائمة "البديل" ترى بنفسها على الدوام تحالفا مصغرا ولكن فعليا لبعض مكونات "التيار الثالث" المأمول، كونها تمثل ثلاث قوى رئيسية، قد تتمكن من تشكيل أرضية لائتلاف أوسع للقوى الديمقراطية الأخرى داخل المجلس التشريعي، وبالتالي خلق حالة من التوازن، ووضع حد لنهج التفرد والهيمنة، إضافة إلى تقليل مخاطر الاستقطاب الثنائي الذي يقود إلى التناحر والشلل ويلحق أفدح الأضرار بمصالح الشعب وقضيته الوطنية.




نتائج الانتخابات التشريعية
ما وراء الأرقام: جاءت نتائج الانتخابات ثقيلة على كافة الأحزاب والقوائم المرشحة لتكوين "التيار الثالث"، والتي لم تستطع أن تحصل إلا على تسع مقاعد (الجبهة الشعبية ثلاثة مقاعد، البديل مقعدين، فلسطين المستقلة مقعدين، الطريق الثالث مقعدين)، وهي نتائج تقل كثيرا عن حجم التوقعات سبقت الانتخابات، فشكل النتائج وسيطرت حماس المطلقة على المجلس التشريعي، أحبطت الحلم الذي لطالما راود هذه القوى بلعب "بيضة القبان" بين القوتين الكبيرتين، فما حصل عمليا أن الانتخابات التشريعية استبدلت تفرد "فتح" بتفرد "حماس" .
ومن حيث الأعداد فقد حصل تحالف البديل على مقعدين (وبالتالي دخل كل مرشحي الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب إلى المجلس التشريعي، فيما لم تفز مرشحة "فدا")، ولكن بالنسبة للأصوات، فقد حصلت قائمة "البديل" على 28973 صوتا فقط، من أصل 1042424 شخصا شاركوا في التصويت. وقد هنالك أيضا اختلال كبير بين ما أحرزته القائمة في الضفة وما أحرزته في غزة، وتشير بيانات "لجنة الانتخابات المركزية" إلى أن 84% من أصوات قائمة "البديل " جاءت من الضفة الغربية، في حين أن 16% من الأصوات جاءت من قطاع غزة، الأمر الذي قد يعود جزئيا إلى عدم قدرة "مهندسي القائمة" على بلورة تركيبة توزان ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه النتائج كانت دافعا لتقييم جدي لأسباب الفشل، الذي تم إرجاعه إلى :
• الاستقطاب الحاد بين "فتح" و"حماس" الذي ساهم بضعف القائمة، فالمجتمع الذي يعاني من حالة عدم استقرار وعدم انضباط في المعايير، يميل في لحظات الاختيار الحرجة إلى ترجيح كفة الخصم القوي للسلطة القائمة، وليس الخصم الضعيف.
• التوقعات وطريقة تكوينها وتناقضها: ففي الوقت الذي كانت تصطدم فيه بتخوفات حقيقية من الاستقطاب الدائر بين"فتح" و"حماس"، وتشتت قوى اليسار وتبعثرها، إضافة إلى ما تظهره استطلاعات الرأي من حصول "البديل" على 2% من الأصوات فقط، وفي أكثر تقدير 4% أو 5% من الأصوات، وجد كذلك تفاؤل مفرط، سببه استحضار نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعطت لمرشح حزب الشعب (21171) صوتاً، ولمرشح الجبهة الديمقراطية (26848) صوتاً، إلى جانب التقديرات المبالغ بها وغير الدقيقة الواردة من القواعد الميدانية لهذه الأحزاب، والتي أعطت انطباعات ايجابية حول حجم التأييد الفعلي لتحالف "البديل"، إضافة إلى أن تعزيز القائمة بمجموعة لا يستهان بها من المستقلين والنشطاء الاجتماعيين.
• عدم القدرة أطراف "البديل" على حسم مرشحين للدوائر تحت مظلة تحالفهم- كما بينا سابقا-، مما أوقع جمهور التحالف ومؤيديه في ازدواجية بين القائمة وبين مرشح الدائرة. على كل حال، فقد فرغم وجود "البديل" إلا إن أطرافه كان تعمل كفصائل طوال فترة التي سبقت الانتخابات ولم يعملوا ضمن آلية تنسيقة محددة ومضبوطة حتى في فترة الانتخابات.

الاستمرارية الشكلية: شكل إغلاق مكتب "البديل" الذي كان يدير حملته الانتخابية، بعد صدور نتائج الانتخابات، علامة مثيرة للانتباه، بيد أن ذلك لا يعني انتهاء هذا التحالف، إذ أن نوعا من العمل المشترك ما زال حاضرا:
داخل المجلس: لقد بقي اسم القائمة متواجدا في أروقة المجلس التشريعي تحت مسمى "كتلة البديل"، على الرغم من أن شروط تكوين كتلة برلمانية حسب النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني تنص على أن لا يقل عدد أعضاء الكتلة عما نسبة 5% من مجموع عدد أعضاء المجلس. وبالتالي لا يشكل "لبديل" كتلة بالمعنى القانوني، الأمر الذي ينسحب على باقي القوائم الانتخابية التي نجحت في الانتخابات التشريعية باستثناء قائمتي "فتح" و"حماس". ويتم التحايل على التحديد القانوني، بالقول أنها “كتل برلمانية بالمعنى السياسي والمعنوي" .
ويرى مراقبون أن تحركا مشتركا تحت مسمى "البديل" حصل بين نائبيه الفائزين لدى الحديث التصويت على منح الثقة للحكومة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وطرح أفكار بشأنها، أو عند بيان الموقف من إضراب العاملين في الوظيفة العمومية ومساندتهم بمطالبهم، أو رفض حل السلطة، أو الموافقة على انتخابات مبكرة. بيد أنه لم يتم البحث الجدي حول ضرورة توسيع الائتلاف البرلماني ليضم باقي القوائم الفائزة من غير "فتح" و"حماس"، عمليا، لم يتم وضع أسس أو قواعد تحدد آليات التنسيق بين أطراف "البديل" أنفسهم، وكما يرى نائب في المجلس التشريعي من حركة "فتح":"رغم التقارب الذي تلمسه في مواقفهم، إلا أن كل طرف يطرح الموقف الحزبي وليس موقف قائمة البديل" .
عدا اللقاءات التشاورية التي تعقد بين قيادات أطراف "البديل"، لا توجد أي محاولة جادة لمأسسة هذا التحالف، وترجمته إلى تحالفات قطاعية (المرأة، الشباب، اللاجئين، النقابات المهنية.... الخ)، كما لم يتم البحث الجدي في وضع آليات عمل تحكم "البديل" خصوصا خارج أروقة المجلس التشريعي، كتنظيم الاجتماعات الدورية، يضاف إلى ذلك أن أطراف "البديل" لم تخض الانتخابات الطلابية والنقابية اللاحقة للانتخابات التشريعية مجتمعة، بل خضعت لتحالفات أخرى حسب كل موقع وخصوصياته. والملفت للانتباه أن لا بيانات تصدر باسم "البديل"، فكل البيانات الصادرة عن حزب الشعب و"فدا" والديمقراطية لا تتطرق من قريب أو بعيد له. والمفارقة أن لا احد يعرف من هو رئيس كتلة البديل فهذه التسمية يستخدمها كل من النائبين بسام الصالحي (الأمين العام لحزب الشعب) وقيس عبد الكريم (عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية) على حد سواء، مع غياب لاستخدام التسمية من قبل "فدا" الذي لم يفز أي من مرشحيه بالانتخابات التشريعية.

خاتمة واستنتاجات:
رغم أن تجربة "البديل" لم تخلق "التيار الثالث"، إلا أنها تقود إلى جملة من الاستنتاجات الضرورية لأي معالجة مستقبلية لخلق هذا التيار داخل النظام السياسي الفلسطيني:
1- رغم أن مكونات "البديل" متقاربة سياسيا واجتماعيا وفكريا، وهذا التقارب سهل على نحو ما قيام هذا التحالف، إلا انه لم ينجح في إحداث تطورات أخرى، كالاندماج وتشكيل بنية سياسية واحدة، أو وضع أسس واليات للتنسيق بين أطراف البديل حتى في الحدود الدنيا.
2- وبالتالي، لا يمكن النظر إلى تجربة "البديل" أكثر من كونها تحالفا انتخابيا فقط، وعليه، يمكن فهم اقتصاره على الأبعاد الشكلية ومحدودية فرص استمراريته، واستخدام الاسم إعلاميا من حين لآخر.
3- على كل حال، لم ينجح “البديل" في الوصول في نظر الجمهور إلى درجة تمثيل الأغلبية الصامتة، أو المترددين أو أبناء اليسار التقليديين والحائرين والباحثين عن بنية تعيد لليسار والتيار الديمقراطي مكانته ودوره وتأثيره.
4- ومع ذلك، تبقى هناك إمكانية لأن يمتد التحالف داخل المجلس التشريعي، ليضم باقي القوائم المرشحة لتكوين "التيار الثالث".
5- وأخيرا، يبقى تحالف البديل مصدر تفاؤل في إمكانية قيام تحالف أوسع داخل العناصر المرشحة لتكوين "التيار الثالث"، ولكن شرط أساسي لقيام هذا التحالف بأن يتم تم تجاوز الخلافات التي كانت دائما تقف حائلا أمام تشكيله، كالفئوية والحزبية والاختلافات على ترتيب القائمة، وأحيانا الخلافات في بعض المسائل السياسية.





































المصادر المستخدمة:

المصادر المكتوب
1. جردات، علي: اليسار الفلسطيني-هزيمة الديمقراطية، رام الله: مواطن-المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 1999.
2. الشقاقي، خليل: التحول الديمقراطي في فلسطين، نابلس: مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، 1996.
3. النابلسي، أكرم ا: سيادة شعبية، حقوق جماعية، مشاركة، بيت لحم: بديل المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين، 2003.
4. عودة، محمد: أزمة الخطاب الماركسي في مصر، مؤسسة عيبال، 1991.
5. أوراق عمل قدمت في المؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية/جامعة بيرزيت، 2006، رام الله.
6. البرنامج الانتخابي لقائمة البديل، (نسخة الكترونية، تم الاطلاع عليها بتاريخ 15/12/2006 من http://www.elections.ps/atemplate.aspx?id=349).
7. مقابلة مع قيس عبد الكريم (عضو المجلس التشريعي عن قائمة "البديل"/عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية)، (نسخة الكترونية، تم الاطلاع عليها بتاريخ 15/12/2006: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=55362)


المقابلات
1. مقابلة خالدة جرار ( عضو المكتب السياسي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ عضو المجلس التشريعي): رام الله 21/12/2006.
2. مقابلة مع فريد مرة (ناشط سياسي واكب العديد من محاولات التحالف بين القوى اليسارية الفلسطينية): رام الله 18/12 2006.
3. مقابلة مع تيسير عاروري (سياسي وأكاديمي شارك وواكب العديد من محاولات التحالف بين القوى اليسارية): رام الله 28/11/2006.
4. يزيد الصايغ وخليل الشقاقي: إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية- التقرير الختامي، تقرير فريق العمل المستقل لتقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية، منشورات مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، ص 25.
5. مقابلة مع حيدر عوض الله (عضو المكتب السياسي لحزب الشعب): رام الله 26/11/2006.
6. مقابلة مع أحمد مجدلاني (عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي): رام الله، 23/11/2006.
7. مقابلة مع سهام البرغوثي ( عضو المكتب السياسي في "فدا"): رام الله، 18/12/2006.
8. عبد الله عبد الله (عضو المجلس التشريعي عن قائمة فتح) مداخلة في ورشة عمل نظمها برنامج دراسات التنمية- جامعة بيرزيت لمجموعة عمل مركز بخصوص تجربة "البديل" بتاريخ 24/12/2006.
9. مقابلة مع أحمد مجدلاني (عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي): رام الله، 23/11/2006

إشكالية التشريعات العمالية والعجز الذاتي للقيادات (1)

إشكالية التشريعات العمالية والعجز الذاتي للقيادات (1)

محمد علي خوجلي

ازالة آثار مايو» كان من بين شعارات انتفاضة الجماهير في 5891م وشعارات الجماهير صادقة وهي التي تحدد اولويات النشاط، ومعانيها ذات علاقة بالمستقبل.. وهي قد تنجز او تؤجل لكنها لا تموت. انجازها هو تحولها الى برنامج عمل تفصيلي، مهمة العمل القيادي. اما اهمالها فقد تكون من اسبابه: الفشل في الاستيعاب او العجز الذاتي للقيادات عند التنفيذ او اختيار القيادات لاولويات اخرى. ومع مرور الوقت يتم الانقلاب على تلك الشعارات وتحاول القوى المعادية لها نزعها من ذاكرة الجماهير باشعالها. وابتذلت القوى المعادية شعار «ازالة آثار مايو» بدءًا بالتساؤل عما اذا كان من بين الآثار قاعة الصداقة والبنايات الاخرى او مصانع السكر «مثلاً» وهكذا حال كل شعار آخر.
ومن الشعارات التي تم الانقلاب عليها.. رأس نميري مطلب شعبي!! حيث من المعلوم ان نميري ترشح فيما بعد لرئاسة الجمهورية وتحدث الترابي ونقد عن صداقتهما له ببراءة..!!
وقوانين مايو من آثار مايو، ترسانة ضخمة غطت كل مساحات الحياة لدرجة ان الزوج وزوجه يتأكدان من حمل اوراقهما الثبوتية قبل ارتياد اية حديقة عامة. لتفادي ما قد يواجهان من اتهامات بخلوة غير شرعية او شروع في زنا ، وقانون الخدمة الوطنية الالزامية، والتنظيمات شبه اليسارية، ووقتها كان من نماذجها «الحرس الوطني» على شاكلة «الحرس الثوري» من آثار مايو وشراكة الثوريين والشيوعيين السابقين مع سلطة انقلاب مايو 96، عندما رأت الشراكة ضرورة عسكرة الشعب من «طلائع مايو» الى «الحرس الوطني» والمعسكرات التي قوامها طلاب وطالبات الجامعة للدفاع عن مبادئ ثورة مايو الاشتراكية وردع مليشيات القوى الرجعية بقانون 0791م الذي ايقظه الاسلاميون الانقاذيون من سباته العميق لعسكرة الشعب للدفاع عن المشروع الحضاري وتأمين سلطة الرأسمالية الجديدة بالقانون الاشتراكي. القيادات واحدة مع اختلاف الوان القمصان والشمولية واحدة بهذا الغطاء او ذاك. و«الدفاع الشعبي» و«المليشيات متعددة الاسماء» والوية الدبابين بما في ذلك اللواء الالكتروني هي من جنس الحرس الوطني موديل 0791م.
وذلك يؤكد صدق شعارات الجماهير، ومآلات اهمالها. ويفضح العجز الذاتي للقيادات «المناهضة للديكتاتورية والشمولية سبب فقر العمل القيادي وادمان الطعن في ظل الفيل والاستغراق في الشكليات والسير فوق الاخطاء بديلاً لنقدها والتعلم منها ويتواصل انفصال القيادات عن القواعد والجماهير.
ان النقد الذاتي للاستاذ محجوب شريف عن اشعاره «من آثار مايو» بالرغم من تأخره واغفال بيان اسباب الوقوع في الخطأ، وهي مهمة حتى لا يعتبر النقد تراجعاً عن الخطأ، الا انه نقد صادق بدلالة علانيته امام الجماهير، وهذا يتوافق مع سلوك وقيم محجوب واخلاق الثوريين «القدماء»!! بما اكسبه المزيد من احترام الشعب وحب الجماهير. اما القيادات الاخرى السياسية وغيرها التي شاركت في صناعة مايو سراً وعلانية وعمدتها بدماء «اليمين الرجعي» والشيوعي «حقا» فانها تقود اليوم حكومات السودان ومعارضته الرسمية بلا وجل فانها تنظر للنقد «كاساءة» وترى في النقد الذاتي انتقاصا من قدر القيادات ومكانتها الرفيعة. فكل من ينتقد سياساتهم او مسالكهم هو «العدو الاول» ويأتي «العدو الطبقي» في المرتبة الاخيرة، ويتم تزوير وقائع الماضي القريب والحاضر الذي نعيش، وتتداخل مواقع القيادات حتى يصبح الفرق بين قادة جهاز الحزب الشيوعي وقادة حزب المؤتمر الشعبي هو حرف «الباء». وفي موضوعنا فان القائد الشيوعي «السابق» محمد ابراهيم نقد وبعض من رفاقه مطالبون بنقد ذاتي علني امام الشعب تشبها بالاستاذ محجوب عن عرقلة نفاذ «قانون العمل الموحد 1791» اهم التشريعات العمالية والذي اعتبره السيد نقد وقتها «خرابا للبلاد والعباد»! ان طعن الطبقة العاملة صرف النظر عن نسبتها من السكان في السودان او عدديتها داخل حزبها الشيوعي لهي جريمة كبرى. سحبوا التشريع العمالي ولم يسحبوا القانون الذي اباح للانقاذ تكوين المليشيات!

محمد علي خوجلي






إشكالية التشريعات العمالية والعجز الذاتي للقيادات (2/2)


القيادات في الحكم او المعارضة الرسمية لا شأن لها امس واليوم بالتشريعات العمالية فالاولوية دائماً للانتخابات. ولكل شيء سبب. القيادات في الحكم تعمل على «التمكين ديمقراطياً» والمعارضة الرسمية تسعى لشغل مواقع الحكم. ولكل هدف غطاء ولكل غطاء وسائله فتكون استراتيجية المعارضة الرسمية في حدود الضغوط على النظام حتى قيام الانتخابات واستراتيجية الحكومة التضييق على المنافسين حتى قيام الانتخابات، وعلى العاملين والمفصولين والمشردين الانتظار حتى العام 2102م!!
ومن بين الضغوط مطالبة المعارضة للحكومة برد كل ممتلكات الاحزاب المصادرة مع التعويض المجزي حتى تتمكن من تنظيم صفوفها والاستعداد للانتخابات المقبلة «وهذا لا علاقة له بتمويل الدولة للاحزاب لذات الانتخابات»، او كما قال رئيس التجمع الوطني الديمقراطي «المعارض» في خطابه بالمدينة المنورة «للمهنئين بعيد الفطر المبارك» والذي انتقد فيه الحكومة لانها تدفع للآخرين الا الحزب الاتحادي الديمقراطي. ورئيس التجمع لم يطالب بتنفيذ اتفاقية المصالحة الوطنية التي وقعها «اتفاقية القاهرة» بالرغم من انها تتضمن اكثر من مطالبته، هل هذا يعني ان القيادات تطالب بحقوقها وحدها في الاتفاقية دون حقوق العاملين؟
كما افاد رئيس التجمع بان الاحزاب يمكنها الذهاب للمحاكم لاخذ هذه الحقوق.. الى آخر ولا اخفى امنيتي بتوجه الاحزاب نحو المحاكم حتى تتعرف على «الآخرين» الذين قبضوا من غير الذين اقروا بقبض جزء من حقوقهم! ومعروف ان هناك عاملين فقدوا مصادر ارزاقهم بسبب ان الحكومة افترضت انهم من اتباع تلك القيادات.. واضطر بعض العاملين المشردين لبيع ممتلكاتهم. البائع لن يتمكن من استرداد ما باع. هنا المصادرة افضل من البيع حيث يتم رد الممتلكات المصادرة وبالحال التي كانت عليها قبل المصادرة. اما اذا تغيرت حالتها كان اقامت الحكومة طابقاً اضافياً ثالثاً على مبنى مصادر من طابقين فان «الوكيل» يستطيع المطالبة بازالة الطابق الثالث واذا ابدت الحكومة تخوفها من تأثر الطابقين فان عليها ان تدفع تعويضاً مناسباً لتغيير حالة المبنى!! ولا يكتفي بذلك بل يطالب ايضاً بالتعويض المجزي عن فترة المصادرة «ايجار المثل»!
ان ساحة العاملين اهم مكونات الساحة السياسية السودانية، وموقف القطاع الحديث من هذا القسم او ذاك من القوى السياسية له اهميته ونتائجه. واهمية ساحة العاملين تكمن في مدى تأثيرها على السلبيات العامة. والمفصولون والمشردون جزء اصيل من هذه الساحة. ومع العولمة الاقتصادية يواجه العاملون صنوفاً من العنت وقسوة الحياة وتضعف تنظيماتهم فنموذج العولمة الرأسمالية يهدف الى الغاء النقابات او الهيمنة عليها او اضعافها لتمرير سياساته المالية ولذلك نجد دعاوى تعارض العمل بمبدأ الحد الادنى للاجور، وتنكر حتى وجود التشريعات العمالية التي تتدخل فيها الدولة بعد تكريس سياسات السوق الحر. وبالضرورة فان القوى المناهضة للعولمة الرأسمالية يجب ان ترفع وتائر اهتماماتها بساحة العاملين والتشريعات العمالية وحرية التنظيم النقابي.
والتشريعات العمالية والتنظيمات النقابية جناحا طائر. فالنقابات تدافع عن حقوق العاملين المكتسبة والتشريعات العمالية تقرر الحقوق المعرضة للضياع بسبب العولمة الاقتصادية. والنقابات تكافح لتحسين التشريعات وتعمل على تنزيلها الى ارض الواقع بوسائلها. ومجرد وجود قانون نقابات ديمقراطي لا يعني تحول النقابات مباشرة الى نقابات ديمقراطية! او ان العاملين سيحصلون على كل حقوقهم. واكدت التجربة ان وجود النقابة الديمقراطية وحده لا يكفي وان العمال يؤمنون بالمكاسب الملموسة لا الاماني المجردة.
احصى التجمع الوطني «المعارض» القوانين في حاجة للتعديل وخلافه. «61» قانوناً. من بينها فقط، «3» قوانين عمالية! واقام له لجنة من قانونيين وخبراء من غير القانونيين فما هي نتائج اعمال تلك اللجنة؟ تقدم المؤتمر الوطني بمشروع قانون الخدمة المدنية، واجيز بالاجماع بعد اجراء اكثر من «27» تعديلاً غير جوهري بدلالة ان الخدمة المدنية لم تتأثر. ولا تزال القيادات تطالب بالقومية «ولم يطلع جمهور العاملين على قانون بديل ولم يطالب المنادين بالقومية بإعمال مبدأ مراجعة شاغلي الوظائف الحاليين، ولا تصحيح الاخطاء بعد الغاء مادة الفصل التعسفي في القانون فجاء القانون تمكيناً للانقاذيين «ديمقراطياً» ، والمطالبة المقصودة هي تقديم اقتراحات محددة للتصويت عليها بصرف النظر عن النتيجة الى آخر ما لم يحدث ويفضح العجز الذاتي للقيادات سبب فقر اساليب العمل القيادي.
وينشب نزاع ضخم بشأن نظام التأمين الصحي لا يجد اهتمام القيادات «المعارضة» وكأن النزاع بين حكومة الوحدة الوطنية وولاية الخرطوم، او بين الصندوقين القومي والولائي، والجماهير ولا شأن لهم بذلك. ولعن كتاب وصحافيون وبعض قيادات تجربة التأمين الصحي علماً بان اية انتفاضة انتخابية لن تلغى نظام التأمين الصحي او تتخذ قرارات بمجانية العلاج. ونظام التأمين الصحي يهم ساحة العاملين واطرافها الضعيفة من معاشيين ومفصولين ومشردين بل ويهم نسبة الـ 59% من الفقراء وكان من اهداف الحركة النقابية التاريخية ، واستطاع عدد من النقابات في الحقب السابقة الحصول على مكاسب بالتفاوض مع اصحاب الاعمال باقامة صناديق لعلاج العاملين وافراد اسرهم. هل قانون التأمين الصحي ضمن الواحد وستين قانونا؟ هل تتضمن برامج الاحزاب السياسية مثل هذه القضية وخلافها من قضايا الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي؟
ومنذ العام 5002م ومشروع قانون العمل الاطاري قيد النظر. ثم جاء مشروع 6002م وجميعها لم تر النور مرة بسبب معارضة اصحاب الاعمال لالغاء مادة الفصل التعسفي ومرة بسبب رفض المخدمين تخفيض ساعات العمل الاسبوعية والعطلة الاسبوعية ومرة بسبب رؤية وزارة العدل الخاصة بالفصل بين القوانين العمالية... كل ذلك يجري منذ تعديلات 4002م دون ان تبدي القيادات اية افكار دعك من مشروع قانون بديل. وتهتم المعارضة الرسمية بقانونين: قانون المنظمات التطوعية او «الجمعيات الاهلية»، وقانون النقابات، والاسباب معلومة، وبمناسبة مشروع قانون النقابات فقد تم تسريب معلومات غير صحيحة للصحف اليومية تفيد مرة بان كتلة التجمع اعدته مع مشروعين آخرين خلال عطلة المجلس الوطني، وفي مرة ان المشروع اعدته لجنة من سبعة عشر حزباً.. الى آخر المعلومات التي هدفها تغطية العجز الذاتي للقيادات وبعث الحياة في الموتى.
ومشروع قانون النقابات هو جهد لم يكتمل بعد واختطفته قيادات.. واكتماله يتم بعد مناقشة قواعد العاملين له والنقابات وايضاً اتحاد نقابات عمال السودان «الرسمي» فقانون النقابات يستمد شرعيته من موافقة الجمعيات العمومية للعاملين لا قيادات الاحزاب ولا قيادات التجمع ولا التضامن النقابي، والانتقاد الاساسي لقانون النقابات الحالي انه من صنع الحكومة، فكيف يجوز لقيادات معارضة فرض ذات الوصاية على ما يخص العاملين وحدهم؟
والمشروع غير المكتمل هو تجميع لجهود النقابيين القدامى في التجمع الوطني منذ العام 7991م والذي تم نشره لاول مرة بالصحف اليومية صحيفة «الاضواء» في 3002م واعيد النظر فيه في العام 6002م «مركز الحقوق النقابية» واضيفت له بعد ذلك مساهمات لجان الحقوق والحركة الشعبية «مبادرة وزير الدولة للعمل» والتي اجازها التضامن النقابي بعد المناقشة والتعديل. والتضامن النقابي ليس فصيلاً من فصائل التجمع ولا حزبا سياسياً ضمن الاحزاب الـ«17». وما نشر في الصحف عن المشروع هو منتهى البؤس..!
وها هي الحركة الشعبية، تدفع ايضاً بتسعة قوانين بديلة لوزارة العدل لا منضدة المجلس! ومن بين هذه القوانين ذات القوانين التي اشارت الصحف اليومية بان التجمع اودعها المجلس الوطني «الامن، الصحافة والمطبوعات، النقابات» ولا نعلم هل مشروع النقابات المقدم من الحركة الشعبية هو ذات مشروع القانون الذي اقترحته على التضامن النقابي ام لا. لكن كل ذلك لن يؤثر في سير برنامج اللجان العمالية في مناقشة مشروع قانون النقابات الذي اجازه التضامن النقابي مع القواعد العمالية والا فلا معنى لشعار ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.
ومعلوم ان ولاية الخرطوم اقامت صندوقاً لمعاشات العاملين بالولاية مستقلاً عن الصندوق القومي للمعاشات بالدستور وهذا تطور جديد رتب نتائج «ثلاث سنوات لم تربط معاشات الذين احيلوا للتقاعد من العاملين بولاية الخرطوم» مبالغ العاملين في ذمة الصندوق القومي، الراغبين في التحويل من القومي الى الولائي من المعاشيين.. الى آخر ولا تهتم القيادات باي شيء من ذلك... ومطلوب من هؤلاء التصويت في الانتخابات لذات القيادات التي لا تهتم بما يمس حياتهم!!
ونفد صبر ولاية الخرطوم انتظاراً لمشروع قانون العمل الاطاري واعدت مشروع قانون العمل بالولاية التي يقيم فيها ثلث سكان السودان ويوجد بها حوالي 06% من العاملين وحوالي 56% من المعاشيين في انظمة المعاشات المختلفة، فماذا نحن فاعلون؟
محمد علي خوجلي

حين يكشف الحزب الشيوعي الاردني اوراقه المشبوهة

حين يكشف الحزب الشيوعي الاردني اوراقه المشبوهة
عامر سمارة

القضية التي لا يختلف عليها اثنان في الاردن ان الحزب الشيوعي الاردني فشل عبر اكثر من خمسة عقود في تسويق نفسه للشارع الاردني على انه حزب الطبقة الكادحة, وان ظل الاردنيون يفرقون بشكل واضح بين مناضلين شيوعيين بارزين كاشخاص, وبين الحزب الشيوعي كمؤسسة حزبية مشبوهة.
ومما لا يختلف عليه اثنان في الاردن ايضا, ان الدكتور يعقوب زيادين هو مناضل اممي معروف وشخصية وطنية لها احترامها في الشارع الاردني.
لن نذهب بعيدا في تحليل وفضح المواقف المشبوهة للحزب الشيوعي الاردني, غير اننا نطرح سؤالا على قوى اليسار العربي بشكل خاص, وعلى كل القوى السياسية العربية المناضلة بشكل عام, لماذا اضطر المناضل الشيوعي الاردني العريق الدكتور يعقوب زيادين, الامين العام السابق للحزب الشيوعي الاردني, لمغادرة صفوف الحزب, مع ثلة من رفاقه وتشكيل حزب شيوعي اخر في الاردن هو حزب الشغيلة الشيوعي الاردني؟
الاجابة يعرفها الشيوعيون العرب جيدا, ويعرفها الاردنيون بشكل كامل, وهي ان قيادة الحزب الشيوعي الاردني كانت تتسلم اموالا ـ من وراء ظهر يعقوب زيادين ـ من مؤسسات اميركية, وان الوثائق اكدت ان قيادة هذا الحزب المشبوه قد تسلمت اموالا طائلة من خزينة المخابرات الاميركية عن طريق الشيوعي العراقي العميل فخري كريم زنكنه.
ترى هل ان المخابرات الاميركية معنية بالصرف على نضالات الطبقة العاملة فعلا, ام هي رشاوى لقيادة الحزب لتخريب نضال هذه الطبقة.
واذا كان لا بد من التعريف بقيادة الحزب الشيوعي الاردني, فاننا نقول لكل من يهمه الامر:
د. منير حمارنة الامين العام, ليلى نفاع, اميلي نفاع, امال نفاع, خالد حمشاوي.
وللمعلومات فان امال واميلي وليلى هم اشقاء, وكذلك فان السيدة ليلى نفاع هي زوجة الدكتور منير حمارنة, وان السيدة اميلي نفاع هي زوجة الدكتور خالد حمشاوي.
هل يرى الشيوعيون العرب كيف يختار الشيوعيون الاردنيون قيادتهم, او كيف فرضت هذه الطغمة نفسها على قيادة الحزب الشيوعي.
انها قيادة عائلية, اي ان قيادة الحزب يمكن ان تتخذ قرارها في اي مطبخ من بيوت العائلة, وما يؤكد ايضا ان هناك بعدا طائفيا في الموضوع.
وهل يعرف الشيوعيون العرب ان احد بيوت عمان المستأجر من قبل السفارة الاميركية تعود ملكيته للقائدتين في الحزب الشيوعي الاردني اميلي وليلى نفاع, وانهما تقبضان اموالا طائلة من السفارة الاميركية تحت بند بدل اجرة, وهي في الحقيقة مبالغ لغايات اخرى, تقتسمها العائلة التي هي قيادة الحزب الشيوعي الاردني.
وهل يعرف الشيوعيون العرب ان الحزب الشيوعي الاردني قد طبل وزمر في نيسان ابريل 2003’ ليس بسبب احتلال بغداد, وانما لان جريدة طريق الشعب ، وهي جريدة الحزب الشيوعي العراقي بالمناسبة،عادت للصدور بتمويل اميركي في العراق, وبحماية مباشرة من قوات الاحتلال.
مالا يعرفه المواطنون العرب ان المناضل الشيوعي العريق الدكتور يعقوب زيادين قال اكثر من مرة ان جيوب قادة الحزب الشيوعي الاردني قد امتلأت بالدولارات الاميركية, وانهم تحولوا الى عملاء صغار, يهتفون للانجازات الديمقراطية الاميركية في العالم, وفي العراق على وجه التحديد.
الحزب الشيوعي الاردني بقيادته المنحرفة كان اول من اصدر بيانا رحب فيه بتشكيل مجلس الحكم العميل في العراق في تموز/ يوليو2003, وكرس جريدته الصفراء "الجماهير" للاشادة بهذا المجلس والتبشير بعهد الديمقراطية الاميركية في العراق, وتخصصت هذه الجريدة الصفراء في الحديث عما تسميه دائما جرائم الدكتاتور في العراق, دون ان تذهب ولو لمرة واحدة لادانة الجرائم الاميركية البشعة ضد الشعب العراقي الشقيق.
وفي الوقت الذي وقف فيه كل الشرفاء في العالم الى جانب انتفاضة اهل الفلوجة الابطال, وادانوا فيه الجرائم الاميركية الوحشية في سجن ابو غريب, كانت قيادة الحزب الشيوعي الاردني المنحرفة وجريدتهم الصفراء تتحدث عما اسمته جرائم صدام حسين ضد الشعب العراقي, ولم تتحدث ابدا عن بطولات المقاومة العراقية الباسلة.
لماذا وصلت قيادة الحزب الشيوعي الاردني الى هذا الدرك من الانحطاط السياسي والاخلاقي؟ ولماذا تصر هذه القيادة المنحرفة على الوقوف في خندق الاعداء, ضد موقف الامة وجماهيرها الواسعة.
هل جاء ذلك بسبب التمويل الاميركي, ام هناك اسباب اخرى تدفع الشيوعيين الاردنيين لاتخاذ هذا الموقف المشين.
ما لا تعرفه الاحزاب الشيوعية العربية, وابناء الامة العربية بشكل عام, ان القيادة المنحرفة للحزب الشيوعي الاردني شكلت عدة وفود حزبية سافرت الى بغداد في الشهور الماضية, والتقت مع القيادة العميلة المنحرفة للحزب الشيوعي العراقي التي يقودها الجاسوس حميد مجيد, واكدوا وضع امكاناتهم تحت تصرف الشيوعيين المنحرفين في العراق, كما قاموا باستقبال عدد من الجواسيس العراقيين الذين يعملون خدما للاحتلال تحت يافطة الحزب الشيوعي العراقي.
لقد اعتقدت القيادة المنحرفة للحزب الشيوعي الاردني ان مواصلة هجومها على النظام الوطني والقومي في العراق وانجازاته الكبرى, سيحرف انظار المواطنين عن المهمة الذليلة للحزب الشيوعي العراقي الذي يتلقى الحماية والرعاية والتمويل من المخابرات الاميركية, تماما مثلما يتلقى ذلك الحزب الشيوعي الاردني وقيادته المنحرفة.
لم تذكر لنا قيادة الحزب وجريدته الصفراء كيف وصل حميد مجيد الى بغداد, ومن يوفر له الحماية, ولم تستطع ان تفسر لاحد لماذا كان الشيوعيون العراقيون يحتفلون في بغداد تحت حراسة البنادق والدبابات الاميركية باعتقال الرئيس صدام حسين التي اكدت كل الوقائع والاحداث انه من يقود المقاومة الباسلة في العراق المحتل.
ما لا يعرفه الشيوعيون العرب جيدا ان الدكتور منير حمارنة, استاذ الاقتصاد في الجامعة الاردنية والامين العام للحزب الشيوعي الاردني يدافع جهارا نهارا عن العولمة الاميركية ويسبغ عليها اعظم الصفات, وانه بعث ببرقية تهنئة الى الجاسوس الاشهر اياد علاوي حين عينه الاحتلال رئيسا للحكومة العميلة في العراق, وانه يفاخر في كل مكان ان عميل المخابرات الاسرائيلية مفيد الجزائري الوزير في حكومة العميل علاوي, هو من سيعيد الاعتبار للثقافة الشيوعية في العراق.
وما لا يعرفه الشيوعيون العرب ايضا ان السيدة اميلي نفاع, الرجل الاقوى في قيادة الحزب الشيوعي الاردني, هي مرشحة دائمة على قائمة الحكومات الاردنية المتعاقبة, وهي التي قبضت مئات الالاف من الدولارات من خزينة المخابرات الاميركية, تحت حجة دعم منظمة النساء العربيات التي تترأسها, دون ان يجرؤ احد من قيادة الحزب على مساءلتها حول مصير تلك الاموال .
ومن المفارقات غير البريئة التي يجب على الشيوعيين العرب ان يقدموا لها تفسيرا, انه في الوقت الذي وقف فيه العالم كله ضد العدوان الاميركي الغاشم على العراق واحتلاله, كان الشيوعيون الاردنيون متخصصين في التهجم على تجربة الرئيس صدام حسين ونظامه وحزب البعث في العراق, وكأنهم يقدمون المبررات للادارة الاميركية في عدوانها على العراق.
هذه محطات بسيطة في مسيرة الحزب الشيوعي الاردني وقيادته المنحرفة, نضعها بين يدي الشيوعيين العرب بشكل خاص, ومناضلي الامة بشكل عام, وكلنا ثقة ان رفاقنا المناضلين في الحزب الشيوعي العراقي ـ الكادر, قادرون على فضح هذا الانحطاط الذي يمثله الشيوعيون الاردنيون.
وللحديث بقية.

عدم المساواة في الرواتب والأجور والموازنة الجديدة

عدم المساواة في الرواتب والأجور والموازنة الجديدة

الرشوة هي مقابل اتخاذ قرار أو عمل أو عدم القيام بعمل ويرتبط بذلك مباشرة الابتزاز عندما يطلب المسؤولون الدفع، أكثر ممارسات الفساد انتشاراً، وبحسب منظمة الشفافية الدولية فإنها تغلغت في الحياة العامة.. وهي ممارسات لم تكن مألوفة لأفندية السودان القديم من اسكيل k وحتى الدرجة الأولى. وكانت الاختلاسات والرشاوي من العيوب الكبيرة وعندما تحدث تتناقلها المجالس .. ولا يتعاطف احد مع مرتكبيها .. فهل كانت تلك القيم لعدالة الرواتب والأجور ام انه لكل زمان اخلاقه..؟! العام 2008م، شهد الارتفاع في اسعار النفط وارتفاع اسعار السلع والخدمات وتآكل دخول العاملين حتى بادرت كثير من الحكومات بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات الا حكومة السودان! ثم من بعد ذلك تفجرت ازمة الرأسمالية المالية وبدأ تحول اسعار النفط نحو الانخفاض وفي الحالتين حافظت نسبة التضخم في السودان على حالتها من رقمين بعد ان كانت آحادية في العام 2007م، وقام تنظيم القوى السياسية المعارضة لمناهضة غلاء الاسعار بمطلب واحد الغاء الزيادات او .. وطالب العاملون بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات ورد عليهم (معارضون) بتركيز الأسعار حيث نصح اقتصاديون بعدم زيادة الأجور حتى لا ترتفع معدلات التضخم، وهناك من لا يأملون في الميزانية الجديدة لاعتمادها على عائدات النفط التي تتراجع ايراداته.. والواقع يفيد بان الزيادات في الأسعار لم تلغ، وتركيز الأسعار لم يعمل به (!) ونسبة التضخم لم تتأثر وتظل زيادة الأجور ورفع المعاشات مطلباً عادلاً.. وهذا المطلب العادل، قد يعارضه انقاذيون رسميون او مستترون وقيادات نقابية انفصلت عن قواعدها.. فإذا كان اتحاد العمال قد استبعد المطالبة بزيادة الأجور من الزيادات العالمية بسبب عجز موازنة الدولة فمن غير المستبعد ان يرفع مبررات جديدة هي قديمة: ان زيادة الاجور تؤدي الى زيادة مصروفات الحكومة الجارية، وتخفض الادخار الحكومي والاستثمار وتزيد نفقات الحكومة.. الى آخر وندع كل هؤلاء ونطالب بزيادة الأجور والرواتب وايضا توخي العدالة في زيادتها وفي موضوعنا ، نستبعد عدم المساواة بسبب الجنس، فالمساواة في الأجور بين الرجال والنساء في السودان متوافرة خاصة للعاملات بالحكومة حيث ازيلت آخر اوجه عدم المساواة بالنسبة الى (علاوة الاطفال)، و(البديل النقدي). ونجد عدم المساواة في القطاع الخاص وبالذات المصانع الصغيرة حيث تقل أجور النساء العاملات والعمالة الأجنبية عن العاملين من الرجال (!) .. بل ولا يتم التقيد هنا بالحد الأدنى للأجور ويفتقد العمال الحماية الاجتماعية ولم يسمعوا حتى اليوم بالتأمين الاجتماعي الشامل.. هو عالم منفصل لا يعترف بساعات العمل القانونية ولا اية حقوق اخرى ونترقب مشروع قانون العمل بولاية الخرطوم لمعالجة هذه الأوضاع. ورغم ذلك فإن حال النساء العاملات في السودان افضل من حال النساء في هولندا (من الدول المانحة لمراكز الحقوق في السودان)!! حيث لايزال الرجال يتقاضون اجورا أعلى من النساء بحوالي 20% ويرى البعض ان ذلك يعود لأن نساء هولندا في طليعة العاملات اللاتي يعملن في العمل الجزئي والمؤقت بما يشكل عائقا رئيسيا للصعود في السلم الوظيفي وهولندا ليست وحدها، ففي كل دول الاتحاد الاوربي تزيد اجور الرجال على النساء بنسبة 15% ، اما بلجيكا فهي الأفضل 7% والسياسيون في دول الاتحاد الاوربي يعتبرون هذا الموضوع من اختصاص النقابات المهنية وأصحاب الأعمال ، فالسياسيون لا يشغلون أنفسهم بذلك.. وكشف اتحاد العمال في السودان ان الزيادة المقترحة في رواتب العاملين من قبل المجلس الأعلى للأجور في الموازنة الجديدة بلغت 30% وطالب رئيس الاتحاد وزارة المالية بتنفيذها ! ولا نعلم كيف توصل المجلس الى نسبة الـ 30%، وهل تم قياسها على تكلفة المعيشة ام نسبة التضخم ام معدل نمو الانتاج المحلي ام على مستوى الفقر (حد الكفاف)؟ وهل سيتم احتساب الزيادة على الراتب الأساسي (الابتدائي) ام الأجر الأساسي ام الأجر الاجمالي؟! حيث اننا لا نزال نذكر اعلان الجهاز المركزي للاحصاء بان متوسط الانفاق السنوي للاسرة بالبلاد بلغ حوالي 14.300 ج.س والذي يعادل شهريا حوالي الف ومائتي ج.س. مع ذلك ندعم اتحاد العمال في مطالبته لكننا نثير انتباه الجميع ان النسبة الموحدة للزيادة تكون لصالح العاملين الأعلى دخلا مع ان المطلوب ايضا مراعاة رفع مستوى العاملين قليلي الدخل بما يسهم في مكافحة الفقر للعاملين في أدنى سلم الرواتب من جهة وتوخي العدالة والانصاف والمساواة من جهة اخرى.. واصدر ديوان شؤون الخدمة بولاية الخرطوم المنشورين 3 و 4 لسنة 2008م، حيث قضى الاول بزيادة بدل الترحيل للعاملين بوحدات ولاية الخرطوم واختص الثاني بتعديل فئات بدل السكن (الفئة الأعلى 122.3 ج بزيادة 47.355ج والفئة الأدنى 20.38 بزيادة 7.88ج على ان ينفذ المنشور اعتبارا من 1/9/2008م. وهذا يدفع بنا مباشرة للطرق على المتغيرات التي حدثت في نظام الأجور في السودان وهي التي تكرس عدم المساواة في الرواتب والأجور. فالراتب الأساسي الذي كان متعارفا عليه اختفى حقيقة ، ويطلق عليه الآن (المرتب الابتدائي) وظهرت مفردات (الأجر الأساسي) و(الأجر الاجمالي) .. الى آخر.. وذلك بسبب وجود نظامين للأجور في السودان، فالمعمول به (زمان) هو الهكيل الراتبي الموحد والمحترم والراتب الأساسي محل الاعتبار والدراسة المستمرة: الوصف الوظيفي ، المسؤوليات، الواجبات، الدرجات، المقابل المالي للدرجة ومداخل الخدمة الى آخر ما كان يتقنه الاختصاصيون في ديوان شؤون الخدمة. ولا يزال لدينا هياكل راتبية متوازنة على شكلها لكن مضى الوقت وقيام النظام الثاني للأجور أفرغها نهائيا... وميلاد النظام الثاني بدأ مع معالجه بمطالبة كل فئة لزيادة الأجور بتخصيص بدلات لها ، اي بدلات لمعالجة الانخفاض في الرواتب حتى اصبحت العلاوات الخاصة والبدلات والمكافآت والحوافز نظاما ثانيا للأجور خارج الهيكل الراتبي واكثر سخاءً منه... وتطور الامر رويدا رويدا فجاءت (المظاريف النقدية) .. وبالنسبة للتفاوت بين اقل الدخول واعلاها ، فلا يختلف اثنان ان كل دول العالم تعرف مثل هذا التفاوت ولكن عندما يتعلق الامر بعائد العمل (لا الثروة) وعندما يكون المخدم واحدا هو الدولة ، فإن هذا التفاوت يجب ان يكون معقولا، ان اعلى الاجور وادناها لم يعد معتمدا على الهيكل الراتبي بل على نظام الاجور الآخر، كنظام رئيسي. بل اننا نجد التفاوت بين العاملين على نفس الدرجة وفقا لوجودهم في وزارة او مصلحة او ديوان او ادارة دون أخرى، ومرات داخل نفس المنشأة، واصبحت الموارد المتحققة في بعض قطاعات من الدولة حكرا على العاملين بها. ونتيجة وجود نظامين للأجور يعملان سويا هي توفير مزايا ضخمة لأقلية (محظوظة او مقربة) في حين تعيش الاغلبية الساحقة في بؤس شديد.. وقد ادى التوسع في منح البدلات والمكافآت وحوافز اللجان والظروف النقدية الى ربطها بصميم المال العادي للمستخدم بحيث اصبح الراتب الاساسي والأجر بالهيكل الراتبي اشبه بالحق المكتسب ولا يهتم بأمره احد. فمن الحوافز المقررة لاعضاء المجلس الوطني القومي المحترمين مثلا (حافز حضور الجلسة) حوالي ثلاثة آلاف ج.س فقط اي اكثر من الحد الأدنى لمعاشي التأمينات الاجتماعية للمعاش في الشهر وفي النهاية نجد ان المستخدم لا يقوم بأي عمل من اعمال وظيفته الا مقابل مكافأة خاصة. ومعروف ان كل ما يدفع خارج الموازنة لا يخضع للقواعد الرقابية المتعارف عليها وفضلا عن ذلك فان العديد من المزايا التي يمكن ان يتمتع بها مستخدم من خارج الموازنة يتوقف في معظم الاحوال على رضا الرؤساء. فنقل مستخدم من مكان لآخر قد يعني زيادة دخله او العكس ، تخفيضه، ولا يملك المستخدم سوى الصمت والإذعان لمن يملك عليه مقدرات حياته. اختل نظام الأجور في السودان تماما، وظهرت اخيرا العقودات الخاصة، فوق الهياكل الراتبة ، دلالة الشكلية، وهي افظع اشكال عدم المساواة في الرواتب والاجور والذي يقابله العاملون بالتندر والقصص الطريفة والأسى ايضا، حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. نحن في الحقيقة امام عاملين لا حقوق لهم ورؤساء بلا مسؤولية ولا يسألهم احد. وهذا من اكبر المخاطر التي تعرض مفهوم العدالة والكفاءة للاهتزاز وحتى السقوط نهائيا.. فالرواتب الاساسية غير كافية والعناصر الاخرى للراتب ضرورية!. فيكون المطلوب هو المراجعة العامة لنظام الاجور بحيث يصبح الراتب الاساسي هو العنصر الرئيسي في دخل المستخدم وبحيث يكون مستحقا بحكم القانون وليس العكس ان تصبح العناصر الاخرى الاضافية هي الاصل. ان العاملين يجب ان ينتبهوا لهذه المسألة، فهم في جريهم وراء زيادة الاجور والرواتب قبلوا بالبدلات والحوافز وخلافها، وهي رغم استقرارها السنوات يمكن لأي مسؤول ان يقرر تقييمها او حتى الغاءها فجأة، ويظل الهيكل الراتبي الفقير كما هو فتختل دخول العاملين وتنقلب حياة كل مستخدم رأسا على عقب ولن يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم التي قدروها على اساس دخولهم التي ظنوا انها حقيقية ولن تتهاوى او تبيد على حين غرة حتى الاحالة للتقاعد.. ودلالة ذلك الحق المكتسب في ايام الاجازة السنوية الذي تمت مصادرته عيانا بيانا في العام 2008م، بنقص ايام الاجازة بأكثر من نسبة 30%. بسبب جعل ساعات العمل القانونية ، كما قررتها المعايير الدولية! فالوجهة الصحيحة لمطالب العاملين هي الهيكل الراتبي كنظام واحد للاجور ، ومتى ما كان الراتب الاساسي محترما ومدروسا فانه من الممكن منح حوافز للاعمال الاستثنائية او الاضافية بما لا يطغي على الراتب الاساسي.. والطبيعي الا تزيد المكافآت او الحوافز عن نسبة محدودة من الراتب الاساسي فالمستخدم يحصل على مرتبه مقابل هذا العمل. ولا يخفى على الحكومة ولا اتحاد العمال ان اصلاح حال العاملين هو اصلاح جزء مهم في الساحة السياسية واستقراره ضرورة ووسائله غير خافية: عدالة الرواتب والاجور واعادة النظر في نظام الاجور ومستوياتها ومستويات الرواتب الاساسية وجعل حد الفقر او حد الكفاف من معايير تحديد الاجور، والتدقيق في زيادة الرواتب والاجور بنسب موحدة ولا ارغب في الحديث عن مخصصات كبار رجال الدولة (العربات واثاثات المكاتب المستوردة) ولا واجب تضمين عائدات الخصخصة في الميزانية العامة ضمن الحساب الختامي بعد توريدها لحساب الحكومة الرئيس بوزارة المالية، كما لا اجد اية ضرورة للتأكيد على معرفة الحكومة واتحاد العمال بكل ذلك منذ مناقشة الجمعية العامة للامم المتحدة (الدورة 58) لمبدأ الانصاف عند تعديل الرواتب والاجور وتوصياتها من الرقم (31) إلى رقم (36).. محمد علي خوجلي
عدم المساواة في الرواتب والأجور والموازنة الجديدة

الرشوة هي مقابل اتخاذ قرار أو عمل أو عدم القيام بعمل ويرتبط بذلك مباشرة الابتزاز عندما يطلب المسؤولون الدفع، أكثر ممارسات الفساد انتشاراً، وبحسب منظمة الشفافية الدولية فإنها تغلغت في الحياة العامة.. وهي ممارسات لم تكن مألوفة لأفندية السودان القديم من اسكيل k وحتى الدرجة الأولى. وكانت الاختلاسات والرشاوي من العيوب الكبيرة وعندما تحدث تتناقلها المجالس .. ولا يتعاطف احد مع مرتكبيها .. فهل كانت تلك القيم لعدالة الرواتب والأجور ام انه لكل زمان اخلاقه..؟! العام 2008م، شهد الارتفاع في اسعار النفط وارتفاع اسعار السلع والخدمات وتآكل دخول العاملين حتى بادرت كثير من الحكومات بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات الا حكومة السودان! ثم من بعد ذلك تفجرت ازمة الرأسمالية المالية وبدأ تحول اسعار النفط نحو الانخفاض وفي الحالتين حافظت نسبة التضخم في السودان على حالتها من رقمين بعد ان كانت آحادية في العام 2007م، وقام تنظيم القوى السياسية المعارضة لمناهضة غلاء الاسعار بمطلب واحد الغاء الزيادات او .. وطالب العاملون بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات ورد عليهم (معارضون) بتركيز الأسعار حيث نصح اقتصاديون بعدم زيادة الأجور حتى لا ترتفع معدلات التضخم، وهناك من لا يأملون في الميزانية الجديدة لاعتمادها على عائدات النفط التي تتراجع ايراداته.. والواقع يفيد بان الزيادات في الأسعار لم تلغ، وتركيز الأسعار لم يعمل به (!) ونسبة التضخم لم تتأثر وتظل زيادة الأجور ورفع المعاشات مطلباً عادلاً.. وهذا المطلب العادل، قد يعارضه انقاذيون رسميون او مستترون وقيادات نقابية انفصلت عن قواعدها.. فإذا كان اتحاد العمال قد استبعد المطالبة بزيادة الأجور من الزيادات العالمية بسبب عجز موازنة الدولة فمن غير المستبعد ان يرفع مبررات جديدة هي قديمة: ان زيادة الاجور تؤدي الى زيادة مصروفات الحكومة الجارية، وتخفض الادخار الحكومي والاستثمار وتزيد نفقات الحكومة.. الى آخر وندع كل هؤلاء ونطالب بزيادة الأجور والرواتب وايضا توخي العدالة في زيادتها وفي موضوعنا ، نستبعد عدم المساواة بسبب الجنس، فالمساواة في الأجور بين الرجال والنساء في السودان متوافرة خاصة للعاملات بالحكومة حيث ازيلت آخر اوجه عدم المساواة بالنسبة الى (علاوة الاطفال)، و(البديل النقدي). ونجد عدم المساواة في القطاع الخاص وبالذات المصانع الصغيرة حيث تقل أجور النساء العاملات والعمالة الأجنبية عن العاملين من الرجال (!) .. بل ولا يتم التقيد هنا بالحد الأدنى للأجور ويفتقد العمال الحماية الاجتماعية ولم يسمعوا حتى اليوم بالتأمين الاجتماعي الشامل.. هو عالم منفصل لا يعترف بساعات العمل القانونية ولا اية حقوق اخرى ونترقب مشروع قانون العمل بولاية الخرطوم لمعالجة هذه الأوضاع. ورغم ذلك فإن حال النساء العاملات في السودان افضل من حال النساء في هولندا (من الدول المانحة لمراكز الحقوق في السودان)!! حيث لايزال الرجال يتقاضون اجورا أعلى من النساء بحوالي 20% ويرى البعض ان ذلك يعود لأن نساء هولندا في طليعة العاملات اللاتي يعملن في العمل الجزئي والمؤقت بما يشكل عائقا رئيسيا للصعود في السلم الوظيفي وهولندا ليست وحدها، ففي كل دول الاتحاد الاوربي تزيد اجور الرجال على النساء بنسبة 15% ، اما بلجيكا فهي الأفضل 7% والسياسيون في دول الاتحاد الاوربي يعتبرون هذا الموضوع من اختصاص النقابات المهنية وأصحاب الأعمال ، فالسياسيون لا يشغلون أنفسهم بذلك.. وكشف اتحاد العمال في السودان ان الزيادة المقترحة في رواتب العاملين من قبل المجلس الأعلى للأجور في الموازنة الجديدة بلغت 30% وطالب رئيس الاتحاد وزارة المالية بتنفيذها ! ولا نعلم كيف توصل المجلس الى نسبة الـ 30%، وهل تم قياسها على تكلفة المعيشة ام نسبة التضخم ام معدل نمو الانتاج المحلي ام على مستوى الفقر (حد الكفاف)؟ وهل سيتم احتساب الزيادة على الراتب الأساسي (الابتدائي) ام الأجر الأساسي ام الأجر الاجمالي؟! حيث اننا لا نزال نذكر اعلان الجهاز المركزي للاحصاء بان متوسط الانفاق السنوي للاسرة بالبلاد بلغ حوالي 14.300 ج.س والذي يعادل شهريا حوالي الف ومائتي ج.س. مع ذلك ندعم اتحاد العمال في مطالبته لكننا نثير انتباه الجميع ان النسبة الموحدة للزيادة تكون لصالح العاملين الأعلى دخلا مع ان المطلوب ايضا مراعاة رفع مستوى العاملين قليلي الدخل بما يسهم في مكافحة الفقر للعاملين في أدنى سلم الرواتب من جهة وتوخي العدالة والانصاف والمساواة من جهة اخرى.. واصدر ديوان شؤون الخدمة بولاية الخرطوم المنشورين 3 و 4 لسنة 2008م، حيث قضى الاول بزيادة بدل الترحيل للعاملين بوحدات ولاية الخرطوم واختص الثاني بتعديل فئات بدل السكن (الفئة الأعلى 122.3 ج بزيادة 47.355ج والفئة الأدنى 20.38 بزيادة 7.88ج على ان ينفذ المنشور اعتبارا من 1/9/2008م. وهذا يدفع بنا مباشرة للطرق على المتغيرات التي حدثت في نظام الأجور في السودان وهي التي تكرس عدم المساواة في الرواتب والأجور. فالراتب الأساسي الذي كان متعارفا عليه اختفى حقيقة ، ويطلق عليه الآن (المرتب الابتدائي) وظهرت مفردات (الأجر الأساسي) و(الأجر الاجمالي) .. الى آخر.. وذلك بسبب وجود نظامين للأجور في السودان، فالمعمول به (زمان) هو الهكيل الراتبي الموحد والمحترم والراتب الأساسي محل الاعتبار والدراسة المستمرة: الوصف الوظيفي ، المسؤوليات، الواجبات، الدرجات، المقابل المالي للدرجة ومداخل الخدمة الى آخر ما كان يتقنه الاختصاصيون في ديوان شؤون الخدمة. ولا يزال لدينا هياكل راتبية متوازنة على شكلها لكن مضى الوقت وقيام النظام الثاني للأجور أفرغها نهائيا... وميلاد النظام الثاني بدأ مع معالجه بمطالبة كل فئة لزيادة الأجور بتخصيص بدلات لها ، اي بدلات لمعالجة الانخفاض في الرواتب حتى اصبحت العلاوات الخاصة والبدلات والمكافآت والحوافز نظاما ثانيا للأجور خارج الهيكل الراتبي واكثر سخاءً منه... وتطور الامر رويدا رويدا فجاءت (المظاريف النقدية) .. وبالنسبة للتفاوت بين اقل الدخول واعلاها ، فلا يختلف اثنان ان كل دول العالم تعرف مثل هذا التفاوت ولكن عندما يتعلق الامر بعائد العمل (لا الثروة) وعندما يكون المخدم واحدا هو الدولة ، فإن هذا التفاوت يجب ان يكون معقولا، ان اعلى الاجور وادناها لم يعد معتمدا على الهيكل الراتبي بل على نظام الاجور الآخر، كنظام رئيسي. بل اننا نجد التفاوت بين العاملين على نفس الدرجة وفقا لوجودهم في وزارة او مصلحة او ديوان او ادارة دون أخرى، ومرات داخل نفس المنشأة، واصبحت الموارد المتحققة في بعض قطاعات من الدولة حكرا على العاملين بها. ونتيجة وجود نظامين للأجور يعملان سويا هي توفير مزايا ضخمة لأقلية (محظوظة او مقربة) في حين تعيش الاغلبية الساحقة في بؤس شديد.. وقد ادى التوسع في منح البدلات والمكافآت وحوافز اللجان والظروف النقدية الى ربطها بصميم المال العادي للمستخدم بحيث اصبح الراتب الاساسي والأجر بالهيكل الراتبي اشبه بالحق المكتسب ولا يهتم بأمره احد. فمن الحوافز المقررة لاعضاء المجلس الوطني القومي المحترمين مثلا (حافز حضور الجلسة) حوالي ثلاثة آلاف ج.س فقط اي اكثر من الحد الأدنى لمعاشي التأمينات الاجتماعية للمعاش في الشهر وفي النهاية نجد ان المستخدم لا يقوم بأي عمل من اعمال وظيفته الا مقابل مكافأة خاصة. ومعروف ان كل ما يدفع خارج الموازنة لا يخضع للقواعد الرقابية المتعارف عليها وفضلا عن ذلك فان العديد من المزايا التي يمكن ان يتمتع بها مستخدم من خارج الموازنة يتوقف في معظم الاحوال على رضا الرؤساء. فنقل مستخدم من مكان لآخر قد يعني زيادة دخله او العكس ، تخفيضه، ولا يملك المستخدم سوى الصمت والإذعان لمن يملك عليه مقدرات حياته. اختل نظام الأجور في السودان تماما، وظهرت اخيرا العقودات الخاصة، فوق الهياكل الراتبة ، دلالة الشكلية، وهي افظع اشكال عدم المساواة في الرواتب والاجور والذي يقابله العاملون بالتندر والقصص الطريفة والأسى ايضا، حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. نحن في الحقيقة امام عاملين لا حقوق لهم ورؤساء بلا مسؤولية ولا يسألهم احد. وهذا من اكبر المخاطر التي تعرض مفهوم العدالة والكفاءة للاهتزاز وحتى السقوط نهائيا.. فالرواتب الاساسية غير كافية والعناصر الاخرى للراتب ضرورية!. فيكون المطلوب هو المراجعة العامة لنظام الاجور بحيث يصبح الراتب الاساسي هو العنصر الرئيسي في دخل المستخدم وبحيث يكون مستحقا بحكم القانون وليس العكس ان تصبح العناصر الاخرى الاضافية هي الاصل. ان العاملين يجب ان ينتبهوا لهذه المسألة، فهم في جريهم وراء زيادة الاجور والرواتب قبلوا بالبدلات والحوافز وخلافها، وهي رغم استقرارها السنوات يمكن لأي مسؤول ان يقرر تقييمها او حتى الغاءها فجأة، ويظل الهيكل الراتبي الفقير كما هو فتختل دخول العاملين وتنقلب حياة كل مستخدم رأسا على عقب ولن يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم التي قدروها على اساس دخولهم التي ظنوا انها حقيقية ولن تتهاوى او تبيد على حين غرة حتى الاحالة للتقاعد.. ودلالة ذلك الحق المكتسب في ايام الاجازة السنوية الذي تمت مصادرته عيانا بيانا في العام 2008م، بنقص ايام الاجازة بأكثر من نسبة 30%. بسبب جعل ساعات العمل القانونية ، كما قررتها المعايير الدولية! فالوجهة الصحيحة لمطالب العاملين هي الهيكل الراتبي كنظام واحد للاجور ، ومتى ما كان الراتب الاساسي محترما ومدروسا فانه من الممكن منح حوافز للاعمال الاستثنائية او الاضافية بما لا يطغي على الراتب الاساسي.. والطبيعي الا تزيد المكافآت او الحوافز عن نسبة محدودة من الراتب الاساسي فالمستخدم يحصل على مرتبه مقابل هذا العمل. ولا يخفى على الحكومة ولا اتحاد العمال ان اصلاح حال العاملين هو اصلاح جزء مهم في الساحة السياسية واستقراره ضرورة ووسائله غير خافية: عدالة الرواتب والاجور واعادة النظر في نظام الاجور ومستوياتها ومستويات الرواتب الاساسية وجعل حد الفقر او حد الكفاف من معايير تحديد الاجور، والتدقيق في زيادة الرواتب والاجور بنسب موحدة ولا ارغب في الحديث عن مخصصات كبار رجال الدولة (العربات واثاثات المكاتب المستوردة) ولا واجب تضمين عائدات الخصخصة في الميزانية العامة ضمن الحساب الختامي بعد توريدها لحساب الحكومة الرئيس بوزارة المالية، كما لا اجد اية ضرورة للتأكيد على معرفة الحكومة واتحاد العمال بكل ذلك منذ مناقشة الجمعية العامة للامم المتحدة (الدورة 58) لمبدأ الانصاف عند تعديل الرواتب والاجور وتوصياتها من الرقم (31) إلى رقم (36).. محمد علي خوجلي