Monday, May 26, 2008

التحالفات المؤقتة واللجان الثنائية .. بديل العمل الجماهيري (1-4)

التحالفات المؤقتة واللجان الثنائية .. بديل العمل الجماهيري (1-4)

محمد علي خوجلي

بعد انقضاء نصف الفترة الانتقالية تنتقل الاحزاب والتنظيمات السياسية خارج السلطة السياسية لنصف حزب الحركة الاسلامية، شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة، من مرحلة التحالفات واللجان الثنائية مع شريحة الرأسمالية في الحكم (واقامة التحالفات واللجان الثنائية قررتها قيادات الاحزاب والتنظيمات!!) وهذه هي النقطة الثالثة من المقال الذي يحاول ايجاد مفهوم للمصالحة والوحدة الوطنية بين (الجمهور) والدولة خلافا لمفهوم (التصالح) بين النخب السياسية والحكومة.
وخلال هذا الانتقال تتم اعادة جدولة (اجراءات) التحول الديمقراطي. ومنها مؤامة الستين قانونا المعمول بها مع الدستور المؤقت، والتي قد تنجز باذن الله عشية اجراءات انتخابات الحكم المحلي، بعد انجاز الاحصاء السكاني وعودة النازحين واللاجئين بما فيها (الحواكير) الى اخر ما هو معروف، وفي نفس الوقت تواصل شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة تنفيذ استراتيجية تمكين سلطتها السياسية ديمقراطيا وتزكية اموال الشعب بالف وسيلة وميادين نشاطها هو الجمهور في اطراف المدن او القرى وداخل الاحياء ومن كافة الفئات الاجتماعية (الجيوش المفترضة للقوى السياسية خارج السلطة السياسية الفعلية) ونذكر انه لهذا السبب اموال الشعب في قبضة حزب واحد، قال د. الترابي في لقاء بورتسودان ان التفاوض مع المؤتمر الوطني يبدو صعبا.
واللجان الثنائية في الحقيقة هي اعادة حوارات لقضايا اصلا تم الاتفاق عليها واذا كان هناك جديد فهو تنوع وتعدد الغرف وتصوير الاحداث التاريخية والمقابلات الصحفية والتلفزيونية الفريدة واخص بالذكر قناة الشروق التي تنافس صحف (بالقلم والصورة) فاحزاب التجمع الوطني الديمقراطي عندما يدخل كل حزب منها منفردا، الان، في لجنته الثنئاية، مع نصف حزب الحركة الاسلامية الحاكم لن يضيف شيئا الى نتائج الحوارات التي كانت مغلقة، ولن يزيد على ما تم التوصل اليه في (اتفاق المصالحة الوطنية بين الحكومة والتجمع في 4/12/2003م) والذين اطلقوا عليه اتفاق جدة الاطاري او (اتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل بين التجمع والحكومة) والذي يحبون ان يطلقوا عليه اتفاقية القاهرة ولكنا لا نرغب في تغيير او اختصار اسمه، وحوار حزب الامة القومي الجديد لن يأتي بجديد يضاف الى ما تم الاتفاق عليه قبل او بعد (نداء الوطن) مع حزب الحركة الاسلامية الحاكم او نصفه الحاكم الان.
المزاج العام للجمهور لم يتقبل حكاية (نصف معارض ونصف حاكم) مثلما التندر على اللجان الثنائية، وقد انتبه الشريكان لذلك خاصة بعد (السداسية) فكان حل اللجان الثنائية وقيام (اللجنة المشتركة).
ونذكر ان مؤسسة الرئاسة قررت في 19/12/2007م، تشكيل ثلاث لجان للمصالحة الوطنية وتعديل القوانين وقانون الشرطة وحددت يوم 7/1/2008م، لاجتماع اللجان، كما اقامت لجان اخرى للمصفوفة ولكن في 14/1/2008م، قرر حزبا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حل كل اللجان الثنائية وتحويل مهامها الى (اللجنة السياسية التنفيذية المشتركة) واقر الطرفان باحالة كافة المهام وصلاحيات اللجنة السداسية واللجان الاخرى للجنة السياسية التنفيذية المشتركة.
وعلى الرغم من ان الجمهور يعلم تماما قدرات د. الترابي الفائقة في المناورات السياسية ولكنه (انبسط) عندما اكد المؤتمر الشعبي (المعارض) لنصف المؤتمر الوطني (الحاكم) انه لن يلتقي بنصف الاخرون وان د. الترابي لن يلتقي بالرئيس البشير (الا اذا) والتي جاءت على مستويين في المستوى الاول (الا اذا كان هناك لقاءا جماعيا بكافة القوى السياسية في اطار المصالحة الوطنية) اما في المستوى الثاني فانه لن تنعقد لقاءات ثنائية (الا اذا) تم بسط الحريات العامة وتم اطلاق سراح جميع المعتقلين، واللا مركزية في الحكم، والانتخابات النزيهة من القواعد وحتى رئاسة الجمهورية والولاية على المال العام (.) ويجوز ان تكون (الا اذا) احد الاحزاب والتنظيمات السياسية: اصدرت رئاسة الجمهورية قرارا باعادة جميع المفصولين منذ 30 يونيو 1989م، مدنيين وعسكريين وفي القطاعين العام والخاص والغاء قرارات الفصل واعتبارها كأن لم تكن فهذا يتفق مع (المزاج العام)!
والتحالفات السياسية المؤقتة عرفتها الساحة السياسية السودانية منذ قيامها وبكافة الاشكال ولاغراض واهداف مختلفة عرفت التحالف بين الاشباه: احزاب اليسار والشيوعيين والمكون الثاني للساحة السياسية في السودان، نقابات العمال، واتحادات الزراع والطلاب والمهنيين وتنظيمات النساء والشباب من جهة واحزاب اليمين التقليدي والحديث وادواتهم من جهة اخرى.
وفي مرات نادرة قامت تحالفات سياسية مؤقتة ضمت كل الوان الطيف السياسي، او كما يقولون ومنها جبهة احزاب المعارضة ابان الحكم العسكري الاول والتي اشرت في النقطة الثانية من المقال لظروف تكوينها ودوافع اطرافها المتباينة الى اخر..
وبسبب انفراد شريحة من الرأسمالية الجديدة بالسلطة السياسية عن طريق العنف المسلح وممارساتها لكل انواع القمع السياسي وغير السياسي ضد (الاغلبية) بما في ذلك شرائح الرأسمالية الاخرى قامت التحالفات السياسية (الجامعة) لكل الفئات الاجتماعية خارج السلطة السياسية لاستفادة الديمقراطية او اذا شئنا الدقة استعادة السلطة السياسية القديمة القيادة الشرعية للقوات المسلحة، واتحاد العمال الشرعي واتحاد الموظفين الشرعي الى اخر الذي كان زمان، وكانت الوسيلة الاولى (نزع السلطة) بالقوة وما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، و سلم تسلم، ولحدوث متغيرات كثيرة بالبلاد وبسبب (الاثر الخارجي) الذي له علاقة كبيرة بالتمويل والتسليح استبدلت التحالفات السياسية المعارضة وسائلها بالاتجاه نحو تفكيك النظام (بالتفاوض) بدلا من (نزع) السلطة بالقوة بما في ذلك (الانتفاضة المحمية).
اننا لا نهمل التطورات التي اوصلتنا لحالة اللجان الثنائية وعلينا ايضا الانتباه للمتغيرات التي طالت العناصر المكونة للساحة السياسية السودانية فهي المفتاح لتجديد الخط السياسي والخطاب السياسي والخط التنظيمي وكذلك التحالفات المؤقتة واهدافها وارتباطها بالعمل الجماهيري المتنوع وهذا من التحديات الاساسية التي تواجه قضية التجديد في نظرية (الحزب) .
دخلت الحركة الشعبية الساحة بعلاقات جديدة لم تألفها قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية الذين ظلوا في مواقعهم القيادية لعقود طويلة ومنها علاقة الحركة الشعبية بحزب الحركة الاسلامية الحاكم بمقتضى اتفاقية السلام وهذه العلاقة لا نستطيع وصفها بالتحالف وفي نفس الوقت لا نستطيع وصفها بأنها نصف حاكم ونصف معارض، وهي لم تدخل الساحة السياسية صدفة، وجاءت محملة بافكار ومكاسب للجمهور اقلها وثيقة الحقوق الدستورية المؤقتة، كما شكلت الحركات المسلحة الدارفورية الى جانب الحركة الشعبية وكذلك حركات الشرق وخلافها مكونات جديدة في الساحة السياسية كثير من قياداتها وجمهورها كان من قيادات وجمهور الاحزاب والتنظيمات السياسية القائمة قبل عام 1989م، ويزيد تعقيد الوضع انه بالرغم من اهميتها في الساحة السياسية السودانية الا انها لم تتمكن بعد من التحول الى تنظيمات سياسية بالمعنى المعروف، ولا تزال تحت تأثير القيادات العسكرية ومجالس الحرب، وكل ذلك يأتي خلافا لمكونات الساحة السياسية القديمة والتحالفات المؤقتة التي قامت وقتها.
ومن مستجدات الساحة السياسية السودانية التي لم تجد الاهتمام الكافي الاندثار الكامل لحزب الطبقة المتوسطة والذي مثله في التاريخ الحزب الوطني الاتحادي قبل تحول قيادته وانساجمها في حزب طائفة الختمية (حزب الشعب الديمقراطي) الذي استند تكوينه على انقسام الكتلة البرلمانية للحزب الوطني الاتحادي عام 1956م، والائتلاف مع حزب الامة القديم ليصبح حزب الاغلبية (اقلية معارضة) ويقوم من بعد ذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي تحت هيمنة طائفة الختمية ومصالح قيادة الطائفة كاحدى شرائح الرأسمالية السودانية.
ومن بعد انقلاب حزب الحركة الاسلامية على السلطة عام (1989) لم يتوقف امرالساحة السياسية السودانية في هذه الحدود بل تخطاها نحو مكونها الثاني (العمال والمزارعين والمهنيين والفنيين) الى اخر والذي اصابه الوهن بما هو معلوم، الفصل الجماعي، ترسانة القوانين التي تصادر او تقيد حرية النشاط وحق التنظيم، وحق الممارسات المالية والاقتصادية للدولة التي جعلت جمهور المكون الثاني للساحة السياسية في حالة بحث دائم عن (لقمة العيش) و (علاج الاسرة) و (تعليم الاولاد) خارج البلاد بالهجرة او اللجوء السياسي او داخلها وهم يواجهون اثار الفقر والكدح الذي ليس من اولوياته النشاط السياسي القوي (الجماهيري) ومن جهة ثانية فان كل القوى الحية القادرة على الكفاح من اجل حقوقها الطبيعية او حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ظلت تحت اسر وقيود من نوع جديد، اسرتها اولا التحالفات التي تجعلها في (حالة انتظار) لنهاية النظام بالقوة العسكرية، وقيدت حركتها في ما بعد واستمرار (حالة الانتظار) لما تسفر عنه المفاوضات والتفكيك بالتفاوض، والان يتم اعتقال الحركة الجماهيرية جماعيا في انتظار نتائج (اللجان الثنائية) مع انه من البديهيات ان رد الحقوق ورفع الغبن وازالة الضرر ان يصل اليه اي تفاوض اذا لم يكن مرتكزا على ظهر حركة جماهيرية تجمع كل فئات المتضررين من سياسات الشريحة الرأسمالية الحاكمة.
اثار سالبة اخرى ضربت الساحة السياسية السودانية بسبب غياب الديمقراطية الداخلية في معظم الاحزاب والتنظيمات السياسية ومن تلك الاثار اقامة تكوينات حزبية جديدة عن طريق تيارات داخلها وكثير منها اتخذ له مواقع الى جانب الحكومة، وهناك من اتجه نحو اقامة التنظيمات القبلية والجهوية لاسترداد الحقوق بخلاف صراع التيارات المتعاظم وغير المحسوم داخل تلك الاحزاب، ان المحصلة النهائية والتي تثير الفزع هي تواصل الانفصال بين قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية وجماهيرها قبل عضويتها، حيث لم تعد تلك القيادات في معظمها تمثل مصالح الجماهير في اغلبيتها المفصولين وفاقدي الوظائف والبطالة والمعاشيين والفقراء والمعدمين .. اما العمال فلا قيادة تمثلهم لانه لا توجد طبقة عاملة في السودان او كما يقولون الى آخره.
وقيادات الاحزاب الرأسمالية (الكبيرة) تسعى دائما للعمل المشترك او التحالف المؤقت مع الاحزاب الصغيرة التي هي في الغالب (قومية) او (اليسارية) في حالة المعارضة والعكس صحيح في جانب الحزب الحاكم، والتي تؤثر في الساحة السياسية بحكم تواجدها بين قواعد العاملين والجماهير في مختلف المواقع ولكن الاحزاب الكبيرة تتخلص من تلك الصغيرة في اول سانحة، وفي حالتنا: اللجان الثنائية ولذلك لم اصدق ان (التضامن الديمقراطي المتحد) الذي جاءت اخباره بجريدة اخبار اليوم (18/1/2008م) بأنه سيكون بمثابة تنظيم معارض جديد وسيعقد مؤتمرا صحفيا لاعلان قيادته الى آخره .. لانه لم يخرج من حيث طريقة التكوين من شاكلة التحالفات الفوقية المؤقتة التي سبقته والتي لا يعلم احد عنها شيئا بعد الاعلان عن قيادتها كما لم يتجاوز اهداف التحالفات التي تعلن بين اونة واخرى: مراجعة اجهزة الدولة لتصبح قومية وخاضعة للدستور والقوانين ووحدة البلاد واقامة الدولة المدنية الديمقراطية والتوزيع العادل للسلطة والثروة والدعوة لتنفيذ جميع الاتفاقيات وهو ذات ما يطرحه حزب الحركة الاسلامية الحاكم، واعتقدت منذ الوهلة الاولى ان مكونات التضامن او بعضها يرغب في اقامة (لجان ثنائية) مع شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة بعد ان تناست الاحزاب (الكبيرة) حلفاءها من الاحزاب (الصغيرة) وهذا ما حدث وبعد ايام قليلة اوضح احد قيادات (تقدم) التضامن الديمقراطي المتحد مباركة الحوارات الثنائية وطالب (بتوسيع) دائرة الحوار مع انه كان يمكنهم طلب الحوار الثنائي مباشرة خاصة وان حزب الامة القومي يصف الحوار الثنائي بأنه يأتي في اطار الاتفاق على اجندة وطنية وتهيئة المناخ والاستعداد لملتقى جامع متفق عليه وان الحوار يتداول قضايا: السلام، دارفور، الحريات العامة، والانتخابات اي ما يتحدث ويكتب عنه الناس يوميا.
واكدت التجربة ان قيادات الاحزاب الرأسمالية بتحالفاتها المؤقتة مع الاحزاب الاخرى قومية او يسارية او شيوعية تستفيد من اثر العمل الدعائي بالعمل المشترك والذي يصور قيادات الاحزاب الرأسمالية في غير صورتها، وجميع التحالفات المؤقتة للقوى متباينة الاهداف لمناهضة الديكتاتورية العسكرية او الحكومة الشمولية تقدم خدمات مجانية لقيادات احزاب شرائح الرأسمالية التي لا مصلحة لها في (ازالة النظام) ولا قطعه من جذوره ولا مصلحة لها في (التغيير) بل ان مصالحها في المحافظة على النظام والائتلاف او حتى وحدة شرائح الطبقة الواحدة في الاحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة..
والمهم ان كل التحالفات السياسية التي قامت منذ عام 1989م، هي تحالفات مؤقتة وفوقية وتكتيكية، ومن غير المتصور ان يكون اي منها تحالف استراتيجي كما يصف بعض قادة التجمع الوطني الديمقراطي تحالفهم، والتأكيد اليومي على بقائه واستمراره (تحالفا استراتيجيا) باقي ما بقيت السياسة في السودان (اي حتى يوم القيامة)
وكل هذه الضجة والتأكيد على (البقاء والاستمرارية واعادة الهيكلة) وضم حزب الامة القومي للتجمع وقائمة الانتخابات الموحدة، هدفها اخفاء حقيقة انه لا توجد اية اختلافات جوهرية في الافكار التي تحملها معظم قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية (الحاكمة) والمعارضة الكبيرة والحقيقة انهم في معسكر واحد، ليس هو معسكر الشعب، واخص بالذكر احزاب التجمع الوطني الديمقراطي والمثال العملي (اتفاق المصالحة بين التجمع الوطني والحكومة في عام (2003) واتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل بين التجمع الوطني الديمقراطي والحكومة في عام 2005م، ونواصل الجزئية الثانية.
مصادر اجزاء المقال الاربعة:
1.
د. التجاني عبد القادر (رأي الشعب(.
2.
كمال الجزولي (سودانايل عام 2003م(.
3.
موقع حزب الامة على الشبكة.
4.
أ. عوض الكريم موسى (تناقضات الصادق المهدي(.
5.
حسن مكي (الحركة الاسلامية في السودان(.
6.
الصادق المهدي (المصالحة الوطنية، البديل(.
7.
الصحف اليومية المحلية.
8.
بيانات قوى سياسية مختلفة.

No comments: