Wednesday, June 18, 2008

كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي؟

كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي؟

تاج السر عثمان alsirbabo@yahoo.co.uk

الأيام 3-5-2008

الأستاذ تاج السر عثمان أثار موضوع المنهج الماركسي الذي ورد في مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني لبسا لدي الكثير من القراء كما وضح من التعليقات التي برزت في الصحف السيارة، على سبيل المثال كما جاء في تعليق د. الطيب زين العابدين في صحيفة الصحافة بتاريخ 20/ابريل/2008م، وتهدف هذه المساهمة إلى تسليط الضوء على هذا الموضوع بما يسهم في توضيحه على المستوى النظري والممارسة.

فكيف تناول مشروع التقرير السياسي المنهج الماركسي؟

جاء في مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني حول المنهج الماركسي ما يلي (ومن المعروف أن الماركسية ليست علما تطبيقيا، وإنما هي منهج يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع).

كما يرد في فقرة أخرى من المشروع (جوهر الماركسية هو منهجها الجدلي لدراسة الواقع).

كما يرد أيضا في فقرة أخرى من مشروع التقرير(والمنهج الماركسي لدراسة الواقع، وصولا للقوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع، قادر على تجديد نفسه على الدوام، انه منهج قابل للتعديل حذفا وإضافة وفق ما تمليه ضرورة تجدد الواقع وحصاد التجارب النضالية والتطورات في العلوم الطبيعية والإنسانية).

وفي فقرة أخرى من مشروع التقرير يرد( والواقع أن المفاهيم الأساسية للماركسية غدت اليوم جزءا لا يتجزأ من نسيج العلوم الاجتماعية المعاصرة، فالمفهوم المادي للتاريخ مثلا قد أصبح أساسا للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيرا من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم، ويتزايد الاعتراف بأثر أسلوب الإنتاج المادي على البناء الفوقي، وفي العلوم السياسية يتأكد أن العوامل الداخلية لها قصب السبق والصدارة في استقرار وتطور أنظمة الحكم قبل العوامل الخارجية).

تثير هذه الفقرات التي تم اقتطافها من مشروع التقرير السياسي الارتباك للقراء ويتساءل الملمون بأبجديات الماركسية، ما معنى أن المنهج الماركسي يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع؟ وماذا بعد دراسة الواقع؟ هناك مدارس بورجوازية تستخدم المنهج الماركسي وغيره لدراسة الواقع، فما الفرق بينها وبين دراسة الأحزاب الشيوعية للواقع؟. وما معنى أن المفهوم المادي للتاريخ مثلا قد أصبح أساسا للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيرا من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم، وماذا بعد؟ وماذا بعد دراسة الواقع والوصول إلى القوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع؟. وغير ذلك من الأسئلة الحائرة التي أثارتها صياغة المنهج الماركسي في مشروع التقرير السياسي.

معلوم أن ما يميز المنهج الماركسي (الديالكتيك المادي) عن بقية الفلسفات والمناهج السابقة لها أن المنهج الماركسي لا يسعى لفهم ودراسة الواقع فقط، بل من اجل تغييره . يقول ماركس (كل ما قام به الفلاسفة في السابق هو تفسير العالم بطرق مختلفة، بيد أن المطلوب تغييره) (ماركس: موضوعات عن فورباخ، رقم (6)). وبالتالي، فان الماركسية ومنهجها الديالتيكي المادي لا غنى عنها للمناضلين الثوريين الذين يستهدفون تغيير الواقع وتجديد مجتمعهم إلى الأفضل، بعد دراسة وفهم واقعهم.

وبالتالي، فان المنهج الماركسي يتوسل للتغيير بدراسة الواقع، تلك الدراسة المنبثقة من الخبرة والممارسة والتنظيم والنشاط العملي، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور وتخصب النظرية.

والمنهج الديالكتيكي كما أشار ماركس في مقدمة الطبعة الثانية لمؤلفه (رأس المال)، الديالكتيك (يتضمن في شموله وحسمه إدراك الحالة القائمة للأشياء، وفي الوقت نفسه أيضا إدراك معنى تغير هذه الحالة وزوالها الحتمي، لأنه يعتبر كل شكل اجتماعي متطور تاريخيا في حركة دافقة، وبذلك يضع في حسبانه طبيعته الانتقالية وبنفس الدرجة وجوده المؤقت،لأنه لا يترك شيئا يفرض عليه، ولأنه في جوهره ثوري ونقدي).

هذا ويكمن كل الهجوم على الماركسية في هذه النقطة حيث أشارت الماركسية إلى أن التشكيلة الرأسمالية مرحلة عابرة في التاريخ، وأنه من أحشاء المجتمع الرأسمالي سوف تبرز قوى التغيير والتي تتمثل في قوى الكدح العضلي والذهني والتي تتعرض للاستغلال الرأسمالي بامتصاص فائض القيمة منها، وأن التناقض الرئيسي في المجتمع الرأسمالي بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والتملك الفردي لوسائل الإنتاج سوف يحل في المجتمع الاشتراكي الذي ينفي ديالكتيكيا الرأسمالية.

كما يشير انجلز في مؤلفه: (انتي دوهرينغ) (الديالكتيك يدرك الأشياء وصورها الذهنية، الأفكار، أساسا في علاقاتها المتبادلة، في تتابعها، في حركتها، في ميلادها وفنائها).

كما يتعارض المنهج الماركسي مع الرأي القائل أن الإنسان نتاج سلبي للبيئة، بل يؤثر فيها ويعمل على تغييرها، يقول ماركس (ان المذهب المادي الذي يقول أن الناس نتاج ظروفهم وتربيتهم، وبالتالي، ان الظروف المتغيرة والتربية المتغيرة ستخلف أناسا متغيرين، ان هذا المذهب ينسى أن الناس بالتحديد هو الذين يغيرون الظروف، وان الذي يعلم يجب عليه أن يتعلم هو أيضا (ماركس: موضوعات عن فورباخ (3)).

كما يعطى المنهج الماركسي أهمية فائقة للعلاقة المتبادلة بين المادة والوعي( الواقع والفكر)، المادة تحدد الوعي ولكن للوعي استقلاله النسبي، ويعمل على التأثير في الواقع ويعمل على تغييره، ومن هنا جاء قول ماركس ( ان الأفكار تصبح قوة مادية عندما تتملكها الجماهير). وبالتالي لم أفهم ما جاء في فقرة أخرى من مشروع التقرير السياسي حول اثر المنهج الماركسي( ولعل مأثرة الحزب الشيوعي السوداني تكمن في استطاعته عبر اجتهاداته المتواصلة، ترجمة الماركسية إلى لغة مفهومة لجماهير شعبنا رغم واقع التخلف وضعف الطبقة العاملة الصناعية…). لا اعتقد أن الأمر كذلك ( ترجمة الماركسية إلى لغة مفهومة لجماهير شعبنا..)، ولكن الحزب تناول المنهج الماركسي باستقلال وفق خصائص وظروف البلاد وتصدى للقضايا التي واجهها شعبنا، واسهم في إدخال الوعي في صفوف الجماهير بمصالحها ومطالبها، حتى تملكتها الجماهير وأنشأت تنظيماتها التي توسلت بها للدفاع عن مصالحها، وقد لخص عبد الخالق محجوب ذلك في سؤال نميري له أثناء محاكمته بعد أحداث يوليو 1971م: ماذا قدمت للشعب السوداني؟ وكان رد عبد الخالق: الوعي ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

كما توصل الحزب الشيوعي في مؤتمره الرابع في أكتوبر 1967م، إلى صيغة التطبيق الخلاق والمستقل للماركسية على واقع السودان من اجل دراسته وفهمه وتغييره، باعتبار ذلك هو الذي يؤدى إلى تحويل الحزب الشيوعي إلى قوة جماهيرية، وفي تنمية خطوطه السياسية والجماهيرية وفي اكتشاف الأشكال الملائمة للتنظيم.

والواقع أن المنهج الماركسي ينظر للظواهر بذهن مفتوح وبدون تصورات مسبقة، وهو يعنى دراسة الأشياء كما هي عليه حقا، في علاقاتها المتداخلة وحركتها الحقيقية، أو كما يقول لينين: التحليل الملموس للواقع الملموس. وأن المنهج الديالكتيكي ما هو إلا المنهج العلمي في أوسع معانية.

كون استخدام الحزب الشيوعي السوداني للمنهج الماركسي أو المنهج العلمي، فان ذلك لا يعصمه من الأخطاء، ولكن في حالة حدوث الاخطاء يتم تحليل الظروف والشروط التي أدت إليها ونقدها، وبالتالي فان منهج الديالكتيك نقدي وثوري ولايعرف الحقيقية النهائية. يقول د. الطيب زين العابدين في تعليقه على مشروع التقرير السياسي (الصحافة: 20/4/2008م، العدد 5326) : ( الواقع التاريخي يشهد بأن المنهج الماركسي لم يعصم الحزب الشيوعي من ارتكاب أخطاء سياسية فادحة مثل معارضة اتفاقية الحكم الذاتي في 1953، وخوض انتخابات المجلس المركزي في عهد الجنرال عبود، وتأييد انقلاب نميري في مايو 1969، ومحاولة الاستيلاء على السلطة في انقلاب 19/يوليو/1971، لقد برهنت تلك الأخطاء أن المنهج الماركسي لا يجعل الحزب الشيوعي فوق الأحزاب الأخرى سدادا في التحليل والاستنتاج السياسي، بل لعله يقل عنها لأنه يدعى علمية خارقة لا يأتيها الباطل بين يديها، ويدل انهيار الاتحاد السوفيتي وكل دول الكتلة الشيوعية في شرق أوروبا أن أخطاء قراءة الواقع السياسي الاجتماعي ليس وقفا على الحزب الشيوعي وحده).

كما أشرت سابقا، في حالة الخطأ، فان المنهج الماركسي يؤكد على ضرورة الاعتراف بالخطأ وتحليل الأخطاء واستخلاص دروسها والتعلم منها بدلا من التستر عليها، وهذا هو الفرق بين المنهج الماركسي ومنهج الحركة الإسلامية التي لا تعترف بالأخطاء الجسام ناهيك عن نقدها، التي وقعت فيها مثل: مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965، وجرائم انقلاب يونيو 1989،..الخ، صحيح أن الحزب الشيوعي السوداني ارتكب أخطاء، ولكن انتقدها جماهيريا مثل: الموقف الخاطئ من اتفاقية 1953، وتقدير جانبها الايجابي من زاوية انها جاءت كنتاج لنضال الشعب السوداني، كما اصدر الحزب الشيوعي السوداني تقييمه لانقلاب 19/يوليو/1971م والذي يحتاج إلى استكمال كما أشار التقرير السياسي. وفي مشروع التقرير السياسي الحالي نقد واضح لتأخير عقد المؤتمر الخامس 40 عاما.. الخ. وكون فشل النماذج الاشتراكية الستالينية في بلدان لاتحاد السوفيتي وشرق اوربا، فلا يعني ذلك فشل الماركسية، ولكن يتم استخدام المنهج الماركسي نفسه في تحليل وتوضيح أسباب الفشل واستخلاص الدروس اللازمة من ذلك، وهذا ما أشار إليه مشروع التقرير السياسي، وتعكف الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في العالم على دراسة تلك التجربة واستخلاص دروسها، لبناء نماذج اشتراكية إنسانية تتوفر فيها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

هذا إضافة إلى أن المنهج الماركسي لا يدعي أنه يمتلك الحقيقة النهائية والمطلقة، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما أشار د. الطيب زين العابدين. فالمنهج الديالكتيكي أو الماركسي يتعارض مع فكرة الحقيقة النهائية أو المطلقة.فشأنه شأن المنهج العلمي تكون الاجتهادات دائمة التجدد والانفتاح لقبول التحديات والاستعداد للتخلي عن كل ما هو عتيق عند ظهور ما هو أفضل منه.

والواقع أن اختزال( المادية الديالكتيكية) في الفترة الستالينية في نصوص ذات طابع علمي أفرغت الواقع المادي من محتواه، بحيث جعلته في وحدة ثابتة نهائية، أضرت بالمنهج الماركسي وجردته من محتواه العلمي والنقدي، وأصبح أداة لتبرير الواقع بدلا من نقده وتغييره إلى الأفضل.

على أن جوهر المنهج الماركسي هو دراسة الواقع بهدف معرفته للتأثير فيه وتغييره. والواقع أن ماركس وانجلز لم يقدما بيانا منهجيا كاملا عن منهج الديالكتيك المادي أو المنهج الماركسي، بل استخدما هذا المنهج خيطا هاديا ومرشدا في أبحاثهما ودراساتهما، وتوصل ماركس وانجلز في مؤلفهما( الإيديولوجية الألمانية) إلى اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ، والذي وصفه انجلز على قبر ماركس: أنه مثلما اكتشف دارون قانون تطور الأنواع بالانتخاب الطبيعي، اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع البشري.

كما استخدم ماركس المنهج الديالكتيكي والمفهوم المادي للتاريخ في مؤلفه (رأس المال): وبعد دراسة باطنية شاقة وملموسة لتطور الرأسمالية في انجلترا والتي وصلت القمة في المجتمعات الرأسمالية يومئذ، اكتشف ماركس قانون فائض القيمة الذي وضح جوهر الاستغلال الرأسمالي. بهذين الاكتشافين تحولت الماركسية إلى علم، والعلم لا يعرف الحقيقة النهائية. وبعد ماركس جاء إسهام لينين الذي فسر الظواهر الجديدة التي أفرزتها الرأسمالية في المرحلة الاحتكارية، كما أسهم غرامشي في تطوير الماركسية من خلال التركيز على دور البنية الفوقية واستقلالها النسبي، ودور العامل الثقافي في التغيير ..الخ.

واللبس أيضا جاء من حديث التقرير السياسي الكثير وغير الدقيق عن المنهج الماركسي وبطريقة دعائية دون استخدام هذا المنهج في تحليل التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والطبقية التي نشأت في الفترة(1967- 2007)، وتوضيح المتغيرات التي نشأت في الواقع السوداني في هذه الفترة، رغم الدراسات الكثيرة التي أنجزتها اللجنة الاقتصادية للحزب الشيوعي السوداني في هذه الفترة مثل: البنوك الإسلامية، النظام المصرفي، الزراعة الآلية وأثرها على الجفاف والتصحر، بروز الرأسمالية الطفيلية المايوية والإسلامية، البترول، قضايا الإصلاح الزراعي، إضافة للنقد السنوي للميزانية..الخ، إضافة لدراسات كثيرة أنجزت حول المتغيرات في هذه الفترة مثل دراسة أنجزها تاج السر عثمان خول المتغيرات منذ المؤتمر الرابع (الفترة:1967- 2005)، ونشرت في صحيفة الأيام (الفترة:21/10/2007- 24/10/2007م)، وإسهامات باحثين اقتصاديين مثل د.فاطمة بابكر ود. صدقي كبلو حول الرأسمالية الطفيلية على سبيل المثال، إضافة إلى عشرات الدراسات الأخرى، إضافة إلى ما جاء في التقرير السياسي لدورة أغسطس 2001 حول المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية، وما رصدته التقارير السياسية للجنة المركزية بعد انقلاب 22/يوليو/1971..الخ. ولازال هذا الواجب قائما: واجب استكمال الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني في هذه الفترة، في عملية واسعة تشترك فيها تنظيمات الحزب في المناطق لمعرفة المتغيرات في التركيب الاجتماعي والطبقي في البلاد، وذلك هو جوهر وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية ( التقرير السياسي للمؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني، أكتوبر 1967)، والذي يوضح: النتائج العملية والملموسة لطريق التنمية الرأسمالية التي سارت عليه البلاد في هذه الفترة(1967- 2007)، ويوضح حقيقة الأوضاع الاقتصادية والتي تحدد ميادين الصراع وأشكاله الطبقية المختلفة، والمستجدات في أشكال الصراع الطبقي والذي يأخذ أشكال سياسية واقتصادية وثقافية ونظرية. وتوضيح البديل الذي يطرحه الحزب الشيوعي السوداني استنادا إلى تلك الدراسة الباطنية، وهذا الواجب يظل قائما. وهذا هو جوهر المنهج الماركسي.

وكان من المتوقع أن يكثف التقرير الدراسة والنقد للفترة(1967-2007)، بدلا من الفترة(1956- 2007)، علما بأن الفترة(1956- 1967) غطاها التقرير السياسي للمؤتمر الرابع، وهذا خلل منهجي في التقرير، فالمطلوب متابعة المتغيرات منذ المؤتمر الرابع.

وبالتالي، فان مشروع التقرير السياسي الحالي جاء فاقدا لعظم الظهر الذي يتمثل في نقد الاقتصاد السياسي للتنمية الرأسمالية التي سارت عليها البلاد في الفترة بين المؤتمرين الرابع والخامس، ومعرفة المتغيرات في التركيب الاقتصادي والاجتماعي والطبقي والثقافي والاثني والنوعي..الخ، التي حدثت في البلاد، ورسم خارطة الطريق للتغيير استنادا لتلك الدراسة الباطنية الملموسة. والواقع أنه ما كان التقرير السياسي في حاجة للحديث الكثير عن المنهج الماركسي لو تمت تلك الدراسة الباطنية، وتوضيح ذلك عن طريق البيان بالعمل.

قامت الماركسية على نقد الرأسمالية، وطالما ظلت الرأسمالية قائمة بكل ركائزها، فان مشروعية النقد تظل قائمة، وبالتالي لا يمكن تجاوز الماركسية لأن الظروف التي ولدتها مازالت قائمة، كما كان يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر، وبالتالي مهم تكثيف نقد الواقع الرأسمالي المشوه الذي نشأ في السودان، بإحصاءات دقيقة، وتوضيح التفاوت في توزيع الثروة والتفاوت في التطور بين الأقاليم المختلفة والتفاوت في النوع ..الخ، كل ذلك ضروري من اجل التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وتوفير احتياجات الناس الأساسية (تعليم، صحة، خدمات (مياه، كهرباء.. الخ)، وتحقيق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل،.. الخ. فكلما كثفنا النقد للواقع الرأسمالي المؤلم في البلاد بإحصاءات دقيقة، كلما اقتربنا من جوهر المنهج الماركسي.

وخلاصة ما نود أن نقوله أن المنهج الماركسي أو منهج الديالكتيك المادي، يدرس الواقع من اجل فهمه واستيعابه وتغييره، وأنه يعتمد على الدراسة الباطنية الملموسة، على الأرض، للواقع، واستخلاص نتائج من الواقع لا من تصورات ذهنية مسبقة، ويتعامل مع الظواهر والمستجدات في الطبيعة والمجتمع بذهن مفتوح، ويتخصب بالحوار، دون الاستعلاء، مع التيارات السياسية والفكرية الأخر، وأنه في جوهره نقدي وثوري، كما أنه لا يدعى الحقيقة المطلقة والنهائية، وهو ينظر للظواهر في شمولها وحركتها وتغيرها الدائم، وهو طريقة في البحث، ويصل للحقائق من الواقع وبذهن مفتوح، ولا يخضع الواقع للنظرية، بل تخضع النظرية للواقع، النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغنى وتخصب النظرية، كما يأخذ في الاعتبار الخصائص والظروف التاريخية لكل بلد في الاعتبار، وأن هذا المنهج يتم تطبيقه تطبيقا خلاقا ومستقلا حسب واقع وظروف كل بلد، بالتالي هو في جوهره المنهج العلمي في أوسع معانيه.


كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم والجديد

كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم والجديد؟

تاج السر عثمان alsirbabo@yahoo.co.uk

الأستاذ تاج السر عثمانأشار مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، في معرض تناوله للعلاقة بين الكادر القديم والجديد، الي التغيرات الهيكلية التي طرأت في التركيب العضوي للحزب بصفة خاصة خلال سنوات الانقاذ والتي فاقمت من هذه القضية، والي أن: (الاعتقالات والفصل للصالح العام والهجرة واسعة النطاق الي خارج البلاد والتي شملت عددا كبيرا من أعضاء الحزب وكوادره واندثارعدد كبير من فروع الحزب في مجالات العمل والسكن وتعثر عملية البناء الحزبي في ظروف العمل السري ، قد لعبت الدور الأكبر والأساسي في حدوث هذه التغيرات الهيكلية).

كما أشار الي: ضعف فروع الحزب في الجامعات وذوبانها داخل الجبهة الديمقراطية واثر ذلك علي الزملاء الخريجين الذين تم توصيلهم لمجالات العمل والسكن. وكذلك اشار الي أن: هناك عدد كبير من اعضاء وعضوات وكوادر الحزب ارتبط بعمل المنظمات الطوعية المختلفة، وسجل غيابا عن فروع الحزب. لقد اجبرتهم ظروف كثيرة معلومة لممارسة النشاط واشباع التطلعات الثورية من خارج تنظيم الحزب.

ورغم أن التقرير أشار الي صمود الكادر الجديد ومقاومته لنظام الانقاذ وسلبيات ما يسمي بثورة التعليم العالي، الا أن التقرير خلص الي أن:

(الكادر الجديد تشكل وتخلق وتكون في ظروف ضعف العمل الحزبي بتقاليده وركائزه المعروفة، اما تحت ظل ذوبان الفرع في الجبهة الديمقراطية في الجامعات داخل السودان وخارجه أو بين العمل في المنظمات الطوعية أو بسبب الانقطاع فترة طويلة عن العمل الحزبي المنظم بأثر ضعف العمل في جبهة التوصيلات ، واستنادا الي ذلك فان التغيرات الهيكلية التي طرأت في التركيب العضوي للحزب ، وبالتالي في تركيب الكادر ، قد قادت بالفعل الي بعض مظاهر الاهتزاز في أساسيات ومبادئ وتقاليد العمل الحزبي، والي ضعف الترابط والتواصل بين الكادر القديم والجديد).

قضية العلاقة بين الكادر القديم والجديد ليست جديدة، جاء في وثيقة: الماركسية وقضايا الثورة السودانية(تقرير المؤتمر الرابع ، اكتوبر 1967) حولها ما يلي:

(والقاعدة أن كادرنا متمم لبعضه ويعمل في اتحاد اختياري رفاقي تجمعه الايديولوجية الواحدة والمصهر الواحد في النضال الثوري . حقا لكادرنا القديم سلبياته وكذلك للكادر الجديد. ولايمكن لحزبنا أن يتطور ، ولايمكن للكادر الجديد أن ينمو ، الا بهضم التجارب الثورية لحزبنا واستمرار تقاليده الثورية. وهذا يتطلب النضال علي اساس الماركسية اللينينية ضد السلبيات في كادرنا ككل وتمتين الوحدة بينه . يتطلب كما ذكرنا من قبل تنقية الحياة الداخلية لحزبنا وقيامها علي اسس ماركسية حقا في صراع الافكار المبدئي وبالمسئولية التامة ازاء قضية الحزب والثورة كما تشير الي ذلك لائحة حزبنا)( الماركسية وقضايا الثورة السودانية، ص 182، طبعة دار عزة، 2008).

· الخلل الأساسي الذي جاء في صيغة مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس هو التعميم علي كل الكادر الجديد ، في حين أن للكادر الجديد شأنه شأن الكادر القديم له ايجابياته وسلبياته، كما أن التقرير السياسي انطلق من تقييم ذاتي لا علاقة له بدراسة عميقة انجزت حول الكادر الجديد. نلاحظ علي سبيل المثال في مديرية الخرطوم ان 39% من الكادر انضم للحزب في فترة الانقاذ ، وهذا له دلالاته من حيث تصدي كادر شبابي للعمل القيادي والذي صارع بصلابة ضد نظام الانقاذ، رغم التعتيم الذي فرضه النظام علي هذا الجيل ، ويعكس تصدى كادر شاب للعمل القيادي بعد الهجرة الكبيرة التي شملت الكادر بعد الانقاذ ، وهذا يستوجب رفع قدرات هذا الكادر الفكرية والسياسية والتنظيمية حتي يواصل نشاطه القيادي باقتدار فهو مستقبل الحزب.

· اما الخلل الثاني في صيغة مشروع التقرير السياسي انه لم يعالج بعمق قضية الخلل في العمل القيادي، والتي كان من نتائجها التوتر بين الكادر القديم والجديد.

ونحاول في هذه المساهمة استكمال هذا النقص، في اتجاه توسيع وتعميق المناقشة.

وسوف نتناول في هذه المساهمة: مظاهر الخلل في العمل القيادي، جذور وأسباب الخلل، والمدخل الي الاصلاح.

اولا:تقديم:

تم تناول قضية العمل القيادي في وثائق الحزب في مناسبات مختلفة خلال الفترات التاريخية التى مر بها الحزب ، فمنذ تأسيس الحزب أشارت الوثائق الى اهمية تلك القضية باعتبار أن تقوية وتحسين العمل القيادي من الشروط الهامة لاستقرار الحزب وبنائه ، وضرورة الارتقاء بقدرات الكادر الفكرية والعملية وتنمية الكادر الجديد ، وارتباط الكادر بالواقع والتفكير المستقل وضرورة اشراك الكادر في رسم سياسة الحزب ومحاسبة اللجنة المركزية وتوسيع دائرة العمل القيادي وتوسيع الديمقراطية داخل الحزب ( دورة ل.م 1952 ). كما أشارت الوثيقة الى أنه في بلد كالسودان شاسع مترامى الأطراف وبظروفه الاجتماعية المتخلفة يتطلب وجود كادر بمستوى متقدم يمكنه من قيادة المناطق وتوسيعها وتطويرها دون التدخل المباشر من مركز الحزب ، وهذا أمر يعتمد عليه مستقبل حزبنا.

كما أشارت وثيقة المؤتمر الرابع ( الماركسية وقضايا الثورة السودانية ) الى ضرورة وجود جهاز حديث للحزب يتكون من مجموعة من المختصين في شئون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاعلام والنشر .. الخ ، كما أشارت الى ضرورة تأهيل وتدريب الكادر في فروع العمل الثوري التي يباشرها ، كما أشارت الى أن مستوى الكادر وقدرته على المشاركة الحقيقية في رسم سياسة الحزب الشيوعي هما الذان يحددان مستوى القيادة الجماعية ، كما أشارت الوثيقة الى ضرورة اختيار الكادر على أساس موضوعي يضع في الاعتبار صلابته في النضال وتاريخ نضاله العملي وكفاءاته لمواجهة الظروف المقبلة.

أما وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر ( دورة ل.م يونيو 1968 ) فقد أشارت الى أن القضية:

( هى انه اليوم بدخول بلادنا مرحلة جديدة من مرحلة التطور الديمقراطي ، اصبح الاصلاح في عمل الحزب يتطلب الشمول ، وينبعث من حاجة جوهرية : وهى أنه اذا لم يستطع الحزب الشيوعي ان يغير من حياته الداخلية ، وأن يطور هذه الحياة فسوف يصبح الحزب الشيوعي تنظيما بدائيا ومتخلفا ، ولايكون في مقدمة الاحداث ، بل يكون خلفها).

كما أشارت الوثيقة الى بناء مواقف الحزب على أساس العلم وامتحانها بالتجارب ، واستخلاص نتائج نظرية من هذه التجارب.كما أشارت الوثيقة الى ضرورة تطوير عملنا القيادي فيما يختص بالتحالف مع البورجوازية الوطنية والصراع ضدها حول مسألة قيادة الحركة الجماهيرية ، تطوير عملنا في القطاع التقليدي والجنوب ، منهج عملنا مع المثقفين ، الدين ، التنظيمات الديمقراطية : وكيف تكون جاذبة لجماهيرها ومتعددة في صورها واشكال عملها حتى تسهم في تغيير تركيب المجتمع.اضافة الى ضرورة تطوير عملنا القيادي والنظري فيما يتعلق بالارتباط الوثيق بين الحقوق الديمقراطية البورجوازية والديمقراطية الجديدة ، اضافة الى تحسين وتطوير العمل القيادي وتدريب وتاهيل الكادر العمالي والخط التنظيمي.هذا فضلا عن استقلال فرع الحزب حتى يكون القائد الحقيقي لجماهيره في الحى والعمل والمؤسسات الدراسية بدون الوصاية عليها.كما أشارت الوثيقة الى أن العمل القيادي اليوم يتطلب مستويات عليا من المعرفة الماركسية ويتطلب مستويات توجب اعمال الفكر وتوجب الانتاج وتوجب الاسهام المثمر في قضايا الحزب وقضايا الحركة الثورية . كما اشارت الوثيقة الى اهمية فرع الحزب والذي يعتبر عمليا لانظريا وحده وليس سواه هو القائد لكل نشاط يجري حوله والمسئول عنه ، لقد عانينا من هذا كثيرا ، عانينا من الوصاية التى تفرض على فرع الحزب ، فتطبع الحزب بطابع واحد عقيم وتسلب عضوية الحزب من ارادتهم وتجعلهم متفرجين في كل ما يختص به من افكار جديدة ، وتجعلهم يحجمون عن اثراء الحزب بافكارهم وتجاربهم ، وهذا الاتجاه الذي يصادر الديمقراطية المركزية يخلق السلبية ويحد من طاقة الفرع.

أما وثيقة في (سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر الرابع) ، دورة ل.م مارس 1969 م ، فقد أشارت الى أن : العمل النظري اصبح يشكل واجبا مقدما للنشاط القيادي ، وفي النشاط العملي واليومي لدى أعضاء الحزب الشيوعي. كما أشارت الى ضرورة العمل الجماهيري الصبور أداة للتغيير بديلا للتكتيك الانقلابي ، كما أشارت الى انه رغم انجازات المؤتمر الرابع في ميدان العمل النظري وفي تجميع الافكار حول قضية بناء الحزب الشيوعي ، وتطبيق الماركسية باستقلال على ظروف السودان ، ولكن المؤتمر لم يحل قضية القيادة الجديدة التى تجئ لسيادة تلك الافكار والانجازات ومعبرة حقا عنها.كما أشارت الى ( التناقض بين الوعي المنتشر بين أعضاء الحزب وبين القدرات الراهنة للنشاط القيادي في الحزب).

كما أشارت الوثائق الى ضرورة تطوير العمل القيادي بعيدا عن الصراعات غير المبدئية أو الصراعات الذاتية المدمرة للعمل القيادي.

بعد يوليو 1971 ، كان من أهم الدورات التى عالجت قضايا العمل القيادي في ظروف الردة وفي ضوء تكتيكات الحزب في تلك الفترة ، دورة يونيو 1975، أشارت الدورة الى دورفرع الحزب وتاهيله ووحدة الفكر والارادة والعمل وتحسين العمل القيادي في حياة الحزب الداخلية من الفرع وحتى اللجنة المركزية ، والارتقاء بالصلة بين القيادة والقاعدة وتحسين العمل القيادي في النشاط الجماهيري ، وتبسيط العمل القيادي واشكال الصلة مع الفروع بحيث تنساب في يسر وسلاسة وبدون حلقات وسيطة كثيرة تباعد بين القيادة والفروع، واستخلاص فروع الحزب لبرامج وخطط عمل من دورات ل.م ، ودراسة الوثائق التى تسهم في تطوير خط اللجنة المركزية.اضافة لتطوير وتحسين عملنا القيادي في الجنوب والقطاع التقليدي وممارسة المركزية الديمقراطية باعادة انتخاب الفروع لمكاتبها.

أما دورة ل.م ، ديسمبر 1978 م فقد طرحت قضية الكادر باعتبارها الحلقة الرئيسية في العمل القيادي وفي مهام بناء الحزب ، كما حددت الشروط لانتقاء الكادر المتفرغ وتأهيله سياسيا وفكريا وتخصصه في فرع من فروع المعرفة ، وتوفير احتياجاته الاساسية حتى يكون من المنتجين والمبدعين في فنون النشاط الحزبي المتنوع.

وجاءت دورة سبتمبر 1984 م بعد 14 عاما من الردة لتحدد اسبقيات العمل القيادي والتى تتلخص في : تحسين ودعم التركيب القيادي ، ترسيخ قواعد العمل السري وانتقاد الخلل في التامين الذي ادى الى ضرب وثائق كثيرة مع الكادر في المركز والمناطق ، الحد الادني والمستقر والدائم من الطباعة ، تحسين التكوين الشيوعي للكادر ، مقرر الزامي للمرشحين ، توسيع حلقة الكادر المتفرغ ، التوجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة.

اشارت الدورة الى أن التمسك بالاسبقيات قضية فكرية في المقام الاول ، فان هذا التمسك يتحقق عبر الصراع الفكري ضد روح التشتت وردود الفعل ، وتقليب ماهو عابر وثانوي على ماهو ثابت وجوهري .( ص 7 ).

كما قدمت سكرتارية اللجنة المركزية نقدا ذاتيا في الدورة على تأخير طرح الاسبقيات لأنها قضية مستقلة عن نهوض وانحسار الحركة الجماهيرية ، ولكونها بهذا المعنى جوهر العمل القيادي ومعيار تقدمه أو تخلفه ، وفعاليته أو ضعفه ، وكان الواجب متابعته منذ طرحه في دورة يونيو 1975 ليس فقط في سكرتارية اللجنة المركزية والهيئات المركزية ، بل في كل هيئات وفروع الحزب.

كما عالجت الدورة ايضا مهام بناء الحزب مثل قضايا الخط التنظيمي ، التركيز على بناء الحزب في المدارس الثانوية والمعلمين ، كما عالجت حالة المكاتب المركزية وحددت الاسبقيات المطلوبة للمكاتب المركزية ومهامها مثل : المكتب التنظيمي ، المكتب المالي ، اللجنة الاقتصادية ، مكتب التعليم الحزبي ، .. الخ.

كما تناولت الدورة حالة الحزب في المناطق وفروع الخارج ومهام بناء الحزب فيها ، وتناولت ايضا تحليل فحص كادر 1978 ، ومهام البناء المستخلصة من ذلك الفحص .

والدورة ماثلة للطباعة ، اى لم تنزل لعضوية الحزب) وقعت انتفاضة مارس – ابريل 1985 ، وبعد الانتفاضة نشأت ظروف مد جماهيري جديدة ، تركت بصماتها على الاسبقيات التى طرحتها دورة سبتمبر 1984 ، وعالجت دورة ابريل 1985 قضايا الانتفاضة ومهام بناء بناء الحزب في الظروف الجديدة استنادا الى الاسبقبات التى طرحتها دورة سبتمبر 1984 مع مراعاة الامكانات الواسعة التى فجرتها الانتفاضة.

واخيرا ، جاءت دورة فبراير 1995 التى عالجت الخلل في العمل القيادي الذي حدث بعد انقلاب 30 يونيو 1989م ، وتم تصحيح مسار العمل القيادي وانتقاد تصعيد الزميلين الخاتم ووراق لسكرتارية اللجنة المركزية من خارج اعضاء ل.م وتصعيد زملاء أعضاء ل.م لسكرتاريتها بدون علم ل.م ، اضافة لتهميش اللجنة المركزية التى لم يعقد لها اجتماع لفترة ست سنوات ، وتصحيح مسار المناقشة العامة حسب ضوابط لائحة الحزب بتحديد اطار عام لها ، وتحديد فترة زمنية لها وآلية لحسمها ، وتحسين العمل في التجمع الوطني الديمقراطي، وضرورة نشاط الحزب المستقل وتوسيع نشاطنا الجماهيري وضرورة اسهام الاعضاء والكادر في المناقشة العامة لتجديد الحزب والتمسك بضوابط العمل السري، كما عالجت الخلل في اختفاء عدد ضخم من الكادر الجماهيري مع تقدير تضحيات ذلك الكادر في الايام الاولى للانقلاب.

هذا عرض موجز لوثائق الحزب التى تناولت قضية العمل القيادي في الفترات المختلفة التى مربها الحزب صعودا وهبوطا في الحركة الجماهيرية وفي ظروف نشاط سري مطلق ونشاط قانوني علني ، مما يشير الى أن القضية ليست جديدة ، الا أنه لم تتم المعالجة الجذرية لها ، مما تركت اثارها وبصماتها السلبية على تطور الحزب ونموه.

استنادا على هذه الخلفية نناقش قضية العمل القيادي ومعالجة الخلل الذي لازمها ، وفي سبيل التطوير والتحسين والنفاذ الى جذور الخلل وأسبابه ومعالجته ، باعتبار ذلك هو العامل الحاسم في تطور ونمو الحزب وتحويله الى قوة جماهيرية تسهم في تغيير تركيب المجتمع.

سوف نركز في هذه المساهمة على الاتي :

مظاهر الخلل في العمل القيادي.

أسباب وجذور الخلل.

المدخل لاصلاح العمل القيادي.

ثانيا: مظاهر الخلل في العمل القيادي:

يمكن تلخيص مظاهر الخلل في العمل القيادي والتى لاتخطئها العين في النقاط التالية:

  1. ضيق حلقة العمل القيادي في مركز الحزب وعدم التخطيط المنظم لدعم القيادة بكادر جديد في عملية تشترك فيها هيئات وفروع الحزب بدلا من طريقة (علوق الشدة) التى تتم بها حاليا ، وبالتالي تجديد دماء العمل القيادي، هذا اضافة لحالة التشتت وزحمة الكادر القيادي في سكرتارية اللجنة المركزية .

2 -غياب الخطة السنوية للجنة المركزية التى يتم فيها تحديد اهداف عامة يتوخى العمل القيادي تحقيقها في العام المحدد ، وبالتالي رصد ما انجز وما لم ينجز والمحاسبة ومتابعة الانجاز في الخطة القادمة.

3 - عدم التقويم الدوري لأداء الكادر القيادي : انجازاته ، اخفاقاته، في مواقع المسئولية التى يتسنمها.

4 - الخلل المزمن في العمل القيادي والذي اشارت له المناقشة العامة وانتقده مشروع التقرير السياسي، وهو عدم عقد المؤتمر الخامس لمدة اربعين عاما ، وبالتالى تم حرمان مجموع الحزب من عقله الجماعي في تلخيص التجربة وتجديد العمل القيادي، وتطوير الحزب مما ترك القيادة لحلقة ضيقة والحق الضرر الجسيم بالعمل القيادي.

5 - الصراعات غير المبدئية بين الكادر القيادي ، والتى ارهقت قيادة الحزب في تحقيقات كثيرة ، مما اضر بالعمل القيادي ، وحرف وجهته الى اشياء غير مفيدة.

6- عدم وجود السياسات الثابتة مثل :

- لا سياسة عامة لتطوير مالية الحزب ومصادره المالية، حتى اصبح الحزب في اسوأ حالاته في جبهة الأداء المالي، وتلبية احتياجات جبهات العمل المتنوعة.

- لاتوجد سياسة عامة لتطوير الكادر باعتباره عصب الحزب.

- لا سياسة عامة حول التفرغ ، حتى تقلصت حلقة المتفرغين الى اقصى حد منذ تأسيس الحزب.

- لاسياسة عامة لتطوير الأداء في جبهة العمل النظري.

7- اصبحت سكرتارية اللجنة المركزية بديلا للجنة المركزية ، في حين أن السليم حسب دستور الحزب المجاز في المؤتمر الرابع ، اكتوبر 1967م، أن المكتب السياسي هو الهيئة المركزية المسئولة عن الحزب في الفترة بين اجتماعي اللجنة المركزية ، وهو الذي ينفذ قرارات اللجنة المركزية ويحضر لاجتماعاتها ويمثلها في صلاتها مع القوى السياسية الاخري ويقدم حصيلة نشاطه للجنة المركزية، كما يتابع صحافة الحزب واداء المتفرغين واستلام التقارير من المناطق والمكاتب ويرفع الحصيلة للجنة المركزية، ولايقرر بالنيابة عنها، وأن المكتب السياسي تنتخبه اللجنة المركزية . وقد انسحب هذا المنهج الخاطئ على بعض المناطق على سبيل المثال في مديرية الخرطوم حلت السكرتارية محل لجنة المديرية في الفترة: 1989 – 2006، مما ادخل العمل القيادي في عنق الزجاجة حتى تم تصحيح هذا الوضع الشاذ في اجتماع الكادر الموسع الذي عقد في 19/5/2006، ومؤتمر المديرية الأخير .

8 -السلحفائية والبطء في العمل القيادي ، وتأخير الردود على التقارير والرسائل التى تصل من المناطق والمكاتب مما يضعف ويربك العمل القيادي ويفاقم المشاكل التى تحتاج لمعالجات سريعة.

9 -غياب التقرير السنوى الذي يضع امام اللجنة المركزية صورة الوضع في المناطق والمكاتب ، على سبيل المثال آخر تقرير ناقشته اللجنة المركزية عن الوضع في المناطق في دورة يونيو 2000م ، بل حتى تقارير المكاتب المركزية والمناطق لاتمر على اعضاء اللجنة المركزية ، بل اصبحت محصورة في سكرتارية اللجنة المركزية.

وهذا يتطلب رفع القدرات الادارية لتصل تقارير المناطق والمكاتب قبل بداية العام الجديد ، حتى يتم منها اعداد التقرير السنوى وكذلك ولاية الخرطوم ، وهذا يختصر الطريق في تقديم المساعدات الدورية والسنوية للمناطق والمكاتب في تطوير عملها، بدلا من ترك ذلك لرؤية احادية ضيقة لسكرتارية اللجنة المركزية.

10 – غياب المجلة الداخلية ( المنظم) التى تلخص تجارب المناطق والفروع في النشاط الداخلي والجماهيري لأكثر من 17 عاما ، مما اضعف المسك بقضايا ومناهج بناء الحزب ، وتطوير الصراع الداخلي حول ذلك.

11 – تفجر الصراع بين الكادر القديم والجديد ، وعدم وجود المنهج القيادي السليم لاستيعاب الكادر الجديد القادم من الجامعات في فروع السكن والعمل ، وهذا ناتج وتحصيل حاصل من الخلل في العمل القيادي الراهن.

12 – عجز الكادر القيادي في سكرتارية اللجنة المركزية الناتج من تقدم العمر والمرض ، ورغم ذلك يتشبث بالعمل القيادي اللاهث يوميا ، بدلا من وجود المنهج السليم لتجديد دماء العمل القيادي ومساهمة الكادر الذي تقدم في العمر بعمق في تلخيص التجارب والكتابة في جبهة الفكر، بدلا من الجرى والتشبث ، حتى اصبح كالمنبت لاأرضا قطع ولاظهرا ابقي.

13 – العجز والقصور الواضح في جبهة الفكري حول قضية المرأة التى اتسع دورها في الحياة العامة ، مما يعكس الخلل في العمل القيادي والنظري وضرورة تطوير عملنا في هذا الجبهة الهامة. هذا اضافة لضعف وجود الزميلات في الهيئات القيادية من اللجنة المركزية والمكاتب المركزية ولجان المناطق مما يتطلب رفع هذه النسبة.

14 – الاضطراب والارتباك في التصريحات الصحفية وفي اجهزة الاعلام والذي اشارت له اللجنة المركزية ، هذا اضافة للخلط بين الرأى الشخصي ورأى الحزب حول القضية المحددة ، حتى اصبحت هذه التصريحات والمقابلات الصحفية الكثيرة تثير امتعاض أعضاء الحزب.

15 – ضعف منابر الحزب الاعلامية، كما أشارت العديد من ملاحظات الاعضاء والاصدقاء ، مما يتطلب تحسين عملنا في هذا الجانب.

16 – ضعف دورات اللجنة المركزية وخاصة في الجانب السياسي ولاسيما في الفترة :2001 – 2007 م من حيث المحتوى والتحرير أو الاعداد للنشر اضافة لتأخير نزولها ، كما عبر الكثير في ملاحظاتهم ومناقشاتهم لهذه الدورات.

17 – استمرار التناقض الذي ظل ملازما للحزب منذ المؤتمر الرابع ( بل قبله) ، مثل البدائية وحول نفوذ الحزب الجماهيري وارتفاع مستوى وعي أعضائه وعجز العمل القيادي عن تلبية تلك التطلعات، هذا اضافة لضعف القبض باسبقيات العمل القيادي كما أشارت دورة ل.م في سبتمبر 1984 م.

18 – ضعف جبهة الطباعة المركزية كما يتضح من العجز عن اصدار مجلة الشيوعي العدد 170 لاكثر من عامين ، وتراكم الكتيبات والمساهمات دون نشر.

19 – اتخاذ قرارات كانت تحتاج لتشاور واسع مع الكادر والمناطق مثل:قرار المشاركة في المجلس الوطني وتحديد المشاركين، وقرار الاجتماع مع المؤتمر الوطني دون التحديد المسبق لشروط المصالحة والحوار، والتشاور مع القوى السياسية الاخري لتوحيد الموقف التفاوضي.

ثالثا: أسباب وجذور الخلل:

مظاهر أزمة العمل القيادي التى عددنا بعضها اعلاه ترجع الى جذور قديمة في تاريخ الحزب ، كما أشرنا في مقدمة هذه المساهمة الى دورات اللجنة المركزية السابقة التى تناولت هذا الموضوع ، اضافة للمقترحات لتحسين العمل القيادي ، ولكن الظروف الموضوعية مثل ظروف السرية المطلقة والظروف الذاتية لم تساعد في متابعة الاصلاح في هذه الجبهة.

في بحثنا عن أسباب وجذور الخلل يمكن الاشارة الى النقاط التالية:

1- عدم عقد المؤتمر الخامس لمدة اربعين عاما من الاسباب الاساسية لذلك الخلل ، نلاحظ أنه في الفترة يوليو:1971 – 1985 م ، لم يطرح في دورات اللجنة المركزية مهمة عقد المؤتمر الخامس ، ولكن طرح في الفترة: 1985 – 1989 ، ورغم الظروف المواتية الا أنه لم يتم عقده وهذا يرجع لمناهج وأساليب العمل القيادي التى كانت سائدة يومئذ ، اضافة لعدم انجاز بعض اللجان مثل لجنة البرنامج مشروع البرنامج حتى قيام انقلاب 30 يونيو1989 م ، نلاحظ استمرار هذا الخلل ، فقد قررت ل.م تكوين لجنة لاعداد مشروع البرنامج في دورتها في ديسمبر 1997 ، وحتى نهاية ديسمبر 2007 م ، أى لاكثر من عشر سنوات ولم ينجز المشروع مما يعكس البدائية والخلل في العمل القيادي. هذا اضافة لخرق لائحة الحزب بتعطيل اعلى سلطة في الحزب لأكثر من اربعين عاما.

2- الخلل الثاني هو الغاء المكتب السياسي واستبداله بسكرتارية للجنة المركزية، في حين أن السكرتارية أو الامانة العامة مهمتها التحضير لاجتماعات المكتب السياسي، التى ادخلت العمل القيادي في عنق الزجاجة واصبحت بديلا للجنة المركزية ، ومعلوم أن تجربة سكرتارية اللجنة المركزية تم انتقادها خلال فترة ديكتاتورية عبود وبعد اكتوبر 1964 م وفي وثيقة: في سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر الرابع ( دورة مارس 1969 )، باعتبارها تلغي او تهمش اللجنة المركزية ، وكانت الصيغة التى تم اجازتها في المؤتمر الرابع 1967 هى أن الهيئات القيادية هى: المؤتمر ، اللجنة المركزية ، المكتب السياسي، اضافة للاداء النظري والفكري للمكاتب المركزية ودورها في تطوير وتوسيع دائرة العمل القيادي ، وهذا ايضا خرق واضح لدستور الحزب . النتائج التى ترتبت علي صيغة سكرتارية للجنة المركزية هى ضيق العمل القيادي ، وزحمة زملاء لايتعدون اصابع اليد باعباء فوق طاقة البشر ، مما خلق حالة من التشتت وعدم المسك باسبقيات العمل القيادي ، وعدم المعالجة الجذرية لمسألة العمل القيادي رغم طرحها في دورات مختلفة بعد يوليو 1971 م مثل دورة يونيو 1975 ودورة سبتمبر 1984 ودورة فبراير 1995 م .

3- النقطتان: (1) ، (2)، تشكلان المفتاح لفهم اسباب وجذور الخلل في العمل القيادي وما ترتب على ذلك في الحالة التى وصلها الحزب التى تتمثل في الخلل في العمل القيادي التى حددنا مظاهرها اعلاه. اضافة الى اثر ذلك في خط الحزب السياسي الجماهيري المستقل، في الاسهام في تنمية خط سياسي جماهيري يفتح الطريق امام انتزاع التحول الديمقراطي ، وعدم تقويم تجربة التجمع الوطني الديمقراطي حتى الآن بهدف اتخاذ موقف لتنمية اعمال مشتركة اوسع تسهم في مواجهة مخاطر الفترة الحالية واهمها ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وانتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية، وانتزاع قانون ديمقراطي للانتخابات يفتح الطريق امام انتخابات حرة نزيهة يتم فيها انهاء الشمولية واحتكار السلطة والثروة.

رابعا: المدخل للاصلاح :

المدخل للاصلاح لاينفصل عن مجمل ما طرح من أفكار في المناقشة العامة لتحسين العمل القيادي وذلك :

· بانتظام عقد مؤتمرات الحزب ، باعتبار أن المؤتمر هو اعلى سلطة في الحزب وهو الذي يجيز سياسته واهدافه العامة وبرنامجه ودستور او التعديلات عليهما ، وينتخب اللجنة المركزية الجديدة .

· أن تصبح اللجنة المركزية القيادة فعلا لا قولا في الفترة ما بين المؤتمرين ، لقد عانت اللجنة المركزية في الفترة الماضية من التهميش ، على سبيل المثال تم في الفترة اكتوبر 1967 – نهاية ديسمبر 2007 م عقد 54 دورة للجنة المركزية ، تم عقد 17 منها في الفترة:1967 – يوليو 1971 ، اى بمعدل 3 دورات في العام ،بما يتمشى مع لائحة الحزب ، اضافة لوجود مكتب سياسي في تلك الفترة بما يتمشى ايضا مع لائحة الحزب، أما في الفترة : يوليو 1971 – نهاية ديسمبر 2007 م ، فقد تم عقد 37 دورة ، اى بمعدل دورة في العام، اضافة لتكوين سكرتارية للجنة المركزية الغت الدور القيادي للجنة المركزية، كما اشرنا سابقا، وهذا ايضا يتعارض مع اللائحة.على أن اسوأ ما افرزته تجربة السكرتارية هى تكوين سكرتارية مؤقتة في الفترة 1989 – 1995 ، والتى تم فيها تهميش اللجنة المركزية بعدم عقد اجتماعاتها لفترة ست سنوات ، اضافة للخل في العمل القيادي الذي نشأ في هذه الفترة والذي اشرنا له في المقدمة، والذي عالجته دورة ل.م فبراير 1995 م، ومازال هذا الخلل يلقى بظلاله السلبية على العمل القيادي حتى اليوم.

· أن يصبح المكتب السياسي هو القيادة المركزية في الفترة بين انعقاد اجتماعات اللجنة المركزية ويقود العمل اليومي ويشرف على صحافة الحزب ومطبوعاته المركزية وعلى المتفرغين وتوزيعهم على فروع العمل المختلفة ، كما يشرف على المكاتب المركزية ولجان المناطق ويتلقى التقارير الدورية المنظمة عن نشاطها ومخططاتها ، كما يدعو لاجتماعات اللجنة المركزية الدورية واذا طلب ثلثا اعضائها ويحضر لها ويقدم تقارير دورية بنشاطه وانجازاته لها وينفذ كل قرارتها، ويعقد اجتماعات دورية ثابتة لقيادة العمل السياسي ومراقبته وتطويره، كما يمثل الحزب في صلاته بالاحزاب والهيئات الاخرى في حالة غياب اللجنة المركزية ، على أن يقدم أعماله في هذا الصدد الى اللجنة المركزية، كما أن اللجنة المركزية هى التى تنتخب المكتب السياسي ويخضع لمحاسبتها، اى أن المكتب السياسي يخضع لمراقبة اللجنة المركزية وليس قيادة لها وحتى لا يتحول الى هيئة أو شلة متكتلة بشكل دائم داخل اللجنة المركزية، وهذا يصحح الوضع الشاذ الذي نشأ باستبدال المكتب السياسي بسكرتارية للجنة مركزية لاوجود لها في دستور الحزب المجاز في مؤتمره الرابع اكتوبر 1967، والتى تحولت بوضع اليد الى قيادة للجنة المركزية لأكثر من 36 عاما ، هذا اضافة لتصعيد زملاء لها في غياب اللجنة المركزية ودون علمها مثل حالة الخاتم ووراق ،اضافة للاثار الضارة التى الحقتها هذه الصيغة بالعمل القيادي والتى اشرنا لها سابقا.

· التخلص من حالة التشتت بتحديد اسبقيات العمل القيادي وتوزيع المسئوليات وترسيخ المؤسسية وضوابط دستور الحزب ، واشراك الهيئات والفروع في الاختيار للمكاتب والهيئات المركزية وعرض حصيلة الفحص على اللجنة المركزية ، وأن يكون التصعيد على أساس الكفاءة وليس الاستلطاف والمزاج الشخصي، لقد اكدت التجارب أن القيادات التى تم اختيارها بعيدا عن الأسس والمناهج السليمة ، وبدون اشتراك الهيئات وفروع الحزب في تقييمها كانت فاشلة ووبالا على العمل القيادي ، هذا فضلا أن التصعيد الخاطئ لا يؤثر سلبا فقط على العمل القيادي ، بل يؤثر على الزملاء المصعدين انفسهم، هذا اضافة لتحسين مناهج العمل القيادي والاهتمام بالتاهيل والتدريب والتنوع في اشكال الصلة بالمناطق والفروع ، وتحسين المناهج في اختيار المتفرغين وتوفير احتياجاتهم الاساسية والتقييم الدورى لادائهم ولعب دورهم في تطوير نشاط الهيئات الحزبية التى يعملون بها ، والتخصص في فرع من فروع المعرفة، وتطوير عملنا القيادي الفكري والنظري حول قضية المرأة ، ووضع سياسات ثابتة لتطوير الاداء المالي والمتفرغين .

· يتطور العمل القيادي من خلال الانتاج في مختلف المجالات السياسية والتنظيمية والفكرية وتطوير العمل النظري، والنقد والمحاسبة والتخطيط ودراسة الواقع ورفع قدرات الكادر القيادي الفكرية والسياسية والتنظيمية، اضافة الى بناء ادوات العمل وتحسين الطباعة ووسائل الاعلام الاخرى ، اضافة الى التامين وتحسين مناهج العمل الاداري ورفع كفاءة الاجتماعات وعائدها والتحضير الجيد لها ، باعتبار أن الاجتماع الناجح هو الذي يحقق اكبر عائد في أقل قدر من الزمن، وتطوير موارد الحزب المالية، وتجديد العمل القيادي وتطويره باستمرار، والحفاظ على التوازن بين حماس الكادر الجديد وحكمة وتجربة الكادر القديم، هذا فضلا أن القيادة والادارة اصبحت علما لابد من اتقان مناهجه وفنونه ، وتسليح الكادر القائد بمبادئ علم الادارة والكمبيوتر والتحليل الاحصائي والآساليب والمناهج العلمية في اجراء الاستبيانات والاستطلاعات وقياس الراى العام وسط التنظيم ، وعدم التعجل في اتخاذ قرارات دون دراسة.

· تحسين تركيب اللجنة المركزية ، وتلك مهمة المؤتمر الخامس ، فتركيب اللجنة المركزية الحالية مختل وعلى سبيل المثال: لايوجد بها عامل ، يوجد بها زميلتان ، يوجد بها زميل واحد من الأقاليم ، من حيث التركيبة العمرية كل الاعضاء اعمارهم تتجاوز ال55 عاما ، لايوجد بها مزارع .. الخ. وبالتالى من المهم تحسين هذا التركيب بحيث يوجد في اللجنة المركزية كوادر مقتدرة من العمال والمزارعين والنساء ، اضافة لتحسين التركيبة العمرية بتمثيل الشباب والدمج فيها بين حماس الشباب وحكمة وتجربة الكادر القديم، اضافة لضرورة وجود المسئولين السياسيين للمناطق في اللجنة المركزية وفي وجهة تحسين وتطوير بناء الحزب في الاقاليم ، اضافة لضرورة وجود كوادر مقتدرة من ابناء المناطق المهمشة( دارفور،الشرق ، جبال النوبا، جنوب النيل الأزرق، النوبة في اقصى الشمال.. الخ).اضافة للكوادر المتخصصة في العمل الداخلي والفكري والثقافي والسياسي الجماهيري. وحول طريقة الاختيار مهم أن نتجاوز تقديم اللجنة المركزية لقائمة ، تلك الصيغة التى كانت من اسباب فشل الاختيار السليم للقيادة ، فالمؤتمر الرابع قد نجح في اجازة وثائق جيدة ( الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، برنامج ولائحة الحزب)، ولكنه فشل في اختيار القيادة التى تترجم تلك الوثائق والخطوط الى واقع ، مما اضطر اللجنة المركزية الى تقديم وثيقة : في سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر الرابع ( دورة مارس 1969 ). وبالتالى من المهم توسيع دائرة الترشيحات للجنة المركزية بما يحسن التركيب القيادي ، ولابد من بذل جهد مسبق قبل المؤتمر في مناقشة الكادر المؤهل والمتخصص المطلوب واخذ موافقته ، حتى لايفاجأ المؤتمرون بالاعتذار ، وحتى لاتكثر الاعتذارات ، وبالتالى يفشل المؤتمر في انتخاب لجنة مركزية متوازنة تعيد الأزمة وانتاج الازمة ، وبالتالى من المهم تكوين لجنة انتخابات تتجمع عندها الترشيحات من المناطق والهيئات المركزية واللجنة المركزية مع حيثيات كافية توضح السيرة الذاتية للمرشح وموافقته واسم المرشح والمزكى ، يتم عرض هذه الترشيحات على المؤتمر مع تأكيد حق المؤتمر في الاضافة للمرشحين ،وحق المناديب في ابداء رأيهم في المرشحين ، ويتم الانتخاب بالاقتراع السري . اعتقد أن هذا يوسع من دائرة المشاركة في عملية الترشيح وتحسين التركيب القيادي ويساعد في اختصار زمن المؤتمرين ، ويتيح للجميع تقديم القدرات المتنوعة المطلوبة للجنة المركزية.

· تحسين التركيب القيادي لاينفصل عن نضال الحزب السياسي الجماهيري في هذه المرحلة الحرجة التى تقرر مصير البلاد هل تظل موحدة ام تتقسم الى دويلات؟ ، وبالتالى من المهم جدا الوضوح في خط الحزب السياسي من حيث وثائقه ودورات اللجنة المركزية وضبط التصريحات والمقابلات الصحفية المنفلتة التى تلحق الضرر الجسيم بنشاطنا السياسي الجماهيري وتربك عضوية الحزب، في اتجاه استنهاض حركة جماهيرية واسعه من اجل انتزاع التحول الديمقراطي وتحسين احوال الناس المعيشية والحل الشامل لقضايا البلاد والصراع بحزم من اجل وحدة البلاد ، وتصفية الشمولية.وهذا يتطلب العمل المثابر في الشارع ووسط الجماهير والابتعاد عن العمل والتحالفات الفوقية التى اثبتت التجربة عدم جدواها ،وتحسين عملنا الدعائي والاعلامي والارتقاء بصحيفة الميدان مهنيا وسياسيا وفكريا وتشجيع نشر الرأى والرأى الآخر الذي يضفى حيوية على الصحيفة بدلا من مصادرته، مما يؤدى الى انصراف القراء والكتاب عن الصحيفة، والاستفادة من ملاحظات القراء لتطوير الصحيفة، وتأهيل فرع الحزب ليلعب دوره القيادي والمستقل في النشاط السياسي الجماهيري ، وتحسين مناهج واساليب العمل القيادى من فرع الحزب وحتى اللجنة المركزية.وأن تلعب اللجنة المركزية دورها في تقديم معالجات عميقة سياسية وفكرية لتعقيدات الوضع الراهن بما يساعد فروع الحزب والحركة الجماهيرية ، في نضالها من اجل التحول الديمقراطي وتحسين احوالها المعيشية وتوحيد البلاد ، وأن يلعب الحزب دوره المستقل في النشاط السياسي الجماهيري. وأن المعالجات السياسية والفكرية التنظيمية التى سوف تتناولها وثائق المؤتمر الخامس رهينة بانتخاب لجنة مركزية مقتدرة سياسيا وتنظيميا وفكريا.

تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات التصفوي

ة

تقديم:

تاج السر عثمان alsirbabo@yahoo.co.uk

الأستاذ تاج السر عثمانمنذ تأسيسه خاض الحزب الشيوعي السوداني صراعا فكريا وعمليا ضد الاتجاهات اليمينية واليسارية التي حاولت تصفيته أو الغاء وجوده المستقل تحت ذرائع مختلفة، علي أن الخيط الذي يربط بين كل هذه الاتجاهات، منذ اول انقسام الذي قاده عوض عبد الرازق السكرتير السابق للحزب، وحتي مجموعة انقسام 1970، ومجموعة الخاتم عدلان التي خرجت من الحزب وكونت حركة حق، بعد فتح الحزب للمناقشة العامة في اوائل التسعينيات من القرن الماضي، وأخيرا اتجاه د.فاروق محمد ابراهيم لحل الحزب الشيوعي، وتكوين حزب جديد(يقوم علي البرنامج لا الايديولوجية، وبتوليفة فكرية جديدة تتجاوز الماركسية التي اصبحت في ذمة التاريخ)، الخيط الذي يربط بين كل هذه الاتجاهات: ان الماركسية فقدت جدواها، ولاتوجد طبقة عاملة في السودان، وبالتالي لاحاجة للماركسية الذي قامت علي نقد المجتمع الرأسمالي والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين.

هذا هو باختصار الخيط الذي يربط بين كل هذه الاتجاهات، ورغم خروج هذه الاتجاهات من الحزب وتكوين احزاب لها، الا أنها فشلت في تكوين احزاب جماهيرية ديمقراطية ، كما زعمت، فلابقيت داخل الحزب لتصارع من اجل ما تري أنه مفيد لتطور الحزب، ولابنت شيئا جديدا حقق الاهداف التي قامت من اجله.

ونتابع في هذه الدراسة تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات التصفوية اليمينية واليسارية، باستعراض تجارب: انقسام 1952، وانقسام 1964، وانقسام 1970.

أولا:انقسام : 1951- 1952م

ونقصد هنا الصراع الذي قاده عوض عبد الرازق السكرتير السابق للحزب الشيوعي والذي حسمه المؤتمر الثاني للحزب لمصلحة وجود الحزب الشيوعي المستقل، ولكن مجموعة عوض عبد الرازق لم تقبل بنتيجة المؤتمر، وتواصل الصراع من داخل الحزب ، ولكنها ضاقت ، وما ضاق حزب برأي ولكن اخلاق مجموعة عوض عبد الرازق ضاقت وخرجت من الحزب، وكونت الجمعية الوطنية، ولكنها لم تستمر فيما بعد.

والواقع أن الصراع ترجع جذوره الي عام 1947م، بعد تأسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني في اغسطس عام 1946،

أشار عبد الخالق محجوب في كتابه لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني الي أن النقد بدأ يبرز منذ تكوين الحلقات الأولي للحركة السودانية للتحرر الوطني عام 1946 لأسلوب عمل أول لجنة مركزية لها ، تلك القيادة التي لم تبرز وجه الحزب المستقل ، واختزلت التعليم الماركسي في بعض النصوص الجامدة ، ولم تدرس أوضاع البلاد من زاوية ماركسية ، ولم تتجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة ، كما لم يتم وضع لائحة تحدد العلاقة بين اعضاء الحزب وهيئاته ، بل كانت تسود العلاقات الشخصية اكثر من الروابط التنظيمية.

وبدأ النقد يبرز ضد هذا الاتجاه ، وتواصل الصراع والنقد عام 1947م ليحل المسائل الآتية: - بناء فروع وسط الطبقة العاملة وترقية كادر عمالي وسط القيادة.

- وضع لائحة للحزب.

- اصدار مجلة الكادر(الشيوعي فيما بعد).

- اصدار منشورات مستقلة باسم الحزب.

- تصعيد النشاط الجماهيري المستقل ضد الاستعمار والجمعية التشريعية.

- حل مشكلة التحالف مع الرأسمالية الوطنية علي أساس التحالف والصراع.

- الدخول في جبهة الكفاح ضد الجمعية التشريعية وتصعيد النضال ضدها.

وبعد معارك الجمعية التشريعية كان من الممكن أن تحدث قفزة في وضع الحزب، ولكن اسلوب ومنهج عمل اللجنة المركزية بقيادة عوض عبد الرازق لم يكن مساعدا، كما أشار عبد الخالق محجوب، وعاد الاتجاه الذي تمت هزيمته عام 1947م، مرة اخري ، وهو في مضمونه لايخرج عن الوقوع تحت تأثير الرأسمالية الوطنية وتقييد نشاط الحزب المستقل بحدودها.

أما التيجاني الطيب فقد أشار في مفال صدر في مجلة الشيوعي، العدد 150، الي ضيق العمل القيادي وغياب الديمقراطية في الحزب ككل ، وكانت العلاقة بين اللجنة المركزية والمستويات التنظيمية الأولي تنحصر في اصدار القرارات وتنفيذها ولم يكن في الحسبان مناقشة قرارات ل.م ناهيك عن انتقادها وتم اخفاء دور الحزب المستقل، وضعف صلات الحزب بالطبقة العاملة والجماهير الثورية ، سيادة الجمود في دراسة النظرية الماركسية ، شاعت العلاقات العائلية في التنظيم وضرب باللائحة عرض الحائط ، تدهور حياة الحزب الداخلية وانخفاض مستوي التعليم الماركسي فيه ، سياسة خاطئة أدت الي خروج عشرات المثقفين من الحزب ومن بقي اصابه اليأس ، لاخطة للعمل لمواجهة الظروف الجديدة التي نشأت بعد قيام الجمعية التشريعية( التيجاني الطيب، الشيوعي 150).

يواصل التيجاني ويقول: وتحت ضغط الأزمة انبثقت فكرة المؤتمر التداولي الذي انعقد عام 1949م، وجاء كشكل ارقي لتوسيع الديمقراطية ومشاركة الحزب ممثلا في كوادره لمناقشة كل شئون الحزب ومحاسبة اللجنة المركزية عن أدائها.

انجز المؤتمر التداولي عام 1949م، الآتي:

- وضع اسسا ثابتة لتنظيم الحزب في أماكن العمل والسكن، ولبناء رابطتي الطلبة والنساء الشيوعيات ، وتم التخلص من (الاشكال الهرمية) التي استجلبت من الحركة الشيوعية المصرية ، شكل السكرتاريات الحزبية المنفصلة للعمال والطلاب والمثقفين، وانشأت قيادة واحدة لمنطقة العاصمة وصارت الفروع تضم اعضاء الحزب وفقا للتنظيم الجغرافي.

- تم ترسيخ المفهوم الثوري للجبهة الوطنية.

- ادان الاجتماع سياسة عوض عبد الرازق.

- بني الحزب صحافة مستقلة( اللواء الأحمر- الميدان فيما بعد).

- جرت تعديلات في لائحة الحزب تتلاءم مع تطور الحزب وطبقت مبادئها وجري كفاح ضد الانحلال التنظيمي والعلاقات الفردية ليحل محلها الضبط التنظيمي والعلاقات المبدئية.

- عملت اللجنة المركزية لدعم الديمقراطية داخل الحزب فاجرت انتخابات للقادة ( بعد المؤتمر التداولي) وعقد أول مؤتمر للحزب عام 1950م، كما تم نشر قرارات المؤتمر التداولي لأعضاء الحزب في مجلة الكادر لابداء الرأي حولها( التيجاني، الشيوعي 150).

وبعد ذلك انعقد المؤتمر الأول للحزب في اكتوبر 1950م، وطرحت اللجنة المركزية في ذلك المؤتمر قضايا سياسية وفكرية وتنظيمية أمام المؤتمر لاتخاذ قرارات بشأنها، وكانت تلك أول مرة يحدث فيها ذلك في تاريخ الحزب. كما اجاز المؤتمر لائحة ساهمت في الاستقرار التنظيمي وفي اعلاء مبادئ التنظيم اللينيني ، كما انتخب المؤتمر اللجنة المركزية والتي كانت قبل ذلك كانت عضويتها تكتسب بالتصعيد( أى بقرار منها بضم اعضاء اليها). كما أشار المؤتمر الي ضرورة ربط العمل الفكري بالعمل الجماهيري واستقلال الحزب في نشاطه بين الجماهير واعلان موقفه المستقل في كل المسائل من منابره المختلفة، أى رفض اتجاه عوض عبد الرازق الذي كان يقول بدرسة النظرية اولا، ثم العمل الجماهيري ، علي ان يتواصل نشاط الحزب الشيوعي من داخل الأحزاب الاتحادية.

وبعد المؤتمر الأول وقع الصراع الفكري الداخلي ، وكان الرد بفتح المناقشة العامة علي صفحات مجلة الكادر( الشيوعي فيما بعد)، طارحا علي الأعضاء القضايا مدار الصراع وموقف الطرفين منها، وكانت تلك أول مناقشة عامة تفتح في تاريخ الحزب.

فما هي القضايا التي دار حولها الصراع؟

الواقع أن اغلب الاجيال الجديدة اطلعت علي حقائق هذا الصراع من عبد الخالق محجوب في كتابه لمحات ومذكرات المؤسسين الاخرين مثل التيجاني الطيب وابراهيم زكريا ..(راجع الشيوعي الأعداد، 150، 152، 153، 154 )، وهي مذكرات لانشك في نزاهتها، ولكن مصدرا آخر تحصل علي وثيقة عوض عبد الرازق التي قدمها للمؤتمر الثاني، وعرضها بابكر فيصل( الرأي العام، 18/مايو/2007م)، أشار بابكر فيصل في عرضه لتقرير عوض عبد الرازق الذي قدمه للمؤتمر الثاني للحركة السودانية للتحرر الوطني 1951م، الي الآتي:

يرى عوض عبد الرازق أن الخلاف في الحركة السودانية للتحرر الوطني في جوهره خلاف فكري يدور حول قضايا معينة هي قضية التحالفات مع الأحزاب الأخري والخلاف حول العلاقة مع مصر، ثم القضية الكبرى وهي الخلاف حول مستقبل الحركة وأوضاع الطبقة العاملة والتنظيم الداخلي للحركة. ورأي عوض عبد الرازق أن حزب الأشقاء هو الحليف الطبيعي للحركة السودانية للتحرر الوطني ، كما يؤكد تقرير عوض عبد الرازق اهمية وجود جبهة واسعة معادية للاستعمار حتي تؤدي تلك المهمة في طريق الكفاح المشترك بين شعبي وادي النيل.

وفي النظرية كانت وجهة عوض عبد الرازق دراسة الماركسية أولا في مصادرها الأصلية ثم ترجمتها، بعد استقطاب افضل العناصر ذات النفوذ والتأثير في المجتمع وصاحبة القدرات الذهنية، بدلا من تصعيد قادة العمال( أمثال الشفيع احمد الشيخ، قاسم امين، ابراهيم زكريا، ..الخ) الي قيادة الحركة وهم في مستوي ماركسي منخفض، وأن مكان القادة العماليين هو بين العمال في عطبرة وليس في القيادة التي تتطلب قادة بارزين في المجتمع ونالوا المزيد من الدراسة النظرية المكثفة.

كما كان عوض عبد الرازق يري أن طبقة العمال في بلادنا مازلت طبقة وليدة تنحصر في الخدمات( سكة حديد، بريد، موانئ، نقل نهري)، وهؤلاء جميعا دورهم مساعد وثانوي فالعمال طبقة ما زالت في طور التكوين ولم يكتمل تطورها ولن يكتمل الا في ظل الثورة الوطنية الديمقراطية التي من مسئولياتها الرئيسية تحقيق بناء صناعي واسع يجعل من العمال طبقة قائدة قادرة علي بناء حزبها الطليعي القوي الذي يسير بها والمجتمع نحو الاشتراكية . أما المزارعون فانهم يطابقون في وعيهم مستوي الانتاج الزراعي، فالزراعة في كل السودان ما زالت زراعة اكتفائية موسمية وحتي ارقي اشكالها ( مشروع الجزيرة ومشاريع الاعاشة) لم يتشكل فيها المزارعون كطبقة اجتماعية ذات هموم ومطالب ووعي يؤهلها لتحقيق تحالف العمال والمزارعين .

كما عارض عوض عبد الرازق تحويل الحركة السودانية الي حزب شيوعي ودعا للتمهل وعدم العجلة والتركيز علي نشر الفكر وترجمته للواقع والتبشير به في المجتمع.

وخلاصة ما جاء في تلخيص بابكر فيصل لتقرير عوض عبد الرازق لم يخرج عن دراسة النظرية اولا ثم التوجه لبناء الحزب وسط العمال والمزارعين، وان يعكف الحزب علي التبشير بالماركسية وترجمتها بدلا من الاستعجال في قيام حزب شيوعي لم تتهيأ ظروف البلاد الموضوعية لقيامه، اضافة الي فقدان الحزب لاستقلاله ويصبح ذيلا للحزب الوطني الاتحادي، لا التحالف معه من مواقع الاستقلال الفكري والسياسي والتنظيمي.

وبعد ذلك انعقد المؤتمر الثاني في 1951م، والذي حسم الصراع الفكري الداخلي في اتجاه دراسة النظرية في ارتباط بالواقع، واستقلال الحزب، وترسيخ المفهوم السليم للتحالف مع الرأسمالية الوطنية، وبعد المؤتمر وقع الانقسام، وقررت اللجنة المركزية فصل المنشقين من الحزب.

ونود أن نوضح لللاستاذ بابكر فيصل ان المشكلة لم تكن في الصراع الفكري والذي يعتبر ضرورة حيوية لتطور الحزب، ولكن مشكلة مجموعة عوض عبد الرازق بعد المؤتمر الثاني شرعت في التدبير لاول انقسام في تاريخ الحزب الشيوعي ، ونفذ مخططه في فبراير 1952م،علما بانه لم يكن هناك ما يستدعي الانقسام ، فقد اتيحت الفرصة لعوض ومؤيديه كل فرص التعبير عن أرائهم بما فيها التقرير الذي قدمه عوض عبد الرازق للمؤتمر الثاني للحركة السودانية، والذي لخصه وعرضه بابكر فيصل. لم يصبر عوض عبد الرازق علي الديمقراطية ولم يواصل في الحزب ويدافع عن رأيه من داخلة، وهذا في حد ذاته مسلك غير ديمقراطي، اذا لم تقبل الاغلبية رأيك تنقسم وتخرج من الحزب. واسس المنقسمون بعد خروجهم ( الجبهة الوطنية) واصدروا جريدة اسبوعية وساروا علي خط أساسه الهجوم علي الحزب الشيوعي ( التيجاني الطيب : قضايا سودانية العدد الرابع ابريل 1994). ولكن الانقسام فشل في حل المشاكل التي دعا الي حلها، وحدثت انقسامات اميبية داخل الانقسام نفسه، بدأت بمجموعة بدر الدين سليمان، وكما عبر بدر الدين سليمان نفسه في احدي اللقاءات الصحفية أن الانقسامات لاتحل مشكلة ، الاجدي، حل المشاكل من داخل الحزب.

وفشل الانقساميون في ترجمة الكتب الماركسية والتعليم الحزبي، وفشلوا في تنظيم العمال والمزارعين، والواقع حتي في ترجمة الكتب الماركسية كانت مساهمة عبد الخالق والجنيد علي عمر والوسيلة كانت اكبر من مساهمة مجموعة عوض عبد الرازق، وانزوى الانقسام في ركن النسيان دون انجاز فكري وسياسي يذكر. وبعد هزيمة انقسام عوض عبد الرازق ترسخ في الحزب الشيوعي مفهوم أن الطريق الوحيد لاستيعاب الماركسية هو بالارتباط بالواقع، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور النظرية، وكما قال الشاعر الالماني جوته: النظرية رمادية وشجرة الحياة مخضرة دوما.

أهم المصادر والهوامش

1-عبد الخالق محجوب: لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار الوسيلة، 1987م.

2- مذكرات مؤسسين وردت في مجلة الشيوعي( الأعداد 150، 152، 153، 154، والمؤسسين، التيجاني الطيب، ابراهيم زكريا، الجزولي سعيد، صلاح مازرى، فاروق محمد ابراهيم،د. خالدة زاهر، عباس علي،..الخ).

3- تقرير عوض عبد الرازق لمؤتمر الحركة السودانية للتحرر الوطني 1951م( عرض ومناقشة بابكر فيصل، الرأي العام، 18/مايو/2007م).

4- تاج السر عثمان: تقييم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني، دار عزة، 2008م.

ثانيا:انقسام أغسطس 1964م

لايمكن معالجة الصراع الفكري في الحزب الشيوعي، الذي انتهي بانقسام اغسطس 1964م، فيما يعرف في ادبيات الحزب الشيوعي السوداني، بانقسام القيادة الثورية، بقيادة احمد شامي ويوسف عبد المجيد، بمعزل عن الصراع الذي دار في الحركة الشيوعية العالمية والانقسام الذي قاده الحزب الشيوعي الصيني داخلها ، وبمعزل عن الفترة التي كان يناضل فيها الحزب الشيوعي السوداني، وهي فترة ديكتاتورية عبود(1958- 1964م). وهي فترة كما هو معروف كان يعمل فيها الحزب في ظروف سرية، وكانت تكتيكات الحزب في تلك الفترة تجميع القوى وتحسين أساليب العمل لكيما يبقي الحزب الشيوعي قويا، ويقاوم اتجاهات تصفيته، سواء جاءت من مواقع يمينية أو يسارية، لقد طرح الحزب في تلك الفترة قضايا العمل بين الجماهير ومقاومة اتجاهات العزلة، وتبقي وثيقة (اصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) من أهم الوثائق التي اصدرتها اللجنة المركزية في تلك الفترة بهدف تحسين وتطوير أساليب عمل الحزب بين الجماهير ومقاومة اتجاهات العزلة.

كان خط الحزب في تلك الفترة يقوم علي العمل الصبور بين الجماهير الثورية وعلي اكتشاف الاشكال المناسبة لتنظيمها، بدون النقل الأعمى لتجربة النضال المسلح في الصين ، وثابر الحزب الشيوعي السوداني علي هذا الخط حتى طرح شعار الاضراب السياسي العام في اغسطس 1964، والذي شرحت تفاصيله مجلة الشيوعي العدد 109،(راجع ثورة شعب، اصدار الحزب الشيوعي السوداني 1965م) .

أشارت دورة اللجنة المركزية ، نوفمبر 1964م الي (عجز الحزب عن مواصلة تنمية الخط السياسي فيما بعد، ولاسيما عندما كان عددا من الكادر القيادي الأساسي في السجن، أدى الي فتح الباب أمام الاتجاهات اليسارية ، وساعدت علي تنمية تلك الاتجاهات الظروف الارهابية القاسية التي مر بها حزبنا عام 1960).(ص،10).

اتسم العمل الدعائي في تلك الفترة بالاثارة ، كما وقعت في تلك الفترة انقلابات ضد النظام، أشارت الدورة لذلك بقولها( في تلك الفترة وقعت انقلابات ضد النظام الرجعي ومحاولات للانقلاب مما أكد ، رغم الفشل، أن بالجيش قوي وطنية ديمقراطية لاتقبل ذلك الوضع الرجعي ولا خضوع بلادنا للمستعمرين، صحيح أن تلك الحركات لم يكن لها برنامج مكتوب ، ولكنها كانت موضوعيا حركات مناوئة للمستعمرين والنظام الرجعي. ان القوات المسلحة جزء من الحركة الثورية ويمكن لجماهير شعبنا من العمال والمزارعين والمثقفين أن يجدوا صدى لنضالهم بين تلك القوات . كما أنه من الممكن أن تسير بلادنا في طريق التطور الديمقراطي عن طريق انقلاب عسكري تؤيده الجماهير الثورية والوطنية، ولكن المهم في كل هذا هو قدرة الحزب الشيوعي علي العمل الصبور واليومي بين القوات المسلحة وتنظيم القوي الديمقراطية فيها والتحالف معها . وفي هذا الحيز لحظنا تناقضا غريبا ، ولكنه طبيعي ، فالاتجاه اليساري الذي كان ينتظر بين كل ليلة وأخرى حدوث انقلاب عسكري لانقاذ بلادنا ويعزف عن واجب تنظيم الجماهير الثورية ويعتمد على الاثارة ، كان في نفس الوقت ينكمش عن العمل الصبور بين القوات المسلحة وتنظيمها ، بل ذهب ابعد منذ ذلك واهمل جمع قوي الشيوعيين في هذا المجال، والتي تشتتت عقب فشل انقلاب نوفمبر 1959م، وليس هذا بغريب لأن طابع الاتجاه اليساري كان التوقف عند مرحلة بقاء الحزب والعزلة عن الجماهير ، وهجر العمل الصبور وسطها وتنمية أشكال تنظيمية مناسبة لها ، واحلال الاثارة محل الدعاية والتصرف ازاء تنظيم في منظمات ديمقراطية وقانونية عن موقف فكري يقول بأنه لاجدوى من المؤسسات الجماهيرية تحت ظل النظام الديكتاتوري الرجعي)(ص، 11).

وقد عبر الاتجاه اليساري عن نفسه كما أشارت وثائق الحزب في تلك الفترة في: عدم التجاوب في خوض انتخابات الحكومة المحلية(كما عبرت رابطة الطلبة الشيوعيين، ومنطقة الشمالية ومنطقة الابيض). اضافة لعدم العمل في النقابات بعد تشريع قانون 1960م للنقابات، والعمل علي أساس قانون 1948م، كبديل لقانون 1960م( كما عبرت قيادة منطقة عطبرة).

وفي مديرية النيل الأزرق تم اهمال الحزب والطبقة العاملة، وجرى الانسياق وراء المعارك والاضرابات الكثيرة للمزارعين، دون بناء الحزب الذي يضمن قوة واستمرار تلك المعارك.

تواصل دورة نوفمبر 1964م، وتقول(لقد بدأ النضال ضد هذا الاتجاه اليساري في الفكر والعمل بتنمية الخط السياسي لحزبنا عام 1961م، بعد خروج قادة الحزب من السجن ، بدأت محاولة جادة لتوضيح الطريق لسير نضالنا الثوري وللرد على السؤال المشروع : كيف يمكن ازالة النظام الراهن بدأ حزبنا مرة أخرى يسير في طريق الاعتماد على الجماهير وتنظيمها ، وشرح أن الاضراب السياسي هو في الواقع حركة تنظيم الجماهير).(ص،12).

تواصل الدورة وتقول(بدأت حملة ضد الأفكار اليسارية: مكافحة اليسارية في العمل الجماهيري وحول قضايا بعينها مثل انتخابات مجالس الحكومة المحلية والعمل بين النقابات وامكانيات العمل بين الجماهير).

كما جرت مناقشة للقضايا المعاصرة التي كانت موجهة في الأساس ضد الأفكار اليسارية في حزبنا وفي الحركة الشيوعية العالمية(ص، 12).

تواصل الدورة وتقول( لقد كان طابع هذه الحملة الصبر والتدرج وانها تهدف الي اعادة تعليم كادر الحزب الذي تأثر بالنظريات اليسارية ومنهجها في العمل).ولقد لعبت هذه الحملة دورها . تواصل الدورة وتقول( وعندما ضيق الخناق على الاتجاه اليساري في الحزب اتجه حاملوه الي حيز العمل التكتلي والتخريبي لوحدة الحزب ، واتخذ زعماؤه الثلاثة ( احمد شامي ويوسف عبد المجيد وعلي عمر) مديرية الخرطوم مسرحا لنشاطهم الانقسامي السري ثم السافر فيما بعد عندما انكشف امرهم ، كما استغلوا علاقتهم الحزبية القديمة بالكادر في بعض المديريات والطوافات التي كلفتهم بها الهيئات القيادية لبث سمومهم ونشر البلبلة بين الأعضاء)(ص، 13).

تواصل الدورة وتقول( غير أن الظروف الثورية لم تكن في صالح الانقساميين ، وكانت افكارهم تنهار الواحدة تلو الأخرى في محك النشاط العملي بين الجماهير وبينما كانوا منكبين على وجوههم ناشرين اليأس القاتل عن (عدم امكانية انتصار قضية الشعب بدون الثورة المسلحة)، وأن الاضراب السياسي العام لن ينجح بدون حمل السلاح )، كان الشعب قد حسم أمره وحقق الاضراب السياسي الذي اطاح بالديكتاتورية المسلحة وسجل بذلك انتصاره التاريخي علي اعدائه).

كما اتخذت اللجنة المركزية في هذا الاجتماع قرارا بادانة الانقسام بوصفه امتدادا لمحاولات تخريب الحزب وفركشة صفوفه وشل تطوره، كما وافقت اللجنة المركزية علي الاجراءات التنظيمية التي اتخذتها السكرتارية المركزية ضد المنقسمين وهى:

- فصل الزميل المنقسم فضل من عضوية الحزب.

- فصل الزميل المنقسم رشاد من عضوية الحزب.

- فصل الزميل يعقوب من عضوية الحزب.

- اتخاذ موقف من الزميل المنقسم محمود بعد اجراء التحقيق معه.

- كما وافقت اللجنة المركزية علي الاجراء الذي اتخذته السكرتارية المركزية بالتوجه بنداء لبقية الرفاق الذين انساقوا وراء المنقسمين، ودعوتهم الي تصحيح موقفهم والعودة الي صفوف الحزب.

كما عالجت اللجنة المركزية القضايا المعاصرة التي تواجه الحركة الشيوعية العالمية، في وثيقة منفصلة في القسم الثاني من الدورة. تناولت تلك الوثيقة الخلافات في الحركة الشيوعية العالمية، وانتقدت طرح قيادة الحزب الشيوعي الصيني وخطها الانقسامي في الحركة الشيوعية العالمية، وأن الخلافات طبيعية وظاهرة طبيعية، وان الحركة الشيوعية العالمية يمكن أن تحافظ علي وحدتها في اطار استقلال كل حزب وتنوعها، ولا يستوجب ذلك الانقسام الذي يضعف القوي المناهضة للاستعمار والاستغلال الرأسمالي في العالم، كما انتقدت طرح القيادة الصينية القائل بأن محتوى العصر هو التناقض بين الشعوب المصطهدة والاستعمار.كما أشارت الي مراعاة الظروف الموضوعية لكل بلد، دون النقل الاعمي لتجارب الآخرين.

كما صدرت مجلة الشيوعي العدد 120، حاويا نتائج الحملة لاحتواء آثار الانقسام السلبية، مثل النقد الذاتي الذي قدمه الزميل ناصر من مديرية النيل الازرق ، والذي ادان الانقسام واكد علي صيانة وحدة الحزب. وفي العدد نفسه جاءت قرارات بعض الهيئات تدين الانقسام واعمال التخريب اليسارية مثل المكتب التنظيمي المركزي والذي اكد علي اهمية وحدة الحزب ودرء خطر الانقسام. كما ادانت هيئة الطباعة ادانة فضل ويعقوب والمنقسمين ، أشارت هيئة الطباعة الي أن الزملاء اخذوا موقفا انقساميا رغم الفرص التي كفلتها لهم اللائحة وخرجوا علي اسس الصراع الفكري المتضمنة في اللائحة.

كما جاء قرار لجنة الحزب الشيوعي في المديرية الشمالية تأييدا لموقف السكرتارية المركزية الحازم من النشاط التكتلي الانقسامي الانتهازي، وادانت ادانة حازمة النشاط والعمل الانقسامي ( الشيوعي 120، ص،29- 40).

كما جاء في العدد نفسه مقالا عن (الانتهازية اليسارية في الحزب الشيوعي السوداني)، أشار المقال الي أن الانتهازية اليمينية واليسارية يلتقيان في موقف واحد: هو موقف التصفية للحزب الشيوعي وعزله عزلا تاما عن الجماهير، كما أشارت الوثيقة الي أن الدلائل تشير الي أن انقسام اغسطس 1964م، لم يكن يخدم سوى النظام العسكري المباد واسياده من المستعمرين ، لم يكن يخدم سوى روح المعاداة للشيوعية التي يتبناها الرجعيون والفاسدون في ايامنا.

كما أشارت الوثيقة الي أنه: اصبح واضحا – رغم- التستر – ان العناصر اليسارية ترمى الى تكوين حزب مرتبط ادبيا وماديا بالافكار اليسارية في الحركة الشيوعية العالمية. وتشير الوثيقة الي أن الشيوعيين السودانيين يرفضون هذا الطريق ، فالاستقلال في تكوين الاحزاب الشيوعية وفي معالجتها لقضايا بلدانها شرط هام لتطورها ، أشارت الوثيقة الي أنه برهنت الاحداث في بلادنا وتاريخ الحزب الشيوعي السوداني منذ أن سار في الطريق الثوري عام 1947م، حتى يومنا هذا على أن هذا الاستقلال شرط هام لتطور العمل الثوري . فبين الجماهير يحتل اليوم الحزب الشيوعي مركزا محترما ولايجرؤ اشد خصومه على اتهامه بتسلم الاوامر.كما اشارت الوثيقة الي أنه على الرغم من الاخطاء التي وقعت فيها الصحافة الرسمية للحزبين السوفيتي والصيني باعتبار نظام عبود يمثل(البورجوازية الوطنية)، وبالرغم من الحفاوة البالغة التي وجدها العسكريون الرجعيون في زيارتهم لبكين واعتبارهم ممثلين للاتجاهات الوطنية في السودان- وقف حزبنا ينتقد تلك الأخطاء واصر علي التطبيق الثوري للماركسية اللينينية على ظروف بلادنا – علي تشديد النضال ضد الحكم الذي لايمثل مصلحة وطنية ، بل يمثل مصالح رأس المال الاجنبي. وهكذا عشرات الامثلة التي تؤكد أن الاستقلال هو أساس لتطور حزبنا.

تواصل الوثيقة وتقول: وتحت هذا التأثير اصبحت للعناصر المنحرفة نظرية كاملة تبرر الانقسام تطابق النظرية التي يدعو لها الرفاق الصينيين ويعملون من اجل تطبيقها في اوساط الحركة الشيوعية العالمية، وهذا اخطر وجه للعناصر المنقسمة ، فالحزب الشيوعي السوداني لم يرفض الصراع الداخلي ، بل فتح ابوابه له وللنضال ضد الفكر اليساري المنحرف منذ مطلع عام 1961م، وهو مستعد لتكون في داخله أفكار متعددة شرط التقيد بالنظرية اللينينية في التنظيم، فالماركسية اللينينية ليست نظرية فحسب وليست سياسة ولكنها أيضا تنظيم.

وتخلص الوثيقة الي ضرورة تمسك حزبنا بمبادئ الصراع الداخلي والمبدأية والموضوعية، وأن يجعل من هذه المعركة ميدانا لتعليم اعضائه الماركسية اللينينية في صبر واناة، وان يوجه جهوده للنضال بين الجماهير وكشف الافكار المنحرفة وسطها(الوثيقة الصفحات: من 2 الي 27).

كما أنه من الاشياء التي اسهمت في ظهور الانقسام، الخلل في العمل القيادي ، حيث أنه منذ ابريل 1959م وحتي مطلع 1961م، لم تجتمع اللجنة المركزية وسادت الفوضى في العمل القيادي وأساليب الاثارة والمغامرات الانقلابية ، وحلت أساليب العمل الفردي محل الهيئات في المديريات وفي المركز. ومنذ مطلع أغسطس 1961م وبعد خروج الكادر القيادي من السجون، ومع تقديره للدور الذي لعبه الكادر خارج السجن في استمرار كيان الحزب وفي مواجهة التيارات اليسارية ، وتم طرح أمام الحزب الشيوعي مهمة القيادة الجماعية للحزب ومبدأ المركزية الديمقراطية ، فدعت اللجنة المركزية للاجتماع بعد مايقرب من السنتين من تعطيلها ، واعيد النظر في بناء الهيئات القيادية التي تتبعها بهدف اشراك اكبر عدد ممكن من كادر الحزب في رسم سياسته والتخلص بهذا من المركزية الفرطة والقيادة الفردية، وهكذا تشكلت في الحزب هيئات قيادية متخصصة كالمكتب التنظيمي ومكاتب المالية والدعاية.. الخ.

كما جرى نضال لدعم مبادئ المركزية الديمقراطية فنشرت اللائحة مرة أخرى وواصل الحزب نضاله ضد الاتجاهات الفردية فجرت الاجتماعات الموسعة لاعضاء الحزب لمناقشة السياسة العامة له، وتمت معالجة اخطاء هضم حقوق الاعضاء في ابداء الرأى والمناقشة وتصفية الحزب بقرارات فردية.كما تم اصلاح الوضع في مديرية الخرطوم ، وتم هزيمة الاتجاهات اليسارية باحلال العمل الجماعي محل الفردي.كما تمت معالجة الاتجاهات الذاتية التي دفعت الحزب في طريق الاثارة.

كما واصلت اللجنة المركزية معالجة تطورات الوضع في الصين، فاصدرت وثيقة بتاريخ، يناير 1967م، بعنوان(رأى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني حول الوضع في الصين)، أشارت تلك الوثيقة الي تفسير القيادة الصينية لمحتوى تناقضات عصرنا ووصفتها بالمضللة، وتموه حقيقة الطبقات والصراع الطبقي وهو أمر يمس صميم الماركسية ، وسينتج عن مثل هذا اللغط:-

1- عزل حركة التحرر الوطني من حركة السلم في البلاد الاوربية والاشتراكية مما سيؤدي الي اضعاف حركة التحرر الوطني والي عزلها ثم ضربها بواسطة الاستعماريين كما يحدث الآن في فيتنام وفي كثير من بلدان افريقيا ، غانا، نيجريا، الكونغو، كينيا،..الخ.

2- خلق هوة بين الصين وبقية الدول الاشتراكية مما سيضعف جبهة المعسكر الاشتراكي بوصفه القلب الثوري لقوى الثورة العالمية وخاصة رفضهم للتحالف مع الاتحاد السوفيتي ورفض أى عمل موحد ضد الاستعمار.

3- وستضر هذه النظرة بمصالح الصين نفسها ، فالاستعماريون الذين يتوقون لللانقضاض علي الصين سيستفيدون من اى وقيعة بينها وبين بقية دول المعسكر الاشتراكي ربما أدى ذلك الي امكانية الهجوم المسلح عليها بواسطة الامريكان.

أما سياسة (الثورة الثقافية) المزعومة فقد قابلتها الكثير من الأحزاب الشيوعية بوصفها استمرار واصرار على الخط اليساري المتزمت وقطيعة كاملة مع بقية فصائل الحركة الشيوعية العالمية. ويؤكد ذلك استمرار الرفاق الصينيين في اعمال الانقسام داخل كل الاحزاب وتبرير هذا الاسلوب الذي يتنافى مع كل المبادئ الماركسية حول وحدة الحركة الشيوعية العالمية.. ان رفضهم للوحدة فأمر طبيعي ناتج عن سلوكهم لخط سياسي يتعارض مع السياسات التي رسمتها الاحزاب الشيوعية في ميثاق 57- 1960م، وبهذا فقد احتل القادة الصينيون مكانهم خارج دائرة الاحزاب الشيوعية الخرى دونما ضغط أو اكراه من احد وبمحض ارادتهم اليسارية المتزمتة)( ص، 47- 48).

لقد اكدت تجربة انقسام أغسطس 1964م، أن التناول المستقل للماركسية حسب ظروف وخصائص السودان هو الاجدى بدلا من النقل الأعمي لتجارب الآخرين، وأن العمل وسط الجماهير هو المفتاح للتغيير بدلا عن العزلة وشعاراتها الجوفاء.كما أكدت التجربة أن الانقسام ليس هو الحل ، بل يعقد المشاكل ويعيق تطور الحزب.

اهم المصادر والمراجع:

1- أعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، 4/11/ 1964م.

2- رأي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني حول الوضع في الصين، يناير 1967م.

3- مجلة الشيوعي، العدد 120، بتاريخ: 31/13/1964م.

4- مجلة الشيوعي، العدد 122، بتاريخ: 27/4/1965م.

5- مجلة الشيوعي ، العدد 119، بتاريخ: 10/7/1964م.

6- مجلة الشيوعي، العدد 124، سبتمبر 1965م.

7- ثورة شعب، اصدار الحزب الشيوعي السوداني، 1965م.

8- اليسار السوداني في عشره اعوام، اعداد محمد سليمان، 1971م.

9- الماركسية وقضايا الثورة السودانية، اكتوبر 1967م.

ثالثا:الفترة: مايو 1969- يوليو 1971م

واجه الحزب الشيوعي بعد انقلاب مايو، ظروف معقدة وصعبة، لم يواجهها من قبل، فكان هناك الصراع المركب أو المزدوج: ضد السلطة الانقلابية والصراع الفكري داخل الحزب، وزاد من تعقيد هذا الصراع تبني الانقلابيين لاجزاء كبيرة من برنامج الحزب وتعيين شيوعيين في مجلس قيادة الثورة صبيحة الانقلاب وتعيين وزراء شيوعيين بصفتهم الشخصية ودون اعطاء الحزب الحق في تحديد من يمثلونه، مما يعني نسف استقلال الحزب تمهيدا لتصفيته، هذا فضلا عن فرض ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية باسم التقدم والاشتراكية!!(أى -اذا جازاستخدام لغة اليوم - أن الانقلابيين اخترقوا اجندة الحزب الشيوعي وتبنوها وافرغوها من مضمونها)، لدرجة تصور فيها الكثيرون أن الحزب الشيوعي وراء هذا الانقلاب خاصة بعد المرارات التي شعر بها الشيوعيون نتيجة لمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في اواخر عام 1965م، ثم بعد ذلك اختلط الحابل بالنابل، ودار صراع داخلي حول وجود الحزب نفسه، هل يظل حزبا مستقلا ام يذوب في تنظيمات ومؤسسات السلطة ويتحول كادره الي موظفين داخل النظام؟ وزاد من تعقيد الصراع دخول النظام بثقله في الصراع لمصلحة الانقساميين الذي ربطوا نفسهم بالنظام، واصبحوا يصورون للنظام كل نقد للسلطة من مواقع الحزب المستقلة معولا لهدم النظام، اضافة لعدم صدور بيان من الحزب للجماهير في الايام الأولي يشرح حقيقة ما حدث بسبب شل الصراع الداخلي لارادة الحزب الموحدة، وعدم طرح فكرة الانقلاب علي اللجنة المركزية بعد أن رفضها المكتب السياسي في اجتماعه بتاريخ 9/5/1969، فما هي حقيقة هذا الصراع؟ وما هي القضايا التي دار حولها والذي وصل الي ذروته في انقلاب 19/يوليو/1971م؟.

في الساعات الأولي من صباح 25/مايو/ 1969م، وقع انقلاب عسكري قام به صغار الضباط، وصفهم الحزب الشيوعي في تحليله الطبقي بفئة من البورجوازية الصغيرة، وكانت تركيبتهم: عقيد(1)، مقدم(1)، رواد(7)، مع وجود مدني بينهم هو بابكر عوض الله الذي كان رئيسا سابقا للقضاء، كان ذلك مثار دهشة للكثيرين، فكيف يجوز لرئيس سابق للقضاء أن يشترك في عملية انقلابية، ضاربا عرض الحائط بحكم القانون والدستور؟!!، اذاع جعفر النميري وبابكر عوض الله بيانين علي الشعب السوداني، أشار النميري في خطابه: أن السودان لم يشهد الاستقرار منذ الاستقلال عام 1956م، وانحي بلائمة النكسات في البلاد علي الفساد الذي انتشر خلال حكم الاحزاب السياسية وقال أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن مواجهة الامبريالية ووقف التسلل الصهيوني الي افريقيا وحماية حدود السودان، وبعد 16 عاما كانت انتفاضة مارس- ابريل 1985م، وبعدها كان قادة النظام أمام محاكمات بتهمة ترحيل الفلاشا الي اسرائيل، والفساد!!! وغير ذلك مما لم تفعله الاحزاب التي اطاح بحكمها، وبعد ذلك اعلن النميري تشكيل مجلس ثورة مؤلفا من تسعه ضباط ومدني واحد(بابكر عوض الله)، واصبح النميري رئيسا لمجلس قيادة الثورة وقائدا للقوات المسلحة ورقي نفسه الي رتبة لواء!!، كما اعلن النميري أن المجلس عين بابكر عوض الله رئيسا للوزارة ، ووافق علي تشكيل جكومة عسكرية- مدنية من 21 عضوا.

وتم اعتقال عدد من كبار ضباط الجيش واحيل عدد كبير من كبار المسئولين في وزارات التجارة والمواصلات والداخلية علي التقاعد أو سرحوا من الوظيفه.

وصدر الأمر الجمهوري الأول الذي اعطي البلاد لقبا جديدا: جمهورية السودان الديمقراطية(انقلاب عسكري يصادر الديمقراطية ويسمي البلاد جمهورية السودان الديمقراطية!!). وحل المرسوم مجلس رأس الدولة( السيادة) ومجلس الوزراء والجمعية التأسيسية ولجان الخدمة المدنية والانتخابات وخول الحكومة الجديدة جميع السلطات التنفيذية والتشريعية ، وجعلها مسئولة مع مجلس قيادة الثورة عن جميع شئون الدولة. واصبح من سلطات مجلس قيادة الثورة أن يقيل ويعين الوزراء علي أن يمارس هذه السلطة بعد التشاور مع رئيس الوزراء.

كما صدر الأمر الجمهوري رقم(2)(قانون الدفاع عن السودان) الذي نص الاعدام أوالسجن عشر سنوات لكل من يحاول اثارة معارضة في وجه نظام الحكم أو يخطط لمهاجمة أعضاء مجلس قيادة الثورة وذمهم، لأن ذلك يعتبر مثيرا للفتن ، وسواء كانت هذه الأعمال عن طريق رفع الشعارات أو المواكب أو المظاهرات أو المطبوعات أو الصحف أو الكراريس أو الاذاعة والتلفزيون، ويطال هذا القانون كل من يحاول الدعاية لحزب من دون اذن مسبق من مجلس قيادة الثورة، والذين يشتركون في اضطرابات تنظم من اجل عرقلة الاقتصاد، علي أن يحال المخالفون علي المحاكم العسكرية، وتطبق عليهم النصوص المناسبة في القانون الجزائي، واعلن المرسوم أن جميع أعمال مجلس قيادة الثورة هي اعمال سيادة، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن والاستئناف أمام المحاكم، ومن حق مجلس قيادة الثورة أن يسرح من يشاء من الدوائر الحكومية من دون أن يكون خاضعا لللاجراءات التأديبية، وفي وسع الحكومة، بناء علي توصية وزير الداخلية ولاسباب تتعلق بالامن العام أن تقيد حرية أى شخص وتحصره في اى مكان داخل الاراضي السودانية، من دون أن يحق للشخص المعني استئناف اى قرار كهذا صادر بحقه. وتم اعتقال قادة الحكومة والاحزاب السابقين: تم اعتقال الصادق المهدى، وادخل اسماعيل الأزهري السجن، ووضع محمد احمد المحجوب قيد الاقامة الجبرية .. الخ.كما وجهت الاتهامات الي ثلاثة وزراء سابقين : احمد السيد حمد، عبد الماجد ابوحسبو، احمد زين( وزراء التجارو والداخلية والمواصلات)، وقدموا لمحاكمات.

وبعد ذلك تداعت الاحداث، ففي اليوم الأول اصدر محمد عثمان الميرغني بيانا وصفه د. محمد سعيد القدال( فيه تأييد حذر، وقد ركز علي الاتجاه الايجابي في السياسة الخارجية للنظام الجديد( قدال: الحزب الشيوعي وانقلاب 25 مايو، الميدان 7/10/1985م).

وفي 2/يونيو/1969م، نظم موكب في ميدان عبد المنعم ( ميدان الأسرة حاليا)، وقد نظم الموكب وشاركت فيه قوى سياسية ونقابية متعددة، فهناك اتحاد العمال والمهنيين والمعلمين، وهناك قوى اخري، كما شاركت فيه بعض العناصر من الاحزاب، وسار الموكب تحت مظلة اليسار العريضة)( المصدر السابق)، وفي 9/يونيو/1969م، صدر بيان 9/يونيو حول مشكلة الجنوب الذي تلخصت قراراته في الآتي: استمرار ومد فترة قانون العفو العام، وضع برنامج اقتصادي اجتماعي ثقافي للجنوب، تعيين وزير لشئون الجنوب، تدريب كادر مستمر لتولي المسئولية، وكانت هذه القرارات في اتجاه حق الجنوبيين في ممارسة الحكم الذاتي الاقليمي.وهذا البيان كان مستخلصا من برنامج الحزب الشيوعي حول مشكلة الجنوب، كما تم تعيين جوزيف قرنق المحامي وزيرا لشئون الجنوب.

اصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني خطابا داخليا في مساء 25/مايو/1969م، جاء فيه:

· ماجري صباح هذا اليوم انقلاب عسكري وليس عملا شعبيا مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية عن طريق قسمها المسلح، واصبحت السلطة تتشكل من فئة البورجوازية الصغيرة.

· يبني الحزب موقفه من هذه السلطة علي أساس: دعمها وحمايتها امام خطر الثورة المضادة، وأن يحتفظ الحزب بقدراته الايجابية في نقد وكشف مناهج البورجوازية الصغيرة وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل قيادة الثورة من يد الطبقة العاملة الي يدها، فالبورجوازية الصغيرة ليس في استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة.

ثم بعد ذلك دار صراع فكري داخل الحزب الشيوعي كانت اهم مظاهره، كما وصفها الشهيد عبد الخالق محجوب في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي الذي انعقد في اغسطس 1970م:

- المقالة التي نشرت للزميل معاوية ابراهيم في مجلة الشيوعي( المجلة الفكرية للجنة المركزية للحزب الشيوعي)، العدد 134، ينتقد فيها الخطاب الدوري الأول للجنة المركزية ويعتبر اتجاهه سلبيا في وصفه للسلطة الجديدة بأنها بورجوازية صغيرة مما يؤدي حسب رأيه الي التقليل من قدراتها الثورية والي اضعاف دعم الشيوعيين لها والي اخطاء في تفهمهم لقضية التحالف معها، في ايراد لتحليل سابق لم توافق اللجنة علي تفاصيله، بل وافقت علي الاتجاه العام للتقرير الذي طرحه في دورة مارس 1969م حول الموقف من الانقلاب العسكري.

- رأى الزميل عمر مصطفي في اجتماع المكتب السياسي صباح الخامس والعشرين من مايو 1969م، ثم تكامل هذا الرأي في اجتماع المكتب السياسي بتاريخ 27/10/1969م حول الخطاب الدوري الأول للجنة المركزية والذي اعتبره الزميل وثيقة ملعونة، ثم رأي الزميل عمر مصطفي في مابعد حول اجتماع المكتب السياسي بتاريخ 9/مايو/1969م، والخاص بمناقشة التحضير للانقلاب العسكري، اذ يرى أن ذلك الاجتماع أخطأ في موقفه، وأكد سير الأحداث ذلك الخطأ حسب رأيه.

- مجموعة مواقف عملية أخري في نشاط الهيئات القيادية بعد صدور الخطاب الدوري الرابع، وهي علي سبيل المثال:

أ- الاختلاف في اللجنة المركزية حول تقييم استدعاء وزير الداخلية لعدد من كادر الحزب وأعضاء اللجنة المركزية بتاريخ:18/9/1969م،

ب- الاختلاف حول تقييم التعديل الوزاري وموقف الحزب الشيوعي منه مما دعا الي مناقشة هذا الموضوع في خمس جلسات للمكتب السياسي وتعطل اتخاذ موقف موحد في حينه.

ج- عدم وصول رأى الحزب الشيوعي حول تخفيض الأجور والموازنة للجماهير وعدم وضوح موقف الحزب الشيوعي من هذه القضية.

د- الخط الدعائي الذي تسلكه صحيفة الحزب القانونية... الخ.

أوضح عبد الخالق في وثيقته جذور هذه الاختلافات والتي ترجع الي ما قبل 25/مايو/1969م، وانها نتاج لصعوبات العمل في ظروف الثورة المضادة التي خلقت اهتزازات مختلفة بين كادر الحزب يطرح تارة يمينا وتارة أخري يسارا، وفي كلا الحالين كان هناك تراجع عن تكتيكات الحزب الشيوعي في تلك الفترة، والمتفق عليها في المؤتمر الرابع للحزب والقائمة علي الدفاع وتجميع قوى الثورة استعدادا للهجوم عندما تتهيأ الأسباب الموضوعية والذاتية لذلك. وضرب عبد الخالق مثلا بمقال الزميل احمد سليمان في جريدة(الأيام) بتاريخ:8/12/1969م والذي دعي فيها للمخرج بانقلاب عسكري يوفر الاستقرار لحكومة وحدة وطنية عريضة. ويري عبد الخالق أن هذا المقال اضر بموقف الحزب الشيوعي الموحد حيال القوات المسلحة وتكتيكات الحزب الشيوعي المقررة في المؤتمر الرابع من زاوية أنه:

1- لايري أن الشئ الجوهري هو أن تحشد الجماهير وتعد فكريا وتنظيميا حتي تصل الي مستوى استكمال الثورة الوطنية الديمقراطية ، بل أن الحل لأزمة الحكم والطبقات الحاكمة هو قيام حكومة للوحدة الوطنية تجمع بين القوى الرجعية وقوى التقدم.

2- يعارض تحليل المؤتمر للقوات المسلحة ذلك التحليل الذي لايري فيها جمعا طبقيا واحدا يدخل ضمن القوي الوطنية الديمقراطية، فالمقالة تقترح دخول القوات المسلحة كجسم واحد بأقسامها الوطنية والرجعية لحل أزمة الحكم.

3- يطرح دخول القوات المسلحة ككل في العمل السياسي لحماية حكومة الوحدة الوطنية، ولكن حمايتها ممن؟... الا يدل هذا علي أن القوات المسلحة مدعوة الي دعم حكم رجعي بع عناصر تقدمية شكلا؟. وايجاد صيغة للتصالح بين تلك القوى الرجعية حتي بين ابسط ميادين الديمقراطية واعنى الانتخابات؟.

هذا وقد رد عبد الخالق علي مقال احمد سليمان في صحيفة اخبار الاسبوع بتاريخ:16/يناير/1969م.أشار في هذا المقال الي أن الحديث عن القوات المسلحة بوصفها الأمل الوحيد للانقاذ في اجماله خطر ويتجاهل تجربة الشعب في بلادنا التي خبرت حكم الجنرالات في نظام 17/نوفمبر 1958م، وأن القوات المسلحة لاتخرج من اطار التحليل الطبقي وتشكل في مستواها العلي وبالتجربة جزءا من النادي الذي سقط طريقه الاقتصادي، واصبح لامفر من نظام سياسي جديد يعقب القوي الاجتماعية التي حكمت من قبل وتحكم فعليا علي تعدد الحكومات الحزبية منها والعسكرية).

يواصل الشهيد عبد الخالق ويقول في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي( لقد واصل هذا التيار موقفه بعد انقلاب 25/مايو/1969م بصورة قد تبدو جديدة، ولكنها في حقيقة الأمر الصورة القديمة نفسها. قد يبدو غريبا أن الرفاق الداعين للتحالف تحت نفوذ الاجنحة الاصلاحية في الحزب الاتحادي الديمقراطي يؤيدون الانقلاب العسكري الذي اطاح بذلك الجناح ضمن ما اطاح، ولكن الخيط الذي يربط بين الموقفين هو الدعوة لكي يتخذ الحزب الشيوعي موقفا ذيليا في كلا الحلفين: هناك يتحالف بصورة ذيلية مع البورجوازية الاصلاحية، وهنا يتحول، عن سكوت، ذيلا للبورجوازية الصغيرة، ان عناصر من الحاملين لهذا الاتجاه اليميني واخص بالذكر محمد احمد سليمان انتقلوا عمليا وفكريا من الحزب الشيوعي الي السلطة الجديدة، ولم يكن تحللهم من نظام الحزب وقواعده امرا شكليا أو مجرد خرق لاجراءات اللائحة، ولكنه كان تعبيرا عمليا عن الفهم اليميني للتحالف القائم علي الحل الفعلي للحزب الشيوعي وتحول كادره الي موظفين)( ص 103، في كتاب فؤاد مطر: الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر؟، 1971م).

يواصل عبد الخالق ويقول ( وكما عجز هذا التيار عن فهم اسس التحالف مع البورجوازية الوطنية وفقا لاستنتاجات المؤتمر الرابع فهو ايضا يعاني الآن من المشكلة نفسها: أسس التحالف مع البورجوازية الصغيرة. ولأن هذا التيار كان يائسا من العمل الثوري الشعبي وخط تجميع وتراكم القوى الثورية بالنضال في الجبهات الفكرية والسياسية والاقتصادية ويبحث عن المخارج الأخري، فقد كان من الطبيعي أن يكون له رأي في ما يخص القوات المسلحة والعمل الانقلابي يختلف عما اجمعنا عليه في المؤتمر الرابع للحزب)(ص 103-104).

وكان هناك الاختلاف في التصور حول دور القوات المسلحة، فكان هناك تحليل الحزب الشيوعي الذي لاينظر للجيش كطبقة او فئة واحدة، كما انه ليس جهازا معزولا عن عمليات الصراع الطبقي، فهناك حكم الجنرالات الرجعيين الذين برهن حكمهم الديكتاتوري في اعوام:1958-1964م علي انه جزء من البورجوازية المرتبطة بالاستعمار، كما أن غالبية جنود القوات المسلحة وضباطها جزء من الشعب لا من معسكر اعدائه.

وعكس ذلك تحليل الاتجاه اليميني والانقلابي في الحزب الذي يصور وضع الحزب الشيوعي للقوات المسلحة ككل في صف القوي المعادية، علما بأن الحزب الشيوعي حدد في مؤتمره الرابع القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية بأنها( الجماهير العاملة، المزارعون، والمثقفون الثوريون، والرأسمالية الوطنية، وتكمن قيادة هذه القوى بين جماهير الطبقة العاملة)، وتدخل القوات المسلحة بين هذه القوى حسب فئاتها الاجتماعية وتوزيعاتها الطبقية، كما أشار عبد الخالق محجوب.

ولخص عبد الخالق الصراع الفكري حول هذه النقطة في الآتي:

( هناك تصور يري أن تحتل الفئات الوطنية والديمقراطية في القوات المسلحة المركز المقدم في نشاط الحزب الشيوعي بفضل وجود السلاح بين ايديها ولأنها بهذا أقدر من غيرها علي حسم قضية السلطة بسرعة وبايجاز، وهذا في رأي تصور خاطئ وغير ماركسي. فالثورة الديمقراطية هي ثورة الاصلاح الزراعي ولايمكن أن تصل الي نتيجتها المنطقية الا باستنهاض جماهير الكادحين من المزارعين علي نطاق واسع وادخالهم ميادين الصراع السياسي والاقتصادي والفكري!. فالثورة الاشتراكية هي ثورة غالبية الجماهير الكادحة تتم بوعيهم وبرضاهم وبمشاركتهم الفعالة في اعلي مستويات النشاط الثوري. والقوات المسلحة في بلادنا ننظر الي اقسامها من زاوية انتماءاتها الفئوية والطبقية ويحدد دورها كجزء من الفئات الفئوية أو الطبقية المتصارعة في هذه الفترة أو تلك من فترات التطور الثوري. وعندما يصل هذا التصور الخاطئ الي مراميه النظرية يتحول الي نظرية انقلابية كاملة تدعو الحزب الشيوعي الي التخلي عن النشاط بين الجماهير وعن مهمته الصعبة في توعيتها وتنظيمها وتدريبها خلال المعارك العملية والفكرية، اللجوء الي تنظيم ( انقلاب تقدمي)( ص 105-106).

ويلخص عبد الخالق الموضوع في أن الشيوعيين لايقبلون ايديولوجيا نظرية القلة التي تقبض علي السلطة ثم بعد ذلك ترجع لجماهير، وأن الشيوعيين يرفضون التكتيك الذي يهمل العمل الجماهيري ويتراجع أمام مشاقه ويتغاضي عن المفهوم الشيوعي للثورة بوصفها اعلي قمم النشاط الجماهيري ولايعترف بمبدأ الأزمة الثورية – شروطها وعوامل نجاحها، وأن التكتيك الانقلابي ايديولوجية غير شيوعية( المصدر السابق).

هكذا كان هناك صراع فكري داخل الحزب الشيوعي حول طبيعة السلطة الجديدة: هل نسمي السلطة الجديدة ديمقراطية ثورية أم بورجوازية صغيرة؟(علما بأن الديمقراطيين الثوريين لايشكلون طبقة قائمة بذاتها، فمنها من يتخذ مواقف يمينية ومنها من يتخذ مواقف يسارية) ، لانركز علي التمايز بقدر ما نركز علي نقاط الاتفاق. ووصف عبد الخالق ذلك: أن ذلك تعبير عن مفهومين يتصارعان حول قضية التحالف في هذه الفترة مع السلطة الجديدة، احدهما مفهوم يميني والاخر مفهوم شيوعي.

فماهي القضايا العملية التي دار حولها الصراع؟.

يمكن أن نقسم القضايا التي دار حولها الصراع الي الآتي:-

1- الحقوق والحريات الديمقراطية.

2- التاميمات والمصادرة

3- السلم التعليمي.

4- احداث الجزيرة أبا

5- الاوضاع المعيشية ولاقتصادية.

6- ميثاق طرابلس( الاتحاد الثلاثي بين السودان ومصر وليبيا)

7- التنظيم السياسي( حزب واحد أم جبهة؟).

أولا: الحقوق والحريات الديمقراطية:

أشرنا من قبل الي الاوامر الجمهورية التي صدرت في بداية الانقلاب والتي تم بموجبها حل الاحزاب ومصادرة كل الحقوق والحريات الأساسية، أشار عبد الخالق في تقريره للمؤتمر التداولي( علينا أن نلحظ في الوقت نفسه مواقف واتجاهات سلبية عاقت تطور الثورة الديمقراطية في بلادنا، فالامران الجمهوريان الرقم(1) والرقم(2) ينصان علي حل جميع الأحزاب السياسية ، وأى تشكيل سياسي أو أى تنظيم يحتمل أن يستغل لأغراض سياسية وعلي تحريم الاضراب للجماهير العاملة، ويعتبر مجرما كل من ( يقوم بأى عمل من شأنه اثارة الكراهية بين طبقات الشعب بسبب اختلاف الدين أو الوضع الاجتماعي)، ومن يشهر بوزير أو عضو في مجلس الثورة)

يواصل عبد الخالق ويقول ( نحن نعتبر مرحلة الانتقال – انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية- غنية بالصراع الطبقي وتعتمد في نجاحها علي تمتع الجماهير الشعبية بمستوى عال من الديمقراطية في التنظيم وفي الرأي..الخ، ولهذا فكل قيد علي الجماهير يعوق تطور الثورة ويؤدي الي تقوية مراكز القوي الرجعية)( المصدر السابق:ص 131).

يواصل عبد الخالق ويقول ردا علي الانقساميين الذين يقللون من خطر مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، بحجة الاشتراكية والتقدمية، بقوله:

(من زاوية طبيعة الثورة الديمقراطية نفسها نحن كشيوعيين نرى أن هذه الفترة تمتاز بطابع تغير الحياة علي اسس ديمقراطية ومن زاوية خصائص فترة الانتقال في بلادنا، فان هذا التغيير علي اسس الديمقراطية هو الذي يجعل العملية العسكرية التي غيرت السلطة تسير في طريق التحول الي ثورة شعبية حقيقية. ان مفهوم (حل جميع الأحزاب) هو في واقع الأمر تصور خاطئ، تصور انقلابي، وهو يعبر عن قصور حقيقي في فهم طبيعة المرحلة الانتقالية بوصفها مرحلة انطلاق وتعميق للصراع الطبقي الاجتماعي في بلادنا بما يكفل انجاز الثورة الديمقراطية، وحسم هذه المرحلة لصالح استقبال الثورة الاشتراكية، لهذا فالموقف من هذه القضية مبدئي، وعلينا أن نناضل بحزم من اجل حق الطبقة العاملة في الديمقراطية والتنظيم والنشاط المستقل).

النقطة الثانية التي اشار لها عبد الخالق( من زاوية فهمنا لدورنا كشيوعيين خلال انجاز مرحلة الثور الوطنية الديمقراطية في بلادنا، أن واجبنا هو ايقاظ الملايين من جماهير المزارعين للعمل الثوري وخلق تحالف ثابت بينهم وبين الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي. هو نشر الوعي الاجتماعي بين مختلف فئات الكادحين اعتمادا علي النظرية الماركسية اللينينية..الخ، هذه المهمة التاريخية تنهض بها الطبقة العاملة وطلائعها الشيوعيون بكل طاقاتها وكل قيد علي حرية الطبقة العاملة وكل سد يقام لحبس هذه الطاقات يعوق من تنفيذ هذا الواجب ومن احداث ثورة اجتماعية عميقة في البلاد).

أما النقطة الثالثة التي اشار لها عبد الخالق( من زاوية ما انجزت الحركة الثورية وحركة الطبقة العاملة من مكاسب خلال نضالها الشاق والطويل. فالتنظيمات المستقلة للطبقة العاملة والحقوق الديمقراطية للجماهير الثورية كانت مدار نضال عميق ضد القوي الرجعية والاستعمارية في بلادنا، وهذه الجماهير تدخل في فترة انجاز الثورة الديمقراطية من فوق هذه التقاليد والمكاسب لابتصفيتها، وعلينا نحن الشيوعيين قبل غيرنا الا نقلل من هذا الرصيد الضخم الذي يشكل عنصرا مهما لنجاح الثورة الديمقراطية في بلادنا ثم لنقلها صوب الاشتراكية).

اما النقطة الرابعة التي اشار اليها عبد الخالق(من زاوية المصالح الحقيقية للطبقة العاملة السودانية وهي التي مازالت تعيش تحت ظل الاستغلال. ان فترة الانتقال – الثورة الديمقراطية- لاتعني الغاء الاستغلال الرأسمالي، والسبيل الوحيد لذلك هو توفير الشروط المادية والسياسية للانتقال بمجتمعنا صوب الاشتراكية. ومن دون حق الطبقة العاملة في التنظيم والاضراب، فان الاستغلال الرأسمالي يتزايد ولاتتوفر شروط ملائمة لتراص صفوف هذه الطبقة كقوة يعتمد عليها في النضال من اجل انجاز الثورة الديمقراطية وحسم فترة الانتقال ومواجهة مهام الثورة الاشتراكية. ان الطبقة العاملة مازالت تتعرض بالالاف للعطالة، مازالت اجورها في القطاع الرأسمالي في مستوى لايليق بالبشر، ومازالت تنتظرها عشرات المعارك الطبقية، وحرمان الطبقة العاملة من حق الاضراب سلاح يوجه اليوم عمليا الي صدور هذه الطبقة).

كما أشار عبد الخالق الي قرار حل اللجان الثورية الشعبية ووصفه بأنه (ضربة ايضا لتطور الثورة الديمقراطية في بلادنا، كان من الناحية الايديولوجية يعبر عن تردد السلطة في تحويل الانقلاب الي ثورة ديمقراطية عميقة الجذور وفي تطوير الصراع الاجتماعي في بلادنا).

وانتقد عبد الخالق حل الاتحادات الطلابية، يقول: ( ان الغاء الاتحادات الطلابية ومصادرة العمل السياسي في المدارس الثانوية اضرا بالعمل الثوري لحركة الطلاب وتركا المجال فسيحا لليمين، في وقت كان ميزان القوي قبل الخامس والعشرين من مايو يسير لصالح الحركة الديمقراطية، وفتحا الباب لتزايد نشاط العناصر الرجعية تحت ستار الجمعيات الدينية).

كما انتقد عبد الخالق جهاز الرقابة الذي كونته السلطة باعتباره بعيد عن الرقابة الجماهيرية والذي سوف يتحول الي سلطة بوليسية ويدفع البلاد الي نظام بوليسي لامبرر له وسيشكل عقبة أمام تحول الأوضاع الراهنة الي ثورة شعبية عميقة الجذور)( ص 130).

وبعد احداث الجزيرة أبا اصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم الجمهوري رقم(4) الذي وسع نطاق الجرائم والعقوبات الخانقة المعددة في الأمر الجمهوري رقم(2) الصادر في مايو 1969م، وقد شملت المخالفات الجديدة الأعمال التي تشكل تهديدا أو اخلالا بالثورة، سواء كانت مقصودة أو لا، وغالبا ما كانت العقوبة الاعدام أو السجن المؤبد مع مصادرة الممتلكات. كل من يتآمر أو يقوم بأعمال تحسس مع بلد اجنبي أو عملاء ذلك البلد، وكل من ينضم الي الخدمة المدنية أو العسكرية لبلد (معادي) أو حتي يتاجر مع مثل هذا البلد، سيحكم عليه بالاعدام أو السجن المؤبد علي كل من يدان بتهريب البضائع والعملات، ويقبل الرشوة أو يسئ استعمال الموال العامة، أو يعلن الاضراب عن العمل. كما فرض المرسوم حكم الاعدام علي كل من يقوم(باعمال حروب العصابات في المدن)، واصبح حمل السلاح وتسليح الناس واتلاف الممتلكات العامة وقبض الأموال لعرقلة الثورة، وطبع مواد تنتقد نظام الحكم أو ضباطه ونشرها واذاعتها اعمالا تعاقب بالاعدام ومصادرة الممتلكات، وبات نشر خبر كاذب في صحيفة ما يجعل رئيس التحرير مسئولا ومعاقبا بالسجن وبدفع غرامة لاتقل عن عشرة الاف جنية سوداني مع وقف الترخيص للصحيفة، ومصادرة موجوداتها. كما جاء في المرسوم، أنه في مثل جميع حالات الاعلام الكاذب كهذا( ستقع مسئولية اثبات صحة الأحداث والانباء البيانات علي المتهم). كما نص المرسوم الحكم بالسجن عشر سنوات علي كل شخص لايبلغ السلطة المخططات والمؤامرات التي تحاك لارتكاب المخالفات الآنف ذكرها)( المحجوب: الديمقراطية في الميزان، ص 243).

انتقد الحزب الشيوعي الطريقة الهمجية في ضرب الجزيرة، كما انتقد الأمر الجمهوري رقم(4)، باعتباره يصادر الحقوق والحريات الديمقراطية، بينما تغاضي الانقساميون عن هذه هذا الأمر وبرروا باعتباره موجه ضد الثورة المضادة وليس الحزب الشيوعي، وهاجموا انتقاد عبد الخالق لتصرف السلطة بعد احداث الجزيرة أبا، وباعتبار أن ذلك معادي لنظام مايو.

وتم اعتقال عبد الخالق محجوب بعد احداث الجزيرة ابا ومعه الصادق المهدي وتم نفيهما الي مصر، في عملية وصفها عبد الخالق بأنه خليفة الزبير باشا في النفي والذي اعتقلته الحكومة التركية ونفته الي مصر معتقلا!!.

وفي ابريل 1970م، قامت السلطة بحل اتحاد الشباب والاتحاد النسائي وهما تنظيمان ديمقراطيان مستقلان، وبدأت السلطة الأعداد لتكوين تنظيمات سلطوية بديلة لهما تمهيدا للاعلان لتكوين تنظيمات سلطوية بديلة لهما تمهيدا للاعلان الرسمي بتكوين الاتحاد الاشتراكي في الذكري الأولي للانقلاب في 25/مايو1969م.

هكذا بدأ النظام في مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، وانشاء هياكل الدولة البوليسية ونظام الحزب الواحد ومصادرة حقوق التنظيم والتعبير.

وخلاصة الأمر، كان موقف العناصر المنقسمة ان حديث الحزب الشيوعي عن الديمقراطية هو حديث ليبرالي يتعارض مع ثورة مايو!!، وهكذا تنكر الانقساميون لكل الماضي النضالي الطويل الذي الذي تركته من خلفها القوي التقدمية السودانية حينما دافعت في جسارة ووضوح عن حقوق وحريات المواطن السوداني من اجل سيادة القانون.

جاء في قرار المؤتمر التداولي لكادر الحزب المنعقد في اغسطس 1970م ما يلي: ( اقتصرت اشاعة الديمقراطية في اجهزة الدولة الأساسية( الجيش والبوليس) علي شكل التطهير. ولكن مازالت النظم واللوائح التي تتحكم في هذه الاجهزة بعيدة عن الديمقراطية، وما زلنا بعيدين عن اهداف اعادة تنظيمها علي اسس ديمقراطية.

خلق جهازان رئيسيان للدولة في هذه الفترة وهما جهاز الأمن القومي والجهاز المركزي للرقابة العامة. ومن المهم أن يكون جهاز الأمن قوة في يد الدولة توجهه ضد أعداء الثورة الوطنية الديمقراطية( المحليين والاستعماريين) وان يعمل في حدود الشرعية وأن يخضع للقيادة السياسية والرقابة الديمقراطية. ويجب أن يوجه جهاز الرقابة المركزي في طريق التخفيف من ثقل البيروقراطية، وان تصرف جهوده نحو المراقبة المتقدمة لانجاز الخطة الخمسية).

تواصل وثيقة المؤتمر التداولي وتقول: ( ومن اجل استكمال الثورة الديمقراطية لابد من اعادة بناء الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في بلادنا علي اسس ديمقراطية ما زالت تنتظر الحل ونحن نناضل في سبيل: 1- ديمقراطية جهاز الدولة وهو شعار الثورة الديمقراطية خلافا لشعار الثورة الاشتراكية الذي يتلخص محتواه في: ( الجهاز الجديد لحكم الطبقة العاملة). 2- اشاعة الديمقراطية في حياة اغلبية الكادحين السودانيين وهم جماهير المزارعين في القطاعين الحيواني والزراعي وذلك بتغيير العلاقات الاجتماعية لما قبل الرأسمالية وباحداث اصلاح زراعي يدفع بعوامل التطور غير الرأسمالي خطوات الي الامام ويحسن من مستوي معيشة فقراء المزارعين والعمال الزراعيين. 3 – التطبيق الفعلي لنظام الحكم الذاتي الديمقراطي في جنوب البلاد. 4- تقنين الحرية السياسية للجماهير الثورية: من حقوق في التنظيم والتعبير وشرعية منظماتها الثورية وبينها الحزب الشيوعي السوداني .. الخ. 5- تطبيق الديمقراطية في مؤسسات الانتاج الحديث وذلك بالاشتراك الديمقراطي للجماهير العاملة في ادارتها).

هكذا كان التمايز واصحا في قضية الديمقراطية بين الحزب الشيوعي وسلطة البورجوازية الصغيرة، وبين الانقساميين الذين غضوا الطرف عن مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتنكروا لماضي الحزب النضالي في هذا الجانب، الي أن عصفت بهم الديكتاتورية العسكرية ولفظتهم بعد أن استفادت منهم في ضرب الحزب الشيوعي.

ثانيا: التأميمات والمصادرة:

في مايو 1970م، قامت الحكومة بمصادرة وتأميم عدد من الشركات الخاصة، ففي 14/مايو/1970م، تم الاستيلاء علي شركات رجل الأعمال الثري عثمان صالح واولاده، وصودرت 16شركة أخري في الرابع من يونيو: مجموعة شركات بيطار، وشركة شاكروغلو وشركة كونتوميخالوس وشركة مرهج وشركة سركيس ازمرليان وشركة جوزيف قهواتي وشركة صادق ابوعاقلة واعمال حافظ البربري وشركة السجائر الوطنية(تيم نبلوك: صراع السلطة والثروة في السودان، ص 231).

اعلن جعفر نميري أولي قرارات التأميم في خطاب القاه في الذكري الأولي لاستيلائه علي السلطة وشملت جميع المصارف الي جانب اربع شركات بريطانية، وشملت البنوك 24 فرعا لبنك باركليز وستة فروع لبنك مصر واربعة فروع لناشونال اند جرند ليز وثلاثة فروع للبنك العربي والفرع الوحيد للبنك التجاري الاثيوبي والبنك التجاري السوداني وبنك النيلين والأخيرين تأسسا برأسمال سوداني.

أما الشركات البريطانية فقد كانت شركة كوتس وشركة جلاتي هانكي وشركة سودان ميركنتايل وشركة الصناعات الكيماوية الامبريالية. وفي الرابع من يونيو اممت شركة اسمنت بورتلاند علي أساس أن الاسمنت سلعة استراتيجية، واعقب ذلك تأميم عشرات الشركات الأخري، وبنهاية يونيو 1970م، كانت الدولة قد استولت علي كل الشركات العاملة في مجال التصدير والاستيراد وكل المؤسسات المالية، وغالبية مؤسسات التصنيع، كما امتد التأميم والمصادرة لتشمل مطاعم ومحلات صغيرة ودور سينما وبعض المساكن.

وقد تمثل التعويض في شكل صكوك بفائدة 4% وبنفس قيمة الممتلكات المؤممة يبدأ سدادها في عام 1980م ويستمر حتي 1985م، وقد وصفت صحيفة التايمز اللندنية التعويضات بأنها (غير عادلة ولا ناجزة وغير فعالة)( تيم نبلوك: المصدر السابق، ص 231).

وهكذا بدأت تتضخم مؤسسات القطاع العام، وقبل ذلك بدأت محاولات احكام سيطرة الدولة علي الاقتصاد والحد من حريات القطاع الخاص في وقت مبكر، ففي 16/اكتوبر/1969م، اعلن عن تأسيس شركتين حكوميتين للسيطرة علي قطاعات مفتاحية في التجارة الخارجية، واحدة لاحتكار حقوق استيراد الجوت والسكر والمواد الكيماوية والخري لاستيراد كل مشتريات الحكومة من الخارج كالسيارات والجرارات والادوية.

ولايمكن معالجة هذه الاجراءات بمعزل عن الصراع الداخلي في الحزب الشيوعي يومئذ، فتأميم البنوك وشركات التأمين والشركات الأجنبية كان من الشعارات التي رفعها الحزب الشيوعي في برنامجه المجاز في المؤتمر الرابع 1967م، بهدف تحقيق الآتي:

1- بالاستيلاء علي تلك المراكز يمكن وقف تدفق موارد البلاد الذي كان يتم في شكل أرباح البنوك وشركات التأمين وشركات التجارة الخارجية وفي شكل مرتبات وعلاوات وامتيازات للموظفين الأجانب، وفي شكل تهريب للعملة في اسعار الصادرات والواردات. ان استيلاء الدولة علي هذه الموارد يمكنها من استخدامها في عملية التنمية الاقتصادية.

2- باستيلاء الدولة علي المصارف وشركات التأمين تتمكن الدولة من التحكم في حجم المدخرات والعمل علي زيادتها باتخاذ كل القوانين المشجعة لذلك وتوجيه تلك الاستثمارات في مشاريع التنمية للقطاعين العام والخاص حسب الاسبقيات والاولويات التي تضعها الحكومة في خطط التنمية الاقتصادية.

3- وباستيلاء الدولة علي البنوك وتصدير واستيراد السلع الأساسية تتمكن من التحكم في التجارة الخارجية من حيث الجهات والدول التي تتعامل معها ومن حيث نوعية السلع المستوردة ومن ناحية الكميات ويصبح للدولة وضع احتكاري يمكنها من ايجاد احسن الاسعار للصادرات واقل الاسعار للواردات والتحكم في تموين البلاد باحتياجاتها الضرورية من السلع.

( أزمة طريق التطور الرأسمالي في السودان، اصدار الحزب الشيوعي السوداني، 1973م ، ص 30).

ولكن ما حقيقة التأميمات والمصادرة:

1- لقد اتخذت هذه الاجراءات بدون أن يصدر قرار بذلك لا من مجلس الثورة ولامن مجلس الوزراء، بل اتخذها عدد من اعضاء مجلس الثورة من وراء ظهر بقية الأعضاء.

2- كان هناك تفكير من جانب المنقسمين من الحزب الشيوعي السوداني وبعض أعضاء مجلس الثورة يقول:اذا ما قامت الحكومة بالتأميم والمصادرة، تكون قد نفذت شعارات الحركة الثورية وتكسب الحكومة القوي التقدمية الي جانبها وتسحب البساط من تحت أقدام الحزب الشيوعي ويسهل بذلك ضربه. ولهذا تمت هذه القرارات في عجل وفي وقت بدأ السخط يزداد بسبب نفي سكرتير الحزب الشيوعي وبداية الاضطهاد للقوي الثورية، وتمت كذلك دون مشاورة العناصر التقدمية في مجلس الوزراء أو في مجلس قيادة الثورة.

تواصل وثيقة( أزمة التطور الرأسمالي ..)، وتقول: ( في مجال المصادرة كان رأي القوي التقدمية ولايزال أن هذه المرحلة من تطور الاقتصاد السوداني – مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية- تتطلب موضوعيا قيام القطاع الخاص بدور هام في التنمية الاقتصادية في اطار الخطة العامة التي ترسمها الحكومة، وأن أى انكار لدور القطاع الخاص في هذه المرحلة الانتقالية، ومحاولة القفز فوق المراحل أمر خطير وضار بالاقتصاد القومي، ولذا يجب عدم اتخاذ اجراءات يسارية عفوية تخيف القطاع الخاص وتجبره علي الانكماش. ان المصادرة لأى فرد أو جهة من الجهات يمكن أن تتم في ظل القانون والشرعية الثورية ويجب الا تتم دون تهم محددة ودون تقديم المتهم للمحاكمة واعطائه فرصة الدفاع عن نفسه. لقد تمت المصادرة بطريقة مستعجلة وبدون محاكمة الأمر الذي ادي الي كثير من الجرائم وعمليات الفساد والافساد واصبحت مجالا للتهديد والابتزاز. لقد ادت عمليات المصادرة الي نشر جو من الفزع والخوف عند جميع افراد القطاع الخاص والي اخفاء الأموال والاحجام عن الاستثمار، المر الذي أضر بعمليات التنمية الاقتصادية. بالاضافة الي ذلك اضرت كثيرا بالشعارات الاشتراكية وتشويهها، واصبحت كل الجرائم والفساد والسرقة يتم باسم الاشتراكية).

ويؤكد د. منصور خالد الذي كان وزيرا للشباب والرياضة يومئذ، في كتابه(السودان والنفق المظلم) ما جاء في وثيقة الحزب الشيوعي ويقول حول الجهة التي ايعزت لنميري للقيام بتلك التاميمات والمصادرة ، يقول د. منصور خالد( لقد وجد النميري سنا قويا في معركته مع الشيوعيين من داخل الحزب الشيوعي نفسه، خاصة من جانب المجموعة المنشقة بقيادة احمد سليمان وزير التجارة الخارجية ومعاوية ابراهيم وزير الدولة للشئون الخارجية ووزير العمل، وحاولت تلك المجموعة احراز نصر علي الحزب الشيوعي بالضغط من أجل التأميم الشامل والمصادرات والذي قام باعداد تفصيلاتها احمد سليمان بمعاونة المستشار الاقتصادي لمجلس قيادة الثورة احمد محمد سعيد الأسد ، وقد هزت تلك التأميمات الاختباطية الاقتصاد السوداني هزا عنيفا لسنوات).

ويخلص د. منصور خالد الي أن الحزب الشيوعي لاعلاقة له بالتأميمات والمصادرة، وقد كان صادقا في ذلك.

أما عبد الخالق محجوب فقد كتب مقالا في صحيفة( أخبار الاسبوع) بتاريخ يوليو 1970م، بعنوان ( حول المؤسسات المؤممة والمصادرة)، جاء فيه( ان المصادرة في هذه الفترة الوسيطة من الثورة الوطنية الديمقراطية تعتبر عقوبة اقتصادية علي اصحاب المال ( من الرأسماليين) الذين يخرجون علي قوانين واومر الدولة المالية والاقتصادية وبهذا يضعفون التخطيط المركزي ومؤشراته المختلفة التي رسمتها الدولة ، وبما ان هذا الاجراء السياسي الاقتصادي والاجتماعي احراء خطير في هذه المرحلة التي مازالت فيها العناصر الرأسمالية مدعوة للاسهام في ميدان التنمية وتنفيذ الخطة الخمسية. من المهم أ لا تقتصر المصادرة في اطار سيادة الدولة علي رعاياها. يجب أن تحاط المصادرة بالتالي:

1 – وضع تشريعات دقيقة ومفصلة ومحكمة تشمل الجرائم التي تستوجب توقيع عقوبة المصادرة.

2 – تعرض الأموال المختلفة علي دائرة قضائية لها القدرة علي الحسم السريع في القضايا وذات قدرات سياسية ايضا(برئاسة عضو من مجلس قيادة الثورة مثلا).

لماذا نقترح هذا؟.

أ – لأن في هذا ضمان لانتفاء الفساد وتفادي القرارات الذاتية التي ربما طوحت في كثير من الاحيان عن الموضوعية.

ب – لادخال الطمأنينة في قلوب اصحاب اصحاب المال الذين تحتاج اليهم البلاد الي استثماراتهم في هذه الفترة مدركين جيدا أن العلاقات الرأسمالية مازالت تمتد الي اعماق مجتمعنا، الي خلاياه الأساسية).

وخلاصة الأمر كانت قرارات التأميمات والمصادرة خاطئة حيث قامت زمرة المنقسمين من الحزب الشيوعي مع زين العابدين محمد احمد عبد القادر ومحمد عبد الحليم، بتعيين مجالس ادارات ومديري البنوك والمؤسسات دون التشاور مع مجلس الثورة أو مجلس الوزراء مما أدى الي تعيين عدد كبير من الأشخاص غير الاكفاء لهذه المناصب بسبب عدم معرفتهم وقلة تجربنهم بالمسائل الاقتصادية والمالية وعدم الامانة. الأمر الذي عرض النشاط الاقتصادي لهذه المؤسسات لكثير من الاضرار والخسائر ولعمليات الثارء الحرام، وبدلا من أن تكون مصدرا للارباح للقطاع العام ومساعدته في التنمية تحول الكثير من هذه المؤسسات من مؤسسات رابحة الي مؤسسات تشكل عبئا علي مالية الدولة مثل مؤسسة الزيوت الافريقية وغيرها. بالاضافة الي ذلك تزايد عدد المستخدمين في هذه المؤسسات لابسبب حوجة العمل، ولكن بهدف ارضاء الحكام بتعيين المحاسيب والاقرباء وغيرهم الأمر الذي ادى الي ارتفاع تكلفة الانتاج والي تقليل الأرباح وزيادة الخسائر.( أزمة طريق التطور الرأسمالي، ص 31).

اضافة الي أنه اثناء عملية استلام المؤسسات المصادرة والمؤممة تمت كثير من عمليات النهب لللاموال من الخزائن والبضائع والي سرقة الكثير من المعدات والاثاثات من المنازل. كما قام المسئولون عن الكثير من الشركات بعمليات فساد كبيرة مع رجال القطاع الخاص، وذلك بالتحكم في استيراد السلع لصالح مجموعات قليلة من التجار وتحويلها للسوق السوداء كما حدث في تجارة الاسبيرات ومواد البناء وبعض المنسوجات والتلاعب بحسابات هذه المؤسسات. لقد ورث الكثير من المديرين كل امتيازات اصحاب هذه المؤسسات من منازل وعربات وعلاوات. وكل ذلك تم تحت شعار الاشتراكية الأمر الذي أدي الي تشويه معنى تحرير الاقتصاد السوداني والمفاهيم الاشتراكية واضر بقضية التمية الاقتصادية وبتبديد موارد البلاد.

وبهذا الشكل بدأت تنشأ فئة الرأسمالية المايوية الطفيلية علي حساب جهاز الدولة عن طريق النهب والفساد،وفي عملية حراك طبقي شهدتها الفترة المايوية. مما يوضح أن الصراع الداخلي في الحزب الشيوعي كان له علاقة بالصراع الطبقي الدائر في المجتمع ومن خلال تطلع فئات من كادر الحزب الشيوعي للثراء السريع والانضمام الي نادي الرأسمالية السودانية.

ثالثا: السلم التعليمي:

اعلنت الحكومة السلم التعليمي الجديد بطريقة متعجلة، لم يتم فيها التشاور مع المعلمين والمختصين، وكانت هذه الطريقة مثار نقد عبد الخالق محجوب في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي، يقول عبد الخالق( من زاوية السياسة التعليمية: ان نضال القوي التقدمية من طلاب ومعلمين لدفع وزارة التربية والتعليم في طريق المساهمة في النهضة الثقافية الوطنية في بلادنا، نضال قديم وله جذوره . ومنظمات المعلمين الديمقراطية لها نقد متعدد الجوانب للبرامج ولنظم التعليم في بلادنا، ولكننا نلحظ أن هذا المرفق المهم يسير علي طريق خاطئ:

- الكثير من الخطوات التي اتخذها الوزير ذات طابع دعائي ولم تستهدف تغييرا جوهريا في التعليم لخدمة الثورة الديمقراطية. مشروع الاستيعاب الذي يستهدف ديمقراطية التعليم لم يستفد منه الا ميسورو الحال من أبناء المدن التي فيها مدارس غير حكومية.( علي سبيل المثال: في 21 يونيو/1969م، اصدرت الحكومة قرارا برفع عدد التلاميذ المقبولين في المدارس المتوسطة من 24 الفا الي 38,500 وفي المدارس الثانوية من سبعة الآف اي 10,400 وذلك للعام الدراسي القادم)(تيم نبلوك،ص 232).

- لم يتم اشراك نقابات المعلمين في التخطيط التربوي، وفي تنفيذ برامج الديمقراطية التي ناضلت من قبل لتحقيقها. ان الاتجاه الرسمي للوزارة يتجاهل الطرق الديمقاطية في العمل ويعمل لفرض سياسة لا تتلاءم مع ظروف بلادنا واهداف ثورتنا الثقافية. انه يطبق ما يجري في ج.ع.م(مصر) تطبيقا اعمي.

يواصل عبد الخالق الي أن يقول: (ونستطيع القول أن هذه الوزارة التي تلعب دورا مهما في ميدان أساسي للثورة الديمقراطية- واعني البعث الوطني الثقافي – تعاني من سلبيات وأخطاء فاحشة، لابد من النضال ضدها. وأخطر هذه السلبيات هو الفهم القاصر والتصور الخاطئ للثورة الثقافية المنبعثة من خصائص شعبنا ومن حضارته العربية والزنجية، واللجوء الي النقل الاعمي بلا تمييز ولا نظرات ناقدة)( ص،133 – 134 ).

كما جاء في المؤتمر التداولي لكادر الحزب المنعقد في اغسطس 1970م حول هذه القضية مايلي:

( وفي مايختص بالثورة الثقافية النابعة من المرحلة الوطنية الديمقراطية فالتوجيهات الأساسية في هذه القضية خاطئة: 1- اقتصر المجهود في حيز التعليم المدرسي، ولم تطرح قضايا الثقافة الشعبية من محو للامية ومن بعث ثقافي يعبر عن ثروات شعبنا الحضارية ويساهم في ازاحة المؤثرات المختلفة عن كاهل المواطنين. 2- المجهود التعليمي لايستهدف ديمقراطية التعليم من حيث تحقيق الزاميته، من حيث توجيهه نحو ابناء الكادحين. اننا نحتاج بالوتائر الراهنة الي اكثر من 38 سنة لاستيعاب كل الاطفال من الذين هم في سن التعليم في المدارس الابتدائية. 3 – لايرتبط التعليم بحاجيات الخطة الخمسية وما ينتظر بلادنا من ثورة اقتصادية)( ص ، 159، في المصدر السابق).

جاء في خطاب للحزب الشيوعي للديمقراطيين 1971م حول السلم التعليمي مايلي: ( لقد استطاع الوزير الحالي( محي الدين صابر) أن يوهم الرأي العام وجمهور المعلمين بأن في ادخاله لنظام السلم التعليمي الجديد قد احدث ثورة في التعليم مستغلا في ذلك الاستجابة العظيمة التي قابل بها المواطنون المشاكل التي نتجت عن تطبيق السلم التعليمي الجديد ولكننا امام ادعاء يجب علي كل شيوعي وثوري ان يحدد موقفنا منه . الا وهو هل ما يجري الآن في بلادنا من تطبيق لسلم تعليمي جديد وتغيير في بعض المناهج هو الثورة الثقافية التي ننشدها جميعا؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن ثورة تعليمية أو ثقافية اذا كانت هذه الثورة التعلمية المزعومة لاتمس جوهر الحقيقة التي تؤكد أن 82% من سكان بلادنا مازالوا يعانون من الأمية. كيف يمكننا أن نتحدث عن أية ثورة ونحن لانستطيع أن نتقدم بأى مشروع لمحاربة هذا التحدي العظيم؟ ان الثورة الثقافية نفسها لن يكتب لها الانتصار اذا بقيت غالبية شعبنا تعيش في امية وفي جهل مطبق. ثم كيف يجوز لنا أن نتحدث عن الثورة التعليمية بينما نحن لانستطيع ان نتقدم بأى مشروع يقدم من التعليم المهني في بلادنا ، ذلك التعليم الذي تعتمد علي وجوده تطوير كل مشاريع التنمية الصناعية والزراعية التي نصبوا الي انجازها في خططنا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؟

ثم كيف يجوز لنا ان نتحدث عن ثورة ثقافية بينما تراثنا الثقافي يرقد بين الاطلال يبحث عن من ينقب فيه ؟ اهي مشاريعنا لاحياء ذلك التراث ؟ ماهي مشاريعنا في ميادين الفنون والآداب ، في الغناء والموسيقي والرقص الشعبي ، في ميادين الشعر والتأليف والقصص ؟ ان الحديث عن الثورة الثقافية لايستقيم في نظر أى عاقل ما لم يعالج بصورة جادة قضية احياء التراث الثقافي للشعب السوداني)( ص، 11- 12).

هذا وقد اصدر د.محمد سعيد القدال كتابا ممتازا بعنوان( التعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية)، 1971م، أوضح فيه التمايز بين الشيوعيين وسلطة البورجوازية الصغيرة حول مفهوم التعليم واهدافه في مرحلة الثورة الديمقراطية، والكتاب خلاصة لما توصلت اليه حركة المعلمين الديمقراطية ونقاباتها في مضمار اصلاح التعليم، ويمكن للقارئ الراغب في المزيد أن يرجع له.

رابعا: أحداث الجزيرة أبا:

في مارس 1970م، وقعت احداث الجزيرة أبا المشهورة، وكانت أول مواجهة مسلحة للنظام قام بها حزب الأمة بقيادة الامام الهادي المهدي، واتحادي الديمقراطي بقيادة الشريف الهندي، اضافة للاخوان المسلمين، وكانت معارضة ومطالب الامام الهادي المهدي تركز علي النقاط الستة التالية في مقابلته مع اللواء ابو الدهب:

1- وجوب ازالة الواجهة الشيوعية من السلطة فورا.

2- أن تكون مسودة الدستور الاسلامي التي اعدت قبيل حركة مايو هي الأساس لاقرار دستور دائم.

3- اجواء انتخابات حوة في البلاد.

4- اطلاق سراح السجناء السياسيين وعلي رأسهم الصادق المهدي.

5- ايقاف جميع الاتفاقات مع المعسكر الاشتراكي.

6- ايقاف التدخل الليبي المصري في شئون السودان، وكان ذلك في 25/3/1970م.

( طه ابراهيم المحامي:السودان الي أين؟، 1984م، ص 59-60 ).

ومعلوم أنه بعد انقلاب 25/مايو/1969م، توجه الوف الانصار الي الجزيرة أبا حتي بلغ مجموع المقيمين علي القطاع الضيق من الأرض بطول 30 ميلا في أوائل 1970م، حوالي 40 ألف شخص.

وقاوم الأنصار احدي زيارات نميري في منطقة النيل الأزرق مما اضطر لقطع زيارته والعودة الي الخرطوم ، وفي 27 /مارس، كان انتقام نظام مايو بطريقة وحشية، فقد أمر النميري بقصف الجزيرة بالصواريخ، وفي ذلك الوقت لم يكن السودان يملك طائرات ميغ- حسب رواية محمد احمد المحجوب رئيس الوزراء السابق – ولاطيارين يستطيعون قيادتها، مما جعل الكثيرين مقتنعين بأن القصف حري بطائرات مصرية وطيارين مصريين، وجاء بيان صادر عن وزارة الخارجية الليبية في وقت لاحق ليؤكد هذا الاقتناع( المحجوب: الديمقراطية في الميزان، ص 241).

وياصل المحجوب ويقول( ظلت المقاتلات طوال يومين( تنقض) علي الجزيرة وتضربها بالصواريخ وتغير علي السكان، لقد كانت مجزرة وحشية.. كانت اقسي تقتيل لاسابق له في تاريخنا وأوحشه ، كان يجري حصد الناس وتفجيرهم قطعا في الشوارع والحقول اثناء فرارهم للاحتماء، من دون أن يكون هناك دفاع أو حماية لهم ضد الغارات الجوية)

يواصل المحجوب ويقول( وبعد أن قضي القصف والضرب بالصواريخ علي قسم كبير من السكان، غزا الجزيرة حوالي اربعة الآف جندي بالدروع، غير أن المقاومة لم تكن انتهت، فخرج مقاتلوا الامام دوو الاثواب من مخابئهم، فوقع قتال عنيف، وقال شهود عيان في وقت لاحق، أن الانصار المتعصبين كانوا خلال المعارك الأخيرة يخرجون بالرماح لمواجهة نيران الرشاشات في اماكن مكشوفة، وكان آخرون يخوضون معارك يائسة بالقاء انفسهم علي المدرعات، واستسلمت الجزيرة بعد أربعة أيام( المحجوب: الديمقراطية في الميزان، ص 241).

أما الامام الهادي المهدي فقد اعلن رسميا في وقت لاحق أنه عثر علي جثته في منطقة الكرمك علي الحدود الاثيوبية. وقدر مجلس قيادة الثورة عدد القتلي 120 من الانصار و60 من الجرحي، وقد قتل جنديان ، ولكن مصدرا مستقلا قدر عدد الاصابات بالف شخص، وفي وقت لاحق وضعت التقديرات لعدد القتلي في الجزيرة ابا وحدها من 27/مارس الي 31/مارس 1970م منه بين خمسة الف قتيل واثنتي عشر الف قتيل( المصدر السابق، ص 242).

كما وقع اشتباك في 29/مارس في الوقت الذي كانت فيه المعركة سجالا في أبا، في ام درمان بين الانصار المسلحين بالسيوف والرماح والاسلحة الصغيرة والجنود، فاريق مزيد من الدم ، وقتل أخرون في حادث وقع قرب الجامع في ود نوباوي ( نفسه،ص 242).

وبعد الأحداث اصدر مجلس قيادة الثورة المرسوم الجمهوري رقم(4) الذي وسع نطاق الجرائم والعقوبات الخانقة المعددة في الامر الدفاعي رقم(2) الصادر في مايو 1969م، والذي انتقده الحزب الشيوعي وغض الطرف عنه الانقساميون.

وبعد احداث الجزيرة أبا قرر مجلس قيادة الثورة نفي عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني والصادق المهدي الي مصر، لقد كان ذلك اجراءا غريبا نوعا ما – ابعاد اثنين من مواطني بلد مستقل الي المنفي في بلد مجاور، وهو شبيه بنفي حكومة الاتراك للزبير باشا الي مصر وسجن قادة المهدية بعد معرك كرري وام دبيكرات في سجن رشيد بمصر.

والجدير بالذكر أن الحزب الشيوعي كان قد انتقد غفلة السلطة ، وكان من الممكن أن تقلل الخسائر والضرب الوحشي والعشوائي والانتقامي للجزيرة ابا، كما انتقد اعتقال عبد الخالق محجوب ، وكان ذلك موقفا معاديا للحزب الشيوعي، ولكن الانقساميون وصفوا هذا الاعتقال لاسباب شخصية، ولكن في واقع الامر قد حزموا امرهم مؤيدين للسلطة ومباركين كل مواقفها السليمة والخاطئة.ونتيجة لضغط الحركة الجماهيرية، عاد عبد الخالق من المنفي ليبقي في الحبس الانفرادي بالباقير وفي سجن مصنع الذخيرة الحربي حتي يونيو 1971م.

كما واصلت السلطة هجومها علي الحزب الشيوعي والتنظيمات الديمقراطية، وقامت السلطة في ابريل 1970 بحل اتحاد الشباب والاتحاد النسائي ، وبدأت السلطة الاعداد لتكوين تنظيمات سلطوية فوقية بديلة لهما تمهيدا للاعلان الرسمي بتكوين الاتحاد الاشتراكي، في عملية نقل اعمي ومسخ للتجربة المصرية.

خامسا: الأوضاع الاقتصادية والمعيشية:

في تلك الفترة تدهورت أوضاع الناس المعيشية، وصف عبد الخالق محجوب في وثيقته للمؤتمر التداولي الاجراءات المالية التي فرضت( تشكل اتجاها سلبيا، فهي تعبير عن اتجاه يميني وتقليدي في محاولة حل الأزمة المالية علي حساب الجماهير الكادحة، لقد حملت الطبقة العاملة، والعاملون من ذوي الدخول المنخفضة، من الاجراءات الضريبية الأخيرة 3,6 مليون جنية تقريبا من مجموع تقديرات تبلغ 5,9 مليون جنية تقريبا. أدت هذه الاجراءات الي انخفاض حقيقي في مستوي مداخيل الطبقة العاملة والعاملين الآخرين في القطاع العام في وقت حافظت الأسعار علي مستواها احيانا وارتفعت احيانا اخري).

يواصل عبد الخالق ويقول( الثبات علي أن الحزب الشيوعي لايناضل فقط في الجبهة السياسية، بل عليه دائما وابدا أن يناضل من أجل ادخال تحسينات أساسية في حياة الجماهير الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. ان التنازل عن هذا الموقف يؤدي الي انعزال الحزب الشيوعي عن جماهير طبقته وعن الكادحين، كما أنه يعتبر تخليا عن جبهة نضال هي من صميم جبهات العمل الشيوعي).

يواصل ويقول( ان عدم توضيح موقفنا كاملا بطريقة موحدة وبصورة واسعة أمام جماهير الطبقة العاملة والاقسام الأخري من العاملين كان خطا اضر بعلاقة الحزب الشيوعي بطبقته وبالجماهير التي تناضل معه من اجل التقدم والاشتراكية)( ص 133).

يواصل عبد الخالق ويقول ان (بقاء هذه السلطة يعتمد علي:

- أن تتخذ الاجراءات السريعة لتحسين مستوى معيشة الجماهير الكادحة، وهذا مهم لرفع النشاط الثوري لهذه الجماهير ولالتفافها الحقيقي حول السلطة الراهنة).

- النظر في اجور عمال المصانع والورش الرأسمالية وفي شروط خدمتهم بما يكفل ارتفاعا في مستوى معيشتهم واجورهم الحقيقية.

- مراجعة التخفيضات التي لحقت باجور الطبقة العاملة وذوي الدخول المنخفضة من العاملين في قطاع الدولة بالنسبة الي تكاليف المعيشة.

- وضع الاجراءات اللازمة لرفع عائد المزارعين في القطاعات التي سبقت الاشارة اليها.

وكان من قرارات المؤتمر التداولي لكادر الحزب في اغسطس 1970( رفع مستوى المداخيل الحقيقية للجماهير الكادحة مما يجذبها بالفعل للدخول في ميادين النشاط السياسي والاجتماعي ويفجر من طاقاتها ويوسع من دائرة النشاط الديمقراطي الثوري في بلادنا).

الخطة الخمسية:

في 20/مارس/ 1970م، اجاز مجلس قيادة الثورة خطة التنمية الخمسية باعتبارها وسيلة اخري من وسائل احكام سيطرة الدولة علي الاقتصاد وقد استهدفت الخطة أن يكون نصيب القطاع العام من جملة الاستثمارات العامة وحجمها 385 مليون جنية ، 215 مليونا من الجنيهات، وأن يرتفع الناتج القومي الاجمالي بنسبة 8,1 مقارنة ب 4,7 لفترة الخمس سنوات السابقة، ولم تشتمل الخطة علي أية مشاريع كبيرة وركزت علي اعادة تأهيل المشاريع الموجودة لتحقيق انتاجية اكبر وتم التركيز علي الاستثمار المنتج اكثر منه علي البنيات الاساسية( تيم نبلوك، ص 231).

أشار قرار المؤتمر التداولي لخطة الخمسية بقوله( وضعت خطة خمسية تستهدف البناء الاقتصادي للبلاد، ولكن هذه الخطة لايمكن عزلها عن الاوضاع الاقتصادية المنهارة التي ورثناها عن النظام القديم. ومن ثم فانها لا تستطيع احداث تغيير في تركيب الاقتصاد السوداني من ناحية النمو الجذري في الاستثمارات ومن ناحية وضع الأسس لتحقيق جوهر الثور الديمقراطية، اى الثورة الزراعية. فهي لاتؤدي الي تغيير في اسس العلاقات الانتاجية المتخلفة( علاقات ما قبل الرأسمالية)، كما انها لاتعالج قضيةالتطور غير الرأسمالي في الزراعة، وما زالت هذه العلاقات في القطاع الحديث تقوم علي اسس رأسمالية كاملة).

يواصل قرار المؤتمر التداولي ويقول( من الممكن أن تؤدي الخطة الخمسية الي رفع مستوي معيشة الجماهير نسبيا، وهذا أمر مهم بالنسبة الي الانتاج اذا توفرت التوجيهات السياسية والاقتصادية اللازمة من ناحية توزيع الدخل القومي ومن ناحية رفع المداخيل الحقيقية بالنسبة الي الجماهير العاملة. فالزيادة في دخل الفرد من العائد القومي تصل الي 5 في المائة في وقت ارتفعت فيه تكاليف المعيشة بين مايو 1969 ومايو 1970، بما يعادل 12 في المائة، وهذا يضر بانجاز الخطة الخمسية بنجاح)

يواصل ويقول( اذا جرت التعديلات اللازمة للخطة الخمسية وفقا للمقترحات الايجابية التي تمت في المناقشة العامة، ووفقا للتوجيهات السياسية التي لابد منها لتحديد اهداف الخطة – فان الخطة الخمسية ستنجح في حدود بعينها وهي: 1- وقف تدهور الاقتصاد السوداني الناتج عن الظروف الماضية. 2- خلق الاجهزة اللازمة لقيادة بناء الاقتصاد الوطني بعد ذلك. 3- زيادة وزن قطاع الدولة في الاقتصاد السوداني المر الذي يسهل عملية بناء الاقتصاد الوطني عبر الطريق اللارأسمالي. 4- تحسين مستوى معيشة السكان الي قدر معين..... الخ.

ورغم ضجيج السلطة الجديدة حول التنمية وتحسين احوال الناس المعيشية، الا أن الحصيلة كانت في الفترة: مايو 1969- 1973م، كالآتي:

1- سوء تصريف المؤسسات التي آلت ملكيتها للدولة بعد التأميم والمصادرة.

2- تفاقم نفقات جهاز الدولة الموجهة لغير الانتاج بمعدل اكبر من معدل نمو الايرادات.

3- تدهور الادارة في مؤسسات القطاع العام.

4- كل ذلك ادي الي انعدام الفوائض المتاحة للتنمية واللجؤ اكثر واكثر الي الاستدانة من النظام المصرفي لتمويل النفقات الجارية ومشاريع التنمية مما ادي الي التضخم المالي وارتفاع الاسعار وانعدام السلع وتدهور مستوى المعيشة بشكل خطير.

وتشير وثيقة( ازمة طريق التطور الرأسمالي..)الي الاسباب الحقيقية لهذا التدهور، وترجعه للسياسات الخاطئة للنظام منذ ميزانية 1969/1970م، والتي انتقدها الحزب الشيوعي في مجلة اخبار الاسبوع وفي بيان الاستقلال 1970م، كما انتقدت النقابات العمالية ونقابات الموظفين الميزانية وخاصة ضريبة الطوارئ. كما بدأ النظام في وضع برنامج في زيادة الصرف علي القوات المسلحة مما أدي الي ارتفاع نفقات القوات المسلحة من 18مليون في عام 68/1969 الي حوالي 45 مليون في عام 72/73، اضافة للتكلفة الباهظة للسلم التعليمي المرتجل والذي كان يكلف الدولة اكثر من 10مليون جنية سنويا. كما دار صراع رهيب حول الخطة الخمسية للتنمية الاقتصادية وحول الميزانية العامة في مجلس الثورة ومجلس الوزراء ، فبينما كانت القوي التقدمية تنادي بضرورة وضع خطة للتنمية الاقتصادية والالتزام بتنفيذها، كانت القوى المحافظة والقوميون العرب بقيادة الوزير السابق احمد عبد الحليم تقاوم وضع الخطة الخمسية وتري أنه من الافضل القيام بمشروعات وعدم الالتزان بخطة، وحتي بعد صراع عنيف تمت اجازة الخطة الخمسية، ولكن عمل الوزير واعوانه لنسف الخطة بعدم توفير الموارد الماليةالضرورية لتنفيذها.

كما دار صراع حول الميزانية العامة للعام المالي 70/71 ، وكان من رأي الحزب الشيوعي أن حجم الانفاق مرتفع في هذه الميزانية ولابد من تخفيضه واشراك العاملين في عملية التخفيض ، وحتي يتم تنفيذ موارد حقيقية لتنفيذ مشاريع التنمية، وحتي يتم تفادي اللجوء للاستدانة من النظام المصرفي والذي يؤدي الي التضخم المالي والي ارتفاع الاسعار والي مصاعب في ميزان المدفوعات، وقد كان.واستمرت الميزانية كما هي عليه رغم نقد الحزب الشيوعي لها في صحيفة اخبار الاسبوع ونقد النقابات لها، ونتيجة لهذا الصراع في الجبهة الاقتصادية ونتيجة للصراع في المواقف السياسية، نفذ القوميون العرب انقلاب 16/نوفمبر 1970م، وتبعته اجراءات 12/فبراير 1971م، و10/ابريل/1971م، والتي هاجم فيها النميري الشيوعيين، وبدأت السلطة شن حملة اعتقالات واسعة وسط الشيوعيين الديمقراطيين، وتشريد اعداد كبيرة من الجيش والخدمة المدنية، الي أن تم تتويج ذلك بانتصار التيار المحافظ الرجعي في 22/يوليو/1971م، ومنذ ذلك اليوم تدهورت الاوضاع الاقتصادية كما اشرنا سابقا، وادي ذلك الي ارتماء النظام في احضان رأس المال الاجنبي والاستعمار الحديث والسير في طريق التطور الراسمالي، وضرب كل القوي الداعية للاشتراكية والتقدم(46-47).

سادسا: السياسة الخارجية:

في 4/يونيو/1969، ووسط ضجة كبيرة اعترف السودان بالمانيا الديمقراطية وتبع ذلك زيارة وفد علي مستوي عال من المانيا الشرقية للخرطوم، وفي اكتوبر 1969م، أدلي بابكر عوض الله بتصريح في المانيا الديمقراطية اشاد فيه بالحزب الشيوعي، فانبري له مجلس قيادة الثورة ببيان عنيف وانتقده بحزم، ولم يخل البيان من هجوم علي الشيوعيين، وكان رأي عبد الخالق أن يستقيل الوزراء الشيوعيون من الحكومة احتجاجا علي ذلك البيان، اذ كيف يمكنهم التعاون في نظام يتعرض لهم في اجهزة الاعلام بتلك الحدة. ولكن الوزراء لم يستقيلوا، فالصراع داخل اللجنة المركزية كانت تحكمه توازنات القوى بين مجمل السلطة، وبين اجنحة الحزب المصطرعة: فبقي الوزراء في مناصبهم، وانهزم صوت عبد الخالق، فكانت تلك بداية تراجع وارتداد في علاقة الحزب بالسلطة( قدال: الحزب الشيوعي وانقلاب 25/مايو،1986، ص 44).

وفي 28/ديسمبر/1969م، وبعد سقوط النظام الملكي في ليبيا أول سبتمبر1969م، تم التوقيع علي ميثاق طرابلس بين الدول الثلاث( مصر، السودان، ليبيا)، والذي شمل الي جانب التعاون الاقتصادي مجالات الدفاع والسياسة الخارجية، والاتفاق علي حتمية الوحدة وضرورة التدرج نحوها. وهنا ايضا انتقد الحزب الشيوعي ميثاق طرابلس، ودعا الي عدم التعجل الي الوحدة دون استكمال مقوماتها، وناقش عبد الخالق هذا الأمر في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي أشار فيها الي مقومات الوحدة في الآتي:

1- تستند هذه الوحدة بين البلدان العربية علي اسس موضوعية وهي تمثل حاجة تاريخية لشعوب هذه المنطقة، ومن هذه الزاوية فالحزب الشيوعي السوداني داعية لهذه الوحدة.

2- توضع الشروط اللازمة لهذه الوحدة خلال تحول المجتمعات صوب الاشتراكية – خلال فترة التقدم الاجتماعي حينما تصفي قواعد الطبقات الاجتماعية المستغلة وايديولوجيتها التي تستند علي التعصب الوطني الضيق ولاتري مصالح الحركة الثورية العامة في منطقتنا وعلي النطاق العالمي.

3- لابد من اعتبار الخصائص الاجتماعية والسياسية والثقافية لكل بلد عربي والا يفرض نمط واحد من الانماط أو من الخصائص لهذا الشعب أو ذاك علي بقية الشعوب.

4- الشرط الجوهري هو أن تجد الحركة الثورية في كل بلد عربي الصيغة الملائمة للاتحاد بينها في النضال من اجل التقدم والاشتراكية اعتمادا علي استنهاض الجماهير علي اسس ديمقراطية، وأن يكون هذا هو الأساس لاتحاد حركة التحرر الوطني في نطاق البلدان العربية بأسرها.

5- تتم الوحدة بالرعبة الشعبية لكل بلد عربي ولاتفرض فرضا.

ويرى عبد الخالق أن طرح الوحدة للتنفيذ الفوري (عمل غير ناجح وسيؤدي بالفعل الي عزل الحركة الثورية التي تنفذ هذا الطرح عن الجماهير)( ص 127).

وبعد اعلان الرؤساء انور السادات ومعمر القذافي وجعفر النميري في 8/نوفمبر/1970 الاتفاق علي قيام اتحاد ثلاثي يضم مصر وليبيا والسودان اصدر الحزب الشيوعي بيانا حدد فيه موقفه من هذا الاتحاد، أشار البيان الي أن هذا الاتحاد تم بدون استشارة أى من تلك الشعوب، ناهيك عن موافقتهان وهذا خطأ جسيم يؤدي الي بلبلة الجماهير، ويؤدي الي اقامة محورلايفيد السودان في شئ ولاسيما أن دور السودان كان مميزا في الدفاع عن قضايا البلدان العربية، وان هذا الاتحاد سوف تترتب عليه نتائج ضارة بتطور الثورة في بلادنا وبمستقبل الوحدة العربية فيها، واقترح الحزب الشيوعي السوداني طرح موضوع الاتحاد بين البلدان الثلاثة للاستفتاء الشعبي بعد مناقشة جماهيرية واسعة وحرة، كما دعا الي اليقظة في وجه كل محاولات الرجعية ولاالاستعمار لاثارة النعرات والتعصبات القومية الضيقة).

هكذا كان موقف الحزب واضحا ضد التعجل في فرض الوحدة بين البلدان الثلاثة، وهذا ايضا كان من قضايا الاختلاف مع سلطة 25/مايو/1969.

سابعا: التنظيم السياسي ( جزب واحد أم جبهة؟).

وكان هذا ايضا من قضايا الخلاف بين الحزب الشيوعي والسلطة، عندما اعلنت السلطة قيام التنظيم الشعبي( الحزب الواحد)، قاوم الحزب ذلك، وطرح البديل الجبهة الوطنية الديمقراطية، أشار قرار المؤتمر التداولي في اغسطس 1970م(ان الحزب الواحد، بما في ذلك الحزب الشيوعي، لايصلح اداة للتحالفات المطلوبة لانجاز مهام المرحلة الديمقراطية).

يواصل القرار ويقول(الحزب الواحد في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية في بلادنا، وبخصائصها القومية والسياسية والقبلية والاجتماعية وبالانقسام الطبقي فيها، لايصلح اداة لتوحيد القوي الاجتماعية صاحبة المصلحة في انجاز المهام الراهنة للثورة، واتخاذه اداة لهذا الغرض يؤدي الي تشتت هذه القوي، ومن ثم الي الفشل في انجاز مهام المرحلة انجازا كاملا).

يواصل ويقول( الجبهة الوطنية الديمقراطية، اذن، هي التحالف السياسي والتنظيمي بين الطبقة العاملة وجماهير المزارعين والمثقفين الثوريين والرأسمالية الوطنية والجنود والضباط ووفق التزام واضح من قبلها باحترام هذا البرنامج والعمل لتنفيذه، ولكي يقوم التحالف علي اسس متينة، فلابد من ضمان استقلال اطرافه المختلفة).

يواصل قرار المؤتمر التداولي ويقول(ان انفراد اية قوة من قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية بالسلطة يعوق تطور الثورة ويحمل في طياته عوامل انتكاسها، أو لابد علي احسن الفروض تجميدهافي نقطة معينة، وقد برهنت علي هذا تجارب حركة التحرر الوطني العالمية، ومن ضمنها التجارب العربية والافريفية)

ويخلص القرار الي أن( سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية، المنبثقة من صفوف هذه الجبهة، والمستندة اليها، هي التي تعطي اكبر دفع للنشاط الثوري ولاندفاع الجماهير) ( ص، 149-150-151، المصدر السابق).

وبالتالي، فان الحزب الشيوعي السوداني كان معارضا للحزب الواحد، باعتباره لايصلح، كأداة للتحالفات الطبقية.

خاتمة:

واضح مما سبق، أن جذور الصراع داخل الحزب ترجع الي ما قبل 25/مايو/1969م، بل ترجع جذوره الي فترة تأسيس الحزب الأولي: هل يظل الحزب الشيوعي مستقلا ام يكون جناحا يساريا داخل الأحزاب الاتحادية، وبعد اكتوبر 1964م، ونتيجة لصعوبات الثورة المضادة وخاصة بعد حل الحزب الشيوعي، برز اتجاه لتصفية الحزب بأن يتخذ موقف ذيليا في التحالف مع الحزب الوطني الاتحادي باعتباره حزب الرأسمالية الوطنية، في حين كان تحليل المؤتمر الرابع ان الرأسمالية الوطنية مشتتة داخل حزب الامة والحزب الاتحادي وبقية الاحزاب ومن المهم، الصبر والفرز علي الدراسة في هذا الجانب، ثم كان هناك الانحراف اليميني الذي تم تصحيحه بتكوين الحزب الاشتراكي نتيجة لدمج الحزب الشيوعي مع التيارات الاشتراكية السودانية، اى حل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية اخري، بعد قرار مؤتمر الجريف التداولي عام 1966م.

وبعد انقلاب 25/مايو/1969م، اتخذ الصراع شكلا جديدا، هل يكون الحزب الشيوعي مستقلا أم يذوب داخل حزب ومؤسسات سلطة البوجوازية الصغيرة، ويتم تكرار تجربة الشيوعيين المصريين، وكل الصراع حول المواقف العملية التي سردناها في العرض السابق، كان يدور حول ذلك. وقررت اللجنة المركزية في اغسطس 1969 فتح مناقشة عامة ، تعرض فيها وجهات النظر المختلفة علي الفروع والأعضاء، ويتم حسم الصراع في مؤتمر تداولي، وبالفعل صدرت وثيقتان: وثيقة عبد الخالق محجوب ووثيقة معاوية ابراهيم وتمت المناقشة في الفروع واعداد مجلة الشيوعي 134، 135، 136،..الخ، وانعقد المؤتمر التداولي في اغسطس 1970م، أى بعد عام من فتح المناقشة العامة. وبعد المداولات كانت النتيجة أن الأغلبية الساحقة لأعضاء المؤتمر التداولي وقفت مع الوجود المستقل للحزب، ورفض ذوبانه داخل حزب السلطة ومؤسساتها، حسب ما جاء في الوثيقة التي صدرت عن المؤتمر التداولي التي اشرنا لها سابقا.

ولكن الجناح الآخر لم يقبل بقرارات المؤتمر ولم يقبل بالديمقراطية الحزبية، أي الالتزام برأي الاغلبية والتمسك بوحدة الحزب والصراع من داخله للدفاع عن رأيه، فالتجربة العملية هي الكفيلة في النهاية بتأكيد صواب أو خطا هذا الرأي أو ذاك.

سلك هذا الجناح مسلكا غير ديمقراطي ولجأ الي التآمر، اذ بعد نهاية المؤتمر مباشرة عقد 12 عضوا من اعضاء اللجنة المركزية(مجموع اعضائها 33) اجتماعا سريا عبروا فيه عن رفضهم لقرارات المؤتمر والتكتيكات التي خرج بها، ثم حضروا اجتماع اللجنة المركزية في 26/8/1970م، دون أن يكشفوا عن خططهم، وبعدها نشروا رسالة وقعوا عليها جميعا، وكان ذلك اعلانا رسميا بالانقسام. وتبع ذلك بيان آخر وقع عليه مايزيد عن الخمسين من بعض كوادر الحزب، وتم عقد اجتماعات في بورتسودان وعطبرة والجزيرة للوقوف ضد قرارات المؤتمر وتبعتها اجتماعات في العاصمة( قدال: المرجع السابق، ص،55).

وبذلت اللجنة المركزية جهدا كبيرا لتفادي الانقسام، وفي دورة في اكتوبر 1970، أعلنت اللجنة المركزية عن فشل كل المساعي التي بذلت لتفادي الانقسام، وتوصلت الي أن الجماعة التي وقع افرادها الخطاب خلقوا انقساما كامل الحدود والمعالم، وعليه قررت:

- فصل قادة الانقسام الموقعين علي خطاب الاثني عشر من عضوية الحزب.

- فصل العناصر التي اشتركت معهم في الانقسام بتوقيع الخطاب الآخر.

- أن تطبق كل منظمات الحزب ولجانه اللائحة علي المشتركين في اعمال التكتل.

- حل لجنة الحزب في الجزيرة والمناقل

( دورة ل.م اكتوبر 1970م).

من الواضح أن الانقسام كان كبيرا شمل حوالي ثلث اعضاء اللجنة المركزية وبعض الكوادر القيادية واغلب قيادة منطقة الجزيرة والتي تقرر حلها واعادة تسجيلها من جديد.

أشرنا سابقا الي أن السلطة كانت طرفا في هذا الصراع من خلال تسخير كل امكاناتها لدعم الانقساميين في مخططهم لتصفية الحزب الشيوعي الذي يقف عقبة كاداء أمام السلطة، من خلال كشف اخطائها للجماهير، وبالتالي فشلت مساعي السلطة لهدم القلعة من الداخل. وبعد ذلك ازدادت السلطة شراسة ولجأت لوسائلها الثقليدية التي خبرها الحزب الشيوعي وصرعها منذ ديكتاتورية عبود والاحزاب التقليدية، ونظمت السلطة انقلاب 16/نوفمبر/1970م، الذي اسفر عن الوجه اليميني الكالح للسلطة وعن ديكتاتوريتها التي طالما غلفتها بشعارات يسارية، وكانت النكتة الشائعة في الشارع يومها( أن السلطة تؤشر يسارا وتتجه يمينا)، وكان من نتائج انقلاب 16/نوفمبر/1970م، ابعاد ثلاثة من اعضاء مجلس الثورة( بابكر النور، فاروق حمد الله، هاشم العطا)، واعتقل عبد الخالق وعزالدين علي عامر، واختفي الكادر القيادي للحزب تحت الأرض، وهكذا انتقل الصراع من محيط الافكار الي ميدان المواجهة.

كما شهدت الفترة بين نوفمبر 1970 ومايو 1971م، هجوما مكثفا علي الحزب الشيوعي شنه النميري في عدة مناسبات، من بينهاالخطابات التي القاها في استاد الخرطوم في 23/نوفمبر/1970، ثم الخطاب الملتهب في 12/فبراير 1971/والذي حرض فيه علنا علي ضرب الشيوعيين وتمزيق الحزب الشيوعي، وفي ابريل 1971م، اقيم مهرجان في ميدان سباق الخيل بالخرطوم والتي شاركت فيه قوى سياسية رأت أن الوقت قد حان لتصعيد الحملة ضد الحزب الشيوعي الي ذروتها، وفي ذلك المهرجان استنفر الناس لضرب الشيوعيين معيدا للاذهان احداث 1965- 1966م، وبلغ ذلك الهجوم ذروته باعتقال اعداد من كوادر الحزب الشيوعي في مايو 1971، وتقديم اعداد منهم للمحاكمات في العاصمة والاقاليم، وكان ذلك بهدف تعطيل نشاط الحزب في المنظمات الجماهيرية، وقد اتهمت وثائق الحزب الانقساميين بتحريض السلطة علي تلك الاعتقالات(قدال: ص، 56).

واستمر الهجوم علي الحزب الشيوعي، ورد الحزب علي تلك الحملة ببيانات جماهيرية مثل بيان الحزب الشيوعي في نهاية مايو 1971م والذي عدد فيه جرائم النظام ومآسيه، هكذا تواصلت الحملة، وفي هذه الظروف وقع انقلاب يوليو1971م، وبعد فشل الانقلاب استكمل النميري حملته الصليبية ضد الشيوعيين، باعدام قادة الحزب الشيوعي من مدنيين وعسكريين وتم اعتقال وتشريد الالاف من الشيوعيين والديمقراطيين ، اضافة للمحاكمات غير العادلة، ولكن الحزب الشيوعي صمد أمام تلك العاصفة وبدأت فترة جديدة في مقاومة النظام مع قوى المعارضة الأخري، حتي تمت الاطاحة به في انتفاضة مارس ابريل 1985م.

هكذا أوضحت التجربة أن الصراع الداخلي في الحزب لم يكن معزولا عن الصراع الطبقي الدائر في المجتمع حول اى الطريق يسلك: طريق يميني يفضي للتنمية الرأسمالية ام طريق انجاز الثورة الوطنية الديمقراطية بافقها الاشتراكي.

ومهما اختلفت اشكال الصراع، فان المحتوي واحد: الغاء الوجود المستقل للحزب، والهجوم علي مرتكزاته الفكرية(الماركسية)، والهجوم علي منطلقاته الطبقية( التعبير عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين)، والهجوم علي كادره القيادي(نلاحظ أن جل وثائق انقسامي 1970، كانت هجوما شخصيا علي الشهيد عبد الخالق محجوب)..الخ.

كما اكدت التجربة أن كل الانقسامات السابقة لم تنجح في ادعائها ببناء حزب جديد ديمقراطي ومتطور، بل اصابها داء الانقسامات الاميبية، كما حدث في انقسام 1952، وانقسام 1970م، ومجموعة حق 1994م، فلا حافظ الانقساميون علي حزبهم ولا بنوا شيئا جديدا يفيد ويوسع من دائرة التقدم والاستنارة.

كما أن من اهم دروس الصراع الفكري الداخلي هو الا ينكفي الحزب علي نفسه وينشغل بصراعاته الداخلية، بل يجب الا ينعزل ذلك الصراع عن نشاط الحزب الجماهيري، والذي من خلاله تمتحن صحة الآراء المصطرعة داخل الحزب.

اهم المصادر والهوامش

أولا: وثائق الحزب.

1- الماركسية وقضايا الثورة السودانية( التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الرابع اكتوبر 1967).

2- برنامج ودستور الحزب المجازين في المؤتمر الرابع.

3- وثيقة عبد الخالق محجوب المقدمة للمؤتمر التداولي.

4- وثيقة معاوية ابراهيم.

5- بيانات الانقساميين(12 من اعضاء اللجنة المركزية، 50 من اعضاء وكوادر الحزب).

6- وثيقة المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي، اغسطس 1970م.

7- اعداد مجلة الشيوعي(134، 135،136).

8- دورة اللجنة المركزية، اكتوبر 1970م.

9- أزمة طريق التطور غير الرأسمالي في السودان، 1973م.

10- عبد الخالق محجوب حول البرنامج(دار عزة 2002م)

11- بيان المكتب السياسي حول اعلان ميثاق طرابلس، نوفمبر1970م

12- تقييم اللجنة المركزية لانقلاب 25/مايو/1969م.

13- عبد الخالق محجوب: حول المؤسسات المؤممة والمصادرة، اخبار الاسبوع، يوليو 1970م.

ثانيا: الكتب:

1- تيم نبلوك: صراع السلطة والثروة في السودان، ترجمة محمد علي جادين والفاتح التجاني، 1990م.

2- تاج السرعثمان: تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني، دار عزة 2008م.

3- محمد سعيد القدال: الحزب الشيوعي وانقلاب 25/مايو 1969، 1986م

4- محمد احمد المحجوب: الديمقراطية في الميزان، بدون تاريخ.

5- منصور خالد: السودان والنفق المظلم

6- فؤاد مطر الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر؟، 1971م( الكتاب يحتوي علي وثائق انقسام 1970م).