Wednesday, June 18, 2008

كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي؟

كيف تناول التقرير السياسي المنهج الماركسي؟

تاج السر عثمان alsirbabo@yahoo.co.uk

الأيام 3-5-2008

الأستاذ تاج السر عثمان أثار موضوع المنهج الماركسي الذي ورد في مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني لبسا لدي الكثير من القراء كما وضح من التعليقات التي برزت في الصحف السيارة، على سبيل المثال كما جاء في تعليق د. الطيب زين العابدين في صحيفة الصحافة بتاريخ 20/ابريل/2008م، وتهدف هذه المساهمة إلى تسليط الضوء على هذا الموضوع بما يسهم في توضيحه على المستوى النظري والممارسة.

فكيف تناول مشروع التقرير السياسي المنهج الماركسي؟

جاء في مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني حول المنهج الماركسي ما يلي (ومن المعروف أن الماركسية ليست علما تطبيقيا، وإنما هي منهج يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع).

كما يرد في فقرة أخرى من المشروع (جوهر الماركسية هو منهجها الجدلي لدراسة الواقع).

كما يرد أيضا في فقرة أخرى من مشروع التقرير(والمنهج الماركسي لدراسة الواقع، وصولا للقوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع، قادر على تجديد نفسه على الدوام، انه منهج قابل للتعديل حذفا وإضافة وفق ما تمليه ضرورة تجدد الواقع وحصاد التجارب النضالية والتطورات في العلوم الطبيعية والإنسانية).

وفي فقرة أخرى من مشروع التقرير يرد( والواقع أن المفاهيم الأساسية للماركسية غدت اليوم جزءا لا يتجزأ من نسيج العلوم الاجتماعية المعاصرة، فالمفهوم المادي للتاريخ مثلا قد أصبح أساسا للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيرا من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم، ويتزايد الاعتراف بأثر أسلوب الإنتاج المادي على البناء الفوقي، وفي العلوم السياسية يتأكد أن العوامل الداخلية لها قصب السبق والصدارة في استقرار وتطور أنظمة الحكم قبل العوامل الخارجية).

تثير هذه الفقرات التي تم اقتطافها من مشروع التقرير السياسي الارتباك للقراء ويتساءل الملمون بأبجديات الماركسية، ما معنى أن المنهج الماركسي يتم الاسترشاد به لدراسة الواقع؟ وماذا بعد دراسة الواقع؟ هناك مدارس بورجوازية تستخدم المنهج الماركسي وغيره لدراسة الواقع، فما الفرق بينها وبين دراسة الأحزاب الشيوعية للواقع؟. وما معنى أن المفهوم المادي للتاريخ مثلا قد أصبح أساسا للمدرسة الموضوعية في التاريخ بتيارها الكاسح الذي غمر كثيرا من الجامعات ومراكز البحث المتخصصة في جميع أنحاء العالم، وماذا بعد؟ وماذا بعد دراسة الواقع والوصول إلى القوانين العامة التي تتحكم في مسار هذا الواقع؟. وغير ذلك من الأسئلة الحائرة التي أثارتها صياغة المنهج الماركسي في مشروع التقرير السياسي.

معلوم أن ما يميز المنهج الماركسي (الديالكتيك المادي) عن بقية الفلسفات والمناهج السابقة لها أن المنهج الماركسي لا يسعى لفهم ودراسة الواقع فقط، بل من اجل تغييره . يقول ماركس (كل ما قام به الفلاسفة في السابق هو تفسير العالم بطرق مختلفة، بيد أن المطلوب تغييره) (ماركس: موضوعات عن فورباخ، رقم (6)). وبالتالي، فان الماركسية ومنهجها الديالتيكي المادي لا غنى عنها للمناضلين الثوريين الذين يستهدفون تغيير الواقع وتجديد مجتمعهم إلى الأفضل، بعد دراسة وفهم واقعهم.

وبالتالي، فان المنهج الماركسي يتوسل للتغيير بدراسة الواقع، تلك الدراسة المنبثقة من الخبرة والممارسة والتنظيم والنشاط العملي، فالنظرية ترشد الممارسة والممارسة تغني وتطور وتخصب النظرية.

والمنهج الديالكتيكي كما أشار ماركس في مقدمة الطبعة الثانية لمؤلفه (رأس المال)، الديالكتيك (يتضمن في شموله وحسمه إدراك الحالة القائمة للأشياء، وفي الوقت نفسه أيضا إدراك معنى تغير هذه الحالة وزوالها الحتمي، لأنه يعتبر كل شكل اجتماعي متطور تاريخيا في حركة دافقة، وبذلك يضع في حسبانه طبيعته الانتقالية وبنفس الدرجة وجوده المؤقت،لأنه لا يترك شيئا يفرض عليه، ولأنه في جوهره ثوري ونقدي).

هذا ويكمن كل الهجوم على الماركسية في هذه النقطة حيث أشارت الماركسية إلى أن التشكيلة الرأسمالية مرحلة عابرة في التاريخ، وأنه من أحشاء المجتمع الرأسمالي سوف تبرز قوى التغيير والتي تتمثل في قوى الكدح العضلي والذهني والتي تتعرض للاستغلال الرأسمالي بامتصاص فائض القيمة منها، وأن التناقض الرئيسي في المجتمع الرأسمالي بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والتملك الفردي لوسائل الإنتاج سوف يحل في المجتمع الاشتراكي الذي ينفي ديالكتيكيا الرأسمالية.

كما يشير انجلز في مؤلفه: (انتي دوهرينغ) (الديالكتيك يدرك الأشياء وصورها الذهنية، الأفكار، أساسا في علاقاتها المتبادلة، في تتابعها، في حركتها، في ميلادها وفنائها).

كما يتعارض المنهج الماركسي مع الرأي القائل أن الإنسان نتاج سلبي للبيئة، بل يؤثر فيها ويعمل على تغييرها، يقول ماركس (ان المذهب المادي الذي يقول أن الناس نتاج ظروفهم وتربيتهم، وبالتالي، ان الظروف المتغيرة والتربية المتغيرة ستخلف أناسا متغيرين، ان هذا المذهب ينسى أن الناس بالتحديد هو الذين يغيرون الظروف، وان الذي يعلم يجب عليه أن يتعلم هو أيضا (ماركس: موضوعات عن فورباخ (3)).

كما يعطى المنهج الماركسي أهمية فائقة للعلاقة المتبادلة بين المادة والوعي( الواقع والفكر)، المادة تحدد الوعي ولكن للوعي استقلاله النسبي، ويعمل على التأثير في الواقع ويعمل على تغييره، ومن هنا جاء قول ماركس ( ان الأفكار تصبح قوة مادية عندما تتملكها الجماهير). وبالتالي لم أفهم ما جاء في فقرة أخرى من مشروع التقرير السياسي حول اثر المنهج الماركسي( ولعل مأثرة الحزب الشيوعي السوداني تكمن في استطاعته عبر اجتهاداته المتواصلة، ترجمة الماركسية إلى لغة مفهومة لجماهير شعبنا رغم واقع التخلف وضعف الطبقة العاملة الصناعية…). لا اعتقد أن الأمر كذلك ( ترجمة الماركسية إلى لغة مفهومة لجماهير شعبنا..)، ولكن الحزب تناول المنهج الماركسي باستقلال وفق خصائص وظروف البلاد وتصدى للقضايا التي واجهها شعبنا، واسهم في إدخال الوعي في صفوف الجماهير بمصالحها ومطالبها، حتى تملكتها الجماهير وأنشأت تنظيماتها التي توسلت بها للدفاع عن مصالحها، وقد لخص عبد الخالق محجوب ذلك في سؤال نميري له أثناء محاكمته بعد أحداث يوليو 1971م: ماذا قدمت للشعب السوداني؟ وكان رد عبد الخالق: الوعي ما استطعت إلى ذلك سبيلا.

كما توصل الحزب الشيوعي في مؤتمره الرابع في أكتوبر 1967م، إلى صيغة التطبيق الخلاق والمستقل للماركسية على واقع السودان من اجل دراسته وفهمه وتغييره، باعتبار ذلك هو الذي يؤدى إلى تحويل الحزب الشيوعي إلى قوة جماهيرية، وفي تنمية خطوطه السياسية والجماهيرية وفي اكتشاف الأشكال الملائمة للتنظيم.

والواقع أن المنهج الماركسي ينظر للظواهر بذهن مفتوح وبدون تصورات مسبقة، وهو يعنى دراسة الأشياء كما هي عليه حقا، في علاقاتها المتداخلة وحركتها الحقيقية، أو كما يقول لينين: التحليل الملموس للواقع الملموس. وأن المنهج الديالكتيكي ما هو إلا المنهج العلمي في أوسع معانية.

كون استخدام الحزب الشيوعي السوداني للمنهج الماركسي أو المنهج العلمي، فان ذلك لا يعصمه من الأخطاء، ولكن في حالة حدوث الاخطاء يتم تحليل الظروف والشروط التي أدت إليها ونقدها، وبالتالي فان منهج الديالكتيك نقدي وثوري ولايعرف الحقيقية النهائية. يقول د. الطيب زين العابدين في تعليقه على مشروع التقرير السياسي (الصحافة: 20/4/2008م، العدد 5326) : ( الواقع التاريخي يشهد بأن المنهج الماركسي لم يعصم الحزب الشيوعي من ارتكاب أخطاء سياسية فادحة مثل معارضة اتفاقية الحكم الذاتي في 1953، وخوض انتخابات المجلس المركزي في عهد الجنرال عبود، وتأييد انقلاب نميري في مايو 1969، ومحاولة الاستيلاء على السلطة في انقلاب 19/يوليو/1971، لقد برهنت تلك الأخطاء أن المنهج الماركسي لا يجعل الحزب الشيوعي فوق الأحزاب الأخرى سدادا في التحليل والاستنتاج السياسي، بل لعله يقل عنها لأنه يدعى علمية خارقة لا يأتيها الباطل بين يديها، ويدل انهيار الاتحاد السوفيتي وكل دول الكتلة الشيوعية في شرق أوروبا أن أخطاء قراءة الواقع السياسي الاجتماعي ليس وقفا على الحزب الشيوعي وحده).

كما أشرت سابقا، في حالة الخطأ، فان المنهج الماركسي يؤكد على ضرورة الاعتراف بالخطأ وتحليل الأخطاء واستخلاص دروسها والتعلم منها بدلا من التستر عليها، وهذا هو الفرق بين المنهج الماركسي ومنهج الحركة الإسلامية التي لا تعترف بالأخطاء الجسام ناهيك عن نقدها، التي وقعت فيها مثل: مؤامرة حل الحزب الشيوعي السوداني عام 1965، وجرائم انقلاب يونيو 1989،..الخ، صحيح أن الحزب الشيوعي السوداني ارتكب أخطاء، ولكن انتقدها جماهيريا مثل: الموقف الخاطئ من اتفاقية 1953، وتقدير جانبها الايجابي من زاوية انها جاءت كنتاج لنضال الشعب السوداني، كما اصدر الحزب الشيوعي السوداني تقييمه لانقلاب 19/يوليو/1971م والذي يحتاج إلى استكمال كما أشار التقرير السياسي. وفي مشروع التقرير السياسي الحالي نقد واضح لتأخير عقد المؤتمر الخامس 40 عاما.. الخ. وكون فشل النماذج الاشتراكية الستالينية في بلدان لاتحاد السوفيتي وشرق اوربا، فلا يعني ذلك فشل الماركسية، ولكن يتم استخدام المنهج الماركسي نفسه في تحليل وتوضيح أسباب الفشل واستخلاص الدروس اللازمة من ذلك، وهذا ما أشار إليه مشروع التقرير السياسي، وتعكف الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في العالم على دراسة تلك التجربة واستخلاص دروسها، لبناء نماذج اشتراكية إنسانية تتوفر فيها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

هذا إضافة إلى أن المنهج الماركسي لا يدعي أنه يمتلك الحقيقة النهائية والمطلقة، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كما أشار د. الطيب زين العابدين. فالمنهج الديالكتيكي أو الماركسي يتعارض مع فكرة الحقيقة النهائية أو المطلقة.فشأنه شأن المنهج العلمي تكون الاجتهادات دائمة التجدد والانفتاح لقبول التحديات والاستعداد للتخلي عن كل ما هو عتيق عند ظهور ما هو أفضل منه.

والواقع أن اختزال( المادية الديالكتيكية) في الفترة الستالينية في نصوص ذات طابع علمي أفرغت الواقع المادي من محتواه، بحيث جعلته في وحدة ثابتة نهائية، أضرت بالمنهج الماركسي وجردته من محتواه العلمي والنقدي، وأصبح أداة لتبرير الواقع بدلا من نقده وتغييره إلى الأفضل.

على أن جوهر المنهج الماركسي هو دراسة الواقع بهدف معرفته للتأثير فيه وتغييره. والواقع أن ماركس وانجلز لم يقدما بيانا منهجيا كاملا عن منهج الديالكتيك المادي أو المنهج الماركسي، بل استخدما هذا المنهج خيطا هاديا ومرشدا في أبحاثهما ودراساتهما، وتوصل ماركس وانجلز في مؤلفهما( الإيديولوجية الألمانية) إلى اكتشاف المفهوم المادي للتاريخ، والذي وصفه انجلز على قبر ماركس: أنه مثلما اكتشف دارون قانون تطور الأنواع بالانتخاب الطبيعي، اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع البشري.

كما استخدم ماركس المنهج الديالكتيكي والمفهوم المادي للتاريخ في مؤلفه (رأس المال): وبعد دراسة باطنية شاقة وملموسة لتطور الرأسمالية في انجلترا والتي وصلت القمة في المجتمعات الرأسمالية يومئذ، اكتشف ماركس قانون فائض القيمة الذي وضح جوهر الاستغلال الرأسمالي. بهذين الاكتشافين تحولت الماركسية إلى علم، والعلم لا يعرف الحقيقة النهائية. وبعد ماركس جاء إسهام لينين الذي فسر الظواهر الجديدة التي أفرزتها الرأسمالية في المرحلة الاحتكارية، كما أسهم غرامشي في تطوير الماركسية من خلال التركيز على دور البنية الفوقية واستقلالها النسبي، ودور العامل الثقافي في التغيير ..الخ.

واللبس أيضا جاء من حديث التقرير السياسي الكثير وغير الدقيق عن المنهج الماركسي وبطريقة دعائية دون استخدام هذا المنهج في تحليل التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والطبقية التي نشأت في الفترة(1967- 2007)، وتوضيح المتغيرات التي نشأت في الواقع السوداني في هذه الفترة، رغم الدراسات الكثيرة التي أنجزتها اللجنة الاقتصادية للحزب الشيوعي السوداني في هذه الفترة مثل: البنوك الإسلامية، النظام المصرفي، الزراعة الآلية وأثرها على الجفاف والتصحر، بروز الرأسمالية الطفيلية المايوية والإسلامية، البترول، قضايا الإصلاح الزراعي، إضافة للنقد السنوي للميزانية..الخ، إضافة لدراسات كثيرة أنجزت حول المتغيرات في هذه الفترة مثل دراسة أنجزها تاج السر عثمان خول المتغيرات منذ المؤتمر الرابع (الفترة:1967- 2005)، ونشرت في صحيفة الأيام (الفترة:21/10/2007- 24/10/2007م)، وإسهامات باحثين اقتصاديين مثل د.فاطمة بابكر ود. صدقي كبلو حول الرأسمالية الطفيلية على سبيل المثال، إضافة إلى عشرات الدراسات الأخرى، إضافة إلى ما جاء في التقرير السياسي لدورة أغسطس 2001 حول المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية، وما رصدته التقارير السياسية للجنة المركزية بعد انقلاب 22/يوليو/1971..الخ. ولازال هذا الواجب قائما: واجب استكمال الدراسة الباطنية للمجتمع السوداني في هذه الفترة، في عملية واسعة تشترك فيها تنظيمات الحزب في المناطق لمعرفة المتغيرات في التركيب الاجتماعي والطبقي في البلاد، وذلك هو جوهر وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية ( التقرير السياسي للمؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني، أكتوبر 1967)، والذي يوضح: النتائج العملية والملموسة لطريق التنمية الرأسمالية التي سارت عليه البلاد في هذه الفترة(1967- 2007)، ويوضح حقيقة الأوضاع الاقتصادية والتي تحدد ميادين الصراع وأشكاله الطبقية المختلفة، والمستجدات في أشكال الصراع الطبقي والذي يأخذ أشكال سياسية واقتصادية وثقافية ونظرية. وتوضيح البديل الذي يطرحه الحزب الشيوعي السوداني استنادا إلى تلك الدراسة الباطنية، وهذا الواجب يظل قائما. وهذا هو جوهر المنهج الماركسي.

وكان من المتوقع أن يكثف التقرير الدراسة والنقد للفترة(1967-2007)، بدلا من الفترة(1956- 2007)، علما بأن الفترة(1956- 1967) غطاها التقرير السياسي للمؤتمر الرابع، وهذا خلل منهجي في التقرير، فالمطلوب متابعة المتغيرات منذ المؤتمر الرابع.

وبالتالي، فان مشروع التقرير السياسي الحالي جاء فاقدا لعظم الظهر الذي يتمثل في نقد الاقتصاد السياسي للتنمية الرأسمالية التي سارت عليها البلاد في الفترة بين المؤتمرين الرابع والخامس، ومعرفة المتغيرات في التركيب الاقتصادي والاجتماعي والطبقي والثقافي والاثني والنوعي..الخ، التي حدثت في البلاد، ورسم خارطة الطريق للتغيير استنادا لتلك الدراسة الباطنية الملموسة. والواقع أنه ما كان التقرير السياسي في حاجة للحديث الكثير عن المنهج الماركسي لو تمت تلك الدراسة الباطنية، وتوضيح ذلك عن طريق البيان بالعمل.

قامت الماركسية على نقد الرأسمالية، وطالما ظلت الرأسمالية قائمة بكل ركائزها، فان مشروعية النقد تظل قائمة، وبالتالي لا يمكن تجاوز الماركسية لأن الظروف التي ولدتها مازالت قائمة، كما كان يقول الفيلسوف الفرنسي سارتر، وبالتالي مهم تكثيف نقد الواقع الرأسمالي المشوه الذي نشأ في السودان، بإحصاءات دقيقة، وتوضيح التفاوت في توزيع الثروة والتفاوت في التطور بين الأقاليم المختلفة والتفاوت في النوع ..الخ، كل ذلك ضروري من اجل التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة، والتوزيع العادل للسلطة والثروة، وتوفير احتياجات الناس الأساسية (تعليم، صحة، خدمات (مياه، كهرباء.. الخ)، وتحقيق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل،.. الخ. فكلما كثفنا النقد للواقع الرأسمالي المؤلم في البلاد بإحصاءات دقيقة، كلما اقتربنا من جوهر المنهج الماركسي.

وخلاصة ما نود أن نقوله أن المنهج الماركسي أو منهج الديالكتيك المادي، يدرس الواقع من اجل فهمه واستيعابه وتغييره، وأنه يعتمد على الدراسة الباطنية الملموسة، على الأرض، للواقع، واستخلاص نتائج من الواقع لا من تصورات ذهنية مسبقة، ويتعامل مع الظواهر والمستجدات في الطبيعة والمجتمع بذهن مفتوح، ويتخصب بالحوار، دون الاستعلاء، مع التيارات السياسية والفكرية الأخر، وأنه في جوهره نقدي وثوري، كما أنه لا يدعى الحقيقة المطلقة والنهائية، وهو ينظر للظواهر في شمولها وحركتها وتغيرها الدائم، وهو طريقة في البحث، ويصل للحقائق من الواقع وبذهن مفتوح، ولا يخضع الواقع للنظرية، بل تخضع النظرية للواقع، النظرية ترشد الممارسة والممارسة تغنى وتخصب النظرية، كما يأخذ في الاعتبار الخصائص والظروف التاريخية لكل بلد في الاعتبار، وأن هذا المنهج يتم تطبيقه تطبيقا خلاقا ومستقلا حسب واقع وظروف كل بلد، بالتالي هو في جوهره المنهج العلمي في أوسع معانيه.


No comments: