Saturday, September 6, 2008

لمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني المركزية المطلقة أفظع من هذا..!!

بسم الله الرحمن الرحيم

المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني

المركزية المطلقة أفظع من هذا..!!

الحلقة الأولى

عرض: البشرى الصايم مصطفى عضو الحزب الشيوعي السوداني

بناء المقال يقوم على بعض الوقائع المقرة بمشروع التقرير السياسي العام المقدم للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي في اضاءته حول (المشروع والتجربة السوفيتية) وهي:

1- القهر والبطش طال القوى الرامية للاصلاح والتجديد داخل الأحزاب الشيوعية بتعميمات ستالين النظرية التي كانت تكأة لتصفية الخصوم السياسيين داخل الحزب بوصفهم امتداداً للعدو الطبقي مما افرز الجمود والإنغلاق والرأي الواحد والنموذج الصالح لكل زمان ومكان.

2- ما حدث في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي 1956م، كان تعداداً لجرائم الستالينية دون تشخيص عميق لمسوغاتها النظرية والفكرية.. ورد الاعتبار تم دون شفافية تذكر لضحايا القهر الستاليني.

3- جوهر ما يجب ان نتعلمه من التجربة السوفيتية يرتبط مباشرة بقضية الديمقراطية ونعني تحديدا الديمقراطية داخل الحزب.

4- يمكن القول إن السبب الرئيسي لتعطيل انعقاد المؤتمر (تغليب الاعتبارات التأمينية على ضرورات التمسك بقواعد النظم الحزبية ومبادئها ، ومحاولات انقاذ اضعاف الحزب، وتارة ثانية محاولات اختراق صفوفه وزرع الفتن والفوضى داخله وانقسامه.. وان واحداً من الشروط والمقومات المهمة لتجديد الحزب هي مواصلة الصراع ضد اتجاهات التصفية والانقسامات).

5- واخيراً النداء الذي اطلقه مشروع التقرير في سطوره الاخيرة لكل من ابعد من الحزب ظلما او همش اهمالا ان يرفع ظلامته للحزب ليستعيد موقعه... (1)

نتفق مع الوقائع لكنا نبدي ملاحظتين اساسيتين:

الأولى: مناقشة قضايا الأحزاب الشيوعية حق للجميع لكنها تحديداً تخص الطبقة العاملة وحزبها الذي يتعلم من تجاربها مثلما يستفيد لكنه لا ينقل تجارب الآخرين ومنهم السوفيت وما نحتاج الى اجابته في تجربة الماركسيين السودانيين في اطار المركزية المطلقة هو:

أ- أثر التعميمات الستالينية في الحزب الشيوعي السوداني؟

ب- انواع القهر والبطش الذي تعرضت له الكوادر والعضوية في الحزب واسبابه (النظرية والفكرية)؟

ج- من هم الضحايا وكيف سيتم رد اعتبارهم بشفافية؟

د- علاقة الظاهرة الستالينية بنمو الحزب وتحوله الى قوة جماهيرية او اجتماعية كبرى علما بأن الستالينية او المركزية المطلقة لم تختفِ في المؤتمر العشرين ولم تكن حصراً على الاتحاد السوفيتي السابق ممثل بمركزها ونموذجها الصالح لكل زمان ومكان؟

هـ- اثر غياب الديمقراطية في الحزب الشيوعي وعلى تطوره وعمله الجماهيري؟

الإجابة على هذه الاسئلة وغيرها مع بيان موقعها في المؤتمر الرابع 1967م، هو الواجب الشيوعي الأول والشيوعية لا تعرف مجرد العفو عن الماضي والنظر فقط للأمام (1) ، وان تمت الاجابة عن هذه التساؤلات فإن شكل النداء للعضوية التي ابعدت ظلما او همشت اهمالا مختلف جدا لأن هؤلاء وحدهم من يستطيع كشف وتحديد انواع القهر والتجاوزات ويشيرون تحديدا للضحايا المطلوب رد الاعتبار اليهم احياءاً او امواتاً ومن حارس البطش والقهر ومواقعهم الحزبية . وهذا خلافاً للنداء الحالي الذي يسقط النقد والنقد الذاتي ويمنع المحاسبة ويدعو للعفو ويخفي متعمدا الفاعل ويجعله مبنيا للمجهول فالشهداء من عضوية الحزب عمليا لا يستطيعون استعادة عضويتهم، ولا ما حاق بهم ووقع عليهم (قاسم امين ، الجنيد علي عمر، خضر نصر، عبدالمجيد شكاك، موسى المهل، علي فضل، الفاتح الرشيد، عبدالرحمن عوض الكريم) الى آخر القائمة الممتدة.

والملاحظة الثانية: لا وجود ولا مجال في الماركسية التي نسترشد بها لنقد عام للأخطاء بل توجد اخطاء يتم كشفها بينما نجد ما ورد من نقد للمركزية المطلقة وفظائعها في الحزب بمشروع التقرير نقدا شكلياً وزائفاً يتلون بمفردات ماركسية غطاء للتحلل منها ذلك التحلل الذي تمكن بكلياته من معظم القيادات الحزبية التي فرضت نفسها بالتعيين والمركزية المطلقة والحماية والتأمين والقهر والبطش ويؤكده تفادي مشروع التقرير لقضايا الحزب المتعددة وتجاربه الثرة والجرائم التي ارتكبت في حق قادته عبدالخالق، قرنق، الشفيع، وحق عضويته هناك موسكو والمسوغات النظرية والفكرية للمركزية المطلقة في الخرطوم لا كييف.

ولكيفية تجميد نشاطه الجماهيري واسبابه، وليس صحيحا ان تلك القيادات تعلمت من (تكأة ستالين) فهم الى اللحظة ستاليون لم يكتفوا بتعيين بعضهم البعض باللجنة المركزية ومكاتبها وقيادة لجان المناطق والمدن بل جعلوا من انفسهم مفسرين للماركسية فأستبدلوا النظرية بالموروثات المتجذرة وحولوا طبيعة الحزب من حزب للطبقة العاملة وجميع العاملين لحزب لكل الطبقات ويصرحون بأن استشراف افق الاشتراكية ليست في اهدافهم الحالية ويصمتون امام سياسات التحرير الاقتصادي والعولمة وآثارها ويقوعون على اتفاقيات تقرها .. ويعقدون اجتماعات الحوار الثنائية مع اعداء طبقة حزبهم فماذا تبقى من الشيوعية؟! وهم المجددون في الافكار والتنظيم وكل شئ .. اما اصحاب الرأي الآخر الرافضون فعليهم الخروج إذن ما هي الستالينية وكيف تكون؟ لكنا لن نخرج بل هم الخارجون.

لأنهم لا زالوا تحت تأثير المركزية المطلقة فتجد مشروع التقرير في حديثه عن محاولات الانقاذ لاضعاف الحزب يذكر (وتارة ثالثة بمحاولات اختراق صفوفه وزرع الفتن والفوضى داخله وقسمة.... وان واحداً من الشروط والمقومات المهمة لتجديد الحزب هو مواصلة الصراع ضد اتجاهات التصفية والانقسام)، بمعنى آخر ان من يتمسكون بطبيعة الحزب الذي دخلوه باختيارهم ويرفضون ويعارضون ويفضحون تجديدهم عليهم القبول قسراً بالتحول والتحلل وخلافاً لذلك فهم انقساميون وتصفويون!! انه ابتزاز ستاليني تخطاه الحزب الشيوعي السوداني الذي تخلت قياداته عن الستالينية وعن الماركسية وحولته لحزب رأسمالي لكن بعد حل الحزب وانقسامه فكونوا حزبهم من القيادات والمتفرغين والموظفين الحزبيين والاقلية اعادت تكوين حزبها الشيوعي من اول وجديد.

خريطة طريق المؤتمر الخامس في مشروع التقرير هي اعلاء شعار (مع تصفية الحزب باسم التجديد ام مع المؤتمر الوطني)!! عملا فخريطة طريق جورج بوش في الهيمنة على العالم (مع امريكا ام مع الارهاب)!!

ولأنهم يمينيون وتصفويون باسم ديمقراطية الحزب ينشرون مشروع التقرير على الملأ قبل ايصاله لعضوية الحزب ليناقشه ويتفق معه ويشيد به الدكتور الطيب زين العابدين الاسلامي وتوصف مناقشته بأنها واحدة من افضل المناقشات التي قدمت وتجد ترحيبات الاسلامي الشفيع احمد محمد ونصائح الدكتور الاسلامي امين حسن عمر ومطالبات الامام الصادق المهدي بتحرك (لوح الماركسية) كل هذا يتفق مع رغبتهم في ان يكون الحزب الشيوعي كأي حزب آخر وحكمتهم (نصف رأيك عند اخيك)، عبر الشيوعي اما الشيوعيين داخل وخارج الحزب فهم الاعداء والانقساميون وعملاء الأمن الى آخر اوصاف اغتيال الشخصية.

في السطر الاخير من المشروع وضعوا لاستعادة العضوية بعد الظلم والتهميش شرط (عدم اتخاذ المظلوم او المهمش مواقف عدائية ضد الحزب والشعب)، فهم بالطبع من يحدد العدائية وهم من اتخذ قرار الظلم والتهميش. وكثيرا ما صدرت احكام من ثلاثة اسطر تحت عنوان (الى مزبلة التاريخ)، وقد اسماها الاستاذ عبدالله علي ابراهيم (مفشلة التاريخ)، والشيوعية القديمة ولوائحها تقول المسلك الديمقراطي هو ان يتوجه الجميع نحو فروعهم - بلا شرط - وفرع الحزب هو الحزب غير المعين تفتح ملفاتهم امامه وهو من يتولى النظر في امرهم. كما ان من واجب قيادة الحزب (حقاً) ان تفضح للشيوعيين ولكل افراد الشعب (اعداء الحزب والشعب) والملفات السرية مكانها ارشيف الاجهزة الرسمية لا ارشيف الحزب والشيوعية ارشيفها مفتوح وشفاف تكتسب منه المواعظ والعبر وتعمل على اثرائه بالكشف والاعلان عن اي سوءات او ممارسات او مواقف وبالوقوف على التجارب والمراجعة والنقد والنقد الذاتي بغرض التقويم والقدرة على التعلم وبغير ذلك لا يتأتى للتنظيم استمرارية او فاعلية واسترجاع الماضي الغرض منه الحصول والوصول الى المعلومة الصحيحة عن الاداء والقرارات ومن يقدمون عليها لا باحتكارها والحرز على اخفائها وانكارها والمسكوت عليها من اجل البقاء والاستمرارية فلا طريق امامنا غير استكمال مشروع التقرير وعرض كافة القضايا الواردة في مدخل حديثي لكني هنا سأهتم بقضية واحدة وهي:

أثر المركزية المطلقة في تجميد وعرقلة النشاط الجماهيري والذي يعني خدمة مباشرة للنظم الحاكمة والمعادية للحزب الشيوعي والناشطين لتصفيته وقسمه وسيكون بيان اثرها عن طريق عرض (نماذج من الممارسة)، عبر حقب مختلفة للفترة (1972- 2008م)، والنماذج حصرا على تجارب العمل بمديرية الخرطوم عامة والمناطق الصناعية خاصة حيث الطبقة العاملة ومجالات التركيز وقطاع المستقبل رقم واحد في زمن الشيوعية القديمة والشيوعيون في المناطق الصناعية استندوا في نشاطهم على قرارات المؤتمر الرابع للحزب 1967م، والمؤتمر التداولي 1970م وأهم الرؤى هي:

1- قيادة الطبقة العاملة وحزبها الشيوعي لا يقفز لها قفزاً بل تبنى من خلال العمل اليومي، وبقدرات الطبقة العاملة كطبقة في الدفاع عن مصالح الجماهير وتقديم البديل الجاذب، ولم يعد هذا الوضع مطروحاً كقضية نظرية في حيز الحتمية التاريخية بل هناك الآن اساس مادي لتحقيق هذه القيادة فعلا.

2- لكي تدرك الجماهير اهمية الاشتراكية لابد ان نفتح لها نافذة تطل منها لترى ولو في لمحة ما يمكن ان يحققه الحزب الشيوعي، وهذا لا يتم الا اذا استطاع الحزب الشيوعي ان يكون بين الشعوب لتخفيف آلام المجتمع المتخلف... اننا نريد ان نجعلهم يحسون بفائدتنا اليومية لهم، واين نحن من هذا وقيادي شيوعي مثل سلمان حامد يصف الاشتراكية بالوهم الكبير فهو حتماً يسير على رؤى المؤتمر الرابع والتداولي بالاستيكة.

3- لقد ظللنا ندعو بوضوع لقضية الحزب وتأهيله لقيادة العمل الثوري ولبنائه كواجب مستمر ومنفصل عن المهام السياسية الاخرى. اي ان الحزب لا يتأهل ولا ينمو تلقائيا بل من واجب بنائه وتأهيله قضية العمل اليومي بغض النظر عن الظروف السياسية ومدها وجذرها.

4- الثبات على ان الحزب الشيوعي لا يناضل فقط في الجبهة السياسية بل عليه دائما وابدا ان يناضل من اجل ادخال تحسينات اساسية في حياة الجماهير الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وان التنازل عن هذا الموقف يؤدي الى انعزال الحزب الشيوعي عن جماهير طبقته وعن الكادحين كما انه يعتبر تخليا عن جبهة نضال في صميم جبهات العمل الشيوعي.

5- ان الطبقة العاملة لا تستطيع القيام بأعبائها الثورية دون الوجود المستقل والفعال لحزبها الطليعي المسترشد بالماركسية.

ونحن لا نزال نعتقد ان تحليلات المؤتمرين الرابع والتداولي (النظرية والفكرية) سليمة الى اليوم، والذين يختلفون معها عليهم تقديم بيان أسبابهم النظرية والفكرية والعلمية وننتظر التحدي.

الحلقة الأولى حوت مدخلاً ضرورياً للوقائع التي أقر بها مشروع التقرير في اضاءته حول المشروع والتجربة السوفيتية، وفي هذه الحلقة سأتناول فيها «أثر المركزية المطلقة في تجميد وعرقلة النشاط الجماهيري بما يعني خدمة مباشرة للنظم الحاكمة والمعادية للحزب الشيوعي» من حيث العلاقة الديالكتيكية والمتفاعلة بين الحزب والنقابات ونشاط النقابيين بغرض بحث ومعرفة العلاقة المتبادلة والمفاعلة بين الحزب ونشاطه الصرف والعمال ونشاطهم النقابي من جهة أخرى.

الأحزاب السياسية جميعها تهدف لايجاد نقابات تعمل تحت قيادتها وتوجيهاتها لتسخيرها خدمة وتنفيذاً لسياساتها ونشر شعاراتها، فالبرجوازية والرجعية فيها والتي تتناقض مصالحها مع مصالح الطبقة العاملة تسعى بشتى السبل لفرض سلطانها عليها حماية لأنظمتها وتعمل لخلق البلبة وسط افكار الطبقة العاملة بتشويه نظرية الاشتراكية العلمية خدمة للاستثمارات وزيادة لارباح الاحتكارات على حساب عرق العمال وتعبهم. وتعمل على خنق حركة العمال عبر النقابات الموالية لها بشل نشاطها الرئيسي المتمثل في الدفاع عن المطالب اليومية والمستقبلية مستخدمة اساليب التضليل والتشويه واخفاء الوقائع والحقائق وسن القوانين والقرارات التي تتيح لها الفصل والتشريد والبطالة والجوع ضد القادة النقابيين بقصد ابعادهم ولترهب وتخيف جماهير العمال لتتمكن من فرض قيادات نقابية طيعة وعملاء لها.

المفاهيم الفكرية «الآيديولوجية» تحدد النظام الاجتماعي الذي يناضل من أجله الحزب وتبين تصوراته ومواقفه من الطبقات الاجتماعية الأخرى ولذا يصير كل عضو حزب ملتزم بآيديولوجية حزبه وبرنامجه السياسي وشعاراته، أما النقابات وبما فيها النقابات التي تقودها احزاب عمالية فليس من مهامها الالتزام بآيديولوجية الحزب أو تنفيذ برنامجه وشعاره فهي منظمات جماهيرية واسعة ومرنة تجمع حولها وداخلها جماهير العمال بمختلف توجهاتهم السياسية ومفاهيمهم الفكرية والاجتماعية وقد شاركت قيادات الشيوعية القديمة مع النقابيين من الاحزاب الاخرى بقيادة المناضلين قاسم امين والشفيع احمد الشيخ والحاج عبد الرحمن وابراهيم زكريا والجزولي سعيد وخضر نصر وآخرين كثر. الحركة النقابية السودانية منذ تأسيسها وحتى يوليو 1971 في ترسيخ شعار الحزب «لكل حزبه والنقابة للجميع» بالتزامهم بقوانيها وانضباطهم وفق لوائحها لتحقيق هدفها المباشر والاساسي واليومي تلبية لمطالب العمال والدفاع عن حقوقهم لا العمل السياسي اليومي ولا ننسى وقوفهم ورفضهم طلب المسؤول السياسي للحزب الشيوعي بالمديرية الشمالية حينها لقيادة انقلاب مايو 69 بحل نقابة السكة حديد برئاسة محمد الحسن عبد الله.

الطبقة العاملة دائمة التمسك بشعاراتها الرئيسية «الحريات الديمقراطية والديمقراطية النقابية» فالحريات الديمقراطية تقوي صفوفها وتوحدها عبر حرية النشاط النقابي وتمنع تزييف النقابات حتى لا تُستخدم ضد مصالحها والضامن لحفظ الحقوق المعاشية والحامي من التعسف والارهاب وسياسياً تحصنها من اشكال المساومة على المصالح الوطنية وتحافظ على تقدم وتطورالبلاد لتصل لأهدافها البعيدة والقريبة .والديمقراطية النقابية اداة ضد كل تخريب للحركة النقابية من الداخل وضمانة المراقبة لنشاط الهيئات والقادة من قبل القواعد وسلاح ضد أي انحراف انتهازي للقيادات ووسيلة للنشاط وتحقيق المهام.

العلاقة بين النضال الطلبي والنضال السياسي متبادلة وتتحقق عبرالنضال من اجل الحقوق والمطالب اليومية والمعاشية والثقافية وتربط بشكل محكم ووثيق بين الاهداف والمطالب اليومية المباشرة للعمال وبين مصالح واهداف الطبقة العاملة الثابتة والاساسية ولا يمكن الدفاع عن الشعارات الاقتصادية والمطلبية للعمال بطريقة علمية دون ربطهاوتحليلها نظرياً وسياسياً.

صحيح ان الحزب يقود النقابات ويوجهها سياسياً ويطرح امامها مهاماً سياسية واجتماعية لكن القيادة السياسية والفكرية شئ وفرض الوصاية والهيمنة الحزبية امر آخر ،وقضية القيادة والتوجيه هنا تختلف في جوهرها واسلوبها وشكلها لأن فرض القرارات والتوجيهات الفوقية على جماهير العمال وان كانت لمصلحتهم دون اقتناعهم وموافقتهم تعود بالضرر على الحزب والنقابي الحزبي وبقدر ما تعرف القيادة الحزبية مزاج جماهير العمال ومطالبها بقدر ما تكون قراراتها صائبة ومعبرة لأن فرض القرارات الفوقية يفرغها من محتواها ويشل نشاطها. ومن أكبر الأخطار وأفدحها ان تنظر جماهير العمال الى النقابي وكأنه مفروض عليها أو ممثلاً للسلطة وليس ممثلاً لها.

الحزب الشيوعي يقود الجماهير ويوجهها ولا يجوز له بأي حال ان يسبقها أو يتخلف وينقطع عنها أو تنقطع عنه والنقابي الشيوعي من خلال تربيته الحزبية والنقابية السليمة ونضاله وتجاربه يعرف الفرق بين تنفيذ التعليمات الحزبية وتنفيذ القرارات النقابية ويوائم ويربط بين مصالح العمال الواسعة والعريضة وآراء واهداف الطليعة الواعية مجسدة في حزبه الماركسي اللينيني لتتحول النقابات لمدارس تزيد من وعي الطبقة العاملة.

بعد ردة 22 يوليو 1971 انتقل ما تبقى من الحزب الشيوعي إلى حالة الدفاع الكامل وتأثرت كافة مواقع وجوده بمديرية الخرطوم في اوساط الطبقة العاملة وتعرضت كوادره بالمصالح والوزارات للاعتقال والفصل والتشريد بينما تحملت منشآت القطاع الخاص التي استوعبت اعداداً كبيرة من مفصولي القطاع العام «صناعات الأنسجة والتريكو - مؤسسات شرف العالمية - الأغذية والزيوت - الصناعات الجلدية - الورش الهندسية» اعباء اعادة بناء التنظيم الحزبي والجماهيري معاً. تعرض البناء لبعض الاخفاقات والضربات بسبب الاختراقات الناتجة من التوصيلات فترة التجميع لاعتمادها على أفراد شيوعيين بالمديرية لا على تنظيم واضح المسؤوليات وهيئات محددة المهام عام 1976 وضربات واختراقات أخرى حتى 1978 سنأتي لكشفها كتجارب أحدثت أضراراً بالغة للحزب تسببت فيها قيادات تتولى المسؤوليات حتى اللحظة علها تفيد شباب المؤتمر الخامس. من بعد ذلك ظل جسد الحزب ليس فقط سليماً بل يملك القدرات المهولة على نطاق العمل الجماهيري النقابي بمديرية الخرطوم مما شكل له الحماية ومكنه من كشف نقائص الاختراقات على مستوى المناطق الصناعية والمديرية ايضاً.

العام 1973 نشطت احزاب الجبهة الوطنية «الأمة - الاتحادي - والإسلاميين» بعد التصفية التي تعرضت لها كوادر الشيوعيين ابان ردة 22 يوليو وبدأت تتحرك حيث تواجد نفوذها وسط العمال قبلياً وبين الطلاب واستطاع الشيوعيون والديمقراطيون فرادى من فرض وجودهم في الاعمال المعارضة التي نظمتها احزاب الجبهة الوطنية وخاصة في شعبان 1974 وقد برز بوضوح دور الشيوعيين والديمقراطيين في ندوات التعبئة التي كان مسرحها جامعة الخرطوم. استفاد الشيوعيون غير المنظمين بمشاركة الديمقراطيين في تلك الظروف من انجاز واحد من أكبر اهدافهم وهو اقامة تحالف طبقي واسع بالمناطق الصناعية بالمديرية بما يمكنهم من حماية التنظيم الشيوعي والجباه النقابية التي بدأت تجميع صفوفها وعملت لمحاصرة قيام تنظيم الاتحاد الاشتراكي بين العمال بعد الحاقهم الهزيمة بتنظيم «عمال مايو الأحرار» وهو تنظيم قام شراكة بين السلطة السياسية والانقساميين الشيوعيين وساعد المايويون في هزيمة تنظيمهم اتباعهم اساليب العسر والقسر والقهر والتجسس والعزل مما جعل وجوده في معظم المنشآت شكلياً.

النشاط الشيوعي والديمقراطي المعارض لمايو بين العاملين بمديرية الخرطوم متقدماً أمام حركة كل الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الشيوعي طليعة الطبقة العاملة، ففي حين فشلت قيادات الأحزاب السياسية من مجرد اللقاء المكتمل طوال فترة مايو ليكون اول اجتماع لها في 4 ابريل 1985 فان الشيوعيين في المناطق الصناعية قد دخلوا فعلاً في اعمال مشتركة مع كافة قواعد الأحزاب السياسية (الامة ، الاتحادي ، القوميين)، والتجمعات القبلية ونجحت الجباه النقابية بين العمال والجباه الديمقراطية ، الموظفين والمهنيين من استعادة كثير من مواقعها بالنقابات وخاضت معاركاً كثيرة ومتنوعة على مستوى الوطن وبالذات الحركة النقابية بمديرية الجزيرة غير نقابات الانسجة وقد نشر الاستاذ محمد علي خوجلي تلك التجارب والمعارك بالمناطق الصناعية تفصيلا بجريدة الخرطوم الغراء بسلسلة مقالات تحت عنوان (بين أيديهم أفلا يبصرون) في العام 2001م.

أهم دروس تلك الفترة هي محافظة الفروع الحزبية وقيادات العمل بالمناطق العمالية على استقلاليتها وديمقراطيتها، وارتباطها الوثيق بجماهير العمال ورفضها العملي لكل توجيهات القيادات الأعلى وتنظيم (مركزية الجباه النقابية)، وهو تنظيم مصنوع يضم عمالاً متفرغين بالحزب لا عاملين وسط العمال كونه مركز الحزب لاحكام القبضة القيادية على العمل القاعدي للجباه النقابية وجميع (توجيهاته) جاءت غريبة حتى توجيهه الاخير بعدم المشاركة في التجمع النقابي عشية الانتفاضة 1985م، ومن الدروس المستفادة عمل الشيوعيين في المناطق الصناعية تركز في اعمالهم الكبيرة على التحالفات العمالية بالمنشآت فنجد الاضرابات والاعتصامات واعمال التضامن الواسع مع الفئات المختلفة وخاصة الطلاب تهدف الى لفت انتباه الطبقة العاملة للقضية الكبرى اما توسيع العضوية فكان هدفاً ثانٍ او رابعاً ! فالقضايا الكبرى التي تحتاج لمجهودات (الطبقة) لا (الحزب) كانت اطلاق سراح المعتقلين وتصفية المعتقلات ومدخلها الحريات النقابية لاشاعة الحريات العامة واعادة المفصولين.

حققت الحركة العمالية نجاحات باهرة بالغاء العزل السياسي وتعديل القوانين العمالية وقانون النقابات وقيدت حركة الاتحاد الاشتراكي واعادت المفصولين والمشردين واوقفت الفصل بالقطاع الخاص للنقابيين وتوجت انتصاراتها بحضورها الفاعل والقوى في المؤتمرين العامين لاتحاد نقابات عمال السودان واتحاد الموظفين والمهنيين بحلول عام 1983م.

التحالفات والاعمال المشتركة ظلت تعتمد على الاعمال البسيطة والمهام المحددة (الجمعية التعاونية، الصناديق الخيرية، الاندية العمالية، محو الامية، الفرقة الرياضية والغنائية والمسرحية)، وتلك ادت الى الوحدة عند تقديم المطالب ومناقشة شروط الخدمة وتطورت الى التنسيق في انتخابات النقابات القاعدية ثم النقابات العامة والاتحادات.. برامج بسيطة لا تعرف التعقيدات وتعبر عن اصحابها.

رسخ الشيوعيون خلال الفترة المايوية وسط العمال عدم جواز الفصل بين نشاطهم الاقتصادي والمطلبي والقضايا الوطنية التي تهم مجموع الشعب وان نضالهم يمكن ان يكون قانونياً ويمكن بخلاف ذلك وان الحزب الشيوعي هو المدافع عن مصالحهم بحكم طبيعته وفكره العمالي.، اما اهم الدروس للشيوعيين انفسهم فكانت (حماية وتأمين حشد الحزب)، ووسيلتها الوحيدة هي العمل الجماهيري الواسع لا الانكفاء على الذات وتحويل الحزب الى جمعية للمناظرات يسهل توجيه الضربات اليها .كل ذلك تم بفهم عميق وتطبيق خلاق للشيوعيين بالمناطق الصناعية لموجهات المؤتمر الرابع والمؤتمر التداولي عند الممارسة.

- ونواصل -

üüüüüüüüüüü

أحمد

No comments: