Sunday, July 27, 2008

عندما يعني الاختلاف العداوة والاحقاد والطرد من العضوية..!!

عندما يعني الاختلاف العداوة والاحقاد والطرد من العضوية..!!
عرض: محمد علي خوجلي
التحول الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية من موضوعات الحوار الممتدة في بلدان العالم الثالث والسودان واحد منها. ومعظم القوى السياسية أكدت ان من أسباب ضعف الديمقراطية في بلدانها: الفترات الزمنية الطويلة التي خضعت فيها تلك البلدان لنظم الحكم العسكرية والشمولية وكذلك ضعف الديمقراطية الداخلية في الأحزاب والتنظيمات السياسية..
وأعرض في هذا المقال - بمناسبة انعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني - لمبدأ الديمقراطية المركزية والذي ينظم الديمقراطية الداخلية في الاحزاب الشيوعية والمعلوم ان هذا المبدأ رفضه الخاتم عدلان كما يجد رفضاً من جزء كبير من القطاع القيادي في الحزب الشيوعي السوداني لدرجة قد تحول دون مناقشته في المؤتمر قيد الانعقاد وسيهتم العرض بثلاث نقاط (1) أصل المبدأ (2) الممارسات الخاطئة (3) آثار الممارسات الخاطئة على التنظيمات الديمقراطية عبر اربع جزئيات مع نماذج من الممارسة.
معلوم انه عندما تسود الديمقراطية في الحزب، فان رؤية القيادة تكون مما أقره مؤتمره العام، ومع ذلك فانها قابلة للنقاش والتطوير. فعلاقة الفكر بالواقع علاقة جدلية (كما هو) و (كما نرغب) مع فن الممكن. فيكون من مهام العمل القيادي حل اشكالية ربط الفكر بالواقع وقيادة الحزب التي تعلن عن استحالة اللقاء بين النظرية «قرارات المؤتمر» والممارسة «سياسات الحزب» انما تعبر عن عجزها الذاتي. ومبدأ الديمقراطية في الحزب الشيوعي هو الديمقراطية المركزية. وهي علاقة جدلية: ضبط تناغم الفعل الثوري وحركة المناضلين، العضوية المتساوين في الحقوق والواجبات والمتحدين اختيارياً في الحزب. كما هي علاقة بين الذاتي والموضوعي. الذاتي في سلطة القيادة والموضوعي في السلوك الايديولوجي للطبقات المعادية للطبقة العاملة.
والفكر لا يمكنه ان يتطور الا عبر الحوار والصراع مع الافكار الاخرى والواقع المتغير على الدوام، فالأمس لن يكون مثل اليوم او الغد. ومن وسائل مساعدة العضوية لايجاد الوحدة الفكرية الضرورية لصراعها الفكري مع الافكار الاخرى، تقليد عقد اجتماعات غير تنظيمية «ثقافية» كأحد أشكال الحوار الداخلي حول الفكر الماركسي والافكار الاخرى والممارسة محلياً واقليمياً ودولياً.. ومن المخاطر التي تهدد الوحدة الفكرية تحول كل العضوية الى جنود مهتهم تنفيد التعليمات بلا توقف، يخرجون من معركة سياسية ليدخلون اخرى وينتقلون من نشاط لغيره دون منح العضوية فرصة للتأمل والدراسة والتعلم من التجارب.. والاكثر خطورة ان هذا المنهج يلد فكرة خاطئة وهي ان القيادات مهتمها التفكير والتخطيط ومهمة العضوية التنفيذ.. ورويداً رويداً تكون قرارات القيادات غير قابلة للمناقشة. ومع مضي الزمن نجد ان فكر الحزب اصبح بعيداً عن الواقع والجماهير بالابتعاد عن الديمقراطية في الحزب.
أقرت قيادات الاحزاب الشيوعية التي حكمت بالغاء الديمقراطية في احزابها وحلت محلها المركزية المطلقة واكدت مصادرة الديمقراطية في مجتمعاتها لتحل محلها الشمولية. مثلما أقرت الاحزاب الشيوعية الوطنية انها لم تستطع تجاوز النموذج السوفيتي فغابت الديمقراطية في احزابها ومنها الحزب الشيوعي السوداني.
بالرغم من ذلك، ومما يسبب الحيرة، ان ذات القيادات التي صادرت الديمقراطية في احزابها انتقدت مبدأ الديمقراطية المركزية وانه سبب كل الكوارث والضمور والهزائم التي حاقت بتلك الاحزاب، في حين ان المبدأ غاب فيها ولم يطبق اصلاً، بل طبق عكسه (المركزية المطلقة) فهل المشكلة في المبدأ الغائب أم في التيار القابض والممارسات الخاطئة؟.
وتيار المركزية المطلقة في الحزب الشيوعي السوداني، ولفترة طويلة كان يؤكد ان العلاقة بين الافكار والسياسة علاقة جدلية. وانه يسترشد بالماركسية..الخ، لكن الممارسة لا تؤكد على ذلك. وأبسط المظاهر ان قيادة التيار وضعت نفسها في وضع مضاد للفكر الذي شرط تطوره اشاعة الديمقراطية في الحزب. فاعتمدت العضوية لسنوات طويلة في تفاصيل نشاطها على الاولويات التي تحددها القيادة وقراراتها. فتحنطت التنظيمات القاعدية، وتحولت اية مبادرة للعمل بين الناس (لم تصدر بها تعليمات من أعلى) هي انفلات او محاولة انقسام..(!).
وهذا الوضع القمعي الذي طبع حياة الحزب جعل تعيين القيادات (التصعيد) شرطه الأول التوافق الشخصي (!) ولأن التنظيمات محنطة، فانه يكون للتعيين معايير غريبة ليس من بينها الجرأة، ومستوى الاداء الحزبي، ومقدار التضحيات (وفي التجربة العملية الموثقة انه قد حدث تصعيد بالتعيين بسبب الامكانيات المادية والمالية من عربة خاصة او منزل مهيأ، وهذا مثبت بالضربات التي تعرض لها الحزب بعد 1974م، اي قبل نهاية فترة التجمع!!) فيكون مقياس الصمود هو مدى الطاقة في تنفيذ القرارات دون ابداء اية ملاحظات..الخ، بل ان سعاد ابراهيم احمد كشفت ان هناك من اعضاء اللجنة المركزية المصعدين من تم تعيينه لانه (غير معروف للحكومة) هكذا نشرت بالصحف اليومية.
ونلاحظ ان قيادة تيار المركزية المطلقة كما تحدد واجبات العمل «تشرف ايضاً على التنفيذ وتنفرد بالتقييم فكما تتولى مهمة التصعيد بالتعيين تقوم باجراءات الانزال كعقوبات (!) والمعروف ان معظم العقوبات تقرر دون اجراء محاكمات او عن طريق محاكمات غيابية، وفي معظم الاحوال تظل نتيجة المحاكم سرية فلا يعلم المحكوم ضده ولا يكون له من الاستئناف كما ينص دستور الحزب المعطل العمل به. ان المحكوم عليهم بالاعدام فقط هم الذين يتم ابلاغهم بالحكم ولكن بعد اعدامهم حيث نطالع بين آونة واخرى (فلان الى مذبلة التاريخ) بهدف الابتزاز وزرع الخوف من عاقبة مخالفة سياسات قيادة التيار (وتحولت العلاقات بين العضوية وقيادة التيار المهيمن الى علاقات مشابهة لعلاقات اصحاب الاعمال بالعمال تحت خدمتهم.. (هل لذلك يطلبون من المعارضين الخروج من الحزب والأهم بعد ذلك التزام الصمت لان الحزب اتحاد طوعي؟!).
وبالطبع فان الصعود وفق المعايير الغريبة، او وضع احدهم بطريق او آخر موضع (النجم الساطع) لا علاقة له بالتجارب او المعارك التي خاض غمارها.. وعندما يصعد هؤلاء، ولاستمرارهم في المواقع التي عينوا فيها او الصعود اكثر فانهم يرفعون دائماً راية (وحدة الحزب) كتبرير لاتخاذ الاجراءات التنظيمية ضد المعارضين لسياسات التيار في حين ان وحدة الحزب شرطها الديمقراطية في الحزب وحرية النقاشات والنظرة الناقدة. وقادة تيار المركزية المطلقة هم براجماتيون (وضع الفكر في خدمة التكتيك) وحتى المناقشة العامة فان استمرارها بالسنوات وعقد المؤتمرات التنظيمية للقطاعات والمدن من اهدافها تعويق الديمقراطية في الحزب باجراءات تبدو في ظاهرها ديمقراطية ومنها انتخاب القيادات(!) فالمناقشات العامة والمؤتمرات التنظيمية هي عملية فرز لابعاد كل مناهض لسياسات تيار المركزية المطلقة، حتى اذا كانت تلك المناهضة قبل عشرين سنة (فهم لا يقبلون الا بمؤتمر تجاز قراراته بالاجماع) ومن جهة اخرى تحل المؤتمرات التنظيمية محل المؤتمرات التحضيرية للمؤتمر الخامس.
جاء في التماذج: انعقد اجتماع موسع لنساء شيوعيات خلال المناقشة العامة في (ولاية) الخرطوم وطلب المشرف على الاجتماع من الحاضرات الحديث بصراحة ونقد الاخطاء وكشف النواقص بما يحقق تصحيح اخطاء العمل وتطوير الافكار وان القيادة ترحب اكثر بالرؤى المخالفة.. وكان له ما أراد. وعند نهاية الاجتماع وعد المشرف بعقد اجتماع آخر لاستكمال المناقشات والرد على الانتقادات بحضور زميل آخر «أعلى مرتبة» وانعقد الاجتماع الثاني بعد استبعاد كل من عبرت عن آراء ناقدة.
فاذا كان الفكر لا يحتمل الصراع بين تياراته فهل يقوى على صراع الافكار الاخرى؟.
وقضية الديمقراطية المركزية - في الحزب الشيوعي - هي القضية الاولى ومن ينفيها كقضية او يعمل على تأجيل النظر فيها، انما يصيب قضية الحزب في مقتل. الخاتم عدلان وصف مبدأ الديمقراطية المركزية بانه «داء الحزب العضال» وان ثمة عقبة ذاتية داخل الحزب ذاته تعيق نموه وتطوره وهي تتمثل في المبدأ التنظيمي الذي يحكم حياته. وان سيادة مبدأ الديمقراطية المركزية هي المسؤولة عن عقم حياة الحزب الداخلية وضيقه وبرمه بالرأي الآخر. ونلاحظ ان الخاتم عدلان قرظ المبدأ معتقداً بصلاحه عندما يكون الحزب سرياً، وفي نفس الوقت رأى عدم جدواه، وان تخلى الحزب عنه يجعله حزباً ديمقراطياً...(!).
وهي ذات النتيجة التي وصل لها قادة تيار المركزية المطلقة في جهاز الحزب، وهذا واضح في وثيقة السكرتارية المركزية 2006م بعنوان الحزب الشيوعي وقضية الديمقراطية (نحو البرنامج) حيث جرى وصف مبدأ الديمقراطية المركزية بانه (متصلب) و(غير ديمقراطي) وعلى ذات النهج جاء مشروع الدستور الانقلابي للحزب الجديد خلوا ًمن مبدأ الديمقراطية المركزية مع الافادة بانه قد تم استبعاده.
ان الحزب الشيوعي شرط تطور نضاله ووحدته في الديمقراطية الداخلية ومبدأ الديمقراطية المركزية وعقد المؤتمرات التي تقيم التجارب وتعلي رايات النقد والنقد الذاتي، غير ذلك فان قيادة التيار تكون مشرفة بنفسها على تحويل الحزب لحزب آخر.
وفي حين تطابقت وجهة نظر الخاتم عدلان وتياره مع وجهة قيادة جهاز الحزب المالية نجد ان عبد الخالق اتخذ وجهة مغايرة عندما ابان:
«ان الحياة الداخلية في بعض منظمات الحزب لا تسير على أسس سليمة وخاصة في موضوع الديمقراطية المركزية، اذ ان بعض الرفاق يدوسون على هذا المبدأ الذي لن يستقيم الحزب الشيوعي بدون تطبيقه.. انهم يضعون السلطة التنظيمية محل الصراع الفكري والاقناع. انهم لا يحترمون رأي الاقلية، انهم لا يناقشون سياسة الحزب بقدر ما يصدرون الأوامر العسكرية، هذا الاتجاه خطير جداً وهو صادر عن عقلية فوضوية، عقلية مغامرة لا علاقة لها بالعقل الماركسي. والاضرار الجمة تلحق بالحزب نتيجة لهذا الجو الخانق، فالرقابة على القرارات تعني التحقيقات المستمرة وتعبئة الاعضاء حول خط بعينه تعني التبليغات العسكرية، والاختلاف في الرأي يعني العداوة والاحقاد والطرد من العضوية. فاذا كان هذا هو المشكل من الاعضاء فما أملنا في خلق صلات بالجماهير...».
وقصد عبد الخالق تيار المركزية المطلقة اليميني في الحزب والذي انقسم جزء منه فيما بعد. وفي الوقت الذي نجد فيه ان المؤتمر الرابع للحزب 1967م، وعبد الخالق أكد ان الحزب الشيوعي لن يستقيم بدون مبدأ الديمقراطي المركزية نجد الخاتم عدلان رأى عدم جدوى المبدأ وان الحزب لن يستقيم مع مبدأ الديمقراطية المركزية.. ونجد قيادة جهاز الحزب الحالية تصف المبدأ بالمتصلب وغير الديمقراطي ولذلك استبعده مشروع الدستور الذي فارق دستور 1967م وفارق الماركسية. وانني اعتقد ان امام التيار المعارض للمركزية المطلقة اليميني مهام صعبة (خاصة وانهم بقايا التيار الشيوعي، وشظايا جماعة عبد الخالق ولكن ييسرها الوضوح في الافكار.
وتيار المركزية المطلقة في الحزب الشيوعي بعد اللجلجة والرجرجة بدأ جهازه في التحلل ولذلك فانه لا يرغب في طرح موضوع الديمقراطية الداخلية وتوسيع قاعدة المشاركة من ادنى الى اعلى ويحاول تأجيل النظر في صلاحية او عدم صلاحية المبدأ الى المؤتمر السادس (!)، ومع الديمقراطية الشكلية التي خطا فيها خطوات فان مسلكه لا يختلف عن مسلك قورباتشوف وشركائه، يلسن وشفرنادزه والآخرين عندما اطلقوا البراغماتية من عقالها كاملاً. وعلى ذلك سيتم الانشقاق البراجماتي في السودان كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق. وفي هذه الحالة تكون القيادة هي التي انشقت. اما البقايا والشظايا التي تؤمن بان تغيير حياة الحزب الداخلية لتنفيذ مهامه التاريخية جوهره الديمقراطية في الحزب فانهم عندما يواصلون مسيرتهم لا نطلق عليهم انقساميون.
ومبدأ الديمقراطية المركزية في عصر جموده، وباسمه تم البطش والتصفية والنفي ومحاكم التفتيش واشانة السمعة فتحول المبدأ الى اداة لاحكام القبضة القيادية وساد القمع بالمركزية المطلقة. الانقلاب عصف بالمبدأ وحوله من اداة ثورية لقيادة منظمة للنضال الفكري والطبقي لاداة ميتة وجامدة حتى اصبحنا امام المركزية الستالينية وجهاً لوجه.
وقضية الديمقراطية في الحزب الشيوعي مرتبطة بكافة الشعارات التي يطرحها تيار المركزية المطلقة ويهلل ويكبر لها الاسلاميون داخل الحزب وخارجه (!). ومنها تجديد الحزب وما يندرج تحته من اهداف يمينية متداخلة. واضحة احياناً ومستترة مرات اخرى لكن نتيجتها واحدة: تصفية الحزب ليس بالحل المباشر كما دعوة د. فاروق محمد ابراهيم والخاتم عدلان وكما فعل السوفيت. فهذا الاختيار صعب تحقيقه في السودان ولكن عن طريق تغيير طبيعة الحزب، والغاء مبدأ الديمقراطية المركزية والغاء الفكر الماركسي وتغيير اسم الحزب تبعاً لذلك، فتتم تصفية الحزب (القديم) بالكامل وبمفردات ماركسية بلا محاسبة والغاء الماضي ويظل ذات التيار مهيمناً ايضاً على الحزب الجديد المعادي للماركسية.
وان احتقار تيار المركزية المطلقة لدستور الحزب 1967م والديمقراطية في الحزب، ليس مصادفة، ولا أمراً شكلياً كما اكد عبد الخالق، وان مجافاة دستور الحزب والديمقراطية في الحزب المتواترة لا تعني شيئاً بخلاف الخروج المتدرج من الحزب. ونماذج احتقار دستور الحزب والديمقراطية فيه تملأ اكثر من مجلد وعندما نقذف بنموذج او نكرر قذفه فان قصدنا الاشارة الى حقيقة الممارسة وليس كشف الحال..:
في 1992م اصدرت سكرتارية الحزب الشيوعي بمديرية الخرطوم خطاباً داخلياً يعيب مسلك زملاء بالحديث عن (الديمقراطية في الحزب) و(مشروعية القيادات) واشارت ايضاً الى ان منهم من يوجه اساءات بالغة لقيادة الحزب، وانهم قاموا باعمال لم يقررها الحزب (اعمال مضادة لحكومة الانقاذ وهذه من مقدم العرض)، وقرظت السكرتارية الوشاة وحثت العضوية على احكام الرقابة ورفع البلاغات اولاً بأول حيث ان الزملاء يدبرون لاحداث انقسامات في منظمات اجتماعية (!!) كما أعلنت السكرتارية عن قرارها بايقاف زميلين (اصلا تم ايقافهما منذ الايام الاولى لانقلاب الانقاذ وهذه ايضاً من مقدم العرض) وطلبت السكرتارية من العضوية وقف المطبوعات عن الزميلين!!.
ان مسلك سكرتارية المديرية 1992م يخالف نظم الحزب والديمقراطية في الحزب بل هو مسلك غير شيوعي وغير وطني ويخدم مباشرة نظام الجبهة القومية الاسلامية. والوشاة ومفبركي الوقائع لن تتبدل طبيعتهم، ولكن تختلف مهماتهم بين فترة واخرى. والمهمة الجديدة تدبيج الاحصائيات عن المفترض اعلانهم استمرار الحزب الشيوعي بعد التحلل..(!) ونواصل الجزئية الثانية عن مبدأ الديمقراطية المركزية والممارسة السليمة والممارسات الخاطئة.

No comments: