Tuesday, October 14, 2008

محاولة لإرساء مفاهيم جديدة لحركة المفصولين

محاولة لإرساء مفاهيم جديدة لحركة المفصولين
الأساس المادي لتعثر حلول قضايا المفصولين والمتقاعدين

محمد علي خوجلي

قضايا المفصولين والمتقاعدين وفاقدي الوظائف هي قومية لا تسقط إستحقاقاتها بالتقادم. وآثارها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية تستمر لسنوات أخرى مما يجعل قول أى قوى بقفل الملف بعد قرار المجلس الوطنى في مايو 2008 خاطئ. وللفصل السياسي والتعسفي وفقدان الوظائف أساسه المادي الذي هو في نفس الوقت أهم معوقات حلول قضايا المفصولين.
(أنظر تجربة دولة العراق تحت الإحتلال ومبادرة السلطة الحاكمة لإصدار قانون إعادة المفصولين شاملاً الفصل للفترة 1968 -2004 وكذلك إصدار قانون اجتثاث البعث – الأكثر قطاعة من المرسوم الدستوري الثاني في السودان الذي أصدرته السلطة الحاكمة بعد انقلاب 1989- والذي أسقطته الحركة الجماهيرية..)
ولكل قضية أهدافها وأساليب وأدوات تحقيقها وكذلك قضايا المفصولين الذين يحتاجون للتوقف بين فترة وأخرى لتقييم تجاربهم وتحديث وتجديد أساليب عملهم وتطوير الأدوات للسير بالنجاحات الجزئية للأمام، والتعرف على أسباب الإخفاقات للتغلب عليها وهذا هو موضوعنا الذي سيتواصل – بإذن الله- تحت عناوين مختلفة للتوصل الى مفاهيم تساعد في إعادة البناء..
ومعلوم أن من سمات الفصل في الحقبة الإنقاذية الطابع الجماعي. مثلما ارتبط وثيقاً بالإنقلاب على التنظيمات النقابية. فالفصل السياسي والتعسفي، والهجوم على النقابات، وفقدان الوظائف وإغلاق مصانع القطاع الخاص كلياً أو جزئياً بسبب السياسات المالية والإقتصاديةجميعها مسألة واحدة لا تتجزأ. ونتائج كل جزئية تخدم الأخرى.
فالفصل شمل النقابيين وطلائع العاملين في كل جبهات النشاط وهذا يسر تغيير الشكل التنظيمي للنقابات والذي ساعد بدوره في إحتكار الإنقاذ وحلفاءهم لقيادة العمل النقابي والذي يسر تخلي النقابات الإنقاذية صراحة عن واجباتها في الدفاع عن حقوق العاملين المكتسبة: حق العمل وحق الإستمرار في العمل وحق الحماية الإجتماعية خلال وبعد انتهاء الخدمة. بل ان النقابات "الرسمية" تحولت الى شريك أصيل في إعداد قوائم الفصل بادآة "اللجان الثلاثية" وأصبحت صوتاً وسوطاً للسلطة الحاكمة ومن ذلك نموذج اتحاد النقابات عندما وصف شكوى اللجنة التنفيذية للمفصولين الى منظمة العفو الدولية (يناير 2003) بأنها محاولة لتشويه صورة الشعب السوداني (!) وبان وراءها أغراض سياسية. ونذكر أن تلك الشكوى والتي وقعها عن اللجنة محمد عبدالفضيل، وعوض الكريم بابكر وعديلة الزيبق كان موضوعها أن اتحاد نقابات عمال السودان لم يدافع عن حقوق العاملين المكتسبة الذين فصلوا جماعياً فصلاً سياسياً وتعسفياً وعاون الحكومة في فصل وتشريد العاملين بمساندته في تنفيذ برامج الخصخصة وحجب المعونات المالية للمفصولين من خارج البلاد.
وصرح المهندس/ يوسف على عوض الكريم من قادة اتحاد العمال بأن تجربة خصخصة القطاع العام صحيحة مثلما أفاد هاشم أحمد البشير بإتفاق اتحاد العمال مع الحكومةعلى خصخصة أكثر من مائة مؤسسة في المرحلة الأولى ليأتي صوت ابراهيم غندور من أن الخصخصة أمر لابد منه وعلاج تقتضيه الظروف العالمية بالرغم من تشريد عدد من العمال (ستة وخمسين ألف ثم خمسة وتسعين ألف ... الى اخر وهذا هو السوط).
ان تنفيذ سلطة الإنقاذ (الرأسمالية الجديدة) لبرنامجها الأسود بين العاملين بالفصل والتشريد والإعتقالات والتعذيب احياناً حتى الموت ثم باداتي النقابات والقانون وحققت السلطة كثيراً من أهدافها ومن ذلك:-
• تفريغ أجهزة الخدمة العامة من المعارضين المفترضين بإحلال أهل الثقة محل أهل الكفاءة لقفل أبواب: الإنقلابات العسكرية، والإنتفاضات المحمية، والإضرابات عن العمل.
• إستقرار الحكم (المؤقت) بقوة القوانين الإستثنائية ولائحة الطورائ ومصادرة الحريات العامة ومنها حرية التنظيم.
• اضعاف الأحزاب السياسية الوطنية وتحويل أنصارها من منتجين داعمين للأحزاب الى عاطلين عن العمل يحتاجون الدعم والمساندة.
• تنفيذ السياسات الإقتصادية والمالية لصالح الرأسمالية الجديدة دون معارضة من القوى العاملة وبموافقة النقابات الرسمية.
• تكسيح حركة الجماهير وتوجيه الضربات لها ومصادرة أدوات نشاطها .. الى آخر
وهذا هو الأساس المادي للفصل وفقدان الوظائف. وعلى ذلك فان أي نشاط لحركة المفصولين وحركة استعادة الحقوق لابد أن يقوم بناؤه بفهم هذا الأساس والعمل على هزيمة البرنامج الأسود للرأسمالية الجديدة وأن أيه خطة عمل يجب أن تتضمن قضايا:- تحرير النقابات، وتعديل القوانين وتنظيم القوى العاملة وفئات المفصولين وفاقدي الوظائف والمتقاعدين والنضال من أجل الحريات العامة وحرية التنظيم وبعث روح الحياة في العمل الجماهيري الذي يبدأ بسيطاً. وكل ذلك في حزمة واحدة. ومتى ما تم الإتفاق على خطة عمل شاملة ستكتشف اللجان القائمة حوجتها لعدة مئات من المبادرين والمتطوعين وأن مجرد العشرات لا يكفي مثلما تتوصل أنها تحتاج لمزيد من اللجان. غياب الخطة الشاملة ذات البرامج التفصيلية وتجزئة القضية جعل الميزان دائماً لصالح سلطة الرأسمالية الجديدة وأدواتها، وتعثر الحلول وتعقيدات لا حد لها تكتنف حركة المفصولين في مقابل مساحات كبيرة للمناورة للسلطة الحاكمة ساعدتها في تزييف الوقائع ثم الواقع نفسه الذي وضع انصار السلطة بالإنتخابات المعلومة في قيادة التنظيمات الرسمية للمتقاعدين والذين معظمهم من المفصولين تعسفياً وفاقدي الوطائف ..(!)
وفشلت كل محاولات لجان الحقوق، وهي من قوى الضغط في اقناع القوى المختلفة بضرورة النشاط في كل الجبهات في وقت واحد مما اضطرها للمبادرة منفردة: بين قواعد والمتقاعدين بفائتهم المختلفة، والمذكرات للجنة القومية لإعداد الدستور والمجلس التشريعي لولاية الخرطوم، ودعم قيام نقابة اساتذة جامعة الخرطوم، وإعداد مشروع قانون النقابات والقوانين العمالية، واقامت عدداً من اللجان العمالية من بين العاملين وساهمت في الدورة النقابية للعمال الأخيرة الى آخر عشرات الأنشطة التي ساهمت في قيام مؤتمر المفصولين والتضامن النقابي ومشروع قانون النقابات.
ولأن معظم الأطراف التي تصدت لقيادة العمل ربطت نفسها بأولويات المعارضة الرسمية فانها فوتت الإستفادة من كل الظروف المواتية للنهوض الملائم للحركة. ومن نماذج ذلك المقاطعة غير المعلنة للجنة القومية لإعداد الدستور بأثر معارضة قوى سياسية للجنة الدستور ودفعت لذلك ثمناً غالياً سنوضحه فيما بعد حيث لم تتلق لجنة الدستور سوى مذكرة واحدة لثلاثين من المبادرين في لجان الحقوق ولجان المفصولين وقيادات من القيادة الشرعية لنقابات (عطبرة وسنار وخلافها) تطالب بجعل حق العمل وحق الإستمرار في العمل والحماية الإجتماعية والحريات النقابية من الحقوق الدستورية.
ان فرصاً ثمينة لم يتم توظيفها بالكامل لإستعادة الحقوق او تطوير نظم الدفاع عن الحقوق المكتسبة وسارت الأمور كما رغبت السلطة الحاكمة بقيادة (أمانة العاملين بالمؤتمر الوطني) وضعف النشاط بين القواعد اساسه الإنطباع العام الزائف ان حلول القضايا أصبحت رهينة بالإتفاقيات وهذا الإنطياع هو الذي تسبب في تجميد اتفاقية القاهرة حيث تم النظر في إنفاذها باعتباره مسئولية المؤتمر الوطني والتجمع الوطني في حين ان النظرة السليمة ان الإتفاق بعد توقيعه يكون ملك لأصحاب المصلحة فيه لا الأطراف الموقعه لذلك لم تمارس ايه ضغوط على طرفي الإتفاق ولم يتم تنظيم مسيرة او موكب مطالبه تتكون من ثلاث كلمات فقط (انفاذ اتفاق القاهرة)!! وكان المستفيد الوحيد من الإتفاق قيادات التجمع نفسها بالمشاركة في سلطة الإنقاذ بالتعيين (!)
في الجانب الآخر لم يفت على سلطة الإنقاذ أن أشكال المقاومة لسياسات ستتسع وان حركة استعادة الحقوق ستتنامى فواجهت ذلك باساليب مختلفة ناعمة وعنيفة ونوعت تكتيكاتها بما أربك الأطراف الأخرى وأضعف المقاومة وأشاع اليأس والإختلافات الثانوية بين لجان المفصولين الى آخر. ومن تلك الأساليب المتباينة:-
• الإقرارات الصريحة والمتكررة من رئيس الجمهورية وعدد من القيادات السياسية للحزب الحاكم بالظلم الذي حاق بالمفصولين والمتقاعدين وعقد العزم على انصافهم.
• إقامة اللجان الحكومية المتعددة بين آونة والأخرى للنظر في تظلمات المفصولين والمتقاعدين: لجنة صلاح كرار، لجنة مجلس الوزراء الأولى، لجنة معالجة مفصولي السكة حديد، لجنة مجلس الوزراء التي أجرت معالجتها من واقع الملفات، لجنة الحسبة والمظالم في حالة القوات النظامية وحالات أخرى، لجنة الحسبة والعمل والإدارة بالمجلس الوطني وقرارات المجلس الوطني في مايو 2008 ومعلوم نتائج أعمال تلك اللجان وما حاق بتوصياتها. وتعدد اللجان وعدم انفاذ توصياتها او المعالجات المنقوصة التي طبقت هدفها (كسب الوقت) و (تعدد منابر المعالجات) بما يحقق المحافظة على الأهداف التي حققتها السلطة والتي أشرت اليها.
• اسلوب الحلول الفردية لمفصولين ومتقاعدين من فئات مختلفة بالإعادة المباشرة للعمل بشروط تحددها الجهات التي تعيد المفصولين ٍاو الإعادة غير المباشرة بالتعيين من جديد بنظام العقودات محددة الأجل وابرزها في حالة القضاة والعاملين بالقطاع الزراعي.
• التجميد الفعلي للمادة 226 (7) من الدستور المؤقت وتجميد اتفاقية القاهرة مع توظيف قيادات من المعارضة الرسمية في مواقع سياسية وادارية وهم من المفصولين سياسياً وتعسفياً او من الموكول لهم انفاذ اتفاق القاهرة من قبل التجمع الوطني ومن هؤلاء ممثلي القيادة الشرعية للقوات المسلحة والقيادة الشرعية للنقابات .. والمدهش ان هؤلاء فصلوا سياسياً ثم شغلوا مواقع أخرى بقرار سياسي ايضاً (!) بمعنى انه تم ترفيعهم دون اصدار قرار سياسي بالغاء الفصل. والجدير بالذكر ان من بين المعارين او الذين تم توظيفهم في مواقع جديد قيادات في لجان المفصولين القائمة (!!).
• عدم اعاقة هجرات المفصولين الإضطرارية لمختلف الفئات: المهنيون ومنهم اكثر من خمسة ألف طبيب والفنيين والموظفين والعمال. وكانت هجرة الكوادر السياسية والنقابية وطلائع العاملين المعارضة من اكبر مكاسب الإنقاذ.
• تفادي عرقلة قيام المنظمات الوطنية التطوعية التي يقيمها المفصولين سياسياً بالتضامن مع المتقاعدين او كوادر وسيطة لأحزاب المعارضة الرسمية هذا الواقع الجديد اتبع قيماً جديدة ويرسي تقاليد غريبة، اعرضها لاحقاً ولكن بسبب هذا الواقع، وتباين حالات المفصولين برز السؤال: هل حلول قضايا المفصولين شرطه رحيل سلطة الإنقاذ ؟ ونواصل..

هذا المقال رفعته الرقابه من جريدة الصحافه السودانيه





المعارضة الرسمية دعمت برنامج السلطة لمواجهة قضايا المفصولين

محمد علي خوجلي
الممارسة هي معيار الحقيقة. لذلك نهتم بالأفعال والمواقف المثبتة للمعارضة الرسمية وهي (تناضل) من أجل حقوق المفصولين والمتقاعدين وفاقدي الوظائف والمهمشين. ولا نهتم بما قالت لأنها تملك أكثر من لسان فصيح و (تصفيق حاد) !!.
وقضايا الحركة الجماهيرية وبالذات التي ترتبط بحياة الناس واستعادة الحقوق تحتاج الى النشاط اليومي، الصبور والدؤوب. وللحركة العمالية والنقابية السودانية تجاربها الغنية في الكفاح لإستعادة الحقوق والدفاع عن الحقوق المكتسبة. والحقيقة أن معظم أساليب العمل في الحقب التي سبقت الإنقاذ لم تعد ملائمة ولم يتم تجديد الأفكار ولا القيادات. ومن جهة أخرى فان ايه برامج لأي نشاط لا تراعى متغيرات الدستور المؤقت ومستويات الحكم والمحكوم عليها مقدماً بالفشل الذريع.
ومن المعروف ان كفاح المفصولين للعودة الى أعمالهم ارتبط في الماضي تحت ظل الحكومات المختلفة قبل الإنقاذ بالقوى العاملة والنقابات ونشاط الحركة السياسية باحزابها الوطنية لكن الظروف الموضوعية والذاتية في تلك الحقب لم تعد متوافرة بعد يونيو 1989 وهذا طبيعي، فهي المرة الأولى التي تحكم فيها الحركة الإسلامية السودانية البلاد منفردة بوسيلة العمل العسكري مما جعل كل العاملين غير المنتمين لها هم اعداءها المفترضين ولذلك كانت اعداد المفصولين كبيرة وفوق الوصف ولم تتوقف يوماً فهي استندت في البداية على (تأمين حركة الإستيلاء على السلطة) ثم (تأمين النظام) وهو أمر لا حدود له ثم (التمكين) وخلال ذلك (سياسات التحرير) أما المفصولين سياسياً وتعسفياً في الحقب السابقة فقد كانت اعدادهم معلومة وعندما نفذ النظام المايوي (الخصخصة) لم تكن محسوسة (!) لأنه لم يتم تشريد للعاملين بسببها. وعلى حقبة الإنقاذ ظلت اعداد الذين تركوا العمل او اجبروا على تركه مجهولة لكثرتهم مثل ضحايا الحرب في دارفور. وكما كانت الأعداد غير متفق عليها كذلك نشأ الخلاف حول مفهوم الفصل السياسى لكثرة أسماء الفصل ومنها الفصل الجماعي (بسبب خطأ في التعيين)!!
وقبل الإنقاذ لم يكن يخلو اي اجتماع لجمعية عمومية للعاملين من المطالبة بإعادة المفصولين وأطلاق سراح المعتقلين النقابيين وغيرهم من العاملين والمطالبة بالحريات العامة او حرية التنظيم بخلاف الحقبة الإنقاذية حيث تم عملياً الغاء انعقاد الجمعيات العمومية وحتى في الحالات القليلة التي تنعقد يكون تأثيرها معدوماً للحصار المضروب على العاملين وسيوف الفصل المشرعة هذا الواقع دفع بطرح السؤال: هل ايجاد الحلول لقضايا المفصولين رهين فقط باسقاط السلطة؟ وهذا قاد لتصور خاطئ ان الحلول هي بيد القوى السياسية المعارضة.
ان العجز الذاتي للقوى السياسية المعارضة قادها للفصل التام بين العمل اليومي بين الجماهير وهدف اسقاط السلطة الإنقلابية حتى اذا كان بوسلية العمل العسكري وهذا مفهوم خاطئ. وفاقم آثار الخطأ والعجز نقل مركز المعارضة خارج البلاد وكبلت بذلك حركة القواعد ولمزيد من تقييد حركة الجماهير فقد جعلوا من قيادة التجمع بالداخل (سكرتارية) لا تملك حق اتخاذ أي قرار بل رفع التقارير والتوصيات الى هيئة قيادة التجمع التي لا يملك حق الدعوة لإجتماعاتها إلا رئيس التجمع (!) وبعد توقيع اتفاقية المصالحة الوطنية (اتفاقية القاهرة) ظلت الأوضاع كما هي وألغيت عملياً قيادة الداخل وحل محلها (لجنة التنسيق)!!
وظلت القوى السياسية المعارضة تضع الجماهير في حالة انتظار دائمة. وصورت لكل فئات المتضررين ومنهم المفصولين ان كل حلول قضايا الجماهير سيتم مع ذهاب الإنقاذ الذي اقترب بالعمل المسلح وفي مرحلة لاحقة بعد نجاح الإنتفاضة المحمية حتى دخلنا مرحلة تفكيك النظام بالإتفاقيات. وانجزت الإتفاقيات ولم تتبدل حياة الناس ولم تحصد فئات المفصولين إلا الحسرات وأخيراً وصلنا الى مرحلة استعادة الحقوق بعد هزيمة الإنقاذ عبر صناديق الإقتراع..
ان المفاهيم الخاطئة والعجز الذاتي كانت من اسباب الفشل في مواجهة أساليب السلطة الحاكمة، وأخص بالذكر قضايا المفصولين والمتقاعدين وفاقدي الوظائف. بل انه عند التدقيق نلاحظ توافقاً في الممارسة بين المعارضة الرسمية والسلطة الحاكمة في جوهر أهدافها من الفصل الجماعي وكل وسائلها من كسب للوقت وتعدد لمنابر المعالجة وكافة المفاهيم الأخرى (!) وفي الحقب قبل الإنقاذ قليلاً ما يلجأ مفصولون سياسياً الى الهجرة او اللجؤ السياسي وكان معظمهم يلتحقون بالقطاع الخاص الذي يرحب بالكفاءات المشردة وما بين ذلك كانت تتكفل الصناديق الخيرية وصناديق الزمالة والمساعدات الإجتماعية (وجدت في السودان منذ 1947) وأحياناً النقابات ببذل العون الإجتماعي والمالي لكن الفصل الجماعي والمطارادات والإعتنقالات والضمور الذي ضرب القطاع الخاص والضغوط الإقتصادية .. الى آخر دفعت المفصولين دفعاً للهجرات الإضطرارية او طلب اللجؤ السياسي لكن المدهش ان قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بالخارج اشرفت على تنظيم هجرة كوادرها النقابية والسياسية والتنظيمية وساعدتها ايضاً في طلبات اللجؤ السياسي. ورضينا أم أبينا فإن أشراف المعارضة على الهجرة واللجؤ يتفق مع أهداف الحركة الإسلامية كما أشرت قبل ذلك.
وفجأة جاء اتفاق جدة الإطاري الذي أشاعت اطراف المعارضة في الداخل ببرائتها منه وانه من صنع الحزب الإتحادي الديمقراطي او رئيسه الذي هو رئيس التجمع إلا الشفيع خضر سعيد الذي أكد متابعتهم للحوار الذي أفضى الى اتفاق جدة الإطاري. وتبرؤ اطراف منه سقط بعد اجازه هيئة قيادة التجمع للإتفاق بالإجماع. والمأخذ على اتفاق جدة فيما يتعلق بموضوعنا هي مباركته لسياسات التحرير والسياسات المالية والإقتصادية للإنقاذ بل ومطالبته بالمزيد فوجه ضربته القاصمة لفاقدي الوظائف من غير المفصولين فصلاً سياسياً ظاهراً وهم أكثر من ثلاثين ضعفاً للمفصولين سياسياً.
وتمسكت احزاب التجمع بذات وجهه اتفاق جدة في اتفاقية القاهرة في محورها الإقتصادي ومن بعد ذلك في معالجة الإتفاقية والتي فشلت في الإتفاق على اصدار القرار السياسي الذي يقضي بالغاء قرارارت الفصل من جهه كما لم يرد حرفاً واحداً حول فاقدي الوظائف بسبب الخصخصة والسياسات المالية والإقتصادية وأثارت معارضة الداخل غباراً كثيفاً حول ذلك عندما افترضت ان كل انواع الفصل بجميع مسمياته هو فصل سياسي وتعسفي ولكنها تراجعت عن ذلك لمرتين الأولى بالدستور المؤقت والثانية بقرار المجلس الوطني في مايو 2007 والذي أعاد الأمور الى نصابها وفرق بين الفصل السياسي الظاهر وانواع الفصل الأخرى.
وتتوالى ضربات المعارضة الرسمية لحركة المفصولين حيث لم تنظر قياداتها أخذ استحقاقاتها حتى تفكيك النظام بالتفاوض او انفاذ اتفاقية القاهرة او اسقاطه بالانتخابات، بل انها ومع كل مناسبة كانت تستعيد اجزاء من استحقاقاتها والمناسبات كثيرة: مناسبة تهيئة اجواء الحوار، ومناسبة بداية الحوار، ومناسبة الدخول في المفاوضات ومناسبة انفراج تعثر المفاوضات، ومناسبة التوقيع على الإتفاق.. الى آخر فاستعادت الممتلكات منازل وقصور بعد اعادة الصيانة ومطالبات بالتعويض عن الفترة التي لم يستغل فيها الملاك ممتلكاتهم، واستعادت المزارع والجناين والأراضي الزراعية والسكنية مع تعويضات نقدية بالمليارات عن العربات والمنقولات .. الى آخر وكل ذلك كان بعيداً عن آليات التنفيذ أما المفصولين فهم فى الأنتظار حتى تتم اعادتهم الى الخدمة او الحاقهم بوظائف جديدة والنظر في التعويضات بأثر الممارسات السالبة المادية والمعنوية وعامة المفصولين باعوا مساكنهم واراضيهم واثاثات منازلهم ومقتنيات نسائهم.
ان اخطر ضربات المعارضة الرسمية لحركة المفصولين والتي ظلت متواصلة حتى مطلع مايو 2008 تمثلت في البيانات والتصريحات الصحفية التي تتدفق بميزان دقيق مع ايه مؤشرات لنهوض حركة المفصولين و التي تبشر المفصولين بتكوين او قرب تكوين لجان آليات تنفيذ اتفاقية المصالحة الوطنية، واجتماع اللجنة المشتركة الذي سينعقد خلال اليام القليلة القادمة. ونتائج الإجتماع مع د. نافع، ولجان تعديل القوانين التي تنظر تعديل واحد وستين قانوناً عشرات التصريحات والبيانات والتي برز فيها بل منازع علي احمد السيد المحامي. وفي النهاية لم تجتمع ايه لجنة مشتركة ولم يعدل اي قانون وحتى اللجنة السياسية للأحزاب (الأخيرة) فانها اكتفت فيما يبدو بتعديل قانوني الأمن والنقابات (!). ان التصريحات الموزونة التوقيت بقرب حلول القضايا هي في الحقيقة تخدير لحركة المفصولين .. ومنح المؤتمر الوطني الوقت الذي يرغب.
وتتوالى ضربات المعارضة الرسمية لحركة المفصولين بموافقتها على تعديلات قانون الخدمة المدنية وأمسكت عن تقديم اية مقترحات بشأن قومية الخدمة المدنية ونزع الحزبية منها عن طريق اعادة المفصولين ومراجعة شاغلي الوظائف الحالية (أهل الثقة) ولا ابعاد (الخبراء الوطنيين) من الإسلاميين وحلفاؤهم الذين نظمت عودتهم الطوعية. ولأن العودة كانت من سبيل المكافأة فان المرتبات والمزايا كانت فوق الهياكل الراتبية (عقودات خاصة) كما لم يكن مهماً نوعية التخصصات والخبرات ويكفي ان يكون العائد خريج كلية الاداب قسم تاريخ لبشغل وظيفة مدير بنك .. (!)
اما الغاء المادة (50) د التي تخول الفصل للصالح العام والمواد المشابهه في قوانين المعاشات المختلفة فقد تمت دون رفع الضرر عن الذين استعملت ضدهم وكأن الإلغاء كان مقصوداً منه المزيد من التمكين والحماية لكوادر السلطة وليس لأنصاف المظلومين. ويجب ان نتذكر ان تعديلات القوانين في هذا الحيز أجيزت في المجلس الوطني لا بالأغلبية الميكانيكية للمؤتمر الوطني.
وتتوالى ضربات المعارضة الرسمية لحركة المفصولين عندما ساندت تقرير لجنة الحسبة بالمجلس الوطني بشأن المفصولين والتصويت لصالح قرار المجلس الذي أجيز بالإجماع ايضاً لا بأغلبية المؤتمر الوطني .....- إلا عضواً واحداً – ولم يتبين للناس حتى اللحظة هل قبول المعارضة الرسمية لتقرير الحسبة واللجنة الحكومية هو الإلغاء العملي لإتفاقية القاهرة (اللجنة القومية للنظر في حالات المفصولين) والتفاف عملي على المادة 226 (7) من الدستور (اللجنة المؤقتة للنظر في تظلمات العاملين؟
أما من الضربات التي لا تنسى فان ممثلي المعارضة الرسمية في الدستور بدلاً من اقتراح تضمين اتفاق القاهرة في الدستور فان ذات المعارضة الرسمية هى التي اقترحت نص المادة 226 (7) ونتيجة ذلك ان المعارضة الرسمية ومن تلقاء نفسها أقامت منبرين لمعالجة قضايا المفصولين فلماذا لا يقيم المؤتمر الوطني اربعة منابر اضافية؟!!
والضربات كثيرة هل جميعها اخطاء غير مقصودة رغم تكرارها أم شراك كان مقصوداً نصبها؟
ونواصل ..

No comments: