Sunday, July 27, 2008

علاقة الاوضاع الاستثنائية وشرعية القيادات بمبدأ الديمقراطية

علاقة الاوضاع الاستثنائية وشرعية القيادات بمبدأ الديمقراطية
عرض: محمد على خوجلي
استكمل ما عرضت الاسبوع الماضى بالتركيز على الممارسات الخاطئة لمبدأ الديمقراطية فى تجربة الحزب الشيوعى السودانى «على شرق انعقاد المؤتمر الخامس» وما نتج عنها من آثارضارة واوضاع معقدة وشائكة..
الممارسة السلمية لمبدء الديمقراطية المركزية تقوم على قاعدتين لافصل بينهما:
الاولى: تشكيل هيئات الحزب على كافة المستويات بالانتخاب بالنقد والنقد الذاتى ومشاركة الهيئات الدنيا» فى انتخاب القيادة فيكون المركز ملبياً لارادة القواعد ومتواصلاً معها دون تهميش او انعزال . فالتهميش هو نفي ديمقراطية الممارسة والانعزال نتيجته تعدد المراكز.
الثانية: تلتزم الاقلية بقرار او رأي الاغلبية «ديمقراطية» وتتمثل الهيئات الدنيا للهيئات العليا «مركزية» فجوهر المبدأ هو انتخاب القيادات فتكون الهيئات الحزبية الاعلى معبرة فعلاً عن قطاع اوسع من العضوية مقارنة مع الهيئة الحزبية الاقل ترتيباً ادارياً . وتكون ادارة الهيئة هى انعكاس لارادة العضوية وليس العكس . «تواصل بين المركز والعضوية من اتجاهين».
ومركز الحزب بالممارسة السليمة لمبدأ الديمقراطية يستطيع ان يرسم سياساته استناداً على نشاط قواعده ، بحيث تستطيع هذه القواعد تنفيذ سياسات الحزب بكل الحماس والابداع الثورى . فابداع القيادة وسعة خيالها مستمد من ابداع القواعد المتفاعلة مباشرة مع الواقع الحي . وكما انه من غير الممكن تصور قيادة ضيقة الافق تستمد اجندة عملها من قواعد متدفقة النشاط والحيوية فانه يكون من انواع الانعزال ان يستبدل المركز «نشاط القواعد» بتقارير «مكاتب المعلومات» فى وضع سياسته او وضع حلول للمشاكل «خريطة الطريق او مصطلح بوش الابن!!» وهذا المسلك ينتج عنه وضع الحزب تحت خدمة قوى اجتماعية اخرى لان خريطة طريقه لا تستند على نشاط حزبى حقيقي. وفى الحالتين تكون القيادة غير مؤهلة بل معوقة لتدفق نشاط قواعد الحزب.
ومن استنتاجات المؤتمر الرابع للحزب 1967م.
«ادي ضعف الديمقراطية المركزية فى الحزب وعدم اشراك العضوية اشراكاً نشطاً فى حياته الداخلية وفى حياة فروعه الى انكماش كبير فى عضوية الحزب لدرجة عاقت قدراته الذاتية .. وقد اسهم هذا الوضع فى تغذية روح وسيادة البروقراطية فى العمل والانغلاق الذى يصب كسره لاستقبال الجديد . وان العجز الذى نسجله فى استقبال الطلائع وتحويل الحزب الى قوة جماهيرية .. لا ترجع اسبابه لعجز فى النشاط الجماهيرى ولكن العجز يرجع الى عقم الحياة الداخلية والى الخلل الناتج عن ضعف مبادئ الديمقراطية المركزية».
والمؤتمر الرابع ناقش مبدأ الديمقراطية واشار الى ذات الملاحظات التى تعرض لها الخاتم عدلان وقيادة جهاز الحزب من بعده والتى اشرت اليها . والحقيقة انه تم الغاء استنتاجات المؤتمر فى الممارسة بل تم تجميد العمل بدستور الحزب الذى اقره المؤتمر ولذلك فان دعاوي عدم صلاحية المبدأ تعبر فقط عن العجز الذاتى والرغبة فى التحلل من النظرية.
والمعنى البسيط لوجود لائحة او دستور للحزب هو تنظيم انشطة الحزب المختلفة . ولذلك فان الاشد خطورة من الممارسة الخاطئة للديمقراطية هو تجميد انعقاد المؤتمرات . والمؤتمر هو السلطة العليا التى تصحح الاخطاء .. والحزب هو قواعد الحزب «المؤتمر العام» وقيادة الحزب «المنتخبة من المؤتمر» والحالة الشاذة إلغاء المؤتمرات والغاء انتخاب القيادات والزام العضوية فى نفس الوقت بتنفيذ قرارات قيادات عينت بعضها بعضاً باعتبارها «الحزب» الذى يجب «عدم التعالى عليه!!» وما دامت الاخطاء لم تصحح فان المؤتمر الخامس قيد الانعقاد هو «مؤتمر التيار اليمينى» لا «المؤتمر العام للحزب الشيوعى» وكل ما يقال او يكتب عن انتظام اجتماع القيادات وتمراراتها فاقد لمعناه ، فالقيادة فاقدة للشرعية ووجودها فى القيادة تم بوضع اليد ولا تملك اي حق فى تجاوز ما قرره المؤتمر الرابع . واذا كان المركز الواحد معنى بادارة الصراع بهدف وحدة الحزب مع المشاركة الاوسع للعضوية والقيادة الجماعية . فان الواقع يفيد بعكس ذلك وكل الذين اختلفوا مع سياسات المركز «غير المنتخب» ثم تصنيفهم نهائياً كاعداء للحزب «!» وهذا منهج ستالينى سقط فى الاتحاد السوفيتى السابق وسيلاقى ذات المصير فى الحزب الشيوعى السوداني..
والقيادة الجماعية بمفهوم المؤتمر الرابع لا تقتصر على الشكل وحده دون المحتوى . فانتظام اجتماعات قيادات غير منتخبة لا علاقة له بالقيادة الجماعية .. كما ان مستوى الكادر وقدرته على المشاركة فى رسم سياسات الحزب هى التى تحدد محتوى القيادة الجماعية . وانه طالما بقى التفاوت واسعاً بين مستويات القيادة ومعتمداً على طاقاته الذاتية ، فان العمل القيادى سيعبر عن مستوى هذا التفاوت لا عن مستوى العمل الجماعي.
وتعرض المؤتمر الرابع الى «الخلل الناتج عن ضعف مبادئ الديمقراطية المركزية» اي الممارسات الخاطئة وهي التى تفرغ المبدأ من معناه فقد درجت القيادات فى ظروف السرية على رفع البنود المتعلقة بالديمقراطية فى الحزب بحجة الحماية والتأمين والمحافظة على بقاء الحزب «!» فتحل التعيينات محل الانتخاب ، اي يحدث موقف انقلابى . فتنقلب قاعدة المثلث الهرمى للتركيبة الادارية للمارسة مبدأ الديمقراطية . فتحل الاقلية محل الاغلبية وتصبح الهيئات الدنيا متلقية لارادة وامزجة الافراد المسيطرين على الهيئات العليا .. وهكذا..
ويصاحب ذلك انعزال الهيئات العليا من نشاط وهموم الهيئات الدنيا انتهاءاً بالعضوية وجماهير الشعب . وبذلك يصبح المركز المهيمن على اتخاذ السياسات والقرارات «فى اتجاه واحد» تستمر هذه الآلية في عملها ، وبمزيد من تراكم التعيينات «اربعين سنة» تنفصل الديمقراطية عن مركز ادارتها وبالتدرج البطيئ يتجزأ مبدأ الديمقراطية فتغيب الديمقراطية داخل الهيئات الحزبية ثم يفقد المركز نفسه ديمقراطيته «مثال: تعيين السكرتارية المركزية لعضوين فيها وهما خارج عضوية اللجنة المركزية ، التى عضويتها ايضاً بالسنين .. اي تحصيل حاصل..!!»
ان الممارسة الخاطئة نجمت عنها مشاكل شائكة ومتداخلة اضرت بوحدة الحزب ونموه واقعدته عن القيام بدوره التاريخى كحزب ثورى . ومن بين تلك المشاكل:
1- تجزئة الديمقراطية تفقد الفروع والهيئات الحزبية استقلاليتها ، فيكون اي نشاط مستقل وبالرغم من انه من الحقوق اللائحية الا انه دائماً عند القيادة «خروج من خط الحزب» وتكون حرية التفكير من اعمال «التخريب» او «الشروع فى الانقسام» !! فيتردي العضو مستمعاً ومتلقياً.
يفزع من التفكير فيتفشى الخمول الذهنى وتسود الطاعة ، والاهم انه عندما تفقد البنيات استقلاليتها وتكف عن المساهمة فى بناء التنظيم يصبح خط التنظيم نفسه هو تعبير عن مجموعات متناقضة ويزيد تناقضه مع المزيد من فقدان الاستقلالية .. وبمرور الزمن يصبح الخط هو رؤية «فرد واحد» ان لم يكن افراداً محدودين.. انه انقلاب آخر ونتيجة طبيعية للمركز اللا ديمقراطى والديمقراطية اللامركزية.
2- بذلك لا تعود البيئة الحزبية ملائمة لحرية التفكير والنقاش .. وتصبح هناك حاجة لرؤي صدى الافكار التى تفشل الهيئة او الفرع فى توفير مناخها. فتنشأ ما يبدو على السطح «صداقات» تتفق بدرجة او اخري فيما هو مجاله الهيئات والفروع فاقدة الاستقلالية . وهكذا تتوالد وتكبر وتتعدد الشللية كتعويض عن الهيئات والفروع . فالشلة تتيح لافرادها التحدث بحرية تامة فليس هناك «رصد» او «تقارير» او «بلاغات» .. انها تبدو كحلقات لتمضية الوقت حيث تكون «القطيعة» ورصد نقاط الضعف البشري. والتلذذ بها احياناً من هموم الشلة!!
الا ان هذه الشلل لا تخلو من تناول مسائل جادة وتنتج آراء نيرة لا تجد طريقها للمركز ..«!» وتعصف بها رياح الزمن..
3- عندما يحل المزاج الشخصى محل الانتخاب فى تقييم مقدرات ونشاط ومواهب العضو فى الحزب يصبح «التصعيد» و«الانزال» نوعاً من انواع «الترقى » او العقاب» فتكون القيادة فاسدة وان حسنت نواياها . يبدو ذلك واضحاً للعيان فى التكريس المحموم لرسم هالة من التقديس للمركز وهيئاته العليا.. فيحل التعالى والصلف والازدراء محل التواضع وروح التضامن ، وتصبح حقوق وواجبات العضوية من ذكريات الماضى ويقوم التهيب والحذر محل علاقات الزمالة والعلاقات الرفاقية .. وتكتمل الدائرة.
4- والوقوع فى الاخطاء والتعلم منها من الامور الملازمة لكل ناشط فى اي مجال لكن مبدأ النقد والنقد الذاتى يختلف مدلوله تحت ظل تجزئية الديمقراطية المركزية ، فالمعلوم ان النقد والنقد الذاتى هو عمل ابداعى وشاق وشجاع وهو التدريب الثورى الذى يؤهل الفرد لمواجهة مواطن ضعفه يهدف كشفها بذاته او مساعدة رفاقه حتى يستطيع التحرر من او القضاء على ذلك الضعف «لا اخفاءه» لتكتمل بناء الشخصية الثورية . وبهذا المعنى لا يكون النقد الذاتى منقصة بل مرحلة فى بناء الشخصية وتطورها . اما عندما يكون النقد الذاتى موازياً لتصييد الاخطاء وضعف الفرد ومادة لانتقاص الشخصية وابتزازها من ناحية وعربوناً للرشوة والفساد تنزيلاً وتصعيداً من ناحية اخرى فهى الكارثة التى اطلق عليها الفاتح الرشيد « السلوك الغريب» فضلاً من تحديد الخطأ ودراسته ومعرفة مسبباته لتماشى الوقوع فيه ، وبدلاً من النزاهة والتجرد فى الادلاء بالمعلومات والوقائع، تسود روح التبرير الزائف وهو الدرع الواقى منه .. انه الخوف من الوقوع فى مصيدة النقد الذاتى الذى يولد هذه الروح التبريرية بشكل بارع . وهكذا تهدر الطاقات الذهنية .. ويكون سوء الحكم والتقدير والمبالغات هى السمة العامة لتفسير كافة النتائج.
5- مع سعيه فى ان يصل مع جماهير الشعب السودانى لواقع افضل ، كان الحزب يسعى لجذب خيرة ابناء الشعب خلقاً وسلوكاً ومقدرات .. ومن بين استقلالية الفرع ونشاطه الجماهيرى يتم استكشاف ورصد المرشحين للعضوية اما مع تجزئية الديمقراطية وهيمنة تيار المركزية المطلقة وفساد قيادته .. الخ فالامر يختلف . فمع تبعية الفروع وفقدانها للاستقلالية ، يتقمص الفرع روح مركزه المزاجية بالانتقائية فى الترشيح والتزكية للعضوية الجديدة «المستلطفة» ويحل الكم والعدد محل النوع فى العضوية الجديدة. بل ان بعض القيادات الوسيطة واطراف فى المركز ابتدعت شكلاً للنمو الكاذب هو تماماً مثل «الحمل الكاذب» بتجميع «سواقط» الحزب الشيوعى التاريخيين من منتصف الستينيات او الذين اعلنوا توبتهم ايام حكومة نميرى او اعضاء الاتحاد الاشتراكى السودانى «السابقين» .. الخ تحت شعار استعادة العضوية .. وهذا يطلقون عليه فى التقارير «نمو العضوية» !!
وحقيقة الامر ان الخيرين من ابناء وبنات الشعب ، كل الاذكياء والمستنيرين والشجعان اصبحوا غير مرغوب فيهم . فتيار المركزية المطلقة يتحسب من خطورة هؤلاء فى مشاكسة القيادة نفسها .. «!» فاصبحت الاوضاع طاردة لهؤلاء وجاذبة لغير الاسوياء ..«!».
6- تمثل القيادات الوسيطة لحمه التنظيم والتي يتواصل بها المركز مع هيئاته الدنيا وقواعده وجماهير الشعب . ان اي خلل يصيب القيادات الوسيطة يؤدي الى ارتباك هذا التواصل ويعزل المركز عن قواعده . ان الديمقراطية المركزية تتوقف عن العمل فى غياب هذه القيادات . وتستشعر القيادات الوسيطة بحكم مواقعها كل مشاكل تجزئية الديمقراطية المركزية التى تم ذكرها ، وتشهد ضمور الحزب وضعف تأثيره وتعرف اكثر من غيرها ان الصفة الجماهيرية للحزب فى انزواء وتقلص انها تدرك كل ملامح ازمة التجزئية وتعلم يقينا بمبررات المركز لها. والقيادات الوسيطة عند تجزئية الديمقراطية امام خيارين:
الاول: غسل الايادي والاكتفاء بالصمت والانزواء.
الثاني: ان تجعل من نفسها مراكز لمعالجة التجزئية فى محاولة منها للتضامن مع قواعد الحزب والتواصل مع جماهيرها وجماهير الحزب . وهذه المراكز حتى اذا كانت بمشاركة افراد من المركز ستهدد فى النهاية وحدة الحزب.واستمرار هيمنة تيار المركزية المطلقة يعتمد على «تبرير الاخطاء» و«توهم اوضاعه المخاطر» بما يبرر مصادره الديمقراطية فى الحزب واتخاذ الاجراءات التنظيمية بديلاً للنقاش والصراع الفكرى لمعارض سياساته انه يجعل الحزب فى حالة حرب دائمة مع اعداء حقيقيين او متوهمين او بالمبالغات فى الواقع:
خطر الاختراق ، خطر الاستهداف ، خطر الانقسام ، اما الخطر الجديد فهو خطر استمرار الحزب الشيوعى بعد خروج القيادة وانزال لوح الماركسية وتغيير اسم الحزب.
وبسبب اختلال نظم الحزب وغياب الديمقراطية وتجزئتها فان اي «فرد» من القيادة هو «الحزب» امام الهيئات الادنى التى يباشر قيادتها بالاشراف «ومن الامثلة العملية: صدور قرار بقيام انقلاب عسكرى» وعدم معارضة قيام انقلاب عسكرى ، والامتناع عن المشاركة فى اضراب عام ..» الخ.
والحل هو فى التئام شقى المبدأ .. وازالة التجزئية التى لن تتم الا بازالة هيمنة تيار المركزية المطلقة او خروجه من الحزب كما هو متوقع ، وانعقاد مؤتمرات متتالية .. ونواصل الجزئية قبل الاخير ببيان اثر الممارسات الخاطئية لمبدأ الديمقراطية الديمقراطية على التنظيمات الديمقراطية

No comments: