Thursday, March 5, 2009

عمال البريد وقرار المجلس الوطني رقم (9)

عمال البريد وقرار المجلس الوطني رقم (9)
محمد علي خوجلي

صحيفة الخرطوم الخميس 12 فبراير 2009
علاقة هيئة البريد والبرق وعمالها بأجيال السودان القديم فوق الوصف . . حيت ارتبط عمال وموظفي البريد بالنضال الوطني منذ الجمعيات السرية وثورة 1924من اجل الاستقلال وحركة التقدم . . وانتشرت احياء "لبوستة" في كثير من مدن السودان من بعد اقامة مصلحة إلبريد والبرق 1916. ويبدأ حي البوستة دائمأ بمنزل وكيل البوستة وموظفيها. هكذا كان الامر في أم درمان وبورتسودان والأبيض وجوبا. . الى اخر. وذلك يعني اندماج عمال البريدفي المجتصعات وللاندماج معانيه ودلالاته .
وبرز من عمال البريد وموظفي البوستة نقابيون يشار لهم بالبنان ، نتوقع ان يتضمنهم جميعا مشروع صديق الزيلعي الرائد، من نماذجهم : حسن قسم السيد وأمين السيد ومحمد احمد طه وبخاري محمد بخاري الذي مثل اتحاد الموظفين في مجلس الشعب القومي لدورتين ني الحقبة المايوية . أما النقابي عبد الجواد - من أهالي حلفا - فقد كان من نقابيي البوستة في جنوب الوطن وهو الذي ارسل بشأنه مسؤول بوليس عطبرة عصمت معنى برقيته الشهيرة لمدير البوليس في جوبا بعد اعتقال عبد الجواد في عطبرة والتي جاءت : (قبضنا على الجواد الذي ظل يطاردنا. .)
وأول فنان مبدع انبتته مصلحة البريد هو خليل افندي فرح ومن بعده آخرون منهو صلاح مصطفى. . وشعراء موهوبون ستظل اثارهم باقية : مصطفى سند ومحمد يوسف موسى وعبد الله النجيب وآخرون . . ومحامين منهم الاستاذ سيد علي طه كدفور واعداد من الثوريين من نماذجهم السر الناطق وعباس محمد الطاهر. . ولا مجال لمزيد من الرصد لكن لابد في نهاية هذه الافتتاحية ان نذكر ان أول طابع بريد صدر في السودان كان في العام 1902في بربر وحمل صورة اول ساعي بريد سوداني على عهد التركية : الشاعر ابراهيم الفراش وهو على ظهر الجمل والذي كان مسؤولأ عن بريد: كرسكو، مصر والشام وسواكن - الجزيرة وحضرموت .
وبعد فقدان قوة الفعل ، من صفاتنا القديمة بسبب (التجديد وما ادراك ما إلتجديد) والقيادات التي فرض عليها الزمن طريقا واحدأ في معالجة قضايا العمال ، الجودية والاتفاقيات . فلا املك إلا مواصلة العزف المنفرد، أو كما يقولون (!) واضيف ، واحيانأ العزف السري كما يفعل عمرو في مسلسل (الحلم الضائع ) -4. فمن حق عمال البريد علينا ان نقول كلمة في حق اكثر من ألف عامل غادروا واكثر من ألف يغادرون اليوم نحو المجهول بسبب قطار الخصخصة السريع الذي صادقت على مساره معظم القوى السياسية حاكمة ومعارضة ومن بينها (حزب نقد الماركسي) الذي يجب ان يتعاون مع العمال . . .(!)
كشف الغاء الوظائف في البريد والبرق نهاية فبراير 2009يضم اكثر من الف عامل وسبقته كشوفات في 1995و1997ومارس 2004، وعمال البريد وهم منزوعو السلاح يجهلون مصائرهم ولا يدركون نتائج مذكرة نقابة العاملين أوموقف اتحاد نقابات عمال السودان من مطالبهم العادلة ومن المعلوم أن رئاسة مجلس الوزراء مقيدة بالموافقة الرسمية لاتحاد النقابات ففي 25مارس 1996إصدرت إلامانة العامة لمجلس الوزراء خطابأ واضحا يحدد ان قرارات الغاء الوظائف مرتبط بموافقات صناديق المعاشات والتأمينات ووزارة المالية واتحاد نقابات عمال السودان
لحماية حقوق العمال وسرعة الحصول عليها وعلى ذلك فان مطالبات عمال البريد تتحول مباشرة إلى اتحاد النقابات باعتباره الجهة المنوط بها حماية حقوقا لعاملين


ولا ننسى ما ظل يكرره قادة اتحاد النقابات
- لن يفصل عامل بعد اليوم (بعد الغاء مادة الفصل للصالح العام في قانون الخدمة)
- لن يفقد عامل وظيفته بسبب الخصخصة ويستوعب العمال في المنشأة الجديدة.
- أي عامل يفقد وظيفته ولم يستوعب في المنشأة الجديدة: يتم ايجاد وظيفة أخرى له أو يصرف مرتبه الى حين بلوغه سن التقاعد القانوني.

وفي الممارسة لا شئ يحدث من تلك الوعود. وما بين تصريحات قيادات اتحاد العمال الوردية وشجب واستنكار القوى الأخرى للخصخصة العشوائية تضيع حقوق العاملين ويتنزل العقاب على افراد العائلات ألوانأ، ومن بين معذبي الخصخصة اطفال المدإرس وتلاميذ الثانويات وطلاب الجامعات (ذكورأ واناثا) ويضطر كثيرون لترك مقاعد الدراسة وبعضهم يختار العمل والدرس معأ فتعرفنا على الطلاب العمال والطالبات العاملات الشريفات والماجدات .
ان العاملين بالبريد والبرق لم يتقدموا باستقالات عن العمل وكان من المتصور استمرار خدماتهم حتى بلوغ سن التقاعد القانوني أو الوفاة أو العجز. . ورتبوا إمور حياتهم على هذا النحو ومع اخراجهم قسرأ من وظائفهم بالالغاء من الطبيعي ان تلحق بهم اضرار مختلفة الاشكال وفي نفس الوقت لا يوجد نظام للتأمين ضد البطالة قد يوفر لهم الحد الادنى والمؤقت من الدخل حتى الحصول على رزق جديد. . ولا تعمل الدولة بنظم المساعدات الاجتماعية . . فماذا يفعل فاقدو الوظائف ؟. . وسوق العمل أصبح من الصعوبة الحصول على وظيفة فيه ، خاصة بعد بلوغ سن الخمسين ، والسوق يفيض بالعطالة والخريجين غير الدستوعبين والعمالة الاجنبية رخيصة التكلفة لأنها مهدرة الحقوق .
ثم كان قرار المجلس الوطني رقم (9) في جلسة المجلس رقم (13) من دورة الانعقاد الرابع بتاريخ 8مايو 2007والذي جاء فيه :-
اعداد وتصميم برنامج لاعادة تأهيل المحالين للتقاعد جراء الخصخصة والغاء الوظائف حتى يستطيعوا المواكبة .
تفعيل وتمويل صندوق المتأثرين بالخصخصة والغاء الوظائف الذين لم يتم تعويضهم وذلك عبر لجان تشكل بواسطة مجلس الوزراء يمثل فيها المتأثرون بالخصخصة والغاء الوظائف .
الذين تمت احالتهم بسبب الغاء الوظيفة أو الخصخصة ولم تسو لهم حقوقهم التعويضية والمعاشية يجب سدادها لهم فورأ من وزارة المالية .وها نحن نقترب من العام الثاني من بعد القرار رقم (9) ولم ينفذ شئ من برنامج التأهيل ولا تفعيل صندوق الخصخصة ولا تمويله . . إلى آخر الدخان الذي غطى الفضاء العريض (:) ويكون سليما موقف نقابة عمال البريد عندما تحفظت على تاريخ الغاء الوظائف من قبل الاتفاق على حقوق العاملين فالتجربة اكدت – بقرار المجلس الوطني رقم (9) ان هناك عمالأ الغيت وظائفهم دون حقوق تعويضية ومعاشية لاكثر من عشر سنوات .
وصندوق دعم المتأثرين بالخصخصة كان يمكن ان يكون سندأ للعمال وتجربة فريدة في غياب نظم المساعدات الاجتماعية وتأمين البطالة لكن الحقيقة انه مجرد فكرة ومن بعد أول خطوة خطاها توقف نهائيا. وتراكمت مساهمات الحكومة على الورق بأكثر من اربعين مليارأ ثم تحول الى شكل من اشكال الالتفاف حول المعايير الدولية التي تحكم الغاء الوظائف وصندوق دعم المتأثرين بالخصخصة اصبح هو نفسه في أمس الحاجة إليها .
والعمال الذين يفقدون وظائفهم يحتاجون للعون القانوني الذي يمكنهم من استرداد بعض حقوقهم وليس هناك من يمد الأيادى. فقرار المجلس الوطني رقم (9) لم ينفذ فما هي الاجراءات المطلوب من المستفيدين اتخاذها؟ وقوانين الخدمة لا يتم التقيد بها فإلى أين يتجه العمال ؟ فالنائب الاول لرئيس الجمهورية (مايو 99) وجه بحسب خطاب السيد وزير رئاسة مجلس الوزراء بانه يجب :-
الالتزام بقوانين ولوائح الخدمة بالنسبة للاحالة للتقاعد او الغاء الوظائف .
وعلى الامانة العامة لمجلس الوزراء التأكد من سلامة الاجراءات قبل اصدار القرار، قرار الغاء الوظائف وذلك بالتأكد من موافقة ومشاركة كل الاطراف المعنية .
والمذكرة التفسيرية لقانون الخدمة العامة أكدت :-
"أن الوظيفة العامة تعبر عن حاجة معينة . وعلى ذلك فلم يترك انشاؤها أو تغييرها أو الغاؤها لمجرد التصرفات الرئاسية لما قد يشوب تلك التصرفات من انطباعات ذاتية بعيدة عن المصلحة العامة . ولكن ربط ذلك بالضوابط العلمية والحاجة الموضوعية . وعليه فاذا دعت الضرورة التنظيمية عدم الحاجة للوظيفة وتم الغاؤها فيتم انهاء خدمة شاغلها. ويلاحظ ان تعيين أو اعادة تعيين أي شخص في الوظيفة الملغاة يعد تعسفا في استعمال السلطة وتنهض دليلا على عدم موضوعية سبب الالغاء . ولعل هذه المذكرة توضح ان انهاء خدمة الموظف أو العامل بسبب الالغاء الموضوعي للوظيفة لا يعني عدم امكان الاستفادة منه في وظيفة أخرى متى ما توافرت لذلك الاسباب والمبررات . ." وفي كل يوم نجد عشرات نماذج التعسف في استعمإل السلطة (الخطوط الجوية السودانية نموذجأ) ولا نجد من يمد الايادي للعمال الضعفاء. . ان العمال فاقدي الوظآئف ليسوا في حاجة الى قرارات أو نصوص اضافية في القوانين
الوطنية والاتفاقيات الدولية بقدر حاجتهم الى كيفية تنفيذ القرارات والنصوص السارية .
ومطالب عمال البريد والبرق في الطريق لالغاء وظائفهم هي استحقاقات قانونية وهي:
أولأ: الاتفاق على استحقاقات الفصل قبل استلام خطابات الغاء الوظائف وهذا من حقوقهم القانونية بحسب الاجراءات التي من المفترض أن تتقيد بها رئاسة مجلس الوزراء.
ثانيا: ا- تضمين الزيادات (البدلات والعلاوات ) للمرتبات قبل حساب الاستحقاقات وهو حق قانوني.
2- التعويض عن الفصل وهو ايضا من الاستحقاقات القانونية .
3- تنفيذ الترقيات ا~يدة خلال السنوات العشر الاخيرة قبل حساب الاستحقاقات وهو حق قانوني.
4- مراعاة شروط استحقاق المعاشات (الجديدة ) بعد ا/2004/4م .
والتعويض عن الفصل بسبب فقدان الوظائف للخصخصة والغاء الوظائف اقره صراحة القرار رقم (9) للمجلس الوطني القومي. وطبق في الممارسة تحت مسميات مختلفة (بند الاحسان ) و(منحة الوزير). . الى آخره لكن كل الجهات تفادت ان تطلق عليه اسمه الحقيقي: التعويض عن الفصل (:) ومعظم المخدمين بما فيهم الحكومة لجأت لانهاء الخدمات بالتراضي بما يمكنهم من حل مشاكلهم بعيدا عن قانون العمل الذي تم تصميمه قبل انطلاق السياسات المالية والآقتصادية للدولة وقطار الخصخصة السريع فقانون العمل لا يرتب أي تعويض في حالة الغاء الوظيفة بما يخالف الاتفاقيات الدولية والدستور المؤقت . . بل وجدنا في الممارسة ان ادارة العمل بولاية الخرطوم عندما رتبت لالغاء وظائف اعداد من سائقي العربات بخدمتها دخلت معهم في تفاوض من نتائجه الاتفاق على تعويض نقدي موحد الى جانب استحقاقات نهاية الخدمة القانونية وعمال البريد يستحقون ان يتم الاتفاق معهم حول التعويض عن الفصل موحدا أو بحسب مدة الخدمة ومستوى الاجر.
ان افظع اخطاء القوى السياسية المعارضة انها صورت زيفا لآلاف المفصولين ان انصافهم رهين بزوال الانقاذ، وان الذين الحقوا بهم الاضرار لن يرفعوها. . . إلى آخره وان الذين يقتربون من اتحاد نقابات عمال السودان انما هم عملاء للموتمر الوطني (!) أو من الذين انكسروا (!) إلى آخر الترهات والابتزاز السياسي في حين ان قيادات من القوى السياسية المعارضة منحت نفسها حق الاجتماع واكل الملح والملاح مع كل قيادات واجهزة الحكومة ولم تؤجل قبض التعويضات النقدية حتى زوال الانقاذ. . فلماذا يطلبون من العمال الانتظار حتى الموت جوعأ؟!
واليوم ، متى انتظم العمال المتأثرون بالخصخصة والغاء الوظائف واقاموا روابطهم وجمعياتهم فانهم يستطيعون بالتضامن اسرترداد حقوقهم القانونية واذا كان ثمة كلمة اخيرة للعاملين بالبريد وإلبرق فإنه يجب عليهم الاعتماد على أنفسهم أولأ وأخيرأ بوحدتهم وتنظيم صفوفهم التي تجمع الذين فقدوا وظائفهم والذين في الطريق وان يوجهوا جهودهم نحو اتحاد نقابات عمال السودان ووزارة العمل ورئاسة مجلس الوزراء فهم اصحاب الحل والعقد حتى يقضي الله أمرأ كان مفعولأ. .

No comments: