Tuesday, November 11, 2008

علاقة جبهة أحزاب المعارضة بمكونات الساحة السياسية (1-2)

علاقة جبهة أحزاب المعارضة بمكونات الساحة السياسية (1-2)
محمد علي خوجلي
لا نحتاج لاثبات حقيقة الانتفاع من تجارب الماضي. والحاضر هو نقطة التقاء حي بين تجارب الماضي وبرامج المستقبل. والانتفاع يكون بالتعلم لا النقل. فالواقع يتغير على الدوام. ولكل زمان رجاله.
والتحالف والتعاون والتنسيق بين الأحزاب السياسية الوطنية حول قضايا مختلفة امر طبيعي. وأساس التحالفات السياسية المؤقتة (التكتيكية) ان يكون من أجل اهداف وطنية مطروحة في الساحة السياسية. ونحن نفرق بين اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية والتحالفات السياسية ذات السمات الوطنية والديمقراطية حيث نلاحظ خلطاً مروعاً عبر عنه بعض القادة السياسيين ومن ذلك ان التجمع الوطني الديمقراطي (المعارض) تنظيم استراتيجي يبقى ما بقيت الحياة السياسية السودانية(!).
ومع الذكرى الرابعة بعد الاربعين لثورة اكتوبر 4691م وجدت مهماً استعادة واحد من دروسها العديدة الثمينة: علاقة جبهة احزاب المعارضة بمكونات الساحة السياسية السودانية. وسبب الاهتمام ان اقساماً من قادة المعارضة الثوريين والطائفيين يحاولون نقل تجارب الماضي ـ في النشاط العملي ـ من غير هدي ودون اعتبار لتباين الظروف واختلاف الاهداف، ومتغيرات الساحة السياسية. واعتقد ان ذلك يعود لأمرين:
الأول: ان قيادات الزمان الماضي، هم في معظمهم قيادات الحاضر ويرتبون ايضا ليكونوا قيادات المستقبل في ذات الوقت الذي يتم فيه حرمان الشباب من تعلم دروس الماضي وبالذات تجارب النشاط العملي.
الثاني: ان بعض قيادات الأحزاب السياسية الثورية المعارضة تعتقد خطأ ان مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تغيرت طبيعتها. والحقيقة ان ارتباكها الفكري وفقدانها للاتجاه هو سبب هذا الاعتقاد حيث لم تستوعب ان المرحلة الثورية لم تتغير طبيعتها الوطنية الديمقراطية بل تغير توازن القوى في السودان وتغيرت مكونات الساحة السياسية مثلما تغيرت الظروف الاقليمية والدولية.. ومن ثم اسقطت الاجابة على السؤال: كيف يتم اقامة اتحاد القوى الوطنية ببرنامج الحد الأدنى في ظل الواقع الجديد؟ وبالطبع فان ذلك الاتحاد لابد ان يقوم باشكال ووسائل وادوات جديدة وقيادات جديدة،ولا اقصد بالقيادات الجديدة القيادات من الشباب التي استنسخها قادة الماضي(!).
قاد العمال والمزارعون والطلاب وصغار التجار من خلال تنظيماتهم الشعبية والجماهيرية ومعهم احزاب سياسية معارضة مقاومة مشروع المعونة الامريكية في السودان وكان اضراب 12 اكتوبر 8591م حدثا مهماً حيث انتظمت الاضرابات والمظاهرات معظم المدن السودانية ويهمنا في التجربة ان الجماهير في المدن المختلفة ابتدعت الهيئات التنسيقية لا الاجسام التنظيمية ومن بين خطوات التحضير والتنفيذ جاءت القيادات التي نسفت اعمال الاضرابات والتظاهرات ذات الهدف الواحد: اسقاط المشروع الامريكي. وعرفت تجربة العمل الجماهيري هيئات التنسيق من بعد ذلك مع اضرابات سكان المدن خلال الحقبة المايوية وذات هذه الاجسام اقامتها الجماهير من تلقاء نفسها دون رعاية من أي حزب معارض لحكومة مايو في 5891م والتي ايضا كان هدفها واحداً، اسقاط نميري.
ومقاومة الجماهير للمشروع الامريكي في 8591م كادت ان تبلغ مرادها، حيث انعزلت حكومة المعسكر الموالي للاستعمار الحديث بقيادة حزب الامة في مطلع نوفمبر 8591م، وبدأ اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية يقوى (من دون جسم تنظيمي وبلا ديباجة أو هيكلة!!) فلم تحتمل قوى اليمين الهزيمة التي احاطت بها، وضربها اليأس فاستبدلت الصراع السلمي بالعنف والانقلاب العسكري بتسليم قيادات حزب الامة السلطة السياسية لقيادة الجيش.
وأبان التقرير السياسي للمؤتمر الرابع لحزب الشيوعيين السودانيين (7691): ان النظام العسكري في 8591م دعم مواقع اليمين في البلاد، في اجهزة الدولة. والمصالح الطبقية للفئات اليمينية بقيادة حزب الامة بقيت ولم تمس في مراكزها بل على العكس نصب الحكم العسكري نفسه حاميا لها. وقويت مراكز اليمين بين قطاعات الصناعة والدفع الرأسمالي. ونتيجة للارهاب الشامل الذي وجه نحو قوى التقدم نمت مراكز يمينية جديدة بين حركة الجماهير وخاصة الطلاب. وفي كل هذه المواقع كانت تعمل عناصر من اليمين تحت حماية الحكومة بينما الحركة الثورية تدفع بطاقاتها حماية لبقائها. وهذا الوضع هيأ ظروفا افضل لقوى اليمين لتعيد تنظيم نفسها سريعا (وهو ذات ما حدث خلال حقبة مايو 9691 ـ 5891 وهو الذي ساعد حزب الحركة الاسلامية ـ الطليعة ـ في احراز مواقع متقدمة في الانتخابات عقب الانتفاضة).
والساحة السياسية السودانية والى ما قبل انقلاب 8591م كانت تتكون من الأحزاب السياسية الوطنية، والفئات الاجتماعية بتنظيماتها الشعبية وادوات نشاطها الجماهيري والتجمعات القومية وبالذات في جنوب الوطن. اما الجيش فقد دخل الساحة السياسية لاول مرة منذ ثورة 4291م مع انقلاب نوفمبر 8591م. ووجد الجيش كأحد مكونات الساحة السياسية اهتمام الاحزاب السياسية فشهدنا المحاولات الانقلابية ضد حكومة عبود وحتى تمرد اقسام من الجيش خلال ثورة اكتوبر 4691م ورفضها ان تكون اداة في يد السلطة السياسية الحاكمة. ومعلوم بعد ذلك ما جرى من انقلاب مايو 9691م والانقلابات المضادة له حتى الانتفاضة.. الى آخر. وخلال تلك السنوات لم يتوقف سعي الأحزاب السياسية لتغيير التركيبة الاجتماعية للجيش بهدف تحويله الى اداة حزبية بالتجنيد الحزبي للجنود والضباط.
وفي مقاومة الحكم العسكري الأول 8591م ـ 4691م ساهمت كل مكونات الساحة السياسية، ونذكر انه مع قيام الانقلاب وجد معارضة الحزب الشيوعي وحده وباركته الاحزاب السياسية الاخرى حتى 9591م عندما تكونت (جبهة احزاب المعارضة) في كافة الاحزاب. ويهمنا في التعلم من التجربة ان العمل المعارض للحزب الشيوعي مع مكونات الساحة السياسية ظل متقدا قبل قيام جبهة احزاب المعارضة. وتوصل الحزب الشيوعي في 1691م لوسيلة الاضراب السياسي العام كأداة لاسقاط النظام وطرحها داخل جبهة احزاب المعارضة لمرتين ورفضت مما دفعه للخروج من جبهة احزاب المعارضة 3691م ورأى التوجه المباشر نحو مكونات الساحة السياسية والتي من بينها قواعد جبهة احزاب المعارضة على أساس ان التحضير للاضراب السياسي وتنفيذه ونجاحه رهين بالقوى التي تنفذ الاضراب لا قيادات جبهة احزاب المعارضة. وهذا ما حدث فعلا، ونتعلم ان قوة المعارضة تكمن في استجابة مكونات الساحة السياسية لبرنامجها الواضح وليس في اقامة جبهة لقيادات الأحزاب المعارضة.
وانسحاب الحزب الشيوعي من جبهة احزاب المعارضة ليس كما يشيع اعداؤه انه بسبب المهادنة استجابة لنصح السوفيت ولكن لان الحزب استهدف سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية فالحزب لم يركب موجة الثورة بل قاد مع الجماهير التحضير للثورة حتى النصر بدلالة تكوين حكومة اكتوبر ومن كل مكونات الساحة السياسية وكانت قيادات جبهة احزاب المعارضة اضعف الحلقات وان تكون الفئات الاجتماعية العمال والمزارعون والمثقفون الثوريون وخاصة المهنيين هو الذي نظم واعلن وقاد الاضراب السياسي العام ودعمته اقسام من الجيش وجاء دور جبهة احزاب المعارضة مع المفاوضات لتكوين الحكومة. وتكرر السيناريو مع نهاية الحكم العسكري الثاني 5891م مع الفارق في موقف قيادة الحزب الشيوعي فهي في 4691م قادت عمليات التحضير للاضراب السياسي وساهمت في تكوين جبهة الهيئات اما في 5891م فكانت ضد الاضراب السياسي العام واعتبرت التجمع النقابي تنظيما امنيا.
وتجربة جبهة احزاب المعارضة في الحكم العسكري الاول والثاني اكدت تخلفها عن الاحداث وابتعادها عن العمل اليومي الصبور والدؤوب ولذلك ظلت خلف حركة الجماهير ومع ذلك تنظم صفوفها وتنقض على السلطة السياسية وتنقلب على مكاسب الجماهير كما حدث بعد 4691م و5891م. واثبتت التجربة ان قوى اليمين في الحكم او المعارضة لم ولن تبدل اهدافها ولكن تغير اساليبها ووسائل خداعها واكثر ما تخشاه النشاط المستقل لمكونات الساحة السياسية ولذلك فهي تعمل على:
? عزل القوى الثورية عن مراكز النضال الجماهيري بقوة القانون او تحويل قيادات ثورية نحو اليمين.
? الهيمنة على النقابات والاتحادات والتنظيمات الشعبية وحتى جمعيات ربات البيوت.
? تحريم او عرقلة نشاط المنظمات الديمقراطية وادوات عملها الجماهيري.
? استعمال العنف المادي والمعنوي.. الى آخر.
الاضراب السياسي كان الاداة الرئيسية لانتصار ثورة اكتوبر في ازالة الحكم العسكري وان تلك الفعالية جاءت نتيجة لشموله لمراكز الانتاج الاساسية بين القطاع الحديث وكما يتعلم الثوريون من تجاربهم فان قوى اليمين وطليعتها الرأسمالية الجديدة مثلما تتعلم ايضا الرأسمالية الدولية التي تخلت عن مناهجها القديمة بجعل بعض من قيادات احزاب سياسية وطنية تحت خدمة مصالحها وجددت مناهجها باختراق الفئات الاجتماعية التي تتكون منها الاحزاب كافة ولذلك جاء دعمها ومساندتها وتمويلها للجمعيات والمنظمات التي تقيمها تلك الفئات.
والحكومات العسكرية والانظمة الشمولية تنبهت لمكونات الساحة السياسية ولذلك فانها في كل مرة تحتاج لاستقرار حكمها تتجه نحو الفئات الاجتماعية، بالاصلاحات اليمينية او القمع (العصا والجزرة) وتلك الحكومات لم تكن تقنع بحل الاحزاب السياسية وتحريم نشاطها او اضعافها لعلمها يقينا ان الاحزاب السياسية هي جزء وليس كل الساحة السياسية بل ان جماهير العاملين هي التي ظلت تتحمل اعباء الهجوم والقمع لاربعين سنة ويزيد ولا تطالب قيادات احزاب جبهة المعارضة برد حقوقها ولكنها تتمسك برد حقوق الاحزاب السياسية وتعويضها عدا نقدا وهدف الهجوم سواء من جهة الحكومة او المعارضة اليمينية هو اضعاف تلك القوى وابطال قدراتها الثورية وقتل روح النضال وقسمة صفوفها وهذا ييسر المساومات.
وقيادات جبهة احزاب المعارضة وهي تعمل لاقامة (مركز واحد) و(تنظيم مركزي) في الحقبة الراهنة فانها تهمل عمدا مكونات الساحة السياسية ومتغيراتها ومن ذلك الجماهير في القطاع التقليدي التي عبرت عن تطلعاتها بالخروج من مؤسساتها القديمة منذ 4691م، واتجهت نحو النشاط المستقل وعلمت ابناءها واقامت تنظيماتها ومنها من وقع اتفاقيات مع الحكومة دون قيادات جبهة احزاب المعارضة. وتوجد بالسودان اليوم ست وعشرون حكومة، ولا حكومة واحدة، بدساتيرها وهذا من المتغيرات.
------

No comments: