Tuesday, November 11, 2008

عدم المساواة في الرواتب والأجور والموازنة الجديدة

عدم المساواة في الرواتب والأجور والموازنة الجديدة

الرشوة هي مقابل اتخاذ قرار أو عمل أو عدم القيام بعمل ويرتبط بذلك مباشرة الابتزاز عندما يطلب المسؤولون الدفع، أكثر ممارسات الفساد انتشاراً، وبحسب منظمة الشفافية الدولية فإنها تغلغت في الحياة العامة.. وهي ممارسات لم تكن مألوفة لأفندية السودان القديم من اسكيل k وحتى الدرجة الأولى. وكانت الاختلاسات والرشاوي من العيوب الكبيرة وعندما تحدث تتناقلها المجالس .. ولا يتعاطف احد مع مرتكبيها .. فهل كانت تلك القيم لعدالة الرواتب والأجور ام انه لكل زمان اخلاقه..؟! العام 2008م، شهد الارتفاع في اسعار النفط وارتفاع اسعار السلع والخدمات وتآكل دخول العاملين حتى بادرت كثير من الحكومات بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات الا حكومة السودان! ثم من بعد ذلك تفجرت ازمة الرأسمالية المالية وبدأ تحول اسعار النفط نحو الانخفاض وفي الحالتين حافظت نسبة التضخم في السودان على حالتها من رقمين بعد ان كانت آحادية في العام 2007م، وقام تنظيم القوى السياسية المعارضة لمناهضة غلاء الاسعار بمطلب واحد الغاء الزيادات او .. وطالب العاملون بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات ورد عليهم (معارضون) بتركيز الأسعار حيث نصح اقتصاديون بعدم زيادة الأجور حتى لا ترتفع معدلات التضخم، وهناك من لا يأملون في الميزانية الجديدة لاعتمادها على عائدات النفط التي تتراجع ايراداته.. والواقع يفيد بان الزيادات في الأسعار لم تلغ، وتركيز الأسعار لم يعمل به (!) ونسبة التضخم لم تتأثر وتظل زيادة الأجور ورفع المعاشات مطلباً عادلاً.. وهذا المطلب العادل، قد يعارضه انقاذيون رسميون او مستترون وقيادات نقابية انفصلت عن قواعدها.. فإذا كان اتحاد العمال قد استبعد المطالبة بزيادة الأجور من الزيادات العالمية بسبب عجز موازنة الدولة فمن غير المستبعد ان يرفع مبررات جديدة هي قديمة: ان زيادة الاجور تؤدي الى زيادة مصروفات الحكومة الجارية، وتخفض الادخار الحكومي والاستثمار وتزيد نفقات الحكومة.. الى آخر وندع كل هؤلاء ونطالب بزيادة الأجور والرواتب وايضا توخي العدالة في زيادتها وفي موضوعنا ، نستبعد عدم المساواة بسبب الجنس، فالمساواة في الأجور بين الرجال والنساء في السودان متوافرة خاصة للعاملات بالحكومة حيث ازيلت آخر اوجه عدم المساواة بالنسبة الى (علاوة الاطفال)، و(البديل النقدي). ونجد عدم المساواة في القطاع الخاص وبالذات المصانع الصغيرة حيث تقل أجور النساء العاملات والعمالة الأجنبية عن العاملين من الرجال (!) .. بل ولا يتم التقيد هنا بالحد الأدنى للأجور ويفتقد العمال الحماية الاجتماعية ولم يسمعوا حتى اليوم بالتأمين الاجتماعي الشامل.. هو عالم منفصل لا يعترف بساعات العمل القانونية ولا اية حقوق اخرى ونترقب مشروع قانون العمل بولاية الخرطوم لمعالجة هذه الأوضاع. ورغم ذلك فإن حال النساء العاملات في السودان افضل من حال النساء في هولندا (من الدول المانحة لمراكز الحقوق في السودان)!! حيث لايزال الرجال يتقاضون اجورا أعلى من النساء بحوالي 20% ويرى البعض ان ذلك يعود لأن نساء هولندا في طليعة العاملات اللاتي يعملن في العمل الجزئي والمؤقت بما يشكل عائقا رئيسيا للصعود في السلم الوظيفي وهولندا ليست وحدها، ففي كل دول الاتحاد الاوربي تزيد اجور الرجال على النساء بنسبة 15% ، اما بلجيكا فهي الأفضل 7% والسياسيون في دول الاتحاد الاوربي يعتبرون هذا الموضوع من اختصاص النقابات المهنية وأصحاب الأعمال ، فالسياسيون لا يشغلون أنفسهم بذلك.. وكشف اتحاد العمال في السودان ان الزيادة المقترحة في رواتب العاملين من قبل المجلس الأعلى للأجور في الموازنة الجديدة بلغت 30% وطالب رئيس الاتحاد وزارة المالية بتنفيذها ! ولا نعلم كيف توصل المجلس الى نسبة الـ 30%، وهل تم قياسها على تكلفة المعيشة ام نسبة التضخم ام معدل نمو الانتاج المحلي ام على مستوى الفقر (حد الكفاف)؟ وهل سيتم احتساب الزيادة على الراتب الأساسي (الابتدائي) ام الأجر الأساسي ام الأجر الاجمالي؟! حيث اننا لا نزال نذكر اعلان الجهاز المركزي للاحصاء بان متوسط الانفاق السنوي للاسرة بالبلاد بلغ حوالي 14.300 ج.س والذي يعادل شهريا حوالي الف ومائتي ج.س. مع ذلك ندعم اتحاد العمال في مطالبته لكننا نثير انتباه الجميع ان النسبة الموحدة للزيادة تكون لصالح العاملين الأعلى دخلا مع ان المطلوب ايضا مراعاة رفع مستوى العاملين قليلي الدخل بما يسهم في مكافحة الفقر للعاملين في أدنى سلم الرواتب من جهة وتوخي العدالة والانصاف والمساواة من جهة اخرى.. واصدر ديوان شؤون الخدمة بولاية الخرطوم المنشورين 3 و 4 لسنة 2008م، حيث قضى الاول بزيادة بدل الترحيل للعاملين بوحدات ولاية الخرطوم واختص الثاني بتعديل فئات بدل السكن (الفئة الأعلى 122.3 ج بزيادة 47.355ج والفئة الأدنى 20.38 بزيادة 7.88ج على ان ينفذ المنشور اعتبارا من 1/9/2008م. وهذا يدفع بنا مباشرة للطرق على المتغيرات التي حدثت في نظام الأجور في السودان وهي التي تكرس عدم المساواة في الرواتب والأجور. فالراتب الأساسي الذي كان متعارفا عليه اختفى حقيقة ، ويطلق عليه الآن (المرتب الابتدائي) وظهرت مفردات (الأجر الأساسي) و(الأجر الاجمالي) .. الى آخر.. وذلك بسبب وجود نظامين للأجور في السودان، فالمعمول به (زمان) هو الهكيل الراتبي الموحد والمحترم والراتب الأساسي محل الاعتبار والدراسة المستمرة: الوصف الوظيفي ، المسؤوليات، الواجبات، الدرجات، المقابل المالي للدرجة ومداخل الخدمة الى آخر ما كان يتقنه الاختصاصيون في ديوان شؤون الخدمة. ولا يزال لدينا هياكل راتبية متوازنة على شكلها لكن مضى الوقت وقيام النظام الثاني للأجور أفرغها نهائيا... وميلاد النظام الثاني بدأ مع معالجه بمطالبة كل فئة لزيادة الأجور بتخصيص بدلات لها ، اي بدلات لمعالجة الانخفاض في الرواتب حتى اصبحت العلاوات الخاصة والبدلات والمكافآت والحوافز نظاما ثانيا للأجور خارج الهيكل الراتبي واكثر سخاءً منه... وتطور الامر رويدا رويدا فجاءت (المظاريف النقدية) .. وبالنسبة للتفاوت بين اقل الدخول واعلاها ، فلا يختلف اثنان ان كل دول العالم تعرف مثل هذا التفاوت ولكن عندما يتعلق الامر بعائد العمل (لا الثروة) وعندما يكون المخدم واحدا هو الدولة ، فإن هذا التفاوت يجب ان يكون معقولا، ان اعلى الاجور وادناها لم يعد معتمدا على الهيكل الراتبي بل على نظام الاجور الآخر، كنظام رئيسي. بل اننا نجد التفاوت بين العاملين على نفس الدرجة وفقا لوجودهم في وزارة او مصلحة او ديوان او ادارة دون أخرى، ومرات داخل نفس المنشأة، واصبحت الموارد المتحققة في بعض قطاعات من الدولة حكرا على العاملين بها. ونتيجة وجود نظامين للأجور يعملان سويا هي توفير مزايا ضخمة لأقلية (محظوظة او مقربة) في حين تعيش الاغلبية الساحقة في بؤس شديد.. وقد ادى التوسع في منح البدلات والمكافآت وحوافز اللجان والظروف النقدية الى ربطها بصميم المال العادي للمستخدم بحيث اصبح الراتب الاساسي والأجر بالهيكل الراتبي اشبه بالحق المكتسب ولا يهتم بأمره احد. فمن الحوافز المقررة لاعضاء المجلس الوطني القومي المحترمين مثلا (حافز حضور الجلسة) حوالي ثلاثة آلاف ج.س فقط اي اكثر من الحد الأدنى لمعاشي التأمينات الاجتماعية للمعاش في الشهر وفي النهاية نجد ان المستخدم لا يقوم بأي عمل من اعمال وظيفته الا مقابل مكافأة خاصة. ومعروف ان كل ما يدفع خارج الموازنة لا يخضع للقواعد الرقابية المتعارف عليها وفضلا عن ذلك فان العديد من المزايا التي يمكن ان يتمتع بها مستخدم من خارج الموازنة يتوقف في معظم الاحوال على رضا الرؤساء. فنقل مستخدم من مكان لآخر قد يعني زيادة دخله او العكس ، تخفيضه، ولا يملك المستخدم سوى الصمت والإذعان لمن يملك عليه مقدرات حياته. اختل نظام الأجور في السودان تماما، وظهرت اخيرا العقودات الخاصة، فوق الهياكل الراتبة ، دلالة الشكلية، وهي افظع اشكال عدم المساواة في الرواتب والاجور والذي يقابله العاملون بالتندر والقصص الطريفة والأسى ايضا، حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. نحن في الحقيقة امام عاملين لا حقوق لهم ورؤساء بلا مسؤولية ولا يسألهم احد. وهذا من اكبر المخاطر التي تعرض مفهوم العدالة والكفاءة للاهتزاز وحتى السقوط نهائيا.. فالرواتب الاساسية غير كافية والعناصر الاخرى للراتب ضرورية!. فيكون المطلوب هو المراجعة العامة لنظام الاجور بحيث يصبح الراتب الاساسي هو العنصر الرئيسي في دخل المستخدم وبحيث يكون مستحقا بحكم القانون وليس العكس ان تصبح العناصر الاخرى الاضافية هي الاصل. ان العاملين يجب ان ينتبهوا لهذه المسألة، فهم في جريهم وراء زيادة الاجور والرواتب قبلوا بالبدلات والحوافز وخلافها، وهي رغم استقرارها السنوات يمكن لأي مسؤول ان يقرر تقييمها او حتى الغاءها فجأة، ويظل الهيكل الراتبي الفقير كما هو فتختل دخول العاملين وتنقلب حياة كل مستخدم رأسا على عقب ولن يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم التي قدروها على اساس دخولهم التي ظنوا انها حقيقية ولن تتهاوى او تبيد على حين غرة حتى الاحالة للتقاعد.. ودلالة ذلك الحق المكتسب في ايام الاجازة السنوية الذي تمت مصادرته عيانا بيانا في العام 2008م، بنقص ايام الاجازة بأكثر من نسبة 30%. بسبب جعل ساعات العمل القانونية ، كما قررتها المعايير الدولية! فالوجهة الصحيحة لمطالب العاملين هي الهيكل الراتبي كنظام واحد للاجور ، ومتى ما كان الراتب الاساسي محترما ومدروسا فانه من الممكن منح حوافز للاعمال الاستثنائية او الاضافية بما لا يطغي على الراتب الاساسي.. والطبيعي الا تزيد المكافآت او الحوافز عن نسبة محدودة من الراتب الاساسي فالمستخدم يحصل على مرتبه مقابل هذا العمل. ولا يخفى على الحكومة ولا اتحاد العمال ان اصلاح حال العاملين هو اصلاح جزء مهم في الساحة السياسية واستقراره ضرورة ووسائله غير خافية: عدالة الرواتب والاجور واعادة النظر في نظام الاجور ومستوياتها ومستويات الرواتب الاساسية وجعل حد الفقر او حد الكفاف من معايير تحديد الاجور، والتدقيق في زيادة الرواتب والاجور بنسب موحدة ولا ارغب في الحديث عن مخصصات كبار رجال الدولة (العربات واثاثات المكاتب المستوردة) ولا واجب تضمين عائدات الخصخصة في الميزانية العامة ضمن الحساب الختامي بعد توريدها لحساب الحكومة الرئيس بوزارة المالية، كما لا اجد اية ضرورة للتأكيد على معرفة الحكومة واتحاد العمال بكل ذلك منذ مناقشة الجمعية العامة للامم المتحدة (الدورة 58) لمبدأ الانصاف عند تعديل الرواتب والاجور وتوصياتها من الرقم (31) إلى رقم (36).. محمد علي خوجلي
عدم المساواة في الرواتب والأجور والموازنة الجديدة

الرشوة هي مقابل اتخاذ قرار أو عمل أو عدم القيام بعمل ويرتبط بذلك مباشرة الابتزاز عندما يطلب المسؤولون الدفع، أكثر ممارسات الفساد انتشاراً، وبحسب منظمة الشفافية الدولية فإنها تغلغت في الحياة العامة.. وهي ممارسات لم تكن مألوفة لأفندية السودان القديم من اسكيل k وحتى الدرجة الأولى. وكانت الاختلاسات والرشاوي من العيوب الكبيرة وعندما تحدث تتناقلها المجالس .. ولا يتعاطف احد مع مرتكبيها .. فهل كانت تلك القيم لعدالة الرواتب والأجور ام انه لكل زمان اخلاقه..؟! العام 2008م، شهد الارتفاع في اسعار النفط وارتفاع اسعار السلع والخدمات وتآكل دخول العاملين حتى بادرت كثير من الحكومات بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات الا حكومة السودان! ثم من بعد ذلك تفجرت ازمة الرأسمالية المالية وبدأ تحول اسعار النفط نحو الانخفاض وفي الحالتين حافظت نسبة التضخم في السودان على حالتها من رقمين بعد ان كانت آحادية في العام 2007م، وقام تنظيم القوى السياسية المعارضة لمناهضة غلاء الاسعار بمطلب واحد الغاء الزيادات او .. وطالب العاملون بزيادة الأجور والرواتب ورفع المعاشات ورد عليهم (معارضون) بتركيز الأسعار حيث نصح اقتصاديون بعدم زيادة الأجور حتى لا ترتفع معدلات التضخم، وهناك من لا يأملون في الميزانية الجديدة لاعتمادها على عائدات النفط التي تتراجع ايراداته.. والواقع يفيد بان الزيادات في الأسعار لم تلغ، وتركيز الأسعار لم يعمل به (!) ونسبة التضخم لم تتأثر وتظل زيادة الأجور ورفع المعاشات مطلباً عادلاً.. وهذا المطلب العادل، قد يعارضه انقاذيون رسميون او مستترون وقيادات نقابية انفصلت عن قواعدها.. فإذا كان اتحاد العمال قد استبعد المطالبة بزيادة الأجور من الزيادات العالمية بسبب عجز موازنة الدولة فمن غير المستبعد ان يرفع مبررات جديدة هي قديمة: ان زيادة الاجور تؤدي الى زيادة مصروفات الحكومة الجارية، وتخفض الادخار الحكومي والاستثمار وتزيد نفقات الحكومة.. الى آخر وندع كل هؤلاء ونطالب بزيادة الأجور والرواتب وايضا توخي العدالة في زيادتها وفي موضوعنا ، نستبعد عدم المساواة بسبب الجنس، فالمساواة في الأجور بين الرجال والنساء في السودان متوافرة خاصة للعاملات بالحكومة حيث ازيلت آخر اوجه عدم المساواة بالنسبة الى (علاوة الاطفال)، و(البديل النقدي). ونجد عدم المساواة في القطاع الخاص وبالذات المصانع الصغيرة حيث تقل أجور النساء العاملات والعمالة الأجنبية عن العاملين من الرجال (!) .. بل ولا يتم التقيد هنا بالحد الأدنى للأجور ويفتقد العمال الحماية الاجتماعية ولم يسمعوا حتى اليوم بالتأمين الاجتماعي الشامل.. هو عالم منفصل لا يعترف بساعات العمل القانونية ولا اية حقوق اخرى ونترقب مشروع قانون العمل بولاية الخرطوم لمعالجة هذه الأوضاع. ورغم ذلك فإن حال النساء العاملات في السودان افضل من حال النساء في هولندا (من الدول المانحة لمراكز الحقوق في السودان)!! حيث لايزال الرجال يتقاضون اجورا أعلى من النساء بحوالي 20% ويرى البعض ان ذلك يعود لأن نساء هولندا في طليعة العاملات اللاتي يعملن في العمل الجزئي والمؤقت بما يشكل عائقا رئيسيا للصعود في السلم الوظيفي وهولندا ليست وحدها، ففي كل دول الاتحاد الاوربي تزيد اجور الرجال على النساء بنسبة 15% ، اما بلجيكا فهي الأفضل 7% والسياسيون في دول الاتحاد الاوربي يعتبرون هذا الموضوع من اختصاص النقابات المهنية وأصحاب الأعمال ، فالسياسيون لا يشغلون أنفسهم بذلك.. وكشف اتحاد العمال في السودان ان الزيادة المقترحة في رواتب العاملين من قبل المجلس الأعلى للأجور في الموازنة الجديدة بلغت 30% وطالب رئيس الاتحاد وزارة المالية بتنفيذها ! ولا نعلم كيف توصل المجلس الى نسبة الـ 30%، وهل تم قياسها على تكلفة المعيشة ام نسبة التضخم ام معدل نمو الانتاج المحلي ام على مستوى الفقر (حد الكفاف)؟ وهل سيتم احتساب الزيادة على الراتب الأساسي (الابتدائي) ام الأجر الأساسي ام الأجر الاجمالي؟! حيث اننا لا نزال نذكر اعلان الجهاز المركزي للاحصاء بان متوسط الانفاق السنوي للاسرة بالبلاد بلغ حوالي 14.300 ج.س والذي يعادل شهريا حوالي الف ومائتي ج.س. مع ذلك ندعم اتحاد العمال في مطالبته لكننا نثير انتباه الجميع ان النسبة الموحدة للزيادة تكون لصالح العاملين الأعلى دخلا مع ان المطلوب ايضا مراعاة رفع مستوى العاملين قليلي الدخل بما يسهم في مكافحة الفقر للعاملين في أدنى سلم الرواتب من جهة وتوخي العدالة والانصاف والمساواة من جهة اخرى.. واصدر ديوان شؤون الخدمة بولاية الخرطوم المنشورين 3 و 4 لسنة 2008م، حيث قضى الاول بزيادة بدل الترحيل للعاملين بوحدات ولاية الخرطوم واختص الثاني بتعديل فئات بدل السكن (الفئة الأعلى 122.3 ج بزيادة 47.355ج والفئة الأدنى 20.38 بزيادة 7.88ج على ان ينفذ المنشور اعتبارا من 1/9/2008م. وهذا يدفع بنا مباشرة للطرق على المتغيرات التي حدثت في نظام الأجور في السودان وهي التي تكرس عدم المساواة في الرواتب والأجور. فالراتب الأساسي الذي كان متعارفا عليه اختفى حقيقة ، ويطلق عليه الآن (المرتب الابتدائي) وظهرت مفردات (الأجر الأساسي) و(الأجر الاجمالي) .. الى آخر.. وذلك بسبب وجود نظامين للأجور في السودان، فالمعمول به (زمان) هو الهكيل الراتبي الموحد والمحترم والراتب الأساسي محل الاعتبار والدراسة المستمرة: الوصف الوظيفي ، المسؤوليات، الواجبات، الدرجات، المقابل المالي للدرجة ومداخل الخدمة الى آخر ما كان يتقنه الاختصاصيون في ديوان شؤون الخدمة. ولا يزال لدينا هياكل راتبية متوازنة على شكلها لكن مضى الوقت وقيام النظام الثاني للأجور أفرغها نهائيا... وميلاد النظام الثاني بدأ مع معالجه بمطالبة كل فئة لزيادة الأجور بتخصيص بدلات لها ، اي بدلات لمعالجة الانخفاض في الرواتب حتى اصبحت العلاوات الخاصة والبدلات والمكافآت والحوافز نظاما ثانيا للأجور خارج الهيكل الراتبي واكثر سخاءً منه... وتطور الامر رويدا رويدا فجاءت (المظاريف النقدية) .. وبالنسبة للتفاوت بين اقل الدخول واعلاها ، فلا يختلف اثنان ان كل دول العالم تعرف مثل هذا التفاوت ولكن عندما يتعلق الامر بعائد العمل (لا الثروة) وعندما يكون المخدم واحدا هو الدولة ، فإن هذا التفاوت يجب ان يكون معقولا، ان اعلى الاجور وادناها لم يعد معتمدا على الهيكل الراتبي بل على نظام الاجور الآخر، كنظام رئيسي. بل اننا نجد التفاوت بين العاملين على نفس الدرجة وفقا لوجودهم في وزارة او مصلحة او ديوان او ادارة دون أخرى، ومرات داخل نفس المنشأة، واصبحت الموارد المتحققة في بعض قطاعات من الدولة حكرا على العاملين بها. ونتيجة وجود نظامين للأجور يعملان سويا هي توفير مزايا ضخمة لأقلية (محظوظة او مقربة) في حين تعيش الاغلبية الساحقة في بؤس شديد.. وقد ادى التوسع في منح البدلات والمكافآت وحوافز اللجان والظروف النقدية الى ربطها بصميم المال العادي للمستخدم بحيث اصبح الراتب الاساسي والأجر بالهيكل الراتبي اشبه بالحق المكتسب ولا يهتم بأمره احد. فمن الحوافز المقررة لاعضاء المجلس الوطني القومي المحترمين مثلا (حافز حضور الجلسة) حوالي ثلاثة آلاف ج.س فقط اي اكثر من الحد الأدنى لمعاشي التأمينات الاجتماعية للمعاش في الشهر وفي النهاية نجد ان المستخدم لا يقوم بأي عمل من اعمال وظيفته الا مقابل مكافأة خاصة. ومعروف ان كل ما يدفع خارج الموازنة لا يخضع للقواعد الرقابية المتعارف عليها وفضلا عن ذلك فان العديد من المزايا التي يمكن ان يتمتع بها مستخدم من خارج الموازنة يتوقف في معظم الاحوال على رضا الرؤساء. فنقل مستخدم من مكان لآخر قد يعني زيادة دخله او العكس ، تخفيضه، ولا يملك المستخدم سوى الصمت والإذعان لمن يملك عليه مقدرات حياته. اختل نظام الأجور في السودان تماما، وظهرت اخيرا العقودات الخاصة، فوق الهياكل الراتبة ، دلالة الشكلية، وهي افظع اشكال عدم المساواة في الرواتب والاجور والذي يقابله العاملون بالتندر والقصص الطريفة والأسى ايضا، حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. نحن في الحقيقة امام عاملين لا حقوق لهم ورؤساء بلا مسؤولية ولا يسألهم احد. وهذا من اكبر المخاطر التي تعرض مفهوم العدالة والكفاءة للاهتزاز وحتى السقوط نهائيا.. فالرواتب الاساسية غير كافية والعناصر الاخرى للراتب ضرورية!. فيكون المطلوب هو المراجعة العامة لنظام الاجور بحيث يصبح الراتب الاساسي هو العنصر الرئيسي في دخل المستخدم وبحيث يكون مستحقا بحكم القانون وليس العكس ان تصبح العناصر الاخرى الاضافية هي الاصل. ان العاملين يجب ان ينتبهوا لهذه المسألة، فهم في جريهم وراء زيادة الاجور والرواتب قبلوا بالبدلات والحوافز وخلافها، وهي رغم استقرارها السنوات يمكن لأي مسؤول ان يقرر تقييمها او حتى الغاءها فجأة، ويظل الهيكل الراتبي الفقير كما هو فتختل دخول العاملين وتنقلب حياة كل مستخدم رأسا على عقب ولن يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم التي قدروها على اساس دخولهم التي ظنوا انها حقيقية ولن تتهاوى او تبيد على حين غرة حتى الاحالة للتقاعد.. ودلالة ذلك الحق المكتسب في ايام الاجازة السنوية الذي تمت مصادرته عيانا بيانا في العام 2008م، بنقص ايام الاجازة بأكثر من نسبة 30%. بسبب جعل ساعات العمل القانونية ، كما قررتها المعايير الدولية! فالوجهة الصحيحة لمطالب العاملين هي الهيكل الراتبي كنظام واحد للاجور ، ومتى ما كان الراتب الاساسي محترما ومدروسا فانه من الممكن منح حوافز للاعمال الاستثنائية او الاضافية بما لا يطغي على الراتب الاساسي.. والطبيعي الا تزيد المكافآت او الحوافز عن نسبة محدودة من الراتب الاساسي فالمستخدم يحصل على مرتبه مقابل هذا العمل. ولا يخفى على الحكومة ولا اتحاد العمال ان اصلاح حال العاملين هو اصلاح جزء مهم في الساحة السياسية واستقراره ضرورة ووسائله غير خافية: عدالة الرواتب والاجور واعادة النظر في نظام الاجور ومستوياتها ومستويات الرواتب الاساسية وجعل حد الفقر او حد الكفاف من معايير تحديد الاجور، والتدقيق في زيادة الرواتب والاجور بنسب موحدة ولا ارغب في الحديث عن مخصصات كبار رجال الدولة (العربات واثاثات المكاتب المستوردة) ولا واجب تضمين عائدات الخصخصة في الميزانية العامة ضمن الحساب الختامي بعد توريدها لحساب الحكومة الرئيس بوزارة المالية، كما لا اجد اية ضرورة للتأكيد على معرفة الحكومة واتحاد العمال بكل ذلك منذ مناقشة الجمعية العامة للامم المتحدة (الدورة 58) لمبدأ الانصاف عند تعديل الرواتب والاجور وتوصياتها من الرقم (31) إلى رقم (36).. محمد علي خوجلي

No comments: