Tuesday, November 11, 2008

دراسة حالة: تقييم تجربة البديل

دراسة حالة: تقييم تجربة البديل

إعداد: أنور حمام

























مقدمة
يشهد النظام السياسي الفلسطيني تحولات جديدة غير مستقرة، وخصوصا تلك الناجمة عن دخول الإسلام السياسي فيه كمكون أساسي تمثله حركة "حماس"، مقابل التيار التقليدي "الوطني" الذي تمثله حركة "فتح"، الأمر الذي أنتج حالة استقطاب وثنائية في الفكر والممارسة داخل الصف الفلسطيني.
وقد دفع هذا الاستقطاب قوى فلسطينية تضررت منه، للبحث في إمكانية خلق "التيار الثالث"، وفي هذا الإطار، ستركز هذه الورقة البحثية والبحث الضوء على تجربة قائمة "البديل" الانتخابية (تحالف بين حزب الشعب والجبهة الديمقراطية وحزب "فدا" ومستقلين) كحالة دراسية، من حيث سياق نشأة هذا التحالف، وظروف تكوينه، وارتباطه بازمة "اليسار"، ومشروع السلطة والتسوية، إضافة إلى برنامج التحالف، ومكوناته، والبحث بمدى استمراريته، وهل استطاع تجاوز كونه محاولة تحالفية - مصلحية في سياق البحث عن مقاعد في المجلس التشريعي باتجاه بناء "التيار الثالث".

أزمة اليسار الفلسطيني
عانى اليسار الفلسطيني والعربي منذ نشأته أزمة في فهم الماركسية كأداة تحليل، نتج عنها تقديس للنصوص وعدم مراعاة خصوصيات المجتمع العربي وملابساته المختلفة، كما غاب عن الفكر الماركسي العربي – إن صح التعبير- ربط عملي ما بين الصراع الطبقي والصراع ضد الاستعمار، رغم وجود محاولات نظرية لإحداث هذا الربط، مما أنتج أزمة "بين الفكر والممارسة العملية" .
وقد دخل اليسار – بما في ذلك اليسار الفلسطيني- أزمة كبرى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الأمر الذي عده كثيرون "انهياراً للمرجعية على المستوى الكوني" ، وزاد من عمق الأزمة حرب الخليج الثانية وما نتج عنها من ميلاد "للنظام العالمي الجديد" والتغلغل الأمريكي في المنطقة، وانتشار لمقولة التفاوض - والتوافق على حساب الصراع، وأخيرا جاء "اتفاق اوسلو" 1993 ليشكل ضربة قاسية أخرى، فهذا الاتفاق الذي ارتبط "بأوهام خطرة وخيال جامح وعالمية زائفة" عمق من أزمة اليسار بكافة تنظيماته واحزابه، وجعله عاجزا عن تقديم الأجوبة على الأسئلة التي يطرحها الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأدخله بجملة من المآزق والأزمات المتوالية تنظيمياً ومالياً وفكرياً وبنيوياً، وما نتج عنها من حالات" تفكك وترهل وتحلل داخلي"، "والانقسامات والتشظيات المعلن عنها والمستتره" .
ومن تجليات هذه الأزمة، قرار الحزب الشيوعي الفلسطيني الخروج من "فخ" الاسم (الشيوعي) باستبداله ليصبح "حزب الشعب"، مع استمراره الحزب ذاته من حيث البناء الهيكلي، أضف إلى ذلك انسحاب بعض المتنفذين من مؤسسات أسسها الحزب أصلا، استخدمت في البداية كمراكز نفوذ داخله ثم كأرضية لهذه "الانسحابات".
من جهتها، انشقت مجموعة من كوادر الجبهة الديمقراطية لتشكل حزب " فدا"، أما الجبهة الشعبية فقد عانت هي الأخرى مجموعة انسحابات لا يستهان بها، خاصة لكوادرها الوسطية التي تربط القيادة السياسية بالقواعد الجماهيرية. وقد كان جزء من هذه الانسحابات باتجاه مؤسسات ارتبطت بالتمويل خارجي وبالتسوية السياسية تحت سقف "أوسلو".
ما سبق، عمق من أزمة اليسار لتكون النتيجة اختزاله عمليا في نخب من "البرجوازية الصغيرة"، بعيدة عن الجماهير، وبدا هذا اليسار "المبعثر" كفصائل مختلفة، بل ومتعارضة أحيانا، وزاد من هذه الأزمة عدم قدرة اليسار وأحزابه من التعاطي مع التطورات السياسية بعد "أوسلو" وبالتالي العجز عن تقديم البدائل حيث لم تفلح فصائل اليسار في أخذ زمام المبادرة، وطرح بدائل مقبولة في إطار استراتيجية واضحة وواحدة وفعالة .

التسوية والسلطة وتعميق الأزمة
وقفت قوى اليسار من مسألة اتفاقية "أوسلو" والسلطة الفلسطينية الناشئة عنها بين مؤيد ومعارض، وقد نتج عن ذلك موافقة البعض على المشاركة في مؤسسات السلطة الفلسطينية فيما رفض البعض الأخر لذلك، أو وضع ضوابط على مشاركته.
فمثلا، في الانتخابات العامة الأولى 1996، رفضت الجبهتان الشعبية والديمقراطية المشاركة من منطلق رفض التسوية السياسية الجارية، ولكنهما أبقتا على التزامهما "بمنظمة التحرير وكمعارضة من داخلها" في حين قرر حزب الشعب و"فدا" خوض الانتخابات.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع السلطة، كان موقف اليسار مشتتا في مواقفها اتجاهها، ففي حين رفضت الجبهتان الشعبية والديمقراطية أي مشاركة على المستوى الوزاري أو الأمني، مع السماح لأفرادها بالانخراط بوظائف "غير سياسية"، شارك حزب الشعب و"فدا" وجبهة النضال الشعبي، عبر وزراء لهم في عدة حكومات ترأستها حركة "فتح".
على كل حال، فقد مثلت عودة الأمين العام السابق للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى (اغتالته إسرائيل عام 2001) للأراضي الفلسطينية عام 1999، ومصافحة أمين عام الجبهة الديمقراطية نايف حواتمه للرئيس الإسرائيلي عام 1999 في جنازة الملك حسين ملك الأردن السابق، علامات واضحة على تحول في النظر للسلطة رغم عدم المشاركة فيها، إلى حد جعل البعض أيعتقد ن الجميع قد أصبح مشاركا في "التسوية ولكن ليس بالضرورة مشاركا بالسلطة" ، ومقرا عمليا بوجود "أوسلو" دون الاعتراف الرسمي به.

استقطاب ثنائي
منذ "أوسلو" والمجتمع الفلسطيني يعيش استقطابا وصراعا حادا بين حركتي "فتح" و"حماس"، يمكن ملاحظته من خلال العبارات متعارضة على شاكلة: "نهج التسوية - نهج المقاومة" و"السلطة – المعارضة" و"الإسلامي – العلماني" و"الفساد – الإصلاح" و"الاستسلام- الممانعة" و"العقلاني والمتنور- الغيبي والظلامي" و"الأجندة الخارجية-الأجندة الوطنية" و"التمسك بالثوابت-والتنازل عنها" و"رايات صفراء – رايات خضراء".
وقد حاولت كل من "فتح" و"حماس"، إثبات أنها الممثل الأكبر للمجتمع، عبر انتخابات مجالس الطلبة والنقابات والجمعيات والمؤسسات المختلفة. وفي الواقع، فقد ساهم هذا الاستقطاب الثنائي على نحو سلبي على خلق أجواء من الريبة وعدم الثقة وغياب مفاهيم التسامح، وشيوع التحريض والنزعة الاقصائية والطعن في الشرعية.
كما واخذ الانقسام شكل سيطرة كل طرف على عدد من المؤسسات وتوظيفها لخدمته على حساب الطرف الآخر، فحركة "فتح" خلقت جسما بيروقراطيا ضخما عبر تعيينات لا حصر لها لكوادرها في مؤسسات السلطة وأجهزتها الأمنية ومؤسسات منظمة التحرير ودوائرها، في حين لعبت وسائل الإعلام الرسمية والصحف دورا بارزا في الترويج لهذا وتعزيز مكانتها كحامي للمشروع الوطني الفلسطيني وللقرار الوطني الفلسطيني المستقل ، من جهتها سيطرت حركة "حماس" على شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية ولجان الزكاة، واستخدمت المساجد لتعبئة الجماهير، فضلا عن مهاجمتها السلطة الفلسطينية واتهامها بالفساد والتنازل عبر صحف وإذاعات محلية ومواقع الكترونية تابعة لها.
وعليه فقد كان من الطبيعي أن تشهد الساحة الفلسطينية تراجعا في التعددية السياسية، وأن تهمش باقي التوجهات والقوى وتجد نفسها على الهامش: فهي لا تشارك في قيادة النظام السياسي الرسمي من جهة، ولا تتصدر المعارضة الذي احتكرته حماس من جهة اخرى.

ضرورة خلق تيار فلسطيني ثالث
محاولات فاشلة: كان الخوف من الاستقطاب داخل النظام السياسي الفلسطيني حاضرا في أوساط الإفراد والتنظيمات من غير "فتح" و"حماس" منذ تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي دفع باتجاه التفكير بإيجاد تيار يجمع هذه القوى.
أولى المحاولات كانت مع "حركة الإصلاح الديمقراطي" والتي كانت محدودة باقتصارها على عدد من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، وقد أعقب هذه المحاولة ما عرف بـ " الحركة الشعبية الديمقراطية الفلسطينية"، التي ضمت داخلها الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب و"فدا" والنضال الشعبي ومستقلين، ولكنها لم تنجح في خلق تيار قادر على خوض الانتخابات التشريعية عام 1996، لبروز خلافات بين مكوناتها حول المشاركة في الانتخابات ، ويرى البعض أن قرار عدم المشاركة في الانتخابات من قبل العديد من القوى "قد حرم المجلس التشريعي من معارضة قوية وفعالة" .
بعد ذلك شكلت عودة الأمين العام السابق للجبهة الشعبية أبو علي مصطفى للوطن، نقلة نوعية في الحديث عن ضرورة خلق تيار ديمقراطي، فعملية بناء تيار من هذا القبيل تحتاج فيما تحتاج "إلى تنظيم-حزب قوي وقائد قوي أيضا"، وبعودته، بدأت جملة من الحوارات بين الأطراف ذاتها، وتم الاتفاق على تشكيل ما عرف بـ" التيار الوطني الديمقراطي"، وتم التغلب على إشكاليات وعقبات تقليدية طالما مثلت حالة انقسامية بشان مواضيع تتعلق بالسلطة والمشاركة فيها، والخروج بتصور حول ما هو المطلوب من السلطة لتقرير المشاركة فيها من عدمها، وقد تم صياغة رؤية سياسية واجتماعية لهذا التيار، والبدء بصياغة أوراقه التنظيمية، ولكن اغتيال أبو على مصطفى، وتصاعد الانتفاضة، وإجتياح الضفة الغربية كل ذلك حال دون استمرار الحوارات .
ومرة أخرى جرت محاولة لتشكيل "التجمع الوطني الديمقراطي"، والذي بدوره فشل وكانت الضربة القاضية له هي انتخابات المجلس التشريعي 2006 لعدم قدرته على بلورة آلية لخوض الانتخابات المحلية والبلدية والرئاسية، وعمليا فان التجمع الديمقراطي لم ينضج لأسباب متعددة منها أن الظروف لم تنضج لكي يتم العمل بشكل جماعي ، ولعدم جدية ترجمة ما يتم الاتفاق عليه لآليات عمل من أجل تحويل التجمع الوطني الديمقراطي من يافطة وبرنامج سياسي إلى قوة على الأرض تخوض الانتخابات، ولغياب الإرادة السياسية عند القوى المختلفة التي يمكن أن تشكل رافعة للتجم ع ، فالصراع ظل صراعاً دائماً على السلطة والنفوذ داخل قوى اليسار، ومحاولة للحفاظ على سلطة هذه الأحزاب "الرمزية" المبنية على تصورات لا تزال ترتبط بالماضي الذي جرى عليه تحولات جوهرية دون أي اعتراف حقيقي بهذه التحولات من قبل قيادة اليسار.
الانتخابات الرئاسية والبلدية كحافز تمهيدي: أكدت التجربة فشل قوى اليسار والمستقلين الفلسطينيين في تشكيل "التيار الثالث" في كل المحطات التي افترضت البحث عن وجود مثل هذا التيار سواء في الانتخابات الرئاسية أو المحلية- البلدية، أو الانتخابات التشريعية لاحقا، رغم العديد من الحوارات المعمقة بين أقطاب هذا اليسار من أجل إيجاد مرشح يمثلهم في الانتخابات الرئاسية.
فعلى سبيل المثال، ترشحت ثلاث شخصيات "ديمقراطية" لمنصب الرئاسة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد مرشح "فتح" محمود عباس "أبو مازن" عام 2005، فحزب الشعب رشح أمينه العام بسام الصالحي، والجبهة الديمقراطية رشحت عضو مكتبها السياسي تيسير خالد، فيما ترشح مصطفى البرغوثي أمين عام "المبادرة الوطنية الفلسطينية" ودعمته الجبهة الشعبية ( رغم عدم رضا القواعد التنظيمية عن هذا الدعم، واحتجاجهم بطرق عدة عليه).
وبحسب المراقبين فإن "الفشل" في التوصل لمرشح واحد يعود إلى الأسباب ذاتها المكررة التي حالت دون خلق "التيار الثالث"، وأهمها الفوقية والشخصانية، فكل المفاوضات التي جرت في هذا الإطار ظلت على الدوام محكومة بأجندة خفية تتمحور حول الشخص الأقدر على تمثيل هذا التيار.
بدورها مثلت الانتخابات المحلية – البلدية بمراحلها الأربعة إخفاقا جديدا للقوى اليسارية والديمقراطية في تشكيل تحالف، يمثل "نقطة ارتكاز" لائتلاف أوسع تخاض على أساسه الانتخابات التشريعية، فقد خضعت هذه الانتخابات (المحلية) إلى تجاذبات جهوية وعشائرية إضافة إلى استقطاب حاد بين "فتح" و"حماس".
في هذه الانتخابات كذلك، بقيت قوى اليسار مغيبة على نحو مريع، باستثناء نجاحات قليلة حققها مرشحون "ديمقراطيون" في إطار تحالفات عائلية وعشائرية وحزبية، والملفت للانتباه أن أيا من أحزاب اليسار لم يستطع الاتفاق حتى داخليا على أسم قائمة واحد يعممها على كافة المواقع لتخاض الانتخابات المحلية تحت رايتها، فقد وجد عدد هائل من أسماء القوائم، لدرجة أصبح معها يصعب التميز لمن هذه القائمة ولمن تلك .

الانتخابات التشريعية وتراكم الفشل بإيجاد تيار وطني ديمقراطي: بعد الفشل في الانتخابات الرئاسية والبلدية تعززت فكرة إيجاد قائمة تعبر عن التيار الديمقراطي "كقوة وازنة" بين "فتح" و"حماس"، وكتعبير عن قوى سياسية واجتماعية حقيقية وليست طارئة أو مفتعلة، قادرة على الدفاع عن رؤيتها الاجتماعية والسياسية .
وكالعادة، جرت داخل القوى والأفراد الذين ينتمون إلى هذا "التيار الديمقراطي" حوارات مكثفة، وطرحت مسائل تتعلق بطبيعة التحالف وفيما إذا كان يساري أم ديمقراطي الطابع، كما تم نقاش مسائل السلطة الفلسطينية والموقف من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. وقد أنتجت هذه الحوارات توافقا حول قضايا السياسية والبرامجية، وفي نفس الوقت، لم تستطع جسر الهوة حول قضايا أخرى.
ولكن السبب الرئيسي في عدم الاتفاق يعود في نظر الكثيرين إلى الاختلاف حول ترتيب الأسماء داخل القائمة الانتخابية، وفي محاولة لحل المشكلة، اقترحت الجبهة الديمقراطية إجراء انتخابات تمهيدية يشارك فيها جميع أنصار ومؤيدي القوى الراغبة بالتحالف، ليتم ترتيب القائمة بناء على نتائجها، ولكن العديد من القوى رفضت هذه الآلية ، مما لم يترك سوى خيار "التوافق" الذي اصطدم بدوره بخلافات حادة في تقدير القوى لأوزانها، ومن ذلك الخلافات حول من يرأس القائمة، هل هو الأمين العام للجبهة الشعبية القابع في السجن أحمد سعدات بما يمثله كذلك من حالة رمزية، أم مصطفى البرغوثي وحجم الأصوات العالية نسبيا التي حاز عليها في الانتخابات الرئاسية.

قائمة البديل:
هاجس نسبة الحسم وولادة تحالف "البديل" : كان ثمة استحالة إذن في الوصول إلى اتفاق شامل يضم جميع القوى المرشحة لتكوين "التيار الثالث"، وقد أدى ذلك في النهاية إلى أن يقتصر الائتلاف على ثلاث قوى هي الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب و"فدا" إضافة إلى عدد من الشخصيات المستقلة، أما "جبهة النضال الشعبي" فقد انسحبت بعد إصرار بعض القوى على إعطائها الترتيب السادس في القائمة ، حيث تم وان متأخرا الاتفاق بين هذه الفصائل الثلاثة على طبيعة توزيع المقاعد، خاصة المقاعد الأولى فيها، والتي جاءت كالتالي: المقعدان الأول والرابع للجبهة الديمقراطية، المقعدان الثاني والخامس لحزب الشعب، المقعد الرابع لـ"فدا".
ويشير البعض إلى تركز الحوارات التي سبقت تشكيل "البديل" بالأساس حول ترتيب القائمة، حيث لم يحدث جدل جدي حول البرامج التي تم لتوافق عليها أوتوماتيكيا، وللحقيقة، ما كان لهذا التحالف أن يتم لولا المرونة التي أبداها حزب الشعب و"فدا" في قبولهما ترتيب الأسماء الأولى بالقائمة كما وردت أعلاه.
ورغم توافر رغبة في أن يكون "البديل" نواة حقيقية "للتيار الثالث"، بأن يجلب إليه القوى والأحزاب والكفاءات والمستقلين مستقبلا، تقر الأطراف المشاركة في هذا التحالف باعتباره تكتيكا فرضته ضرورة أنية، فهو "تحالف انتخابي بالأساس" وبالتالي لا يجب المغالاة بالتفاؤل "فقد يحدث اختلاف في أية لحظة وينفرط عقده" .
على كل حال، فقد كان إنشاء "البديل" ضرورة انتخابية فرضتها مجموعة من الأسباب منها: هاجس اجتياز نسبة الحسم (2% من الأصوات)، وتجانس مكونات "البديل" في الرؤية الاجتماعية والسياسية، إضافة إلى إيصال إشارات ايجابية "للجمهور الديمقراطي" بقدرة هذا التحالف على تجاوز المحاصصات التي وقفت دوما كعقبة أمام أي تشكيل لتيار أو تجمع ديمقراطي فلسطيني حقيقي.
في المقابل، تشير المعطيات إلى أن "البديل" لم ينجح في فتح نقاش حقيقي يستميل عبره قطاعات مجتمعية مختلفة، كإسلاميين متنورين أو "فتحاويين" ساخطين على الوضع الذي آلت إليه الأمور في حركتهم والسلطة الفلسطينية، والذين قرروا عدم دعم قائمة حركة "فتح" التي رؤوا في تركيبتها خللا كثيرا سواء من حيث الشكل أو المضمون أو الآلية التي تم على أساسها اختيار المرشحين.
ومن المشاكل التي لم يتم تذليلها من قبل أطراف "البديل" مسألة مرشحي الدوائر، حيث لم يتم تقديم مرشحين باسم قائمة "البديل" على مستوى الدوائر، بل فضلت القوى المكونة للقائمة التوجه لانتخابات الدوائر منفردة، عدا عدد محدود من الاتفاقات التي تمت في بعض دوائر قطاع غزة . بدورها، لم تشهد دوائر الضفة الغربية وجود أي مرشح عن قائمة "البديل"، بل على العكس خاض أطرافه انتخابات الدوائر كمستقلين بعيدا عن أي تنسيق، ولم تفلح كل محاولات إتباع "عملية الإخلاء" بمعنى انسحاب كافة مرشحي أطراف تحالف البديل على مستوى الدائرة لصالح مرشح واحد يتم دعمه من الجميع.
برنامج القائمة: لم يكن ثمة عناء في الوصول إلى برنامج لقائمة "البديل"، فأطراف هذه القائمة الانتخابية- كما أسلفنا- متقاربون في رؤيتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما أدى التوصل إلى قواسم مشتركة دون أية تعقيدات :
• سياسيا: يمكن القول أن الأرضية السياسية للأحزاب الثلاث تكاد تكون مشتركة، عدا بعض الاختلافات التي لها علاقة بالنظر لاتفاق "أوسلو"، والذي لم يعد يشكل نقطة اختلاف تحول دون التوصل إلى اتفاق، وبالتالي وسواء تم الاعتراف به أم لا، فالتركيز ضمن هذا التحالف شيد على قاعدة أن الانتخابات التشريعية الثانية ُتقام على أساس توافق فسطيني وبأجندة فلسطينية.
• اجتماعيا واقتصاديا: شكل الدفاع عن حقوق الفئات المحرومة والمهمشة نقطة مركزية في نقاط البرنامج الاجتماعية، بتأكيده على ضرورة إنشاء "صندوق وطني للتكافل الاجتماعي" و"نظام شامل للتأمينات الاجتماعية" وسن تشريعات لحماية حقوق العمل النقابي، ورعاية أسر الشهداء والأسرى وذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان حقوق الشباب، وتأمين المساواة الكاملة للمرأة، وتطوير قطاعات التعليم والخدمات الصحية والبلدية والاجتماعية والمناطق المهمشة. كما شدد "لبديل" على أهمية وجود إصلاحات حقيقة في الموازنة العامة لمعالجة قضايا الفقر والبطالة وإعادة بناء البنى التحتية، ووضع حد لهدر المال العام، وتطوير قطاع الزراعة، وحماية الإنتاج الوطني، ومكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وللمحسوبية والرشوة والمحاباة وضمان تكافؤ الفرص.
وأيدلوجيا تم التنويه إلى أن المطلوب هو "اقتصاد مختلط يجمع بين القطاع الخاص والحكومة، مع التشديد على منع الاحتكارات".
• شكل الحكم: ركز البرنامج على تأسيس نظام ديمقراطي برلماني تعددي يحمي الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، إضافة إلى العمل على تطوير القانون الأساسي والنظام الانتخابي، وتأمين التداول السلمي للسلطة واستقلال القضاء وتطوير قدراته، وإقامة حكومة ائتلاف وطني.
والملفت أن برنامج "البديل"، ابتعد وبشكل مقصود عن الإعلان عن هويته اليسارية العلمانية، وتجنب مقولات كـ "الاشتراكية" و"العلمانية" و"الصراع الطبقي"، وهو ما يمكن رده إلى الخوف من التعرض للنقد والتحريض من قبل الخصوم السياسيين، خاصة وأن مصطلحات "كالعلمانية" و"الاشتراكية" بات لحد ما مرادفة للكفر والإلحاد في نظر الكثير من الفلسطينيين.

البديل وتمثيل التيار الثالث: ظلت قائمة "البديل" ترى بنفسها على الدوام تحالفا مصغرا ولكن فعليا لبعض مكونات "التيار الثالث" المأمول، كونها تمثل ثلاث قوى رئيسية، قد تتمكن من تشكيل أرضية لائتلاف أوسع للقوى الديمقراطية الأخرى داخل المجلس التشريعي، وبالتالي خلق حالة من التوازن، ووضع حد لنهج التفرد والهيمنة، إضافة إلى تقليل مخاطر الاستقطاب الثنائي الذي يقود إلى التناحر والشلل ويلحق أفدح الأضرار بمصالح الشعب وقضيته الوطنية.




نتائج الانتخابات التشريعية
ما وراء الأرقام: جاءت نتائج الانتخابات ثقيلة على كافة الأحزاب والقوائم المرشحة لتكوين "التيار الثالث"، والتي لم تستطع أن تحصل إلا على تسع مقاعد (الجبهة الشعبية ثلاثة مقاعد، البديل مقعدين، فلسطين المستقلة مقعدين، الطريق الثالث مقعدين)، وهي نتائج تقل كثيرا عن حجم التوقعات سبقت الانتخابات، فشكل النتائج وسيطرت حماس المطلقة على المجلس التشريعي، أحبطت الحلم الذي لطالما راود هذه القوى بلعب "بيضة القبان" بين القوتين الكبيرتين، فما حصل عمليا أن الانتخابات التشريعية استبدلت تفرد "فتح" بتفرد "حماس" .
ومن حيث الأعداد فقد حصل تحالف البديل على مقعدين (وبالتالي دخل كل مرشحي الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب إلى المجلس التشريعي، فيما لم تفز مرشحة "فدا")، ولكن بالنسبة للأصوات، فقد حصلت قائمة "البديل" على 28973 صوتا فقط، من أصل 1042424 شخصا شاركوا في التصويت. وقد هنالك أيضا اختلال كبير بين ما أحرزته القائمة في الضفة وما أحرزته في غزة، وتشير بيانات "لجنة الانتخابات المركزية" إلى أن 84% من أصوات قائمة "البديل " جاءت من الضفة الغربية، في حين أن 16% من الأصوات جاءت من قطاع غزة، الأمر الذي قد يعود جزئيا إلى عدم قدرة "مهندسي القائمة" على بلورة تركيبة توزان ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذه النتائج كانت دافعا لتقييم جدي لأسباب الفشل، الذي تم إرجاعه إلى :
• الاستقطاب الحاد بين "فتح" و"حماس" الذي ساهم بضعف القائمة، فالمجتمع الذي يعاني من حالة عدم استقرار وعدم انضباط في المعايير، يميل في لحظات الاختيار الحرجة إلى ترجيح كفة الخصم القوي للسلطة القائمة، وليس الخصم الضعيف.
• التوقعات وطريقة تكوينها وتناقضها: ففي الوقت الذي كانت تصطدم فيه بتخوفات حقيقية من الاستقطاب الدائر بين"فتح" و"حماس"، وتشتت قوى اليسار وتبعثرها، إضافة إلى ما تظهره استطلاعات الرأي من حصول "البديل" على 2% من الأصوات فقط، وفي أكثر تقدير 4% أو 5% من الأصوات، وجد كذلك تفاؤل مفرط، سببه استحضار نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعطت لمرشح حزب الشعب (21171) صوتاً، ولمرشح الجبهة الديمقراطية (26848) صوتاً، إلى جانب التقديرات المبالغ بها وغير الدقيقة الواردة من القواعد الميدانية لهذه الأحزاب، والتي أعطت انطباعات ايجابية حول حجم التأييد الفعلي لتحالف "البديل"، إضافة إلى أن تعزيز القائمة بمجموعة لا يستهان بها من المستقلين والنشطاء الاجتماعيين.
• عدم القدرة أطراف "البديل" على حسم مرشحين للدوائر تحت مظلة تحالفهم- كما بينا سابقا-، مما أوقع جمهور التحالف ومؤيديه في ازدواجية بين القائمة وبين مرشح الدائرة. على كل حال، فقد فرغم وجود "البديل" إلا إن أطرافه كان تعمل كفصائل طوال فترة التي سبقت الانتخابات ولم يعملوا ضمن آلية تنسيقة محددة ومضبوطة حتى في فترة الانتخابات.

الاستمرارية الشكلية: شكل إغلاق مكتب "البديل" الذي كان يدير حملته الانتخابية، بعد صدور نتائج الانتخابات، علامة مثيرة للانتباه، بيد أن ذلك لا يعني انتهاء هذا التحالف، إذ أن نوعا من العمل المشترك ما زال حاضرا:
داخل المجلس: لقد بقي اسم القائمة متواجدا في أروقة المجلس التشريعي تحت مسمى "كتلة البديل"، على الرغم من أن شروط تكوين كتلة برلمانية حسب النظام الداخلي للمجلس التشريعي الفلسطيني تنص على أن لا يقل عدد أعضاء الكتلة عما نسبة 5% من مجموع عدد أعضاء المجلس. وبالتالي لا يشكل "لبديل" كتلة بالمعنى القانوني، الأمر الذي ينسحب على باقي القوائم الانتخابية التي نجحت في الانتخابات التشريعية باستثناء قائمتي "فتح" و"حماس". ويتم التحايل على التحديد القانوني، بالقول أنها “كتل برلمانية بالمعنى السياسي والمعنوي" .
ويرى مراقبون أن تحركا مشتركا تحت مسمى "البديل" حصل بين نائبيه الفائزين لدى الحديث التصويت على منح الثقة للحكومة، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وطرح أفكار بشأنها، أو عند بيان الموقف من إضراب العاملين في الوظيفة العمومية ومساندتهم بمطالبهم، أو رفض حل السلطة، أو الموافقة على انتخابات مبكرة. بيد أنه لم يتم البحث الجدي حول ضرورة توسيع الائتلاف البرلماني ليضم باقي القوائم الفائزة من غير "فتح" و"حماس"، عمليا، لم يتم وضع أسس أو قواعد تحدد آليات التنسيق بين أطراف "البديل" أنفسهم، وكما يرى نائب في المجلس التشريعي من حركة "فتح":"رغم التقارب الذي تلمسه في مواقفهم، إلا أن كل طرف يطرح الموقف الحزبي وليس موقف قائمة البديل" .
عدا اللقاءات التشاورية التي تعقد بين قيادات أطراف "البديل"، لا توجد أي محاولة جادة لمأسسة هذا التحالف، وترجمته إلى تحالفات قطاعية (المرأة، الشباب، اللاجئين، النقابات المهنية.... الخ)، كما لم يتم البحث الجدي في وضع آليات عمل تحكم "البديل" خصوصا خارج أروقة المجلس التشريعي، كتنظيم الاجتماعات الدورية، يضاف إلى ذلك أن أطراف "البديل" لم تخض الانتخابات الطلابية والنقابية اللاحقة للانتخابات التشريعية مجتمعة، بل خضعت لتحالفات أخرى حسب كل موقع وخصوصياته. والملفت للانتباه أن لا بيانات تصدر باسم "البديل"، فكل البيانات الصادرة عن حزب الشعب و"فدا" والديمقراطية لا تتطرق من قريب أو بعيد له. والمفارقة أن لا احد يعرف من هو رئيس كتلة البديل فهذه التسمية يستخدمها كل من النائبين بسام الصالحي (الأمين العام لحزب الشعب) وقيس عبد الكريم (عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية) على حد سواء، مع غياب لاستخدام التسمية من قبل "فدا" الذي لم يفز أي من مرشحيه بالانتخابات التشريعية.

خاتمة واستنتاجات:
رغم أن تجربة "البديل" لم تخلق "التيار الثالث"، إلا أنها تقود إلى جملة من الاستنتاجات الضرورية لأي معالجة مستقبلية لخلق هذا التيار داخل النظام السياسي الفلسطيني:
1- رغم أن مكونات "البديل" متقاربة سياسيا واجتماعيا وفكريا، وهذا التقارب سهل على نحو ما قيام هذا التحالف، إلا انه لم ينجح في إحداث تطورات أخرى، كالاندماج وتشكيل بنية سياسية واحدة، أو وضع أسس واليات للتنسيق بين أطراف البديل حتى في الحدود الدنيا.
2- وبالتالي، لا يمكن النظر إلى تجربة "البديل" أكثر من كونها تحالفا انتخابيا فقط، وعليه، يمكن فهم اقتصاره على الأبعاد الشكلية ومحدودية فرص استمراريته، واستخدام الاسم إعلاميا من حين لآخر.
3- على كل حال، لم ينجح “البديل" في الوصول في نظر الجمهور إلى درجة تمثيل الأغلبية الصامتة، أو المترددين أو أبناء اليسار التقليديين والحائرين والباحثين عن بنية تعيد لليسار والتيار الديمقراطي مكانته ودوره وتأثيره.
4- ومع ذلك، تبقى هناك إمكانية لأن يمتد التحالف داخل المجلس التشريعي، ليضم باقي القوائم المرشحة لتكوين "التيار الثالث".
5- وأخيرا، يبقى تحالف البديل مصدر تفاؤل في إمكانية قيام تحالف أوسع داخل العناصر المرشحة لتكوين "التيار الثالث"، ولكن شرط أساسي لقيام هذا التحالف بأن يتم تم تجاوز الخلافات التي كانت دائما تقف حائلا أمام تشكيله، كالفئوية والحزبية والاختلافات على ترتيب القائمة، وأحيانا الخلافات في بعض المسائل السياسية.





































المصادر المستخدمة:

المصادر المكتوب
1. جردات، علي: اليسار الفلسطيني-هزيمة الديمقراطية، رام الله: مواطن-المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 1999.
2. الشقاقي، خليل: التحول الديمقراطي في فلسطين، نابلس: مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، 1996.
3. النابلسي، أكرم ا: سيادة شعبية، حقوق جماعية، مشاركة، بيت لحم: بديل المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين، 2003.
4. عودة، محمد: أزمة الخطاب الماركسي في مصر، مؤسسة عيبال، 1991.
5. أوراق عمل قدمت في المؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية/جامعة بيرزيت، 2006، رام الله.
6. البرنامج الانتخابي لقائمة البديل، (نسخة الكترونية، تم الاطلاع عليها بتاريخ 15/12/2006 من http://www.elections.ps/atemplate.aspx?id=349).
7. مقابلة مع قيس عبد الكريم (عضو المجلس التشريعي عن قائمة "البديل"/عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية)، (نسخة الكترونية، تم الاطلاع عليها بتاريخ 15/12/2006: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=55362)


المقابلات
1. مقابلة خالدة جرار ( عضو المكتب السياسي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ عضو المجلس التشريعي): رام الله 21/12/2006.
2. مقابلة مع فريد مرة (ناشط سياسي واكب العديد من محاولات التحالف بين القوى اليسارية الفلسطينية): رام الله 18/12 2006.
3. مقابلة مع تيسير عاروري (سياسي وأكاديمي شارك وواكب العديد من محاولات التحالف بين القوى اليسارية): رام الله 28/11/2006.
4. يزيد الصايغ وخليل الشقاقي: إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية- التقرير الختامي، تقرير فريق العمل المستقل لتقوية مؤسسات السلطة الفلسطينية، منشورات مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط، ص 25.
5. مقابلة مع حيدر عوض الله (عضو المكتب السياسي لحزب الشعب): رام الله 26/11/2006.
6. مقابلة مع أحمد مجدلاني (عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي): رام الله، 23/11/2006.
7. مقابلة مع سهام البرغوثي ( عضو المكتب السياسي في "فدا"): رام الله، 18/12/2006.
8. عبد الله عبد الله (عضو المجلس التشريعي عن قائمة فتح) مداخلة في ورشة عمل نظمها برنامج دراسات التنمية- جامعة بيرزيت لمجموعة عمل مركز بخصوص تجربة "البديل" بتاريخ 24/12/2006.
9. مقابلة مع أحمد مجدلاني (عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي): رام الله، 23/11/2006

No comments: