Tuesday, November 11, 2008

إشكالية التشريعات العمالية والعجز الذاتي للقيادات (1)

إشكالية التشريعات العمالية والعجز الذاتي للقيادات (1)

محمد علي خوجلي

ازالة آثار مايو» كان من بين شعارات انتفاضة الجماهير في 5891م وشعارات الجماهير صادقة وهي التي تحدد اولويات النشاط، ومعانيها ذات علاقة بالمستقبل.. وهي قد تنجز او تؤجل لكنها لا تموت. انجازها هو تحولها الى برنامج عمل تفصيلي، مهمة العمل القيادي. اما اهمالها فقد تكون من اسبابه: الفشل في الاستيعاب او العجز الذاتي للقيادات عند التنفيذ او اختيار القيادات لاولويات اخرى. ومع مرور الوقت يتم الانقلاب على تلك الشعارات وتحاول القوى المعادية لها نزعها من ذاكرة الجماهير باشعالها. وابتذلت القوى المعادية شعار «ازالة آثار مايو» بدءًا بالتساؤل عما اذا كان من بين الآثار قاعة الصداقة والبنايات الاخرى او مصانع السكر «مثلاً» وهكذا حال كل شعار آخر.
ومن الشعارات التي تم الانقلاب عليها.. رأس نميري مطلب شعبي!! حيث من المعلوم ان نميري ترشح فيما بعد لرئاسة الجمهورية وتحدث الترابي ونقد عن صداقتهما له ببراءة..!!
وقوانين مايو من آثار مايو، ترسانة ضخمة غطت كل مساحات الحياة لدرجة ان الزوج وزوجه يتأكدان من حمل اوراقهما الثبوتية قبل ارتياد اية حديقة عامة. لتفادي ما قد يواجهان من اتهامات بخلوة غير شرعية او شروع في زنا ، وقانون الخدمة الوطنية الالزامية، والتنظيمات شبه اليسارية، ووقتها كان من نماذجها «الحرس الوطني» على شاكلة «الحرس الثوري» من آثار مايو وشراكة الثوريين والشيوعيين السابقين مع سلطة انقلاب مايو 96، عندما رأت الشراكة ضرورة عسكرة الشعب من «طلائع مايو» الى «الحرس الوطني» والمعسكرات التي قوامها طلاب وطالبات الجامعة للدفاع عن مبادئ ثورة مايو الاشتراكية وردع مليشيات القوى الرجعية بقانون 0791م الذي ايقظه الاسلاميون الانقاذيون من سباته العميق لعسكرة الشعب للدفاع عن المشروع الحضاري وتأمين سلطة الرأسمالية الجديدة بالقانون الاشتراكي. القيادات واحدة مع اختلاف الوان القمصان والشمولية واحدة بهذا الغطاء او ذاك. و«الدفاع الشعبي» و«المليشيات متعددة الاسماء» والوية الدبابين بما في ذلك اللواء الالكتروني هي من جنس الحرس الوطني موديل 0791م.
وذلك يؤكد صدق شعارات الجماهير، ومآلات اهمالها. ويفضح العجز الذاتي للقيادات «المناهضة للديكتاتورية والشمولية سبب فقر العمل القيادي وادمان الطعن في ظل الفيل والاستغراق في الشكليات والسير فوق الاخطاء بديلاً لنقدها والتعلم منها ويتواصل انفصال القيادات عن القواعد والجماهير.
ان النقد الذاتي للاستاذ محجوب شريف عن اشعاره «من آثار مايو» بالرغم من تأخره واغفال بيان اسباب الوقوع في الخطأ، وهي مهمة حتى لا يعتبر النقد تراجعاً عن الخطأ، الا انه نقد صادق بدلالة علانيته امام الجماهير، وهذا يتوافق مع سلوك وقيم محجوب واخلاق الثوريين «القدماء»!! بما اكسبه المزيد من احترام الشعب وحب الجماهير. اما القيادات الاخرى السياسية وغيرها التي شاركت في صناعة مايو سراً وعلانية وعمدتها بدماء «اليمين الرجعي» والشيوعي «حقا» فانها تقود اليوم حكومات السودان ومعارضته الرسمية بلا وجل فانها تنظر للنقد «كاساءة» وترى في النقد الذاتي انتقاصا من قدر القيادات ومكانتها الرفيعة. فكل من ينتقد سياساتهم او مسالكهم هو «العدو الاول» ويأتي «العدو الطبقي» في المرتبة الاخيرة، ويتم تزوير وقائع الماضي القريب والحاضر الذي نعيش، وتتداخل مواقع القيادات حتى يصبح الفرق بين قادة جهاز الحزب الشيوعي وقادة حزب المؤتمر الشعبي هو حرف «الباء». وفي موضوعنا فان القائد الشيوعي «السابق» محمد ابراهيم نقد وبعض من رفاقه مطالبون بنقد ذاتي علني امام الشعب تشبها بالاستاذ محجوب عن عرقلة نفاذ «قانون العمل الموحد 1791» اهم التشريعات العمالية والذي اعتبره السيد نقد وقتها «خرابا للبلاد والعباد»! ان طعن الطبقة العاملة صرف النظر عن نسبتها من السكان في السودان او عدديتها داخل حزبها الشيوعي لهي جريمة كبرى. سحبوا التشريع العمالي ولم يسحبوا القانون الذي اباح للانقاذ تكوين المليشيات!

محمد علي خوجلي






إشكالية التشريعات العمالية والعجز الذاتي للقيادات (2/2)


القيادات في الحكم او المعارضة الرسمية لا شأن لها امس واليوم بالتشريعات العمالية فالاولوية دائماً للانتخابات. ولكل شيء سبب. القيادات في الحكم تعمل على «التمكين ديمقراطياً» والمعارضة الرسمية تسعى لشغل مواقع الحكم. ولكل هدف غطاء ولكل غطاء وسائله فتكون استراتيجية المعارضة الرسمية في حدود الضغوط على النظام حتى قيام الانتخابات واستراتيجية الحكومة التضييق على المنافسين حتى قيام الانتخابات، وعلى العاملين والمفصولين والمشردين الانتظار حتى العام 2102م!!
ومن بين الضغوط مطالبة المعارضة للحكومة برد كل ممتلكات الاحزاب المصادرة مع التعويض المجزي حتى تتمكن من تنظيم صفوفها والاستعداد للانتخابات المقبلة «وهذا لا علاقة له بتمويل الدولة للاحزاب لذات الانتخابات»، او كما قال رئيس التجمع الوطني الديمقراطي «المعارض» في خطابه بالمدينة المنورة «للمهنئين بعيد الفطر المبارك» والذي انتقد فيه الحكومة لانها تدفع للآخرين الا الحزب الاتحادي الديمقراطي. ورئيس التجمع لم يطالب بتنفيذ اتفاقية المصالحة الوطنية التي وقعها «اتفاقية القاهرة» بالرغم من انها تتضمن اكثر من مطالبته، هل هذا يعني ان القيادات تطالب بحقوقها وحدها في الاتفاقية دون حقوق العاملين؟
كما افاد رئيس التجمع بان الاحزاب يمكنها الذهاب للمحاكم لاخذ هذه الحقوق.. الى آخر ولا اخفى امنيتي بتوجه الاحزاب نحو المحاكم حتى تتعرف على «الآخرين» الذين قبضوا من غير الذين اقروا بقبض جزء من حقوقهم! ومعروف ان هناك عاملين فقدوا مصادر ارزاقهم بسبب ان الحكومة افترضت انهم من اتباع تلك القيادات.. واضطر بعض العاملين المشردين لبيع ممتلكاتهم. البائع لن يتمكن من استرداد ما باع. هنا المصادرة افضل من البيع حيث يتم رد الممتلكات المصادرة وبالحال التي كانت عليها قبل المصادرة. اما اذا تغيرت حالتها كان اقامت الحكومة طابقاً اضافياً ثالثاً على مبنى مصادر من طابقين فان «الوكيل» يستطيع المطالبة بازالة الطابق الثالث واذا ابدت الحكومة تخوفها من تأثر الطابقين فان عليها ان تدفع تعويضاً مناسباً لتغيير حالة المبنى!! ولا يكتفي بذلك بل يطالب ايضاً بالتعويض المجزي عن فترة المصادرة «ايجار المثل»!
ان ساحة العاملين اهم مكونات الساحة السياسية السودانية، وموقف القطاع الحديث من هذا القسم او ذاك من القوى السياسية له اهميته ونتائجه. واهمية ساحة العاملين تكمن في مدى تأثيرها على السلبيات العامة. والمفصولون والمشردون جزء اصيل من هذه الساحة. ومع العولمة الاقتصادية يواجه العاملون صنوفاً من العنت وقسوة الحياة وتضعف تنظيماتهم فنموذج العولمة الرأسمالية يهدف الى الغاء النقابات او الهيمنة عليها او اضعافها لتمرير سياساته المالية ولذلك نجد دعاوى تعارض العمل بمبدأ الحد الادنى للاجور، وتنكر حتى وجود التشريعات العمالية التي تتدخل فيها الدولة بعد تكريس سياسات السوق الحر. وبالضرورة فان القوى المناهضة للعولمة الرأسمالية يجب ان ترفع وتائر اهتماماتها بساحة العاملين والتشريعات العمالية وحرية التنظيم النقابي.
والتشريعات العمالية والتنظيمات النقابية جناحا طائر. فالنقابات تدافع عن حقوق العاملين المكتسبة والتشريعات العمالية تقرر الحقوق المعرضة للضياع بسبب العولمة الاقتصادية. والنقابات تكافح لتحسين التشريعات وتعمل على تنزيلها الى ارض الواقع بوسائلها. ومجرد وجود قانون نقابات ديمقراطي لا يعني تحول النقابات مباشرة الى نقابات ديمقراطية! او ان العاملين سيحصلون على كل حقوقهم. واكدت التجربة ان وجود النقابة الديمقراطية وحده لا يكفي وان العمال يؤمنون بالمكاسب الملموسة لا الاماني المجردة.
احصى التجمع الوطني «المعارض» القوانين في حاجة للتعديل وخلافه. «61» قانوناً. من بينها فقط، «3» قوانين عمالية! واقام له لجنة من قانونيين وخبراء من غير القانونيين فما هي نتائج اعمال تلك اللجنة؟ تقدم المؤتمر الوطني بمشروع قانون الخدمة المدنية، واجيز بالاجماع بعد اجراء اكثر من «27» تعديلاً غير جوهري بدلالة ان الخدمة المدنية لم تتأثر. ولا تزال القيادات تطالب بالقومية «ولم يطلع جمهور العاملين على قانون بديل ولم يطالب المنادين بالقومية بإعمال مبدأ مراجعة شاغلي الوظائف الحاليين، ولا تصحيح الاخطاء بعد الغاء مادة الفصل التعسفي في القانون فجاء القانون تمكيناً للانقاذيين «ديمقراطياً» ، والمطالبة المقصودة هي تقديم اقتراحات محددة للتصويت عليها بصرف النظر عن النتيجة الى آخر ما لم يحدث ويفضح العجز الذاتي للقيادات سبب فقر اساليب العمل القيادي.
وينشب نزاع ضخم بشأن نظام التأمين الصحي لا يجد اهتمام القيادات «المعارضة» وكأن النزاع بين حكومة الوحدة الوطنية وولاية الخرطوم، او بين الصندوقين القومي والولائي، والجماهير ولا شأن لهم بذلك. ولعن كتاب وصحافيون وبعض قيادات تجربة التأمين الصحي علماً بان اية انتفاضة انتخابية لن تلغى نظام التأمين الصحي او تتخذ قرارات بمجانية العلاج. ونظام التأمين الصحي يهم ساحة العاملين واطرافها الضعيفة من معاشيين ومفصولين ومشردين بل ويهم نسبة الـ 59% من الفقراء وكان من اهداف الحركة النقابية التاريخية ، واستطاع عدد من النقابات في الحقب السابقة الحصول على مكاسب بالتفاوض مع اصحاب الاعمال باقامة صناديق لعلاج العاملين وافراد اسرهم. هل قانون التأمين الصحي ضمن الواحد وستين قانونا؟ هل تتضمن برامج الاحزاب السياسية مثل هذه القضية وخلافها من قضايا الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي؟
ومنذ العام 5002م ومشروع قانون العمل الاطاري قيد النظر. ثم جاء مشروع 6002م وجميعها لم تر النور مرة بسبب معارضة اصحاب الاعمال لالغاء مادة الفصل التعسفي ومرة بسبب رفض المخدمين تخفيض ساعات العمل الاسبوعية والعطلة الاسبوعية ومرة بسبب رؤية وزارة العدل الخاصة بالفصل بين القوانين العمالية... كل ذلك يجري منذ تعديلات 4002م دون ان تبدي القيادات اية افكار دعك من مشروع قانون بديل. وتهتم المعارضة الرسمية بقانونين: قانون المنظمات التطوعية او «الجمعيات الاهلية»، وقانون النقابات، والاسباب معلومة، وبمناسبة مشروع قانون النقابات فقد تم تسريب معلومات غير صحيحة للصحف اليومية تفيد مرة بان كتلة التجمع اعدته مع مشروعين آخرين خلال عطلة المجلس الوطني، وفي مرة ان المشروع اعدته لجنة من سبعة عشر حزباً.. الى آخر المعلومات التي هدفها تغطية العجز الذاتي للقيادات وبعث الحياة في الموتى.
ومشروع قانون النقابات هو جهد لم يكتمل بعد واختطفته قيادات.. واكتماله يتم بعد مناقشة قواعد العاملين له والنقابات وايضاً اتحاد نقابات عمال السودان «الرسمي» فقانون النقابات يستمد شرعيته من موافقة الجمعيات العمومية للعاملين لا قيادات الاحزاب ولا قيادات التجمع ولا التضامن النقابي، والانتقاد الاساسي لقانون النقابات الحالي انه من صنع الحكومة، فكيف يجوز لقيادات معارضة فرض ذات الوصاية على ما يخص العاملين وحدهم؟
والمشروع غير المكتمل هو تجميع لجهود النقابيين القدامى في التجمع الوطني منذ العام 7991م والذي تم نشره لاول مرة بالصحف اليومية صحيفة «الاضواء» في 3002م واعيد النظر فيه في العام 6002م «مركز الحقوق النقابية» واضيفت له بعد ذلك مساهمات لجان الحقوق والحركة الشعبية «مبادرة وزير الدولة للعمل» والتي اجازها التضامن النقابي بعد المناقشة والتعديل. والتضامن النقابي ليس فصيلاً من فصائل التجمع ولا حزبا سياسياً ضمن الاحزاب الـ«17». وما نشر في الصحف عن المشروع هو منتهى البؤس..!
وها هي الحركة الشعبية، تدفع ايضاً بتسعة قوانين بديلة لوزارة العدل لا منضدة المجلس! ومن بين هذه القوانين ذات القوانين التي اشارت الصحف اليومية بان التجمع اودعها المجلس الوطني «الامن، الصحافة والمطبوعات، النقابات» ولا نعلم هل مشروع النقابات المقدم من الحركة الشعبية هو ذات مشروع القانون الذي اقترحته على التضامن النقابي ام لا. لكن كل ذلك لن يؤثر في سير برنامج اللجان العمالية في مناقشة مشروع قانون النقابات الذي اجازه التضامن النقابي مع القواعد العمالية والا فلا معنى لشعار ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية.
ومعلوم ان ولاية الخرطوم اقامت صندوقاً لمعاشات العاملين بالولاية مستقلاً عن الصندوق القومي للمعاشات بالدستور وهذا تطور جديد رتب نتائج «ثلاث سنوات لم تربط معاشات الذين احيلوا للتقاعد من العاملين بولاية الخرطوم» مبالغ العاملين في ذمة الصندوق القومي، الراغبين في التحويل من القومي الى الولائي من المعاشيين.. الى آخر ولا تهتم القيادات باي شيء من ذلك... ومطلوب من هؤلاء التصويت في الانتخابات لذات القيادات التي لا تهتم بما يمس حياتهم!!
ونفد صبر ولاية الخرطوم انتظاراً لمشروع قانون العمل الاطاري واعدت مشروع قانون العمل بالولاية التي يقيم فيها ثلث سكان السودان ويوجد بها حوالي 06% من العاملين وحوالي 56% من المعاشيين في انظمة المعاشات المختلفة، فماذا نحن فاعلون؟
محمد علي خوجلي

No comments: