Monday, May 26, 2008

التنظيم القانوني لوقت العمل في قانون العمل (1-2(

التنظيم القانوني لوقت العمل في قانون العمل (1-2(

محمد علي خوجلي

في حقبة هيمنة رأس المال المالي والقطبية الآحادية يتركز نضال العمال على قضايا مثل الحفاظ على فرص العمل وتنظيمه والتدريب المهني والضمان الاجتماعي. وتبرز قضايا (قديمة) باشكال جديدة مع اشتداد حدتها. فالمطالبات بزيادات الاجور كانت تؤسس على وجوب مواكبتها لارتفاع غلاء المعيشة اما في الحقبة الراهنة فانه بالاضافة الى ذلك تثار مسائل: زيادة الانتاجية، درجات المهارة، وطبيعة العمل من حيث الشدة والجهد البدني او العصبي الذي تفرضه على العامل. اما تقليل ساعات العمل فالمطالبة القديمة اعتمدت على خفض شدة الاستغلال اما المطالبة اليوم بتقليل ساعات العمل فلها علاقة مباشرة بتقليص البطالة وتوفير ظروف تطور العامل مهنياً وثقافياً.. فاهم مطالب العمال في الدول الصناعية الكبرى والدول الرأسمالية هو تقليل ساعات العمل مع المحافظة على الاجر الكامل. وانتقل مطلب خوض ساعات العمل الى دول اخرى فالعمال في فنزويلا طالبوا بخفض ساعات العمل وعطلة يومين في الاسبوع وكذلك رفع ذات المطلب العمال في دولة البحرين وعمال دولة العراق المحتلة..الخ خمسة ايام عمل في الاسبوع ست ساعات عمل يومياً وخمسة وعشرين ساعة عمل في الاسبوع للاعمال الشاقة..
ونذكر انه قبل الحرب العالمية الاولى كانت ساعات العمل طويلة جداً وكل العالم تقريباً كان يعتبر تخفيضها امراً غير قابل للتطبيق.. مؤتمر العمل الدولي الاول في واشنطن عام 1919م توصل الى اتفاق لتحديد ساعات العمل في ثماني ساعات يوميا و48 ساعة عمل أسبوعياً وهذه هي الاتفاقية رقم (1) لمنظمة العمل الدولية. وجاءت الاتفاقية رقم (47) بتقليص ساعات العمل الى 40 ساعة في الاسبوع اي ستة ايام عمل. وهذه من معايير العمل الدولية..
تظل النقابات هي الطرف الرئيسي المعني بتحسين شروط العمل. واتحاد نقابات عمال السودان اعلن أنه كان له القدح المعلى في مشروع قانون العمل الاطاري الذي جاء متسقاً مع معايير العمل الدولية ولا اذكر ان اتحاد العمال طلب من قواعده العمالية ومنظمات المجتمع المدني ذات الاختصاص او المراكز البحثية او المهتمين بقضايا العمل والعمال المساهمة في تقديم مقترحاتهم حول مشروع قانون العمل الاطاري الذي اتفق فيه اتحاد العمال مع الحكومة واتحاد اصحاب العمل.
ولا يخفي ان السيطرة الخارجية على التنظيمات العمالية تعيق تحسين شروط الخدمة سواء بشكل مباشر او غير مباشر. فبشكل مباشر لا نجد في الواقع من يتابع مصالح العمال والعمل وبشكل غير مباشر فانه في حالة ضعف النقابات كثيرا ما لا تطبق حتى قوانين العمل المختلفة، ولا ترتفع الاجور او لا ترتفع بشكل متكافئ مع ارتفاع الانتاجية و(حد الكفاف) ونتيجة لذلك يظل الاستثمار في قوة العمل هزيلاً. وتميل ساعات العمل لان تكون طويلة بالرغم من النص في القانون على الحد الاقصى لساعات العمل.. وتتراجع شروط العمل.
وكثيرون يدركون حقيقة الشعارات التي تطلق في الهواء تضليلاً للعمال بقصد تجميد الاوضاع او حتى تحقيق اهداف اخرى متناقضة مع ما يتم اطلاقه. وما يطلقه اتحاد العمال من تصريحات حول اتساق قانون العمل مع معايير العمل الدولية يشبه ما يدعيه عن الديمقراطية النقابية او صندوق دعم المتأثرين بالخصخصة!. وليس اتحاد النقابات وحده فعلي المستوى الوطني يوجد الى جانبه قوى سياسية كثيرة تنتهج ذات المنهج حتى اذا ادعت دفاعها المستميت عن مصالح العمال وفقراء المدن وكذلك المؤسسات الدولية المالية، اذرع رأس المال المالي وادواته. فعقب اعتماد منظمة العمل الدولية لاعلان المبادئ والحقوق الاساسية في العمل اوضح البنك الدولي موقفه بان البنك اتخذ موقفا لا يشوبه الالتباس حول (عمل الاحداث والعمل القسري، والتمييز) بما يتفق وينسجم مع التنمية الاقتصادية.
لكن موقف البنك في الحقيقة الذي اعلنه هو مجرد (اعلام) او دخان في الهواء فالبنك لم يربط موقفه بسياساته التشغيلية او يجعلها من شروطه لمنح القروض والمنح. وفي الحقيقة فان البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية ضد تحديد حد ادنى للاجور وضد تحديد حد اقصى لساعات العمل وتطالب الدول برفع اياديها عن الحماية الاجتماعية للعمال. وهي تعتبر كل ذلك من قبيل التصلب في سوق العمل والقيود الحكومية.
ان تدخل تشريعات العمل الحديثة في وضع تنظيم قانوني امر لوقت العمل من الامور الضرورية، حيث ان ترك الحرية كاملة لطرفي عقد العمل لتحديد اوقات العمل ومقدارها يقود الى رهن ذلك في الواقع بارادة صاحب العمل (الطرف القوي للعقد) ومصلحته الخاصة في الحصول على اكبر ربح ممكن بما تملي عليه تشغيل العامل اطول وقت ممكن يلحق الضرر بصحة العامل والذي من المؤكد ان انتاجيته ستقل وعلى المدى الطويل فان صاحب العمل نفسه يتضرر.
وحماية العامل تفرض التنظيم القانوني الامر لأوقات العمل عن طريق تحديد حد اقصى لساعات العمل وتوفير راحة اسبوعية للعامل. والتنظيم القانوني لوقت العمل يخضع له كل الذين ينطبق عليهم قانون العمل سواء كانوا يعملون بعقودات او بلا عقود عمل مع وجود بعض الاستثناءات (الاحداث، النساء، فئات من العمال كعمال الحراسة والنظافة والشحن والتفريغ والدفاع المدني ووكلاء اصحاب العمل..ولذلك فان قانون المخدم والشخص المستخدم (49) في السودان عندما حدد ساعات العمل في حدها الاقصى بثماني ساعات ونصف نص على ان لا تسري على الحراس والمراسلات والكتبة والامناء وبحارة المراكب والمقررون والمتجولون)
وقانون العمل الساري في السودان عام 1997م، ومشروع قانون العمل الاطاري لعام2007م قيد بحثنا نصا على انه يجوز لمكتب العمل بموجب امر بعد التشاور مع مجلس علاقات العمل على تعديل ساعات العمل او فترات الراحة لبعض فترات من الستة او لبعض فئيات من العمال حسب طبيعة العمل ونوعه.
والحد الاقصى لساعات العمل لا يدخل فيه الوقت الذي يستغرقه العامل في الانتقال الى مكان العمل والعودة منه، ولا الوقت الذي ينفقه العامل في ارتداء ملابس العمل في بدايته او خلعها عند نهاية العمل. وذلك بخلاف العمل في باطن الارض حيث يعتبر الزمن المستغرق من سطح الارض الى باطنها والخروج جزءاً من ساعات العمل. وقانون العمل الساري في السودان وكذلك المشروع الاطاري حددا ساعات العمل العادية بثماني ساعات في اليوم أو (48) ساعة في الاسبوع تتخللها فترة للراحة مدفوعة الاجر لا تقل عن نصف ساعة في اليوم للطعام او الراحة. وفي حين ان قوانين عمل 48 و 81 و97 ومشروع العمل الاطاري حددت فترة الراحة اليومية بنصف ساعة مدفوعة الاجر الا انه بالنسبة للنساء والاحداث فان فترة الراحة اليومية لا تقل عن ساعة مدفوعة الاجر ولا يجوز ان تمتد فترة العمل لخمس ساعات متصلة دون ان تتخللها فترة راحة.
وبالنسبة لمواعيد تشغيل النساء فان قانون العمل السوداني الساري نص على انه لا يجوز تشغيل النساء بالوردية الليلة او الفترة ما بين العاشرة مساء والسادسة صباحاً باستثناء العاملات بالخدمات الاجتماعية والصحية والعاملات في الاعمال الادارية والمهنية والفنية على انه يجوز لمكتب العمل بعد التشاور مع لجنة الاستخدام الولائية السماح بعمل النساء ليلا بشرط يتم الاتفاق عليها.
وخفض قانون العمل ساعات العمل العادية للاحداث الى سبع ساعات مع عدم جواز تشغل الحدث لاكثر من اربع ساعات متصلة. والجدير بالذكر ان عمال المنشات الصناعية في معظم دول العالم، الحد الاقصى لساعات عملهم سبع ساعات ومنها جمهورية مصر العربية التي قررت ذلك منذ العام 1961م مثلما قيدت ساعات العمل الاضافي لذات عمال المنشآت الصناعية باثني عشر ساعة في الاسبوع كحد اقصى.
وكذلك خفض قانون العمل ومشروع قانون العمل الاطاري، ساعات العمل اليومية ساعة واحدة في اليوم للعمال الصائمين خلال شهر رمضان. ومشروع قانون العمل الاطاري وحد مواعيد تشغيل النساء والاحداث ما بين الثامنة مساء والسادسة صباحاً لكن ساعات العمل في حدها الاقصى ظلت كما هي ثماني ساعات للنساء وسبع ساعات للاحداث. اما بالنسبة للنساء فقد اتفق القانون الساري والمشروع على خفض ساعات العمل واحدة لمدة سنتين (ساعة الرضاعة) من تاريخ الولادة مدفوعة الاجر.. لكن الملاحظ انه بالنسبة لمشروع قانون العمل الاطاري فانه حذف جزءاً من المادة (21) والتي تنص على انه لا يجوز تشغيل الاحداث لساعات اضافية او تشغيلهم ايام العطلات الاسبوعية او الرسمية او التنازل عن الاجازات السنوية او تأجيلها او قطعها وهو ما تأخذ به القوانين في معظم الدول النامية، ولذلك فان استمرار النص في مشروع قانون العمل الاطاري يكون ضرورة لاتساقه مع معايير العمل الدولية وحماية الاحداث.
وتخفيض ساعات العمل لبعض الفئات او الصناعات، عندما تقرره السلطات الرسمية يكون الزامياً بالنسبة لصاحب العمل ولا يستطيع الرجوع فيه بارادته. لكن اذا خفض صاحب العمل ساعات العمل برغبته دون الزام من قانون او لائحة او عقد عمل او اتفاق جماعي فان صاحب العمل له الحق في العودة الى الحد الاقصى لساعات العمل. فصاحب العمل يملك حق تنظيم العمل اليومي بحسب حاجة العمل وظروف الانتاج. ويلتزم العامل باداء عمله حسب التنظيم الموضوع بشرط الا يتعارض مع القانون، وقد يخفض صاحب العمل ساعاته الى ست ساعات او اقل يومياً فاذا رأى انه لصالح العمل توجد ضرورة لتعديل النظام وزيادة ساعات العمل الى الحد الاقصى المقرر قانوناً. فلا يجوز تمسك العمال بالست ساعات (كحقوق مكتسبة) والنظام القديم قبل التعديل والمطالبة باجرة عمل اضافي. ومعروف ان التخفيض في عدد ساعات العمل لا يعني تخفيض اجر العامل سواء كان التخفيض الزاميا بقانون او لائحة او اتفاقية جماعية او عقد عمل مشترك..الخ او قام صاحب العمل بتخفيض ساعات العمل من تلقاء نفسه.
وفي السودان كثيرا ما وردت في اتفاقيات العمل الجماعية نصوصا تخفض ساعات العمل ساعتين للعمال المسيحين كل يوم احد ولكن قانون العمل لم يتطرق لذلك.. والظروف الراهنة الاقتصادية انتجت واقعا جديداً فرض على بعض العاملين العمل في اكثر من منشأة في وقت واحد، او قبول اصحاب العمل تشغيل عاملين لبعض الوقت. ويستفيد العامل بزيادة الدخل ويستفيد صاحب العمل بخفض تكلفة العمالة (الاجازات، المعاشات، والتأمينات) لكن ذلك يتناقض اصلا مع مبدأ تحديد الحد الاقصى لساعات العمل واهدافه حتى لا يقوم اصحاب العمل باستغلال العمال ومحافظة العمال على صحتهم. فالعمال يزيدون دخولهم مؤقتاً ولكنهم في النهاية يدفعون الثمن باكثر مما كسبوا ومن جهة ثانية فان العمل لبعض الوقت والعمل في اكثر من منشأة يتسبب في حرمان الذين لا عمل لهم من الالتحاق بفرص عمل كانت ستكون متاحة اذا تم الالتزام بالتنظيم القانوني لوقت العمل. فيكون من المقترحات المناسبة. النص في مشروع قانون العمل الاطاري انه:
لا يجوز للعامل ان يعمل في اكثر من منشأة واحدة، كما لا يجوز تشغيل العامل وقتاً اضافياً او استخدام عمال يعملون بمؤسسات اخرى لبعض الوقت.

No comments: