Thursday, May 29, 2008

الطرد والابعاد الجماعي للعمالة الأجنبية

الطرد والابعاد الجماعي للعمالة الأجنبية

محمد علي خوجلي

وصل إلى طرابلس – ليبيا- وفد سوداني يتولى مهمة معالجة اوضاع السودانيين المقيمين واصحاب تراخيص العمل في المهن المختلفة خاصة من يحتاجون لوثائق ثبوتية كذلك يقوم الوفد باجراء لقاءات مع مجموعات السودانيين المختلفة خاصة الذين لا عمل لهم أو يمارسون مهناً هامشية لاقناعهم بالرجوع للسودان. واثارة المستحقات المالية وممتلكات العائدين لدى الجهات الليبية العامة والأهلية والافراد.. واجراء عملية حصر السودانيين وتنظيم عودتهم للسودان وحصر المنتظرين في السجون الليبية والمحكومين بحيث يتم محاكمة المنتظرين او اطلاق سراحهم وترحيل من يتم الاتفاق عليهم لاتمام بقية عقوبتهم في السودان وذلك في اطار الاتفاقيات الثنائية والاقليمية والدولية الانسانية. وان جولة الوفد السوداني ستشمل مدن: طرابلس، بنغازي، سبها، سرت وما حول تلك المدن. وان زيارة الوفد السوداني تأتي في اطار التعاون بين البلدين لانفاذ قرارات ليبيا الخاصة بتنظيم العمالة الوافدة وتواجدها بصورة قانونية مع مراعاة الجانب الانساني في التنفيذ. هذا ما جاء بجريدة (الأيام) الغراء 18 يونيو الجاري.
إذن كما نشكو في السودان من العمالة الأجنبية الوافدة، والمتزايدة ومنهم الذين لا عمل لهم او يعملون في اعمال هامشية وكما نتحدث عن أصحاب العمال وتراخيص العمل في المهن المختلفة من الأجانب وبالذات في الاقليم الجنوبي فأنهم في ليبيا يتحدثون في ذات الموضوع والذي يشمل العمالة السودانية في ليبيا.. والحقيقة ان دولاً أخرى بخلاف ليبيا تشكو من العمالة السودانية الوافدة وهناك سجون اخرى تعج بالسودانيين رجالاً ونساءاً.. الخ ولوجود اتفاقية مع ليبيا فان التعاون بين الحكومتين قائم لمساعدة ليبيا فيما اتخذته من قرارات بشأن تنظيم العمالة الأجنبية.
والأمر يهمنا خاصة وانه سبق لاعضاء في المجلس التشريعي القومي السوداني ان طالبوا بطرد العمالة الاجنبية الوافدة وبالذات من دول الجوار. وحاولت في مقالات سابقة اثارة الانتباه لملايين السودانيين بالخارج وأهمية احصاءهم وكذلك احصاء العمالة الاجنبية بالسودان. ومعلوم ان قانون العمل على مستوى جميع الدول ومنها السودان في ازمة حقيقية للمستجدات الكثيرة في سوق العمل الدولي واثار العولمة الاقتصادية واقتصاد السوق الحر على حماية العمال المنتجين الوطنيين وايضا الأجانب.. والمجلس الوطني القومي سينظر خلال دورته الحالية قانون العمل السوداني الجديد 2007م والذي يتضمن معالجة استخدام غير السودانيين حيث يلغي المشروع المقدم قانون استخدام غير السودانيين للعام 2001م وقد وجدت انه قد يفيد الحوار عرض مسألتين من خلال القانون الدولي العام والقانون الدولي للعمل كأحد فروعه وهما: 1/ الطرد والابعاد الجماعي للعمالة الاجنبية 2/ حقوق العمالة الأجنبية وحدود الحماية الدولية لهذه الحقوق.
اهتم القانون الدولي العام بوضع القواعد التي تحدد المركز القانوني للأجنبي وحقوقه كانسان وحدود سلطة الدولة المستقبلة في ابعاده. ومعروف ان مبدأ قبول الاجنبي في اقليم دولة اخرى غير دولته من المبادئ الاساسية التي استقر عليها العمل الدولي. وأهم أسباب اقامة الأجنبي على اقليم دولة أخرى غير دولته هي الرغبة في ايجاد فرصة عمل مناسبة. وهناك بالطبع اسباب اخرى ثانوية كالعلاج والسياحة والتعليم لكن ايضاً توجد اسباب القمع السياسي او الديني او العرقي.
والمبدأ العام لقبول الأجنبي في اقليم الدول الأخرى مقيد. حيث انه لكل دولة الحق في تنظيم دخول الأجانب على اقليمها بل ولها الحق في عدم قبولهم للاسباب الموضوعية التي تراها. والثابت في الممارسة ان حق الأجنبي في الدخول في اقليم دولة أخرى غير دولته رهين بموافقة الدولة صاحبة السيادة على الاقليم. ومعروف ان الاتفاقيات الثنائية ومبدأ المعاملة بالمثل لها دورها.
ونتيجة لتزايد الاهتمام الدولي بالفرد بوصفه انساناً وبصرف النظر عن انتمائه الوطني فان متغيرات العصر اكدت على الاعتراف لغير المواطنين بعدد من الحقوق والحريات من بين المبادئ الأساسية التي يتعين على كل دولة الالتزام بها في نطاق علاقاتها المتبادلة مع غيرها من اعضاء الجماعة الدولية. ومن هذه الحقوق الحق في التمتع بالشخصية القانونية حيث تقرر المادة (9) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان أن:
(
لكل انسان أينما وجد الحق في ان يعترف به كشخص أمام القانون) كما نصت المادة (16) من العهد الدولي الحقوق المدنية السياسية 1966م على أن: (لكل فرد الحق في ان يعترف به كشخص أمام القانون).
وحقوق الشخص امام القانون منها: حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية وحرمة المسكن في حدود ومقتضيات النظام العام والآداب في الدولة التي يوجد على اقليمها، والحق في ابرام العقود وحق التصرف في امواله..الخ التصرفات القانونية التي لا تتعارض مع مصالح الدولة المستقبلة.
وللأجنبي ايضاً الحق في الحماية، أي التزام الدولة بتوفير الحماية المعتادة التي توفرها لمواطنيها في الأحوال العادية (باستثناء الدبولماسيين). وبمقتضى حق الاجنبي في الحماية فانه يحق له اللجوء إلى القضاء الوطني للدولة دونما تمييز بينه والوطني.
وطبيعي ان يكون للأجنبي الحق في مزاولة النشاط الاقتصادي وهذا الحق تنظمه دائماً الاتفاقيات الثنائية. ويجد هذا الحق سنده الواقعي في حقيقة ان حياة هذا الاجنبي داخل الدولة المستقبلة تتطلب كما الوطنيين مزاولة اي نوع من انواع النشاط بما يكفل له ولافراد اسرته مورد رزق مناسب لكن المهم ان الاعتراف بهذا الحق لا يمنع الدولة المستقبلة من وضع الضوابط التنظيمية التي تكفل في نهاية الأمر الحيلولة دون منافسة الأجانب للوطنيين سواء في مجال التملك أو ممارسة بعض أنواع النشاط الاقتصادي والمهني. وتستطيع الدولة حظر مباشرة الأجنبي لبعض المهن الحرة (الطب، الاستثمارات الهندسية...الخ).
وإذا كان المبدأ العام يقرر الحماية الدولية للعمالة الأجنبية فما هو مدى مشروعية قيام الدولة المستقبلة للأجانب بابعادهم فجأة إلى خارج اقليمها او اعادتهم إلى دولهم الأصلية؟
ان الفقه القانوني الدولي فرق بين الذين دخلوا الدولة بطرق قانونية والذين دخلوا بغير الطرق المشروعة، والذين دخلوا قانونياً فان القواعد العامة تقضي بعدم جواز ابعادهم تعسفياً فالدولة المستقبلة لا يجوز لها- طبقاً للمجرى العادي للأمور- طرد هؤلاء الاجانب وفقا لهواها والغاء الاسباب التي كانت وراء حضورهم إلى اقليمها. اما الين دخلوا البلاد بصورة غير شرعية فانها تستطيع ابعادهم. وبالرغم من ذلك فان سلطة الدولة في هذا الخصوص ليست مطلقة وهي مقيدة بمبادئ القانون الدولي العام.
إن عملية الابعاد او الطرد يجب ان تتم في ضوء الالتزام بحسن النية وليس لسبب آخر مفتعل. ان اجراءات الطرد للعمالة الاجنبية وابعادها بالرغم من انها من سلطات الدولة المستقبلة التقديرية إلا ان طرد العمالة الأجنبية من اقليم تلك الدولة لا يجب ان يمارس بمعزل عن الاعتبارات المتعلقة بحقوق الانسان على وجه العموم والتي تؤكدها المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة.
كما ان إجراءات الابعاد او الطرد التي تنجم عنها اضرار غير عادية بالنسبة إلى الدولة أو الدول التي ينتمي اليها بالجنسية الأجانب المبعدون في مجموعات كبيرة والتي لم تحط علماً بذلك بفترة زمنية كافية تسوغ لهذه الدولة او لتلك الدول الحق في المطالبة بتعويض عن الاضرار التي لحقت بها من جراء ذلك.
وقد استقر العمل الدولي بوجود ثلاث أنواع من الاسباب لابعاد الأجانب:
-
أسباب متعلقة بالقانون العام في الدولة (المحاكمة في جريمة عادية، البطالة، التسول والتشرد..الخ).
-
اسباب سياسية (التجسس، التآمر ضد الدولة او ضد دولة ثالثة).
-
الاسباب ذات العلاقة بمباشرة الأجانب انشطة اقتصادية مهمة داخل الدولة في الوقت الذي قد تعانى فيه هذه الدولة من اوضاع اقتصادية صعبة قد تحملها على التفكير في قصر الافادة من مواردها على مواطنيها دون سواهم.
ونلاحظ أنه منذ منتصف القرن الماضي تزايدت حركة انتقال الأيدي العاملة على اختلاف مستوياتها: العمال العرب من دول شمال افريقيا إلى فرنسا، والعمال الاتراك إلى المانيا والنمسا، والعمال الهنود والباكستانيين إلى بريطانيا، والعمالة المصرية والفلسطينية والسورية إلى دول الخليج والعراق وليبيا وبعض الدول العربية، وهجرة العمالة الآسيوية إلى كل دول الشرق الأوسط. وهجرة العمالة السودانية إلى السعودية والعراق وليبيا ودول الخليج وكندا وأمريكا..الخ. وتعود أسباب انتقال الأيدي العاملة من مواطنها الأصلية إلى اقاليم الدول الأخرى وبالذات المجاورة.
وعلى الرغم من حقيقة ان انتقال العمالة الأجنبية عبر الحدود السياسية الدولية انجح مشروعات تنموية وساعد في بناء هياكل اقتصادية واجتماعية في بعض الدول، وعلى الرغم من حقيقة ان معايير العمل الدولية تتضمن العديد من الضوابط التي تكفل الاحترام الواجب لحقوق العمال الاجانب وتوفير الضمانات الدولية اللازمة لها، إلا ان الملاحظ ان العمالة الأجنبية كثيراً ما تتعرض للضغوط وسوء المعاملة من جانب بعض اصحاب الاعمال واحيانا السلطات الرسمية في الدول وكثيراً ما تلعب المؤثرات السياسية دوراً مهماً في مضاعفة حجم المعاناة والمشكلات التي يتعرض لها العمال الاجانب خارج اوطانهم. وهذه الضغوط تصل احياناً إلى حد التجاوزات الواضحة التي تصادر الحقوق المقررة بموجب احكام القانون الدولي للعمل كما قد تبلغ حد المساس بالأشخاص وكرامتهم كبشر.
وهذا يفتح لنا الباب لتسليط الضوء على حقوق العمالة الأجنبية وحدود الحماية الدولية التي يضمنها القانون الدولي للعمل كفرع من فروع القانون الدولي العام لهذه الحقوق


No comments: