Saturday, May 31, 2008

الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني

الأيام العدد 9102 الخميس 8/5/2008

الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني

مناور لا مبادئ له .. سحق الحزب ليصبح سيده!! (1-2)

محمد علي خوجلي

نقدر عاليا دعوة تاج السر عثمان بابو عبر جريدة الايام المحترمة الى التقويم الناقد لتجربة الحزب الشيوعي السوداني، وحصر وانتقاد المواقف الخاطئة ببيان مواقع الحزب في الجمود الستاليني مع اعلاء مبدأ النقد والنقد الذاتي.
ولا اخفي انني عجبت فما من شئ بلا سبب، وهذه الدعوة، واستجيب عبر قائمة اخرى وبخلاف ما يهتم به اخرون من بين الرهط(!) ومراجع العرض ذات مراجع بابو مع تجربة متواضعة. ونبتعد هذه المرة عن المسعى اللاهث خلف النص او ما تفوه به المعلم عبد الخالق محجوب، وكبديل مؤقت نعرض ما كتب او تفوه به قادة جهاز الحزب الحاليين القدامى او الذين عينهم القدامى قبل او في الحقبة الانقاذية الراهنة، وهم جميعا كما نظام الحزب لا يعبرون عن اراء شخصية، وكل ذلك بأمل اجتثاث جذور الانتهازية وكشف افكارها وظلال افكارها (كمان). والانتهازية هي الاتجاهات اليمينية في الحركة العمالية.
وباقرار بابو الصريح باثر الستالينية في النظرية حدد اطار الاستجابة وهو اثر الستالينية في الممارسة وذلك يسعدنا فالممارسة هي معيار الحقيقة ورؤيتنا الثابتة ان تطوير النظرية وتجديد اساليب العمل طريقها تقييم تجاربنا اولا مع تجارب الاخرين، ونعارض مبدئيا "اسر الماضي" وايضا "اعتقال الواقع" بمعنى ان نكون جزءا منه ونصبح جزءا من الازمة في حين المطلوب التعرف على الواقع بدقة لتغييره ونقف بقوة ضد التجديد بالاستلاف او المحاكاة، وندعو لتطوير النظرية وتجديد الاساليب فالنظرية تتطور واساليب العمل تتجدد وللمفردات والالفاظ دلالاتها، فتجديد النظرية هو التراجع وتطويرها هو التقدم..
واحاول ان تكون الاستجابة مستندة على نماذج مختارة من الممارسة ومتسقة مع نقد مشروع تقرير المؤتمر الخامس من مدخل الدفاع عن الحق لا الوصاية.
وكل الاحزاب الشيوعية بما في ذلك الستالينية وقادتها لا يكفون عن التأكيد على استخدام الماركسية كمرشد ومنهج وليس عقيدة جامدة، وهكذا اتفقنا في المؤتمر الرابع 1967م، ولكن في الممارسة نجد الضد، الامين العام للحزب السوفيتي ورهطه برروا قتل الديمقراطية في الحزب والدولة بالصراع الطبقي وبناء الاشتراكية ودحر المؤامرات الامبريالية. والسكرتير السياسي للجنة المركزية ورهطه في السودان، برروا قتل الديمقراطية في الحزب بالتأمين والحماية والاستهداف. والحقيقة هي حماية سلطة الحزب والدولة هناك وسلطة الحزب هنا.
وكتب تاج السر:
(
انه من الخطورة ان تتحول الستالينية الى اداة تبرير الاخطاء بدلا من تحديد المسؤولية عنها ونقدها، والنظر في العوامل الخارجية مثل التأثر بالستالينية دون تناول العوامل الداخلية الذاتية).
وهذا ينقل النقاش الى طور متقدم ويدفع مباشرة بالسؤال:
هل يصلح قادة الجمود العقائدي والذين استندوا في استمرار سطلتهم في الحزب على المركزية المطلقة ان يكونوا انفسهم قادة النزع والتجديد؟
والاستجابة لا تعول على تأكيد البديهيات كمفهوم للنقد والنقد الذاتي الماركسي والذي لا يعني (الاقرار بالخطأ) فقط كما قد لا يعني (ضرب المخطئين بالكرباج او بالرصاص) ففي الحالتين لا يتعلم الحزب شيئا من اخطائه فالقول بخطأ عدم انعقاد المؤتمر ونقده الشكلي شئ يمكن ان يقرظه د. الطيب زين العابدين (جريدة الصحافة الغراء) وما من شئ بلا سبب كما اتفق معه تاج السر في ان النقد لم يكن تبريريا وهذا لا يثير دهشتي، والنقد الحقيقي (بالنهج الماركسي) امر مختلف، فهل عدم انعقاد المؤتمر لاربعين عاما يعني اي شئ بخلاف الغاء الديمقراطية في الحزب وسيادة المركزية المطلقة (الموضوع الذي قدم بابو الدعوة لسبر اغواره؟) ألا يعني الغاء مبدأ المحاسبة وعدم تقييم التجارب وتعيين القيادات؟
مشروع التقرير السياسي نفسه اقر باثر الستالينية في العمل الجماهيري وهذا نفصله فيما بعد فكيف اثرت المركزية المطلقة على حياة الحزب الداخلية؟ هل يكون العلاج هو اعادة المفصولين سياسيا من الحزب وبذات قواعد هيئة المظالم والحسبة للمفصولين سياسيا من اجهزة الدولة؟ فاذا لم تكن للمركزية المطلقة اثارها ما كنا لنجري هذه النقاشات الان (وناخذ مساحات من الصحيفة ونحشر قسما كبيرا من القراء في نقاشاتنا) ولا يكون لدعوة بابو هدف.
وهذا العرض (الاستجابة) يتضمن النقاط التالية:
1.
الديمقراطية الداخلية ومبدأ الديمقراطية المركزية.
2.
علاقة الديمقراطية في الحزب بالتحالفات بين العاملين.
3.
اثر المركزية المطلقة في استقلالية النقابات.
4.
نتائج الممارسة الخاطئة لمبادئ وقواعد الديمقراطية الداخلية.
5.
علاقة المركزية المطلقة بالاختراقات ونشأة التيارات.
6.
العلاقات بين التطهير والانقسام والخروج من الحزب.
ومفهومنا ان الشيوعية فكرا وممارسة لا علاقة لها بالقدسية وليس في الفكر والمبادرة الفكرية احتكارية لفرد او مجموعة. ويجب ان يحس كل ثوري بمسؤوليته تجاه الفكر والممارسة الثورية، واعضاء الحزب متساوون في الحقوق والواجبات، واننا نتكامل باختلاف اساليبنا وان اكتشاف الذات ومراجعتها عملية مستمرة ومتجددة لا تنتهي الا بالموت في حالة حالة الافراد والركود والتحول النوعي في حالة المؤسسات والمجتمعات.
والتطوير وتجديد الاساليب طريق ملئ بالصعوبات ومنها الصعوبات الفكرية بما يتطلب الامانة والموضوعية نتفاوت في مقدراتنا، والنقد الموضوعي الخالي من الغرض هو وسيلة تطوير الامكانيات لذلك لا ننظر للاساليب الثورية بلغة المطلق رفضا او تأكيدا لجدواها بل ننظر في مقدراتنا ومدى تأثيرها سلبا او ايجابا على الاساليب والمناهج الثورية وانه دون ان يلتزم كل من يرغب في الاسهام النظري بهذه الخصائص العامة للاساليب يقدم لنا مسخا مشوها لانه يحاول اخفاء رغبته في الاستمرار في موقعه الذي ربما لا يكون أهلاً له.
وتلامس وقائع العرض في هذا الجزء من المدخل مسالة المركزية المطلقة في النموذج السوفيتي ونتائجها وهي:
*
المركزية المطلقة وجدت قبل ستالين ولم تمت بموته.
*
الستالينية لم يتم نزعها أبداً بل كانت تتراجع.
*
ان أكبر الاضرار على الحزب الحقها به أصحاب الفكر المساوم وسدنه الأمين العام للحزب ورهطه (والذين هم مع كل التيارات في نفس الوقت).
*
وان القيادات التي تكون جزءاً من المركزية المطلقة قدراتها محدودة في الكشف الجزئي عن آثارها، ولا تقترب من إزالة اسبابها لانها بذلك تزيل وجود تيار المركزية المطلقة نفسه. والتراجع المؤقت والكشف الجزئي من وسائل استمرار تيار المركزية المطلقة في قيادة الحزب والدولة.
*
عندما استنفد التيار كافة الوسائل لجأ للانقلاب العسكري على نفسه.
*
وفي النهاية أصدرت جماهير الشعب وقواعد الحزب أحكامها النهائية.
الستالينية ليست ستالين في شخصه بل هي تيار المركزية المطلقة وهو أهم وابرز قادته قاوم لينين هذا التيار وانتقده وحاول ابعاد ستالين من قيادة الحزب ولم يفلح وصعد ستالين على الرغم من لينين، الذي انتقده قبل الثورة باتخاذه موقفاً وسيطاً في النقاشات حول مستقبل الثورة وانه صاحب فكر مساوم وانتقده وهو ممسك بسلطاته الواسعة بالتعجل والميل للحلول الادارية وانه ينتعل أحذية جهاز الدولة القيصرية القديم.. وانه بيروقراطي وشرطي فظ وقدم ستالين نقداً ذاتياً بعد وفاة لينين ووصيته (بالطبع نقداً شكلياً وغير صادق) حول جميع الانتقادات وأعلن عن محاربة البيروقراطية، ووعد بأن يكون اكثر تهذيباً وأقل فظاظة فحافظ على مواقعه بدعم من تياره. وكل الذين حكموا من بعده كانوا جزءاً من التيار ومن منفذي أوامر ستالين المخلصين: من خروتشوف قائد عمليات التطهير في موسكو واكرانيا وحتى جورباتشوف الذي عرف وهو طالب في الجامعة (بجاسوس الحزب) وتسبب في فصل عشرات الطلاب الشيوعيين واعتقالهم (ببلاغاته المشهودة) وحتى المشاركة في قيادة حملة التطهير الأخيرة قبل وفاة ستالين.
والهروب من تحمل التبعات والمحاسبة ظل سمة قادة تيار المركزية المطلقة عند الادعاء بكشف مآسيها و(مناطقها المظلمة) فقبل أن يقود خروتشوف حملة الفضح في المؤتمر العشرين قام باعتقال قيادات من وزارة الأمن والشرطة السياسية ولجان الرقابة ... الخ الوشاه، أدوات تيار المركزية المطلقة واعدموا جميعاً بلا محاكمات ليتم تعليق الأخطاء والجرائم، بما في ذلك جرائم الذين صعدوا من التيار على عاتق ستالين و(بيريا وعصابته).
والكشف الجزئي لأخطاء وجرائم المركزية المطلقة كان جزءاً من الصراع حول سلطة الحزب والدولة فقد خلف مالينكوف ستالين وتم اجباره على الاستقالة بعد عدة أيام وصعد خروتشوف الذي بدأ تهيئة أجواء الحكم للطاقم الجديد باطلاق سراح بعض المحكومين سياسياً والمعتقلين السياسيين من الامهات والمسنين والشباب اقل من 18 سنة، والتفريغ الجزئي لمعسكرات العمل الشاق وفضح قرار اللجنة المركزية باتسخدام التعذيب ضد (أعداء الحزب) وبيان أعداد الذين اعدموا من عضوية اللجنة المركزية ورفع شعار القيادة الجماعية.
وبسبب أن تسليط الضوء على بعض المناطق المظلمة بدأ يطال بعضاً من قادة التيار فقد وجدت سياسات المؤتمر العشرين مقاومة على مستوى قيادة الحزب وتحول خروتشوف إلى أقلية داخل مجلس الرئاسة مما اضطره لدعوة اللجنة المركزية لمواجهة الخصوم السياسيين من قادة الحزب وأبعادهم. ومعلوم ان عدداً من الاحزاب الشيوعية الوطنية طالبت السوفيت ببذل مزيد من التحديدات والتفسيرات العميقة للأسباب التي نتجت عنها الاوضاع التي كشفها المؤتمر. أما المؤتمر الثاني والعشرين 1961م فقد فتح النقاش مرة أخرى حول المركزية المطلقة وقدم اعترافات جديدة حول اغتيالات قيادات الحزب المعارضة واقترح خروتشوف اقامة نصب في موسكو لشهداء الارهاب الستاليني وتبقى الحقيقة انه بالمركزية المطلقة تم تجميد الماركسية وتعقيمها وتحويلها من منهج بحث إلى نظام يحظر كل بحث ويمنع كل نقد.
وتيار المركزية المطلقة (اليميني التصفوي) ظل في سلطة الحزب والدولة حتى اكتمال التصفية فالمؤتمر الثامن والعشرون للحزب السوفيتي، وبعد اكثر من خمسة وثلاثين سنة من موت ستالين، اعترف بان البلاد تسودها الديكتاتورية الفعلية التي مارسها الحزب والدولة. وتحدث عن القيود على التفكير المستقل والرأي الآخر، والعسف وقتل الابداع.. وكيف خمدت مبادرات الجماهير وبرز بشكل فاضح التناقض الصارخ بين القول والفعل وان نتيجة كل ذلك هو سريان التحلل في الاخلاقيات وتصدع روح التضامن بين المواطنين والتاكل التدريجي في قيم الشعب وتفشي الادمان على الكحول والمخدرات وارتفاع معدلات الطلاق والجريمة واستشراء الرشوة واساءة استخدام السلطة وتكديس الثروات.
ومعروف ان أسباب فصل (يلتسين) من عضوية اللجنة المركزية هي:
*
مطالبته بتنشيط طريقة أداء الحزب لوظائفه.
*
مطالبته بتحديد فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات لعملية إعادة البناء.
*
تأكيده على ان استخلاص الدروس والعبر من الماضي لا يجري بدقة كافية لأنه لم تنشأ آليات في الحزب وقيادته تحول دون تكرار الأخطاء الخطيرة.
وعندما صدئت كل وسائل تيار المركزية المطلقة لاستمرار هيمنته على الحزب والدولة السوفيتية لجا إلى الانقلاب العسكري على نفسه 19/8/1991م لتبرير القمع الجماهيري الذي اختاره طريقاً.. ولم يفهم قادة التيار ان الظروف اختلفت وان بقاءهم واستمرارهم القديم كان بسبب تكميم الأفواه والتعذيب والتجسس. وان قمة العجز الذاتي وصلها تيار المركزية عندما فشل في انجاح الانقلاب الذي صنعه بنفسه ويصل إلى منتهى البؤس عندما يوجه ذلك الانقلاب ضد نفسه (وجاء في الاخبار انهم طلبوا عون شيوعي سوداني ليشرح لهم كيف يتم تنفيذ الانقلاب بنجاح!!).
ومع بداية تحرك الدبابات فاضت الشوارع بمئات الآلاف المتظاهرين و(الفاشية لن تحكمنا) و(العار .. العار) وقام المتظاهرون ومنهم اعضاء في الحزب السوفيتي بتكوين حاجز بشري وسط موسكو لسد الطرق امام تقدم الدبابات.. ونجحوا.. وتم اعلان حظر التجوال فكانت مقاومة الجماهير للاعلان بقضاء الليلة في الشوارع.. وقررت الجماهير ليس فقط نزع الستالينية بل نزع سلطة الحزب الستاليني.. وانجز تيار المركزية المطلقة (اليميني التصفوي) تصفية الحزب والدولة..
وكتب د. الشفيع خضر:
(
النظام السياسي في المعسكر الاشتراكي حتى لحظة انهياره يتكيف لا مع تنظيم الحياة الاجتماعية في اطار القوانين الديمقراطية، بل مع تنفيذ الاوامر.. كان مع رفع شعار الديمقراطية ولكنه مع ممارسة النزعة الذاتية في الواقع، وكان يؤكد على دور المؤسسات الديمقراطية ودور النقد والعلانية والشفافية ولكنه عملياً صادر اي محتوى حقيقي لها.. وصحيح ان الستالينية وحالة الركود التي المت بالتجربة الاشتراكية تركت آثارها العميقة على أحزابنا. لكن نحن المسئولون عن ترسيخ هذه الآثار في وعينا وسيطرتها علينا..)
وعندما كتب فاروق زكريا: ان الستالينية هي من عوامل الجمود في الحركة الشيوعية والماركسية فان الشهيد فاروق كان مدركاً ان الجمود هو الجمود العقائدي والذي يعني العجز النظري الذي يمنع التوصل إلى الطريق الخاص المستقل في فهم الماركسية على الواقع المحدد (وله راي آخر في علاقة الحزب بالستالينية).
وأهم النقاط ان المركزية المطلقة تؤدي إلى اضعاف سياسة الحزب وتخلفه عن حركة الجماهير ثم عزلته، وإذا تواصلت تتم تصفيته. والسؤال: هل لم تتم مقاومة تيار المركزية المطلقة في الحزب الشيوعي السوداني؟ وما هو الصراع الفكري الذي دار في الحزب من بعد 1971م وحتى اليوم؟ وكيف كان مصير الذين عارضوا سياسات المركزية المطلقة خلال أربعين عاماً؟ وهل سيتم رد اعتبار الضحايا وكشف المجرمين الذين (كانوا يمشون على البيض)؟
واختم جزئية المدخل بمختارات من افادات الناطق الرسمي للحزب:
*
مشروع اللائحة يتجاوز ويتخطى الستالينية الضيقة.
*
مستوى ممارسة الديمقراطية داخل الحزب لا يرضي طموحنا.. فالظلال الستالينية كانت موجودة ومؤثرة على الحزب.. وإذا قلنا ان تجربة النمط السوفيتي لم تؤثر علينا نكون مكابرين في الواقع السائد وقتها في المعسكر الاشتراكي ودور الاتحاد السوفيتي في العالم لم يترك مجالاً او حتى افقا تاريخياً لأي حزب خاصة ان كان حزبا صغيراً غير حاكم ليفلت من براثن الاتحاد السوفيتي والستالينية.. وأثر الأمر على الحزب الشيوعي السوداني.
*
ان الخلل في قضية الديمقراطية لعب دوراً في ان لا تحل الخلافات الفكرية والسياسية في اطار ديمقراطي.
*
عقب الانهيار انتقد الحزب بشدة المركزية المطلقة وقال انها حرمت عضوية الحزب من استعمال حقها القانوني في التصحيح وفتحها الباب ليصعد لقيادة الحزب الخونة والمرتدون.
لكن تيار المركزية المطلقة يسكت عما حدث في الحزب الشيوعي السوداني..
ونواصل،،،

No comments: