Saturday, May 31, 2008

عطلة السبت رؤية مغايرة

عطلة السبت رؤية مغايرة

المؤسسات المالية الدولية تعارض تحديد حد أقصى لساعات العمل (2-2)

محمد علي خوجلي

خفض ساعات العمل وزيادة ساعات الراحة الأسبوعية في السودان وبالذات ولاية الخرطوم، بما يجعلها متوافقة مع الاتفاقية الدولية رقم (47) لمؤتمر منظمة العمل الدولية ليس أمراً شكلياً. انه يرتب آثاراً ممتدة ويشكل أوضاعاً جديدة للعمال، ويؤثر في الصراع الجاري في الساحة النقابية ويفرض واجبات جديدة ويقدم قضايا ظلت متوارية، ويحفز العمال للكفاح لتحسين اوضاعهم المتردية اقتصادياً واجتماعياً.. ويساعد في رفع وعي العمال في المناطق الصناعية، والذين بحكم ظروف عملهم الراهنة، وساعات عملهم الطويلة التي لم تكن يوما ثماني ساعات، ولم تعرف العطلات الرسمية، يظن بضعهم انهم غير معنيين بما يجري. انهم أعمال في القطاع الخاص.
واعتقد – لذلك- ان تقليص ساعات العمل، حتى اذا كان على سبيل التجربة سيسلط الأضواء على كثير من اوضاع العمال المأساوية ذات العلاقة باوقات العملي وخلافه.. وهذا يفتح الطريق أمام العمال في المنشآت الصغيرة والعمال الحرفيين والعمال غير المنتظمين في نقابات للاتجاه المباشر نحو تنظيم أنفسهم في تنظيمات النقابية (أو الوعي بضرورة هذه الحقيقة البديهية).. وكشف تلك الاوضاع يعني تزايد النضال لتغيير الواقع.. وينشأ بسبب ذلك اختلافات وتبرز نزاعات هي فوق قدرات الافراد والمجموعات القليلة.. ولذلك فان الفضاءات واسعة امام اية اعمال جادة تهدف صادقة لتحسين اوضاع العمال ونيل بعض من حقوقهم (القانونية) والمعترف بها سواء ساعات العمل القانونية او التأمين الصحي او التأمين الاجتماعي..الخ.
واذا كان اول مايو 1856 شهد تظاهرات العمال في استراليا لأجل يوم عمل من ثماني ساعات، فان ساعات العمل في القانون السوداني 2007م ثماني ساعات (بعد مائة وخمسين عاماً)، اما واقع ساعات العمل الفعلية في القطاع الخاص فهي كما حال العمال في العالم قبل ثلاثمائة سنة! لقد اصبحت عملياً اثنتي عشر ساعة واحياناً تزيد عن ذلك بكثير..! وهم في واقعهم العجيب يفتقدون حماية النقابة غير الموجودة.. وحماية الدولة بمكاتب عملها المنكهة..
وبسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية ورفع الدولة يدها عن مواطنيها فان (عمال الحكومة) منهم من يختار قسراً ساعات عمل طويلة ممتدة. وعمال الحكومة منهم العامل البسيط والموظف والفني والمهني.. فينطلقون من بعد نهاية ساعات العمل الى امكان عملهم الاخرى باعة في الاسواق او عمالاً في الورش..الخ وليس هؤلاء وحدهم وانما ايضا كثير من الاختصاصيين..! وكما يعمل العامل في ورشة فاننا نجد (الصيدلي) و(الممرض) و(فني المعمل) و(المحاسب) و(استاذ الجامعة)..الخ يعملون جزئياً في منشآت أخرى احياناً وردية كاملة واحياناً لعدد من الساعات.. وكما يعمل طلاب من الجامعات بالشركات الامنية الخاصة بالوردية الليلية لتوفير احتياجاتهم فان من الكتبة والمعلمين من يعملون ببعض المصانع القليلة التي تعمل وردية ثانية..! وآخرون من اولئك وهؤلاء يتجهون نحو الركشات او (الأمجاد) لزيادة دخولهم لمقابلة متطلبات الحياة.. الا يستحق عمال الحكومة، في مثل هذا الواقع، تقليص ساعات العمل لتتوافق مع الاتفاقيات الدولية؟
اما العمل في القطاع الخاص والعمال الحرفيين في المناطق الصناعية فهم يعيشون في عالم آخر ويلزمهم دائماً (العمل سنده) او البحث عن عمل آخر.. ان العمال لا يكادون يلتقون بافراد اسرهم وهم يقيمون معهم الا في الاعياد وليس يوم الجمعة او العطلات الرسمية لانها فرص للعمل.!!
وهناك عمال اخرون في القطاع الخاص فرضت عليهم ساعات العمل الطويلة الممتدة بمقتضى عقود الاذعان. وفق شروط عمل مخالفة لقانون العمل الذي ينص على ان ساعات العمل ثمانية ساعات في اليوم. وبعض اصحاب الاعمال يدفعون للعمال اجرة الساعات الزائدة واخرون لا يدفعون والعمال بحكم حوجتهم للعمل مضطرون للعمل تلك الساعات الطويلة (72 ساعاة في الاسبوع واحيانا اكثر). الا يستحق عمال القطاع الخاص حماية الدولة لهم من اصحاب العمل؟
فاذا قلصت الدولة ساعات العمل لعمال الحكومة الى (40 ساعة في الاسبوع) فانها مسئولة ايضا عن العمال الاخرين.. ومع ذلك فانه من المؤكد ان اوضاع العمال المظلومين لن تسير بصورتها القديمة..
ومن الذين ينتقدون او يعارضون (بثبات) حكومة الوحدة الوطنية تحت قيادة حزب الحركة الاسلامية الحاكم في شمال البلاد بمقتضى اتفاقية نيفاشا، من يستندون دائماً على مخالفتها للمواثيق والعهود الدولية والاتفاقيات الدولية وتنكرها لحقوق الانسان (وكل ذلك قد يكون صحيحاً)، وكثيراً ما يزنيون مطالبهم بنصوص منتقاة من تلك الاتفاقيات والمواثيق (وهذا من حقهم) وعندما تحاول تلك الحكومة (على سبيل التجربة) او حتى كنوع من انواع الخداع المؤقت..! تقليص ساعات العمل اليومية بما يتطابق من الاتفاقية الدولية رقم (47) يرفض هؤلاء المحاولة!!
بذريعة ان مستويات الانتاج بالدولة لا تسمح بتقليص ساعات العمل بل وطالب البعض بزيادة ساعات العمل دون اعتبار لمعايير العمل الدولية والاتفاقيات الدولية التي يطالب حكومة المؤتمر الوطني باحترامها..!
ان الممارسة وحدها هي التي تثبت الموقف الحقيقي من قضايا العمال فالحديث وحده لا يعني شيئاً.. والماضي المجيد لن يحل مشاكل العمال الراهنة والمعقدة.. لننظر معاً الى موقف كتلة التجمع الوطني الديمقراطي بالمجلس الوطني القومي عند مناقشة ميزانية 2008م عندما اكدت دفاعها عن حقوق الفقراء وهم اغلبية السكان ومن بينهم العمال برفض رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة الى 15% والتي كانت 10% ثم 12% واخيراً 15% بتوجيهات مباشرة من البنك الدولي. وصاحب ذلك الموقف ضجة كبرى حول الموقف من التصويت.
لكن المسألة في حقيقتها ليست كذلك.. الحقيقة المريرة ان كتلة التجمع وافقت في نفس الوقت على بقية بنود الميزانية.. فالتصويت محل الضجة لم يكن على الميزانية بل على واحد من بنودها..!
والحقيقة القاسية ان كتلة التجمع وافقت على خفض ضريبة ارباح الاعمال من 35% الى 15% بمعنى آخر تخفيف الاعباء عن الاثرياء وهم الاقلية من السكان..
الممارسة (الصادقة) ان تتقدم – مثلاً – كتلة التجمع باقتراح يقضي بخفض نسبة ضريبة القيمة المضافة الى 10% وخفض نسبة ضريبة الارباح الى 20% او 25% والتي كانت 35% وجعلتها الميزانية 15%.
وبسبب الممارسة وخلافها، فاننا نشهد سفوراً عظيماً في الاستهانة بالعاملين وحقوقهم.. ويتم وصف العاملين بالحكومة بأنهم مجرد (جيوش من العطالة) لا تحتاج لعطلة اضافية (طيب ما دامو هم كذلك فما الذي يفرق ان تكون العطلة يومين او ثلاثة؟!) و(جيوش العطالة غير المنتجة) تعني الموافقة المباشرة على الفصل والتسريح الجماعي للعمال.. والمثير للدهشة ان هؤلاء يدعمون مطلبين عاديين للمفصولين وهما اعادة المفصولين للخدمة وتعويض المفصولين عن سنوات الفصل (مالياً) في حالتي اعادتهم او عدم اعادتهم لاية اسباب لكنهم يسحبون دعمهم عملياً (في الممارسة) فاعادة المفصولين تعني التحاق الاف آخرين بجيوش العطالة..! والتعويض المالي عن الفصل (مستحيل) بعد الاقرار بضعف قدرات الدولة غير المنتجة.. (هل لذلك تقرر ان يرث ابناء المفصولين قضايا آبائهم؟!!.).
ان قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا تتم معالجتها هكذا... وتحتاج للدراسات والنقد الموضوعي واقتراح المعالجات وبدائلها ومشاركة القواعد وحركة الجماهير العريضة.
ان عرض حال العمال الذي لا ينشر في الصحف اليومية يؤكد ان معظم عمال السودان في الحقيقة لا يستمتعون بيوم عطلة قبل عطلة السبت. ان يوم العطلة الاسبوعي يوم الجمعة بالنسبة للنساء العاملات في معظمهن هو أقسى ايام الاسبوع (يوم النظافة الاسبوعية واعداد الطعام الاسبوعي)..الخ انه يوم عمل استثنائي تمتد ساعاته من الصباح الباكر حتى المساء.. نساء مهدودات.. تأوي المرأة العاملة الى مرقدها يوم الجمعة وآخر دعواها ان تتمكن من الاستيقاظ باكراً لتستقبل اسبوع العمل الجديد، وتتواصل الدوامة.
اما عمال المصانع والعمال الحرفيون الذين يعملون بنظام الورديات او السسترات او العمل في اكثر من منشأة فان يوم الجمعة، يوم الراحة الاسبوعية يكون موزعاً بين الامل في قسط من النوم وغسيل ملابس العمل وخلافها.. مثل هؤلاء العمال يختل يوم جمعتهم عند زيارة مريض في مستشفى او المشاركة في مناسبة اجتماعية، فانه يدفع ثمن تلك الزيارة او المشاركة بغسيل الملابس عند المكوجي والنوم في "الحافلة"!!
ومن المؤسف ان البعض يطلق الكلام دون معرفة بأحوال العمال.. وهؤلاء لن يصدقوا ان عشرات العمال في المناطق الصناعية يقيمون داخل الورش او يفترشون الارض امامها لذلك لا يهتمون بعدد ساعات العمل..!! انهم يعملون حتي تتعب اجسادهم ويضربها الانهاك، وسيلتهم للنوم واحياناً بملابس العمل..!
وتبرع البعض بالحديث عن آثار عطلة اليومين على انتاج اصحاب الاعمال في القطاع الخاص ومدى التزام هؤلاء بالراحة الاسبوعية التي تحددها الدولة..الخ تحت ظل سياسات التحرير والسوق الحر (ومعلوم ان البنك الدولي والمؤسسات المالية الدولية تعارض من حيث المبدأ تحديد حد ادنى للاجور، وتعارض مبدئياً تحديد حد اقصى لساعات العمل وتطالب الدول برفع اياديها عن الحماية الاجتماعية للعمال وهي تعتبر كل ذلك من قبيل التصلب في سوق العمل والقيود الحكومة).
ويكتب البعض عن تأثيرات العطلة السالبة على دخول (ارباح) اصحاب..الخ حيث يكون امام المخدمين اما تعطيل النشاط الانتاجي للمنشأة ورفع الاجور لعمال لا يعملون او تحمل تكلفة العمل الاضافي واستمرار تشغيل المنشأة.. وفي نفس الوقت يغضون الطرف عن مكاسب اصحاب الاعمال واقلها خفض نسبة ضريبة الارباح من 35% الى 15% في الميزانية الاخيرة فهل تزيد تكلفة الاجور او العمل الاضافي عن 3% من جملة العشرين في المائة التي تم خفضها؟
والحديث طويل، واِشير في النهاية الى الضرورات العملية لتقليص ساعات العمل (تقنيات العمل، الحاسوب)..الخ والتطور والتقنيات الحديثة كما فرض خفض الوظائف فانه يفرض تقليل ساعات العمل الفعلية.. وبأثر التطور التقني واداء مهام اكثر من وظيفة.
بعد تعديل نظم العمل القديمة تظهر قضية (الجهود الذهنية والضغوط النفسية) والتي تكون معالجتها بزيادة الاجور وتقليص ساعات العمل.
ان مطالب عمال العالم اليوم تتراوح فيما يختص باوقات العمل ما بين تقليل ايام العمل (أربعة ايام عمل في الاسبوع) او تقليل ساعات العمل الى ثلاثين ساعة في الاسبوع (5×6). ومن مطالب لجان الحقوق في السودان ومن بينها هيئة الدفاع عن الحقوق بالعاصمة القومية: تقليل ساعات العمل الاضافي وتقليص ساعات العمل وتطبيق الحد الاقصى لساعات العمل بالمعايير الدولية (40 ساعة في الاسبوع او 5×8). واعلن بيان اول مايو 2007م ان اللجان تدعم بلا حدود ولا شروط نضال كافة المجموعات بهذا الخصوص بلا وجل: التحية لمجلس تشريعي ولاية الخرطوم.! وايضا اتحاد عمال ولاية الخرطوم (الرسمي)!!.
ونذكر في ختام المقال ان المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية اجاز الاتفاقية رقم (47) والتي اكدت مبدأ العمل اربعين ساعة في الاسبوع في 4 يونيو 1935م وبدأ نفاذ الاتفاقية في 23 يونيو 1957م، اي ان السودان يبدأ في ارتيادها بعد خمسين سنة ومطلبنا اليوم تصديق السودان على هذه الاتفاقية استناداً على وثيقة الحقوق في الدستور القومي الانتقالي والممارسة الرشيدة لمجلس تشريعي ولاية الخرطوم.

No comments: