Thursday, May 29, 2008

الحقوق الدولية للعمالة الأجنبية

الحقوق الدولية للعمالة الأجنبية

محمد علي خوجلي

حكى الأستاذ "يسن" أنه خلال شرائه بعض احتياجاته من إحدى الورش بالمنطقة الصناعية بأم درمان طلب منه صاحب الورشة مخاطبة أحد العمال الأجانب الذي لا يتحدث إلا بالإنجليزية . العامل الأجنبي كان منزوياً في جزء داخلي بالورشة بما يفيد أنه يخفى نفسه . مشكلة العامل أنه حضر للسودان عن طريق وكالة استقدام وتعاقد عن طريقها مع مخدمه بإحدى الورش بأم درمان وعمل معه حتى نهاية العقد واستمر بعد ذلك ثم أنهى صاحب العمل خدماته ومنحه حقوقه القانونية. يريد العودة لوطنه ولا يعرف طريقاً لمكاتب الاستقدام ، ويبدو أن ذلك كان خلال فترة مطالبة أصحاب العمل بتوفيق أوضاعهم بالنسبة للعمالة الأجنبية .. وفي معظم الورش والمصانع الصغيرة بالمنطقة الصناعية أم درمان لا توجد تنظيمات نقابية تساعد في حماية العمال .. وفي مرة أيضاًٍ عبر عامل بالمنطقة نفسها "علي عبد الرحمن" عن حيرته فالعمال الوطنيون والعمال البنغال يلتقون سوياً أمام "قدرة الفول" كل الفرق إن كل مجموعة تأكل منفصلة عن الأخرى . فلماذا لا يتناولون طعامهم معاً وعلى عبد الرحمن من جماعة "يا عمال العالم اتحدوا" .
ونتابع في هذه الأيام خطوات قيام منبر للتضامن النقابي "ولاحظت أن بعضهم يخاف من هذا الاسم !!" من اهتماماته قانون جديد للنقابات مثلما نتوقع مناقشة المجلس الوطني القومي لقانون العمل الجديد وما يتضمنه من مواد خاصة باستخدام غير السودانيين . واعتقد أن هذا المقال هو استكمال لما عرضت الأسبوع الماضي قد يفيد حوار الأخوة النقابيين والمهتمين بقضايا العمل ذات الارتباط بالتحول الديموقراطي كما قد يفتح الباب لمزيد من التوفيق لمشروعات الضمان الاجتماعي للتعرف على الاتفاقيات الثنائية ، ونظام التأمين على السودانيين العاملين بالخارج وكذلك الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي وقع عليها السودان .. واعتقد أن كل ذلك ضروري للمتغيرات الكبيرة التي حدثت في سوق العمل الوطني والإقليمي والدولي ومن إشارات ذلك توصية إعلان جوبا الصادر عن المؤتمر القومي لمنظمات المجتمع المدني 22 يونيو 2007 والتي جاءت : إعداد سياسات تدعم دور العمالة والأسواق الوطنية من قبل حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب .
إن المواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وتشريعات العمل الدولية وخاصة ذات العلاقة بتنظيم علاقات العمل وانتقال العمالة عبر الدول اعترفت بحق العامل الأجنبي في البحث عن عمل خارج حدود دولته . أما اتفاقيات العمل الدولية وتوصيات مؤتمر العمل الدولي فقد أكدت على أهميتة تحقيق المساواة وإلغاء أية تفرقة بين طوائف العمال وطنيين أو أجانب في كل ما يتعلق بعلاقات العمل .
ومبدأ المساواة وعدم التمييز بين العمالة الوطنية والأجنبية يرتب بالضرورة للعمالة الأجنبية حقوقاً . وتتسع هذه الحقوق لتشمل كل ما يتصل بعلاقات العمل وظروفه ومنها تحديداً : الحريات النقابية ، حق التنظيم والمفاوضات الجماعية ، حرية العمل وحظر فرض العمل القسري ، الحق في الضمان الاجتماعي بأشكاله المختلفة ، المساواة في الأجور ، حماية الحقوق المكتسبة ، الحق في التدريب المهني ، عدم إنهاء علاقة العمل دون سبب صحيح والحق في الحماية القانونية ..
إن الحق في الانتساب للنقابات وما يستتبع ذلك من حقوق التنظيم والتجمع يعتبر من الحقوق الأساسية للإنسان بالإضافة إلى ضرورته لحماية مصالح العمال على المستويات كافة . والاتفاقية 87 (منظمة العمل الدولية) وهي الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي نصت في المادة (2) : للعمال وأصحاب الأعمال ، بدون تمييز ، الحق في تكوين المنظمات التي يختارونها أو الانضمام إليها ، دون حاجة إلى إذن سابق ، ودون خضوع إلا لقواعد هذه المنظمات .
والاتفاقية 87 هدفت لتوفير الحماية للعمال الأجانب ، ومعلوم أن الحرية النقابية من الضمانات المهمة لكفالة هذه الحماية والتي نصت عليها أيضاً المادة 23(4) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 8(1) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كذلك نجد نصوصاً عديدة أخرى تشير إلى الحرية النقابية والحق في الانتساب للنقابات على المستوى الدولي والإقليمي .
فالاتحاد الأوروبي أصدر اللائحة رقم (38) وهي الخاصة بحرية انتقال العمال فيما بين الدول المكونة للاتحاد وجاء نص المادة (11) واضحاً :
لرعايا الدول الأعضاء الحق في التمتع بالمعاملة المتساوية مع الوطنيين وخاصة في ما يتعلق بالحق في الانضمام إلى المنظمات والاتحادات النقابية .
أما الاتفاقية العربية رقم (8) بشأن الحريات والحقوق النقابية فقد نصت في المادة الثانية إن ما قررته بكفالة الحق في الانتماء ، عضوية منظمات العمل والتمتع بكافة الحقوق النقابية ، لا يقتصر على العمال الوطنيين ، وإنما يشمل العمال العرب من غير المواطنين . وقد نصت المادة تحديداً على :
"
يجب مساواة العمال العرب الذين يعملون في دولة عربية ، غير تلك التي ينتمون إليها بجنسياتهم ، بالعمال الوطنيين في الانتماء لعضوية النقابة وتمتعهم بكافة الحقوق النقابية" .
اتفاقية العمل الدولية رقم (105) قررت المادة (1) الإلغاء الفوري والكلي للعمل القسري الذي يفرض كجزاء . والذي يأخذ صورة من الصور الخمسة الآتية : الضغط أو التربية السياسية ، عقوبة على التمسك أو التعبير عن آراء سياسية أو وجهات نظر تتعارض مع أيديولوجية النظام القائم ، تعبئة الأيدي العاملة وتسخيرها في أغراض التنمية الاقتصادية ، المحافظة على النظام في العمل ، عقوبة المشاركة في الإضرابات ، التفرقة العنصرية أو الاجتماعية أو العرقية أو الدينية .
المهم أن فرض اي صورة من صور العمل القسري على العامل الأجنبي هو أمر غير جائز كالعامل الوطني تماماًُ ..
وفي مسألة الحق في الضمان الاجتماعي نجد أن منظمة العمل الدولية بالاتفاقية رقم (19) عالجت موضوع المساواة بين كافة طوائف العمال بالنسبة إلى (التعويض عن إصابات العمل) ونلاحظ أن الاتفاقية لم تستهدف كل العمالة الأجنبية وإنما أخذت بمبدأ المساواة المبني على فكرة المعاملة بالمثل بين الدول التي تصدق عليها . كما أن الاتفاقية تحدثت عن كفالة مبدأ المساواة للعمال الأجانب ولمن يعولونهم دونما اعتبار لمحل الإقامة بما يشكل ضمانة لحقوق هذه الطائفة من العمال بالنظر إلى أن العامل الأجنبي الذي أصيب أثناء العمل ربما يكون قد عاد إلى وطنه كما المستحقين للخدمة التأمينية فقد لا يكونوا من المقيمين على إقليم الدولة التي حدثت بها الإصابة.
وفي إطار منظمة العمل الدولية أبرمت الاتفاقيات بالأرقام : 35 ، 36 ، 37 ، 38 ، 39 و40 والتي تضمنت مسائل التأمين الإجباري لعدد من المجالات في ما يتعلق بالضمان الاجتماعي ومنها : التأمين ضد الشيخوخة ، العجز ، الترمل ، واليتم للعاملين في المنشآت الصناعية والتجارية والمهن الحرة .
وقد تضمنت هذه الاتفاقيات أحكاماً عديدة فيما يتعلق بشمول نظام الضمان الاجتماعي للعمالة الأجنبية ومن ذلك :
*
عدم التمييز بين العمال الوطنيين والعمالة الأجنبية بالنسبة للتأمين الإلزامي ودفع الاشتراكات اللازمة .
*
الاستفادة من التعويضات المستحقة عن الاشتراكات المدفوعة إضافة إلى حق العمالة الأجنبية من رعايا الدول المصدقة في الحصول على الإعانات المالية والعلاوات أو أجزاء من المعاشات التي تدفع من الأموال العامة .
وفي الاتفاقية رقم 97 بشأن العمال المهاجرين فنجد أنها نصت على وجوب أن تستفيد العمالة الأجنبية التي توجد بصورة قانونية على إقليم دولة صدقت على الاتفاقية ، ودون أي تفرقة في الجنسية ذات المعاملة التي يتمتع بها العمال الوطنيون في كل مسائل الضمان الاجتماعي . أما الاتفاقية رقم 118 فقد حددت المادة 2(1) منها فروع الضمان الاجتماعي بالآتي : الرعاية الطبية ، رعاية المرضى ، حماية الأمومة ، إعانات الشيخوخة ، مزايا المستحقين ، إعانة إصابة العمل ، إعانة البطالة والمزايا الخاصة بالإعانات العائلية .
الاتفاقية العربية رقم (3) بشأن المستوى الأدنى للتأمينات الاجتماعية نصت في المادة (6) على عدم جواز التفرقة في المعاملة التأمينية .
أولاً : فيما بين العمال الوطنيين وغيرهم من العمال من مواطني الدول العربية الأخرى .
وثانياً : فيما بين العمال الوطنيين والعمالة الأجنبية من غير مواطني الدول العربية الأخرى بشرط المعاملة بالمثل .
كما ذهبت الاتفاقية العربية رقم (14) ذات الاتجاه بشأن حق العامل العربي في التأمينات الاجتماعية حيث جاء أن النص على أحكام الاتفاقية يسري على :
1.
العمال العرب الوافدين للعمل من قطر عربي إلى قطر عربي آخر أو من دولة أجنبية .
2.
العمال الفلسطينيين الذين يعملون أو ينتقلون لغرض العمل بين الدول العربية المصدقة على هذه الاتفاقية أو الوافدين من دولة أجنبية .
إن الاتفاقيات الثنائية وخاصة محدودة الأطراف من الوسائل الجيدة التي تكفل للعمالة الأجنبية الاستقرار حيث أنها ترتب التزامات مباشرة بين الطرفين وهي تبرم عادة بين الدول التي تربطها علاقات ممتازة كمبدأ عام ومن أهم بنود الاتفاقيات هذه مسألة الضمان الاجتماعي كحق للعمالة الأجنبية .
وفي السودان حديث عام لا يستند على إحصائيات دقيقة عن "رخص" العمالة الأجنبية ، بمعنى أن العمالة الأجنبية تتقاضى أجوراً أقل من العمالةالوطنية والحديث لا يعتد به في مثل هذه المقارنات إذا لم يعتمد على البيانات وإننا نجد العكس إذا أجرينا مقارنات أجور الكوادر الطبية الأجنبية مع الوطنية حيث تزيد أجور الأجنبية على الوطنية بأضعاف . ليس ذلك فحسب بل أن عاملات المنازل الأجنبيات أجورهن تقارب مرتبات الأطباء وفي مستوى خريجي الجامعات من الكليات الأخرى . وأصحاب الأعمال الذين يفضلون العمالة الأجنبية على الوطنية يذكرون أسباباً أخرى بخلاف الاجور من درجة الكفاءة والتدريب واحترام العمل ووقت العمل ، وأن العامل الوطني يضيع وقتاً بسبب الارتباطات الاجتماعية وكثرة الأعذار .. الخ لكنهم لا يذكرون أن التكلفة الإجمالية للعامل الأجنبي أقل رغم أن أجره أعلى بسبب تخلي هؤلاء هم الالتزام بالحقوق القانونية للعمالة الأجنبية ومنها مسائل الضمان الاجتماعي ، وهذا التخلي مخالف للحقوق الدولية للعمالة الأجنبية .
ومبدأ المساواة في الأجر ، أي الأجر المتكافئ عن العمل ذي القيمة المتكافئة هو من المبادئ العامة التي قام عليها دستور منظمة العمل الدولية ، ويجوز للنقابات هنا المطالبة برفع أجور العمالة الوطنية على ذات المبدأ ، مبدأ المساواة وعدم التمييز .
واختم بأن الحفاظ على الحقوق المكتسبة هو من حقوق العمالة الأجنبية وتتعلق هذه الحقوق في الأساس بالمعاشات سواء في حالة العجز أو الشيخوخة ويعتبر التأكيد على الحقوق المكتسبة للعمالة الأجنبية خطوة متقدمة على طريق تحقيق العدالة الاجتماعية ، التي هي أحد الشروط اللازمة للسلام فيما بين الشعوب . ومن جهة أخرى فإن عدم إغفال القانون الدولي للعمل لهذه المسألة يعتبر أمراً ذا دلالة بالنظر إلى هذا الموضوع وكذلك بالنسبة إلى علاقة هذا القانون بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي لحقوق الإنسان تحديداً .

No comments: