Monday, May 26, 2008

التوافق الوطني .. تضميد الجراح .. وتعديل الحكومة .. ((1

التوافق الوطني .. تضميد الجراح .. وتعديل الحكومة .. ((1

محمد علي خوجلي

لم يعد يختلف اثنان على ضرورة التوافق الوطني الذي هو مدخل المصالحة وتضميد الجراح وبذات منطق أن اتفاقيات نيفاشا هي طريق الحل لكل مشاكل البلاد وأغلبية السكان في الريف فإن المشاركة في الحل تكون لممثلي أغلبية السكان لا طرف الاتفاقية وحدهما .. وأكد القائد سلفاكير في نوفمبر 2007 أن السودان ليس ملكاً لحزبي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وإنما هو ملك للشعب السوداني كله بكافة قواه السياسية والاجتماعية وأنه من الضروري إجراء المصالحة الوطنية وتضميد الجراح كخطوة هامة في سبيل الإجماع الوطني وإشاعة الديموقراطية وإكمال عملية التحول الديموقراطي.
وحدد د. جون قرنق (يونيو 2005) أولويات الفترة الانتقالية كالآتي :
1.
تضميد جراحات الحرب وبناء الثقة وتناسي المرارات وإجراء المصالحات والتراضي الوطني.
2.
وضع اللبنات الأساسية للحكم عن طريق تطبيق معايير الحكم الرشيد والشفافية وتحقيق العدالة والمساواة والاهتمام بحقوق الإنسان.
3.
إنشاء البنيات الأساسية المادية كإنشاء الطرق والمواصلات والاتصالات وتوفير خدمات المياه والصحة والتعليم والصرف الصحي.
4.
اعتماد خطة محاربة الفقر على التنمية الريفية واستخدام عائدات البترول لتمويل الزراعة .
ومنذ توقيع اتفاقية مشاكوس الإطاري وكثير من القيادات السياسية في الشمال لا تكف عن إعلان نهاية الإنقاذ مع إجراء المقارنات بين الفترة الانتقالية الحالية والفترة الانتقالية بعد توقيع اتفاقية 1953. وذلك الإعلان المكرر نشر ظلالاً من التضليل حيث أن حزب المؤتمر الوطني هو الحزب الحاكم ومن الخطأ التأكيد بنهاية الإنقاذ (التي انتقلت إلى طور جديد أو مرحلة جديدة) والحقيقة أن جزءاً هاماً من الإنقاذ أسقطته نيفاشا وسيظل حزب المؤتمر الوطني حاكماً بنص الدستور للفترة المحددة دستورياً إلا إذا تم التوافق على تعديل شكل الحكومة قبل ذلك.
ويكفي أن "الإنقاذ" احتفلت ضمن احتفالات أخرى بعيدها الثامن عشراً في جنوب الوطن. ذلك الاحتفال الذي نظمته أمانة المؤتمر الوطني بولاية الاستوائية الوسطى وباستاد جوبا . ونذكر أن القائد سلفاكير (5/8/2007) دعا في لقاء حكومة الجنوب مع وفد المؤتمر الوطني بقيادة د. نافع للبعد عن الحرب الإعلامية بين طرفي الاتفاق التي يستغلها (أعداء السلام) لتوسيع الشقة بين الطرفين وأن كل من يعمل ضد المؤتمر الوطني يعتبره يعمل ضد الحركة مؤكداً على استراتيجية الشراكة القائمة بين الحركة والمؤتمر الوطني وضرورة استمرارها والأهم أن الشراكة (يمكن أن تخرج السودان من مشاكله الراهنة) . أما د. رياك مشار فقد ذكر أن التراشق الإعلامي بين الشريكين من شأنه (أن يدفع بعض القوى للتخطيط للانقلابات والمؤامرات ، كما تم مؤخراً) .
ومعلوم اختلاف طبيعة الفترة الانتقالية الحالية في السودان عن أية فترات أخرى انتقالية أو أعقبت زوال أنظمة ديكتاتورية : الحكم الذاتي 1953 واتفاقية ، سقوط نظام عبود والميثاق الوطني 1964 ، سقوط نميري وميثاق أبريل 1985 . وعدم التسليم بحقيقة الاختلاف يقود لتباين الرؤى في الساحة السياسية وانقسامها وتصادم التكتيكات ، ورفع شعارات ووضع أهداف قد لا تتفق مع طبيعة الظروف وطبيعة الفترة وذلك يؤثر في اختلال توازن القوى لصالح المؤتمر الوطني . وزاد الطين بلة أن فهم علاقة الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية استعصى على الكثيرين بما في ذلك قسم من المؤتمر الوطني . والتجربة السودانية شهدت (ائتلاف الأضداد) بين حزب الشعب الديموقراطي وحزب الأمة خلال فترة ما قبل التسليم حزب الأمة السلطة لقيادة الجيش في نوفمبر 1958.
وفي محاضرته بالجامعة الأمريكية بواشنطون نبه د. قرنق إلى أنه ليس ذاهباً إلى الخرطوم للانضمام إلى حكومة الإنقاذ ولكن لتكوين حكومة جديدة بموجب اتفاق السلام. وقال إنه لا يمكن أن ينضم للحكومة الحالية لأنها تقوم على قاعدة إسلامية إقصائية . ولكن سيشكل مع شركائه في المؤتمر الوطني حكومة تعكس طبيعة التكوين القومي وتعبر عن التنوع الإثني والقبلي والديني في السودان ..
فتكون الحركة الشعبية شريكا للمؤتمر الوطني لا حليفاً ، وموضوع الشراكة هو تنفيذ الاتفاقية والدستور الذي هو ضمانة الاتفاقية . واحد من ضماناتها وهي تعلو على الدستور. وهذه الشراكة مدتها ثلاث سنوات . وفي هذا الجانب فإن الحركة الشعبية تكون جزءاً من الحكومة وتتم محاسبتها من قبل جماهيرها وانتقاد جماهير الشعب لها على (تنفيذ الاتفاقية) و(إنزال الدستور إلى أرض الواقع) .
ومن جهة أخرى فإن الحركة الشعبية أيضاً جزء من التجمع الوطني الديموقراطي ويربط بينهما البرنامج المتفق عليه (مقررات أسمرا) والتي تم التوافق عليها تحت ظروف مختلفة لن تكون هي ذات الظروف من بعد توقيع اتفاقية نيفاشا ومن غير المتصور أن يكون واجب الحركة الشعبية (تنفيذ الاتفاقية) وهي جزء من الحكومة و(تنفيذ برامج التجمع) وهي جزء من التجمع بسبب الشراكة مع المؤتمر الوطني معلوم موضوعها . ومن المفاهيم التي تربك الساحة السياسية سواء في فضاء الحركة الشعبية أو فضاء التجمع الوطني القول بأن (الاتفاقية) هي "مقررات أسمرا".
ولا يخفي أن التجمع الوطني قدم الديموقراطية في حين أن اتفاقية نيفاشا قدمت السلام على الديموقراطية .. وفي نفس الوقت فتحت طريق التحول الديموقراطي عن طريق الانتخابات وتعديل وابتدار القوانين .. الخ ومن ذلك جاءت فكرة الحكومة العريضة للوحدة الوطنية واقتراح د. جون قرنق أن يكون لها (جسماً) يناقش كل المواضيع . ويجمع ذلك (الجسم) الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني والأحزاب الأخرى ..
وأمل الحركة الشعبية في شراكة القوى السياسية (الرمزية) في حكومة الوحدة الوطنية أساسه أنها رأت في اتفاقية نيفاشا الأنموذج لحل كل مشاكل المهمشين في كل أنحاء البلاد وكذلك (المراقبين) .. وأن الاتفاقية على قدر ذلك الحجم الكبير من الواجبات والمسؤوليات يصعب أن تكون قيادتها (ائتلافية) فكانت أفكار الشراكة الرمزية للقوى السياسية وبالطبع يتم هنا استبعاد الأوزان الحقيقية للأحزاب غير المنكورة (!) والجسم الذي يضم كل القوى السياسية والذي يناقش المسائل ويتفق عليها أولاً ولذلك كانت دعوة جون قرنق المبكرة للتجمع الوطني لارتياد آفاق الشراكة على المفاهيم المذكورة.
ونلاحظ أنه مع اتفاق مشاكوس الإطاري ارتفع شعار (الحكومة القومية) و(الجبهة العريضة للسلام والديموقراطية) والتي كان من الممكن أن تكون ذلك (الجسم) الذي دعا له د. قرنق . وبسبب الشعارات التي لم تكن متفقة مع الواقع ولا مع طبيعة الفترة التي أشرت إليها . وجد دعاه (الجبهة العريضة للسلام والديموقراطية) عنتاً شديداً لأن دعوتهم كانت إقامتها دون عزل أية قوى سياسية بما في ذلك حزب الحركة الإسلامية .. وما بين مشاكوس ونوكورو ونيفاشا أصبح المقترح الأول الذي دعمه (المجتمع الدولي) بالنسبة لشكل الحكومة أن تكون (حكومة ائتلافية) من الطرفين اللذين وقعا الاتفاق ثم تدرج الأمر إلى (الحكومة الائتلافية ذات القاعدة الواسعة) .. الخ وحتى (حكومة الوحدة الوطنية).
فهل يكون المخرج من الأزمة في (الحكومة القومية) أم التحالف السياسي الواسع والتوافق الوطني الذي يضبط إيقاع حكومة الوحدة الوطنية ؟
بعض القوى السياسية ومنذ فترة قليلة تطرح شعار (تعديل شكل الحكومة) وبالرغم من أنها أبانت بصورة عامة أسباب ذلك التعديل لكنها لم تفصح عن أساليب عملها . لكن الواضح أنها تراجعت عن (الحكومة القومية) وحتى بالنسبة لدواعي التعديل فنلاحظ مثلاً أنه ارتبط مرة (بالتحول الديموقراطي) ومرة أخرى (باستعادة الديموقراطية) والدقة هنا ضرورية لأنه لكل هدف وسائله فالحكومة القومية اقترح (المؤتمر الجامع) كوسيلة لها بعد أن تم التنازل عن (المؤتمر الدستوري).
وهيئة جمع الصف الوطني التي تكونت بقرار من الرئيس البشير وبأغلبية عضوية من المؤتمر الوطني توصلت إلى عقد مؤتمر مائدة مستديرة لكل القوى السياسية دون عزل أية جهة يسبقه قيام هيئة الحكماء (!) وهدف المؤتمر التوافق على برنامج الحد الأدنى "وتوسيع قاعدة الحكم" ومن بعد ذلك طرح الرئيس البشير (20 نوفمبر 2007) مبادرته (لكل قطاعات الشعب) ليتوافق الجميع على عقد سياسي واجتماعي وشعبي يتواضعون فيه على الحد الأدنى باتحاد الصف .. حتى تصل المبادرة إلى (توسيع قاعدة الحكم والمشاركة) فهل يعني هذا أن الجميع التقوا في منتصف الطريق خاصة وإن قيادات من المؤتمر الوطني والحركة الشعبية يصرحون : أن السودان ليس ملكاً للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية وإنما ملك للشعب السوداني كله بكافة قواه السياسية والاجتماعية ؟
والمعلوم أن (تعديل شكل الحكومة) من جهة القوى السياسية و(توسيع قاعدة المشاركة) من جهة المؤتمر الوطني تحت ظل ما هو متفق عليه من معظم القوى السياسية وكل الأحزاب (الكبيرة) بعدم الإطاحة بالنظام له وسيلتان الأولى . هي التمثيل الرمزي في حكومة الوحدة الوطنية في إطار نسب قسمة السلطة القائمة وهذه تعيدنا للأفكار التي قدمها د. قرنق.
والثانية : تعديل شكل الحكومة عن طريق تعديل الدستور وهذا من المعلوم أنه يتطلب ابتداءً موافقة طرفي الاتفاقية قبل تقديم الاقتراح للمجلسين . لأن التعديل في نسب المشاركة في السلطة (حكومة الوحدة الوطنية) يتطلب انطباق المادة (224) من الدستور القومي الانتقالي بفقرتيهما والتي تقرأ :
1.
لا يجوز تعديل هذا الدستور إلا بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسي الهيئة التشريعية في اجتماع منفصل لكل منهما وبشرط أن يقدم مشروع التعديل قبل فترة شهرين على الأقل من المداولات .
2.
لا تطرح التعديلات التي تؤثر على نصوص اتفاقية السلام الشامل إلا بعد موافقة طرفيها ..
وأكد الرئيس البشير في مبادرته (لكل قطاعات الشعب) رفضه إعادة صياغة الدستور ورفضه المساس باتفاقية السلام – وهو أصلاًُ موقف معلن من قبل الحركة الشعبية – وعلى ذلك فإنه يكون واضحاً أن توسيع قاعدة الحكم والمشاركة بتلك المبادرة تكون بمفهوم المؤتمر الوطني مثلما أن المؤتمر الجامع أو القومي أو ذو المائدة المستديرة يتم أيضاً بمفهوم المؤتمر الوطني . ومفهوم المؤتمر الوطني قائم على استراتيجية التمكين ديموقراطياً للإنقاذ في طورها الثالث (!) لذلك وضعت المبادرة شروطها المسبقة للمؤتمر الجامع : مؤتمر جامع ليس من أهدافه مراجعة اتفاقية نيفاشا ، مؤتمر جامع لا يمس نتائج الاتفاقية ، مؤتمر جامع مهمته التوافق على العمل في الساحة السياسية بحرية بشرطين : الابتعاد عن المكايدات السياسية والابتعاد عن الخروج عن القوانين وأن (الشعب) بقيادة (المؤتمر الوطني) قادر على إحباط كل ..
ونواصل

No comments: