Monday, May 26, 2008

التلاعب بالألفاظ من أدوات الخداع وتشويه الأهداف!!

التلاعب بالألفاظ من أدوات الخداع وتشويه الأهداف!!

محمد علي خوجلي

المفصولون من الخدمة فئة متضررة من عشرات فئات المتضررين فالذين يعانون من البطالة ويواجهون كل صباح اليأس والاحباط متضررون. وحق العمل من الحقوق الأساسية بوثيقة الحقوق في الدستور القومي الانتقالي... والذين تم ترحيلهم قسراً من منازل يقيمون فيها في المدن متضررون.. مثل سكان آلاف القرى التي احترقت وصارت أثراً بعد عين، الذين واجهوا الهجرة والنزوح القسريين.. يصعب فعلاً تحمل هذه الجزئية من المقال إحصاء فئات المتضررين بسبب سلطة الانقاذ وسياساتها (ينبه الاستاذ علي الحاج محمد – لجنة بورتسودان – لفئة من المتضررين هم عائلات شهداء العمال والموظفين الذين أخذوا عنوة للخدمة العسكرية!!).
وطلاب الجامعات المفصولون من الدراسة – اليوم – بالمئات من حوالي عشر جامعات وهم متضررون وأسرهم والوطن أيضاً ولا تحس بهم الا فئة قليلة.. بل قد نجد قائداً (ديمقراطياً) يؤكد في مدينة سنار ان قضية الطلاب المفصولين (تنظيمية) وان لوائح الجامعات كفيلة بها خاصة وان من بينهم من اعتدى على ممتلكات الجامعات وهعي ممتلكات عامة (!) وانني على يقين انه لا القائد ولا الاتباع قد اطلعوا على تلك اللوائح، المنافية للحقوق الأساسية والمتعارضة مع دستور البلاد.
أما خلال الحقبة الانقاذية فلم يتم الاكتفاء بفصل طلاب من الدراسة لأسباب سياسية ونقابية بل يتم حرمان بعضهم من الالتحاق بأية مؤسسة تعليمية أخرى ومنهم من غادر البلاد ومنهم من أجبره واقع الحال لاكتساب مهنة يقتات وعائلته منها. فهل فصل طلاب من الجامعات والمعاهد العليا سياسياً ونقابياً وحرمانهم من الدارسة (حق التعليم) لا يستوجب تكوين لجنة لرفع الظلم وجبر الضرر؟ الى أي آلية يتوجه هؤلاء؟
وجد الفصل السياسي للعاملين الاهتمام والاولوية لطبيعته القاسية بالفصل الجماعي لاعداد كبيرة بكشوفات كثيراً ما أعدت خارج الوزارات(!!) ولآثاره السياسية المهولة باستبدال اجهزة الدولة القومية باخرى حزبية واضعاف التنظيمات النقابية بتسريح القيادات النقابية المجربة ولآثاره الاجتماعية والاقتصادية المعروفة من طرد الرجل وزوجه والأخ وأخيه والوالد وابنه..الخ الى الطرد المفاجئ من المنازل... وحتى الحرمان من المعاش والحقوق القانونية..
ان استراتيجية التمكين ديمقراطياً لحزب الحركة الاسلامية فيما يتعلق بالمتضررين هي:
أولاً: الاقرار بحياء بالوان الظلم التي حاقت بتلك الفئة او غيرها، والاعلان عن عقد العزم (المتكرر) برفع الظلم.
ثانياً: كسب الوقت بتجديد الاعترافات بالاخطاء والتباطؤ في تصحيحها بتعدد اللجان وتعدد اليات المعالجات بحيث يتوه المتضررون وتختلف طرقهم..
ثالثاً: ان تتم المعالجات تحت قيادة المؤتمر الوطني وبطريقته وهنا يأتي التلاعب بالالفاظ في القرارات والتقارير وتفسير نصوص الاتفاقيات..
رابعاً: خلال كل ذلك وبوسائل متباينة يجمع المؤتمر الوطني اعواناً جدد من بين المتضررين أنفسهم، كثيرون غير متفقين معه سياسياً ومنهم من يأتي اليه بسبب الجوع وانتظار السنوات لآمال لم يتحقق منها شيء!!. ويسعى لجعل اصواتهم الاكثر ارتفاعاً..
خامساً: العمل بهمة على توظيف كل نتائج النقاط الاربع السابقة على فصل فئات المتضررين. وفي حالة الفصل من الخدمة فان التقسيمات تكون:
مدنيين وعسكريين، وتقسيم المدنيين باستبعاد فئات منهم ثم تقسيم العسكريين وكل فئة تتم قسمتها يعاد تقسيمها بحسب انواع الفصل ومسمياته..
من أهداف استراتيجية المؤتمر الوطني منع قيام (اتحاد كل المتضررين) وكل من يشارك في وضع العراقيل امام ذلك الاتحاد، او يعمل على ان تكون قضايا المتضررين روافع (للنضال) السياسي، فانه يخدم اراد لو لم يرد استراتيجية المؤتمر الوطني. إن اتحاد كل المتضررين هو الخطر الداهم على عرش الانقاذ و(ديمقراطياً)..
ويساعد المؤتمر الوطني أخطاء الاخرين: فالدعوة الى تأجيل أخذ المتضررين لاستحقاقاتهم حتى زوال النظام والدعوة لنيل الاستحقاقات جميعها على دفعة واحدة او تركها كلها. والتخلي في السلوك العملي عن قومية وديمقراطية واستقلالية اتحاد كل المتضررين او تنظيماتهم..الخ جميعها هو عون المؤتمر الوطني لفرض قيادته لمن ظلمهم.. وفرض المعالجات التي يريد وتوقيتها..
ان المتضررين لا يستطعيون في معظمهم انتظار نهاية النظام او الاطاحة بالحكومة وهو ما استبعدته معظم القوى السياسية، الا فئة قليلة... كما لا يستطيعون الصبر حتى نهاية الفترة الانتقالية غير المعلوم ما قد يحدث خلالها او ما يليها.. ولا يقبلون ايضا بالحلول المشوَّهة التي يفرضها المؤتمر الوطني وحتى تلك الحلول بصورتها لا ينشط في تنفيذها.. هذا الواقع يفرض على تنظيمات المتضررين (وهي بالمناسبة ليست ثلاثة ولا لجان المفصولين المعروفة بالخرطوم بل أكثر من عشرة تنظيمات قائمة) العمل سريعاً على تجديد خطابها وتجديد أساليب عملها وتفادي احتكارية الحديث او اتخاذ القرارات باسم المتضررين.. والاتجاه العام ان نيل المتضررين لجزء من حقوقهم تحت ظل النظام الراهن افضل من الانتظار حتى ذهاب ريحه (ديمقراطياً) بعد سنين عدداً.
والحكمة القديمة إن المتضرر الذي يجد قليلاً من حقوقه هو الأقدر على أخذ كل حقوقه.. ومواقف تنظيمات المتضررين من اللجنة الحكومية 2007م للنظر في حالة الفصل السياسي الظاهر، ونتائج تلك المواقف على تلك التنظيمات نفسها.. والعلاقات بين التنظيمات والمتضررين.. الخ تؤكد على ضرورة التجديد العاجل في أساليب العمل بالمفهوم الثابت ان تلك التنظيمات ليست (نقابات) ولا (أحزاب سياسية) بل تنظيمات تطوعية للمتضررين من كل الاحزاب والاغلبية التي لا تنتمي لأي حزب.. هي جماعات ضغط قوية يمتد أثرها في كل انحاء البلاد ولا تحتاج للتنظيمات الهرمية والمركز الواحد..الخ ما تجاوزه واقع البلاد الجديد.
إن الخطوة الاولى لهزيمة استراتيجية المؤتمر الوطني هو فهمها والانتباه للقرارات التي يتخذها، والآليات التي يختارها والتي نزنها بميزان اتحاد كل المتضررين ومصالح كل فئة. فقبول المفصولين سياسياً من حيث المبدأ بآلية لجنة العمل والإدارة بالمجلس الوطني كان يعني امكانية القبول باللجنة الحكومية بقرار المجلس الوطني رقم (9) واستبعاد تمثيل المفصولين في اللجنة الحكومية والعمل بنظام الاستمارات والاختصاص المنقوص بالفصل السياسي الظاهر دون الفصل السياسي غير المباشر او الذي اتخذ له اسماء اخرى.. كل ذلك كان مقصوداً وله دلالاته، فالمفصولون سياسياً وتحت اي مسمى معروفون وسبق للجنة مجلس الوزراء النظر في حالاتهم من واقع ملفات الخدمة..الخ المقصود شرخ او حتى كسر وحدة المفصولين سياسياً واللجنة التي كان لها سقف زمني اصبحت لا سقف لها..
اللجنة الحكومية 2007م هي وسيلة معالجة المؤتمر الوطني وحلفاؤه لقضية المتضررين من الفصل السياسي الظاهر، لم تفرضها (حكومة الوحدة الوطنية) بل قامت بحسب طلب المجلس الوطني وقراره رقم (9) لدوره الانعقاد الرابع وهذا القرار يعرف حتى الطفل الرضيع داعميه داخل وخارج المجلس الوطني حيث قرر المجلس الوطني الآتي:
إجازة تقرير لجنة العمل والادارة والمظالم العامة حول قضية المحالين للتقاعد لمصلحة الخدمة (في جزئية المقالة الاولى بعنوان: استراتيجية التمكين دايمقراطيا.. وقضية المفصولين عرضت لطبيعة تكوين اللجنة وتميثلها لقوى سياسية مختلفة).
وقبل عرض التوصيات يجب الانتباه لعنوان القرار رقم (9) والتركيز على (التقاعد لمصلحة الخدمة) والذي حل محل عنوان تقرير لجنة العمل: المحالين للصالح العام والمفصولين سياسياً والتلاعب بالالفاظ هنا وجعل كل المفصولين في خانة واحدة وان فصلهم كان (لصالح الخدمة) يسحب مباشرة كل الاقرارات التي سبقته بخطأ الفصل والظلم وعقد العزم على جبر الضرر (خطاب الرئيس البشير بالقضارف) وما دام ان الفصل كان (لصالح الخدمة) فانه لا مكان لاصدار القرار السياسي والغاء قرارات الفصل منذ 30 يونيو واعتبارها كأن لم تكن!!.
اما توصيات المجلس الوطني فكانت كالآتي:
1/
التوصية لدى رئاسة الجمهورية لاصدار قرار جمهوري عاجل بتشكيل لجنة للنظر في تظلمات من أحيلوا للتقاعد لمصلحة الخدمة او فصلوا لأسباب سياسية على ان يشمل ذلك المدنيين والعسكريين على السواء.
2/
إعادة المحالين للتقاعد لمصلحة الخدمة دون سن المعاش ومعالجة حالة من تجاوز منهم سن الخدمة.
3/
إعداد وتصميم برنامج لاعادة تأهيل المحالين للتقاعد جراء الخصخصة والغاء الوظائف.
4/
تفعيل وتمويل صندوق المتأثرين بالخصخصة والغاء الوظائف الذين لم يتم تعويضهم وذلك عبر لجان تُشكل بواسطة مجلس الوزراء يُمثل فيها المتاثرون بالخصخصة والغاء الوظائف.
5/
الذين تمت احالتهم بسبب الغاء الوظيفة او الخصخصة ولم تسو لهم حقوقهم التعويضية والمعاشية يجب سدادها لهم فوراً من وزارة المالية.
6/
كل الذين تمت احالتهم ولديهم مستحقات المعاش وتحسين المعاش يجب على ديوان المعاشات والتأمينات اتمام اجراءاتهم فوراً.
إن التلاعب بالالفاظ مما هو معلوم في كل ما كتبت الانقاذ او شاركت في كتابته وتقرير لجنة العمل الذي تأسس عليه قرار المجلس الوطني رقم (9) قال:
(
بعد اطلاع اللجنة على اتفاقيات السلام.. واتفاقية القاهرة وغيرهما من الاتفاقيات الاخرى وما جاء في دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005م في المادة (26) الفقرة (7).. وهذه الفقرة تؤكد حرص الدولة على المعالجة.. وفي سبيل تضميد الجراح وجمع شمل وكلمة الامة السودانية..نرى ضرورة الأخذ بالتوصيات التالية).
وهذا المدخل الهلامي هو تلاعب فظ بالالفاظ، ومحاولة لخداع الجمهور. ان التقرير راعي في معالجته كافة النصوص في الاتفاقيات والدستور وحتى (لجنة المصالحة الوطنية) التي دعت لها نيفاشا والمادة (21) من الدستور.. وانها عبَّرت عن كل ما جاء لصالح المتضررين لفئة الفصل السياسي الظاهر (الذي اعتبره المجلس الوطني لصالح الخدمة) وهذا هو موضوع الجزئية الثالثة من المقال بعنوان: مفهوم المصالحة الوطنية وتضميد الجراح وقضية المفصولين.. ان التلاعب بالالفاظ هو لتشويه الاهداف المتفق عليها في الدستور والاتفاقيات..
وعندما ندلف نحو التوصيات نلاحظ الآتي:
1/
رفع توصية للسيد رئيس الجمهورية باصدار قرار سياسي باعادة المحالين للصالح العام دون سن المعاش. وتعجل البعض منتقدين القرار رقم (9) الذي لم يتضمن صدور القرار السياسي كما تقرير لجنة العمل. لكن التوصية التي امامنا بخلاف ذلك وتقرير اللجنة طلب اصدار القرار السياسي (للذين توصي اللجنة الحكومية بعودتهم) وهذا ما حدث فعلاً. واضافة (دون سن المعاش) يؤكد ان القرار المقصود ليس قراراً عاماً ولا سابقاً لتكوين اللجنة الحكومية.
فلا يكون صحيحاً ان (تقرير لجنة العمل) او (قرار المجلس الوطني) قد أشارا من قريب او بعيد لاصدار القرار السياسي المقصود ولا يكون سليماً مؤاخذة لجنة عمر محمد صالح 2007م على عدم اصدار القرار السياسي الذي هو خارج اختصاصها وخارج اختصاص المجلس الوطني. والذين قبلوا قرار المجلس رقم (9) عليهم قبول نتائجه التي منها تكوين تلك اللجنة ومعالجتها التي شابها القصور.
2/
فصلت توصيات لجنة العمل وقرار المجلس الوطني بين فئات المتضررين وانواع الفصل صراحة حيث اشتملت التوصية الاولى على تشكيل (لجنة للفصل السياسي الظاهر) وتناولت في الفقرتين (3) و(4) الغاء الوظائف والخصخصة تكوين (لجان) بواسطة مجلس الوزراء يمثل فيها المتضررون (المتأثرين بالخصخصة والغاء الوظيفة).
إذن فان لجنة العمل والمجلس الوطني قررا صراحة تمثيل جزء من المتضررين في للجان التي تنظر حالاتهم واستبعدت تمثثيل المتضررين بالفصل السياسي الظاهر في اللجنة المختصة بحالاتهم.
وعلى ذلك وبالواضح فان اللجنة الحكومية 2007م اختصت بتنفيذ التوصية رقم(1) ولا يجوز الاحتجاج – الآن – بان اللجنة لم تنظر في حالات الفصل الاخرى والتي رتبها قرار المجلس الوطني رقم (9) الذي اجازه المجلس الوطني بالاجماع، اي ليس قرار المؤتمر الوطني وحده، إن الانتقادات الاساسية لمعالجة الفصل السياسي الظاهر (بالواقع الجديد) هي:
*
عدم تكوين لجنة فرعية للعسكريين لأداء ذات المهمة بنص الفقرة الاولى من القرار رقم (9) وبالتجربة السودانية فانه دائماً تكون للعسكرين لجنة خاصة بهم. وكذلك اتفاق القاهرة.
*
استبعاد القضاة (كذلك اتفاقية القاهرة) والمستشارين القانونيين والدبلوماسيين بوزارة الخارجية والمفصولين من المجلس الوطني. ولم يتضمن قرار المجلس ذلك الاستبعاد.
*
توصيات لجنة العمل وقرار المجلس الوطني لم يتضمنا اصلا مبدأ (التعويض عن الفصل) ومبدأ (التعويض عن الاضرار بسبب الفصل) وهو ما نصت عليه صراحة اتفاقية القاهرة والموافقون والداعمون لتقرير لجنة العمل وقرار المجلس الوطني يجب عليهم الكف عن انتقاد اللجنة الحكومية على اهمالها مبدأ التعويض!!.
*
حتى كلمة التعويض التي جاءت بالفقرة (5) فهي مٌعَّرفة بالحقوق التعويضية التي تعني فقط التعويض بقانون العمل (مرتب شهر) وبقانون الخدمة العامة (ثلاثة شهور) او الحقوق التعويضية بموجب (الاتفاقيات الجماعية) مع التنظيمات النقابية ولا يطرأ على الاذهان انه تعويض قد تقرره اللجنة بالتراضي او بالمعايير الدولية..الخ

ونواصل

No comments: