Saturday, May 31, 2008

تنظيمات تضامن العاملين.. والواقع الجديد

تنظيمات تضامن العاملين.. والواقع الجديد

(4-4)

محمد علي خوجلي

عمليات بناء تنظيم التضامن هي عمليات متصلة ومتحركة، موضوعها قواعد اجراء عقد اجتماعات واعداد لائحة وعقد مؤتمر لن تتجاوز اطار تجميع حلفاء وحشد اشباه متفقين في حين ان تنظيمات التضامن (جماهيرية) تستهدف آلاف العمال العاديين غير المنتظمين في الاحزاب واللجان والروابط والجمعيات والذين لم نتعرف بعد على اتجاهاتهم ومزاجهم العام. وهو واجب صعب يحتاج الى صبر شديد. لذلك فان نمو تنظيمات التضامن واشكالها ومكوناتها لا نستطيع تصوره مقدماً وان المبادرين والقيادات المجربة والمتطوعين انما يصنعون لبنات البناء عبر مرحلة الخطوط العامة وشرح المهمات الثلاث المتداخلة التي تتبعه مرحلة قيام تنظيمات فعلية باشكال مختلفة في المنشآت او بين الغايات المختلفة وهنا تتحول (القيادات الشرعية) وكافة المتطوعين الى (مجلس عام داعم للتضامن) طبيعته استشارية حتى قيام (النقابات المنتخبة)، حيث يتخذ التضامن العمالي صورة جديدة (اتحاد العمال) او (المجلس العام للاتحادات والنقابات) الجديدة او اي اسم آخر لندخل بعدها في برامج جديدة واشكال تضامن جديدة.
والبناء يتم تحت ظروف مختلفة وواقع جديد تشهده البلاد، وواقع جديد اقليميا ودوليا غير مالوف من قبل، واصبح القابض على مبادئه في الواقع الجديد كالقابض على جمرة من نار..(!) واستيعاب هذا الواقع يشكل عبئاً ثقيلاً على مناضلي الحقب الماضية من حيث القضايا وأساليب العمل.. وعقول الشباب تضج بعشرات الأسئلة..
صحيح القول بأن البلاد تحت وطأة أزمة شاملة حلولها شاملة وتشارك فيها كل الاطراف. وان التوافق يقتضي تقديم بعض التنازلات. واعتقد ان التنازلات في المبادئ الأساسية هي التحلل الفاضح من تلك المبادئ. وفي موضوعنا فاننا ندافع عن مبادئ الحريات والحقوق والحماية والديمقراطية النقابية واستقلالية النقابات، ويستحيل التنازل عن اي منها ووثيقة الحقوق في الدستور المؤقت تنشر الثقة وتمنع التفكير في التنازل عن أي جزء من تلك المبادئ. ونرى ان التوافق – مثلاً – على ابدال (مصادره) تلك المبادئ بقانون النقابات القائم (بتقييد) تلك المبادئ بتعديل القانون هو من انواع التحلل. بل ان الذي يريدون استبدال (المصادره) (بالتقييد) يناقضون الدعوة الى انفاذ الدستور المؤقت والاتفاقيات (حرفاً حرفاًً).
ومن جهة اخرى فان الازمة في الساحة النقابية (الشاملة) والتي يتطلب حلها توافق الاطراف فان هذا التوافق اساسه التخلي عن مناهج العمل البائدة من (موجهات القطاع) وحتى (التآمر النقابي) فتلك المناهج القديمة هدفها هيمنة قيادة حزب او اكثر على العمل القيادي النقابي بما يتعارض ومبدأ التوافق ويضعف الوحدة العمالية ويحقق اهداف الحركة الاسلامية وحزبها الحاكم والتي لم تتبدل. والنتيجة ان تبحث الجماهير عن طريق آخر وحلول اخرى كما حدث في الساحة السياسية، وأمامنا تجربة اللجنة القومية للمفصولين التي اختارها بالتوافق فقط ثلاثة وخمسون ممثلاً اكثر من 50% منهم من السكة الحديد لأقل من خمسة وعشرين منشأة ومعلوم ان الفصل طال اكثر من ثلاثمائة منشأة. والمفصولون بعشرات الآلاف..(!).
وتنظيمات تضامن العاملين نتوسل بها نحو النقابات الجديدة وهي تنظيمات لا تكن عداء سياسياً لهذه الجهة او تلك ولا لأفراد بافكار مسبقة او تخطيط فكلا النقابات وتنظيمات تضامن العاملين (جماهيرية) وشرط الجماهيرية الديمقراطية وعدم التمييز من اي نوع. وبخلاف ذلك فان التعقيدات الراهنة قد تنتج تنظيمات ونقابات (سياسية) وهذا حدث في بلدان اخرى وامر لا نرغبه.. ومن ناحية اخرى فان موقف النقابات من الحكومة، اي حكومة، ومن الاحزاب السياسية، اي حزب هو المواقف العملية من قضايا العاملين. وذلك يضع الاحزاب امام واجباتها بتوضيح خططها وما تحمله برامجها بشأن تلك القضايا. اما مجرد اعلان الدعم من تلك الاحزاب وطلب التأييد من التنظيمات فانها تجعل المسألة في اطار (اللعبة الحزبية) وجماهير العاملين لا مصلحة لها في ذلك. ونلاحظ هنا ان التضامن النقابي (الوليد) اختار ومعظم مكوناته المتوقعة عضوية (الهيئة الشعبية للدفاع عن الحريات العامة) والتي اعلنت تبني القضايا المدنية والسياسية وايضا الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك (مشاكل الأفراد) بما يشير الى مسألة النقابات في برنامج تلك الهيئة لكن الغريب ان برامج الاحزاب الاقتصادية والاجتماعية وما أشرت اليه لا يزال يكتنفها الغموض ودار الامة التي كان متوقعاً ان تشهد احتفال التوقيعات كانت تحت اعتصام بعض جيش الامة بسبب الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية. واذا رأى البعض ان للحكومة يداً فيما حدث فاننا يجب ان نتذكر (التعويضات) ونتذكر الاتفاقية التي وقعها اربعة عشر حزباً مع مفوضية التسريح ونزع السلاح واعادة الدمج.!
ان الارتباك الذي ضرب الساحة السياسية يتجه نحو العاملين والمؤشر ان كل التنظيمات المفترض ان تكون مؤقتة وتطوعية تحولت الى تنظيمات تشابه الاحزاب السياسية من اللوائح الداخلية وعقد المؤتمرات وحتى البحث عن الدور والاختام!. ولذلك تشارك بعض هذه التنظيمات التي هي تطوعية وتنسيقية ومؤقتة في ندوات القوى السياسية لمناقشة مشروع قانون الانتخابات العامة وتوقع على المذكرت.الخ في حين ان دورها اكبر من ذلك.. ومن جهة اخرى تدعم الاتحادات والنقابات الرسمية النشطة حزب الحركة الاسلامية الحاكم بذات الأساليب.. والعاملون في قواعدهم لا علاقة لهم بهذه او تلك.. ولم يستأذنهم احد في الحديث باسمهم والتوقيع نيابة عنهم. ان المؤمل ان يتصدى العاملون وتنظيماتهم و(نقاباتهم!) لانهاء قسمتهم بين هؤلاء واولئك.. وان يكون لتنظيمات تضامن العاملين رؤى اكثر اتساعاً (لتحسين الجو العام) الذي يقود للتوافق الوطني والتحول الديمقراطي بالاتجاه المباشر نحو قواعد العاملين التي في معظمها خارج العضوية المسجلة للاحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة ونصف المعارضة..
تنظيمات التضامن والنقابات الجديدة، تواجه مشاكل (جديدة) تمتد من مشروع قانون النقابات واتحاده الكونفدرالي وحتى آثار سياسات التحرير والسوق الحر ونظم الحماية الاجتماعية والتعويض عن الفصل والمعاش المبكر وانواع الاستخدام الجديد: العقودات محددة الأجل والاستخدام على البرامج، والعمالة المؤقتة والجزئية وساعات العمل غير القانونية، والضرائب والرسوم التي لا حد لها ولا اخر، وخصخصة العلاج والتعليم وخصخصة المعاشات أيضا..الخ المشاكل التي لم يألفها مناضلو الحقب السابقة.
وكل هذه المسائل تتطلب الجدية في العمل والموضوعية في الطرح وتقديم مشروعات الحلول وبدائلها، والدراسات والاحصائيات فالمفاوضات الجماعية لا تعتمد على حسن الخطابة وانتظام الهندام او تدبيج المذكرات او التصريحات الصحفية التي تنوء بحمل المفردات (الثورية) التي تطلق في الهواء بقصد ان تكون معلقة فيه (!) تهديداً يعادل تهديد اتحاد نقابات عمال السودان الرسمي بالاضراب عن العمل.. ونموذجنا اجازة ميزانية العام 2008م. نجد ان لجان المفصولين التي وعدت بالكثير لم تتقدم بدراساته او مذكرات الى (نواب الشعب) الذين عينهم رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الحاكم ولم ينتخبهم اي شعب!. والتي تحدد المبالغ واجبة الرصد في الميزانية لمعالجة آثار الفصل من الخدمة سياسياً او تعسفياً.. ولم تنظم (كتلة احزاب التجمع) او اية كتلة اخرى تؤكد دعمها المستمر لقضايا المفصولين، جلسات حوار لمناقشة الامر ولم تتم (محاصرة) الهيئة التشريعية القومية لتذكير اعضائها بالمفصولين والبطالة.. ولم يتم كشف حال (نواب الشعب) من العاملين وأعضاء اتحاد العمال ووزراء ووزراء الدولة من (القوى السياسية المعارضة)!!. وان نسينا كيف ننسى وزير الدولة الذي جلس على كرسيه باسم (المجلس العام للاتحادات والنقابات الشرعي) ولن ننسى مذكرة اتحاد العمال الشرعي حول قسمة الوزير القومي ممثل (القيادة الشرعية للقوات المسلحة) اي الضباط وضباط الصف والجنود المفصولين للصالح العام والمسرحين.
ومن جهة اخرى فان لجنة المفصولين التي تفخر بانجازها الذي تمثل في لجنة مجلس الوزراء الاخيرة لم تتذكر ان تتابع هل تم رصد (تحسين المعاشات) في الميزانية الجديدة؟ والحقيقة ان ذلك لم يحدث وستكون المعاشات المعدلة جداً على ورق حتى يقيض الله امرا كان مفعولاً..
ان الواقع بصورته المأساوية يؤكد عدم الجدية لمواجهة الاحوال الفظيعة للعاملين والمعاشيين والمفصولين والبطالة.. او العجز الذاتي وضمور الافكار.. او السعي للحصول على مكاسب اخرى بخلاف مصالح العاملين.. ويلزم اصلاح الحال بالاقرار بالاخطاء وبيان أسبابها وتصحيحها.. وعدم تعويق حركة القيادات الجديدة التي تفرزها المعارك.
وان اقامة التنظيمات الواحد تلو الآخر والتوقيع على اتفاقيات في عيد الفطر وعيد الاضحى وما بين العيدين، واعداد مواثيق (بديباجة او بدونها) وكفى لن تؤثر على واقع الحياة المتحرك والذي لن ينتظر اية جهة.!
ونضال عمال السودان لا ينفصل عن نضال العمال في افريقيا والمنطقة العربية وفي العالم اجمع رغم أنف القطبية الآحادية.! والاجهزة من كافة الانواع. وعندما شهدنا في فنزويلا (اللجان الثورية العمالية) من بعد انتصار شافيز تذكرنا (اللجان الثورية العمالية) في المنطقة الصناعية بحري من بعد مايو 1969م. وعندما انتشرت (لجان تضامن العمال) في المصانع وكل المنشآت في فنزويلا راقبنا عن كثب كيفية تحقيق الوحدة العمالية بين اكثر من خمس تكوينات عمالية يقودها (ثوريون) الا واحداً حيث اتخذت اتجاهين ووجدنا ان تلك الوحدة تمت (طوعاً) واجلت حكومة شافيز تأميم بعض المنشآت الهامة حتى يقنتع العمال وتنظيماتهم المعارضة وتواصل الحوار لاكثر من عام ولم تصدر السلطة السياسية قراراً بحل (تنظيمات تضامن العاملين او نقاباتهم الرجعية). وتذكرنا عبد الخالق محجوب عندما اوقف اتجاه حل النقابات الرجعية من بعد 1969م ليقودها ثوريون وشيوعيون.
هو عصر الشعوب و(ثورات) الفقراء والمهمشين و(الشينين) لا البيوتات الكبيرة والاحزاب الكبيرة التي يرث فيها الابناء والاخوان والزوجات المواقع الحزبية!. وفي فنزويلا كانت عضوية الاحزاب المنتظمة نقطة صغيرة في بحار جماهير العمال المتلاطمة ومع ذلك لم تتدخل السلطة الحاكمة لفرض الوحدة العمالية او فرض برامجها الاقتصادية حتى اذا كانت لصالح العمال وصبرت حتى حازت على رضا المال بتلك السياسات.
اذن: اكدت كل التجارب الناجحة سقوط احتكارية التنظيمات والنقابات واحتكارية العمل القيادي وكل اشكال الوصاية وصور الأبوية القبيحة.
ويجري في جمهورية مصر العربية ما يجري في السودان جاء:
انه في ظل غياب دور النقابات العامة والاتحاد العام للعمال في الدفاع عن حقوق العمال يحاول بعض العمال خلق اطر بديلة ليتمكنوا من ممارسة حقوقهم النقابية للدفاع عن مصالحهم حيث قام العاملون بوزارة الطيران - بمهنهم المختلفة- بخلق بديل لنقابات اتحاد العمال الرسمي حتى يتمكنوا من الدفاع عن حقوقهم فقاموا بانشاء عدد من الروابط عوضاً عن التنظيم النقابي والتي أصبحت تتصدى للاهدار المستمر لامتيازاتهم وفضح ومواجهة الدور السلبي الذي تلعبه النقابة العامة الرسمية للعاملين بمصر للطيران.
وأيضاً جاءت رابطة العاملين بشركة الخدمات الارضية لتلعب نفس الدور وتؤكد ان استقلالية التنظيمات النقابية البعيدة عن سيطرة الحكومة هي المثال الحقيقي للتعبير عن حقوق العمال ومطالبهم. وفي هذا السياق ايضا طالب عدد من الاعلاميين بانشاء نقابة خاصة بهم على غرار النقابات الاخرى للصحفيين والاطباء والصيادلة والعمال للمساهمة في الدفاع عن قضاياهم ومصالحهم.
وكما يطالب العاملون في السودان بالتعددية المهنية والنقابية فان اهم مطالب حركة العاملين في جمهورية مصر، الغاء قانون نقابة المنشأة والعودة للتعددية.
مشروعات تنظيمات تضامن العاملين والنقابات (الجديدة) تواجه ظروفاً جديدة اهمها ان الدول النامية اصبحت تحت حكم القطبية الآحادية.. وان معظم الحكومات ومنها حكومة السودان هي (تحت الوصاية)، وصاية كل الدول التي تقود سياسات الليبرالية الجديدة والتي ترتكز على ثلاث محاور رئيسية: في المقدمة النظام النقدي ممثلاً في صندوق النقد الدولي والنظام المالي الدولي المتمثل بالبنك الدولي ثم نظام التجارة ممثلاً في منظمة التجارة العالمية. وقد انصاعت حكومات تلك الدول لشروط المؤسسات الاقتصادية الدولية (آخرها في السودان الاستجابة لرفع نسبة القيمة المضافة الى 15% في ميزانية 2008م)، وشروط المؤسسات الاقتصادية الدولية معلومة:
*
العودة الى اقتصاد السوق الحر.
*
رفع الحماية عن المنتجات المحلية.
*
رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية الاساسية (الدقيق، القمح، البترول) والخدمات الضرورية والأساسية (التعليم والصحة).
*
التركيز على الصادر.
*
رفع القيود عن التجارة الخارجية واعتماد الاسعار الحرة للصرف الأجنبي.
*
فتح الأبواب امام الاستثمارات الخارجية والشركات الاجنبية والعمالة غير الوطنية.
ومجمل هذه السياسات رفعت معدلات البطالة وزادت حدة الفقر وفشلها واضح.
وانفاذ مثل هذه السياسات دفع حزب الحركة الاسلامية الحاكم الى احكام قبضته على الحكم وهيمنته على كل الساحات: السياسة والنقابية وحتى الرياضية.. وسياسات التحرير والسوق الحر تحتاج الى هيمنة الحكومات على النقابات او اضعافها فوجود النقابات نفسه مهدد بحكم تلك السياسات وهذا هو دافع مطالبتنا (للقوى السياسية) ببيان سياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد مدى اقترابها او ابتعادها عن حزب الحركة الاسلامية الحاكم.
ولترابط قضايا حقوق العاملين فان تنظيمات تضامن العاملين تشمل كل التنظيمات والمنشآت والمناطق والمدن، فالقضية واحدة لا تتجزأ وكما الأزمة الوطنية الشاملة التي حلولها شاملة فان قضايا العاملين والمعاشيين والمفصولين والطلاب والبطالة والخريجين شاملة وحلولها شاملة وبمشاركة كل الأطراف.

No comments: