Saturday, May 31, 2008

المصالحة وتضميد الجراح .. وقضايا المتضررين .. (1-2)

المصالحة وتضميد الجراح .. وقضايا المتضررين .. (1-2)

محمد علي خوجلي

نملك مداخل عديدة قد تكون صالحة لإيجاد الحلول العادلة لكثير من قضايا المتضررين ومنهم المفصولين من الخدمة تعسفياً تسندها النصوص في الاتفاقيات الموقعة والدستور القومي الانتقالي تحتاج للتحول إلى حقائق في الحياة التي يكسوها البؤس . هذا التحول الذي يتطلب إقناع أو إجبار حزب الحركة الإسلامية الحاكم وحلفاءه من القوى السياسية لاحترام وتنفيذ تلك النصوص . وأمامنا إرث إنساني وتجارب إقليمية ودولية نتعلم منها كيف تمكنت الشعوب من تحقيق المصالحة الوطنية وتضميد الجراح وكيف استطاعت فئات المتضررين إحراز النجاحات بشأن رفع الظلم عنها وجبر أضرارها ، وآثارها السالبة المادية والمعنوية . والإرادة القوية للجماهير قادرة على إنزال مفهوم المصالحة الوطنية وتضميد الجراح لكل أنواع الظلامات والمظلومين في كافة أنحاء البلاد متى ما أمسكت بها .. (!)
إن بقاء اتفاقيات السلام ، وتطورها ، واستدامة السلام بعد وقف الحرب ووحدة الوطن والكف عن الاستعانة بالأجنبي في كل صغيرة وكبيرة (!) لن تتأتى إلا عن طريق الجماهير ، عندما تتغير أنماط حياتها ، وتتيسر لها حقوقها في الغذاء والصحة والسكن والتعليم والعمل والحماية الاجتماعية أو جزءاً من تلك الحقوق .. ولا تكون الاتفاقيات ذات جدوى وتدافع عنها الشعوب إلا عندما تحس بأنها حققت لها بعض مصالحها ولذلك اجتاحت سيول البشر بالملايين الساحة الخضراء وهي تستقبل الرمز الأول لاتفاقية السلام (نيفاشا) يحدوها الأمل في التغيير ومن قبلهم وفد الطليعة الي قضى ساعات طوال يستمع إلى الشكاوي والظلامات وطلب الإنصاف واستعادة الحقوق ولم تفلح تصريحات قادة وفد الطليعة في إقناع المتضررين أن الحركة الشعبية (شريك أصغر) في الحكم ..(!!)
فالخطر الذي يواجه السلام أو (الهدنة المؤقتة !!) لا يكمن في الخلافات بين الذين وقعوا الاتفاقيات لكن الخطر الحقيقي في كفر الجماهير بتلك الاتفاقيات التي لم تخفف من الضغوط الاقتصادية التي تنوء بها ولم توقف التنكر اليومي لحقوق الإنسان الأساسية والتباطؤ المتعمد في رفع الظلم وجبر الأضرار ، أضرار العامة لا القيادات واستمرار هيمنة فئة قليلة على كافة أوجه الحياة ، وتواصل ميلاد(أثرياء السوق القليلين الجدد) في حين تبحث الأغلبية عن القوت الضروري والعلاج اللازم في حالات الطوارئ .. هذا هو الخطر الحقيقي الأشد أثراً من التدخل الأجنبي وأن بؤس الحياة هو في الأصل مفتاح التدخل الأجنبي الذي جعل البعض يتمنى – من كثرة المعاناة والعجز – زوال النظام الحالي بكل أركانه ، وآخرون يتمنون فناء كل الرموز والنخب حكومة ومعارضة ، وفئة قليلة لا تمانع أن يكون البديل استعمار تقليدي ولو من دولة إسرائيل .. (!) أن البؤس الذي غذى ويغذي تلك الأماني هو الذي دفع بالسودانيين للانتشار في كل أرجاء الكون وشهدنا كيف أن سودانيين بسطاء – مهما كان عددهم قليلاًخاطروا بالتوجه لإسرائيل في سبيل العيش وخلاصاً مما يعانون ..
وجاء : أن تسوية تجاوزات الماضي الواسعة النطاق في السودان كغيره من الدول التي مزقتها الحروب ، يكتنفه أيضاً واقع المؤسسات المدمرة والموارد المستنفدة والأمن المنقوص وأحياناً المفقود والجماهير المصدومة والمتقسمة.. وان رفع الظلم وجبر الاضرار وتجاوز أخطاء الماضي وخلافاته لن تلفح الاهتمام، الكافي لمعالجة : انعدام الإرادة السياسية للإصلاح ، وانعدام الاستقلال المؤسسي داخل قطاع العدالة والنقص في الموارد المادية والمالية والأهم انعدام ثقة الجماهير في الحكومة والنخب السياسية وانعدام الاحترام الرسمي لحقوق الإنسان.
وأكدت التجربة الإنسانية خلال السنوات القليلة الماضية أن توطيد أركان السلام في فترة ما بعد الصراع مباشرة ، فضلاً عن صون السلام في الأجل الطويل لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت الجماهير على ثقة من إمكان كشف المظالم وإقامة العدل بشكل منصف .. وأن قضايا الهجرة واللجوء والنزوح والفصل من الخدمة .. الخ والتي تتجلى في جميع حالات الصراع وما بعد الصراع تضفي عنصر استعجال على استعادة حكم القانون ورفع المظالم وجبر الأضرار . ولذلك فإننا نعتقد أن استبعاد لجنة عمر محمد صالح 2007 النظر في القضاة المفصولين ، واستمرار القوانين والإجراءات التي تعطل القضايا وتحاسب الضحايا هو من أشكال عرقلة استعادة حكم القانون .
ما الذي يمنع التحول الإيجابي في بلادنا ويعرقل خطواته من بعد وقف الحرب وإجازة اتفاقيات السلام والدستور القومي الانتقالي الذي اهتم بحقوق الإنسان في وثيقة الحقوق ؟ وهل ينفصل مفهوم المصالحة الوطنية وتضميد الجراح عن "الوفاق الوطني الشامل" ؟ وما هي الآثار السالبة لاستراتيجية حزب الحركة الإسلامية الحاكم في التمكين لدولته ديموقراطياً (الإنقاذ في طورها الثالث) على هذا المفهوم ؟ وهل تستطيع التقليل من الآثار السالبة (للتحالفات السياسية) التي تتوالد ثم تموت مباشرة من بعد التوقيع على الميثاق (!) وتحيا من جديد باسم جديد لتموت قبل أن تنفذ البند الأول في البرنامج (!) الذي يكون له أحياناً جدولاً زمنياً – وممارسة الابتزاز السياسي في وجه كل من يهتم بالإصلاح ويرفض احتكار قيادات معلومة وأسماء محفوظة باعتبارها معارضة للنظام أو ينتقد طبيعة تكوين تلك التحالفات بالعداء للديموقراطية والتقليل من شأن رموز العمل الوطني والسياسي بما يعني دعم المؤتمر الوطني وأحياناً جهاز الأمن والمخابرات – على مفهوم المصالحة الوطنية وتضميد الجراح وتحقيق مصالح المواطنين ورفع الظلم عن المتضررين وإشاعة العدل ؟
إن التجربة أثبتت أن طريق المؤتمر الوطني للتمكين ديموقراطياً هو تجزئة القضايا وتعدد المنابر وآليات الحلول لإجهاض الاتفاقيات وتجميد نصوص الدستور القومي الانتقالي . فحزب الحركة الإسلاميةنصفه الحاكم ونصفه المعارض – لا مصلحة له في التحول الديموقراطي الحقيقي وإنزال وثيقة الحقوق في الدستور إلى ارض الواقع .. ولا مصلحة له في قومية أجهزة الدولة ولا تسوية تجاوزات الماضي (لاحظ التعنت في رد الاعتبار الأدبي للمفصولين في سن الخدمة أو المحالين للتقاعد لأسباب سياسية أو المتوفين بإصدار القرار السياسي للفصل السياسي الظاهر أو ذلك المبطن تحت مسميات أخرى) .
مثلما أثبتت التجربة أن فرض الوصاية على فئات المتضررين وتعدد أجسام تنظيمات متضرري الفئة الواحدة بالتكاثر غير المبرر سواء في حركات الدارفوريين و"الجياد" التي فاقت العشرين أو لجان المفصولين سياسياً دونما تنسيق بين أولئك أو هؤلاء تتكون احتكارية القيادة معادلة لاحتكارية المؤتمر المؤتمر الوطني للساحة السياسية والحكومة ويكون تعدد الأجسام بلا تنسيق معادلاً لتجزئة القضايا وتعدد المنابر وآليات الحلول . ولذلك فإن ترياق استراتيجية المؤتمر الوطني يكون واضحاً ولا يحتاج لتفكير عميق . ومن هنا فإن المعالجات وانتزاع الحقوق القانونية لا تكون إلا جماعية . وتجميع قيادات من الأحزاب السياسية أو قيادات تنظيمات المتضررين لا تعني الجماعية المقصود بها إمساك القواعد العريضة لفئات المتضررين بقضاياهم وامتلاك المعالجات والبدائل والمقترحات التفصيلية بمشاركتها . إن قضايا فئات المتضررين المتباينة لا تكون إلا قضية واحدة وبرنامج تلك الفئات هو الذي يحدد تقديم قضية فئة على الفئات الأخرى وهي تدعم بعضها بعضاً .. ولذلك فإن كل فئة يملك أصحابها من المتضررين – وحدهم – الحق في اقتراح أشكال رفع الظلم وجبر الضرر .
جاء في قائمة مطالب الحركة الشعبية التي تقدم بها القائد سلفاكير (17/10/2007) للرئيس البشير في البند السادس تحت عنوان المصالحة الوطنية :
(
أن تبدأ مؤسسة الرئاسة عملية للمصالحة الوطنية معتمدة على الخبرة الإقليمية) وقبل ذلك النص البند 1 – 7 من اتفاق مشاكوس الإطاري (يوليو 2002) على :
"
لا السلام وحده يحل محل الحرب بل بالعدل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يحترم الحقوق الأساسية للإنسان والسياسية للشعب السوداني كله" . والفقرة الأولى من البند الأول لاتفاق مشاكوس يقرأ :
"
إن وحدة السودان القائمة على الإرادة الحرة لشعبه وعلى الحكم الديموقراطي والمحاسبة والمساواة والاحترام والعدل لجميع مواطني السودان تشكل أولوية لجميع الأطراف وتبقى كذلك" ..
أما تقرير مفوضية التقييم والمتابعة (الايام السودانية 15 نوفمبر 2007) فقد أشار إلى ما ورد في اتفاقية السلام (نيفاشا) من تكليف لحكومة الوحدة الوطنية بالشروع في اتخاذ إجراءات تهدف لتحقيق مصالحة وطنية شاملة وتضميد للجراح . ويثبت التقرير أن الحكومة لم تبدأ بعد برنامجاً لتحقيق المصالحة الوطنية وتضميد الجراح ..
وورد في "كلمة الايام" بتاريخ 31/10/2007 تحت عنوان "حل مشكلة المفصولين" ما يلي : (وحقيقة الأمر أن قضية المفصولين كان ينبغي أن تعالج في إطار مفهوم المصالحة وتضميد الجراح الواردة في المادة (21) من الدستور التي تقرأ :
"
أن تبتدر الدولة عملية شاملة للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطني والتعايش السلمي بين جميع المواطنين" ولذلك فإن قضية تضميد الجراح ، جراح المفصولين والمبعدين ينبغي أن تعالج في أبعادها السياسية وليس كعملية روتينية . وأن يكون المدخل لها هو إصلاح وجبر الضرر الذي حاق بأولئك الناس حتى يتجاوزوا الإحساس بالظلم الفادح . المدخل الذي اعتمدته اللجنة – لجنة مجلس الوزراء 2007 – هو منهج مكتبي روتيني ولا يحقق هذا الهدف) ..
ومعروف أن المدخل الذي اعتمدته اللجنة هو الذي حدده لها مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية بحسب قرار المجلس الوطني رقم (9) لدورة الانعقاد الرابع الذي تمت إجازته بإجماع كل القوى السياسية داخل المجلس الوطني حكومة أو معارضة أو نصف معارضة (!) بعد إجازتها لتقرير لجنة العمل والإدارة والمظالم العامة الذي جاء فيه :
"
بعد إطلاع اللجنة على اتفاقيات السلام .. واتفاقية القاهرة وغيرهما من الاتفاقيات الأخرى وما جاء في دستور جمهورية السودان الانتقالي لسنة 2005 .. والذي يؤكد حرص الدولة على المعالجة .. وفي سبيل تضميد الجراح وجمع شمل وكلمة الأمة السودانية . نرى ضرورة الأخذ بالتوصيات .. الخ .
ومن أخبار يوم 28/10/2007 أن نواب الحزب الاتحادي الديموقراطي بحثوا مسألة تحقيق المصالحة الوطنية وإزالة الأضرار وتعويض المتضررين والاتجاه لإحصاء الالتزامات في الاتفاقية التي لم يؤدها الشريكان وعلى رأسها قيادة عملية المصالحة الوطنية بين القوى السياسية .. وإن الاتفاق والدستور ألزما الطرفين بأن تكون مؤسسة الرئاسة لجنة سياسية لإزالة الضرر ومنها المتعلقة بالفصل من الخدمة والاعتقال والمصادرة والحبس غير المشروع بجانب (أضرار) سياسات الدولة بسبب الخصخصة وإلغاء الوظائف .. الخ.
ربطت كلمة الايام" بين مفهوم المصالحة وتضميد الجراح وإنصاف المفصولين كفئة مؤثرة من بين المتضررين وكذلك كتلة الحزب الاتحادي في المجلس الوطني . واعتبرت قيادات من الحركة الشعبية أن نتائج اللجنة الحكومية للنظر في المفصولين سياسياً 2007 هي "جزء من تضميد الجراح" . ومن جملة ما أشرنا إليه وما سيرد في الجزئية الرابعة من المقال حول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بهذا الشأن . فإن الواجب الأول الذي نعتقد بضرورته هو توحيد مفاهيم الكافة بما في ذلك المؤتمر الوطني سواء كان حاكماً أو خارج الحكم (!) حول مفهوم المصالحة وتضميد الجراح والنظر في كافة الظلامات استناداً على نصوص الاتفاقيات الموقعة والدستور المؤقت والبرنامج الموحد لفئات المتضررين استناداً على نصوص الاتفاقيات الموقعة والدستور المؤقت والبرنامج الموحد لفئات المتضررين متباين المعالجات والذين يكون أحد أهم نقاط الوفاق الوطني الشامل وتفادي تجزئة رفع الظلم عشوائياً والالتزام بالتعويض عن الأضرار سواء عبر حكومة الوحدة الوطنية أو الحكومة ذات القاعدة الواسعة أو الحكومة القومية (!) ولذلك لا نقول أنه لم يعد لدينا ما نكبته أو نقوله للحكومة أو أننا نرفض مناقشة حقوق قانونية وأخرى أساسية مع المؤتمر الوطني الذي لا يلتزم بتنفيذ الاتفاقيات ويتنكر لها حيث أن الثابت كما سأعرض أن قوى كثيرة تساعد المؤتمر الوطني صراحة على انقلاباته على الاتفاقيات على كافة المستويات ولا نتفق مع مفصولين أن معالجة فئة المتضررين من الفصل السياسي كاملة وهم جميعاً بذلك متفقون دون لقاء بينهم على أنه تم إسدال الستار وانتهاء الكلام ويتبع ذلك تأجيل انتزاع الحقوق إلى ما بعد زوال النظام .. بل اعتقد أن مساراً جديداً بدأ مع قيام اللجنة الحكومية 2007 هو الأكثر وضوحاً وأن تلك اللجنة قد فتحت الطريق أمام فئات المتضررين جميعاً وهو طريق لا يسهل على الجميع السير فيه. فهو يحتاج للتماسك القوى والوعي بالحقوق والدفاع عن الحقوق بحزم وصلابة وعقلانية في وقت واحد .. وأن اللجنة الحكومية اكدت ضرورة ما ظللنا ندعو إليه بمثابرة البرنامج الواحد للمتضررين والمعالجات التي تجيزها القواعد والمعبرة عن مصالح جميع المتضررين ..
ونواصل

No comments: