Thursday, May 29, 2008

نهاية حقبة الأحزاب والقيادات الرسمية في تمثيل النظرية 2-2

العدد رقم: 9072 الاثنين 2008-03-31

نهاية حقبة الأحزاب والقيادات الرسمية في تمثيل النظرية 2-2

تقدم الاتحاد السوفيتي السابق تقدماً مذهلاً وانتصر على النازية، وارتاد علوم الفضاء واتقن صناعة السلاح.. وكثير مما يمكن رصده لكننا نتذكر ان أساس ذلك التقدم وقاعدته هو قليل من قهر خصوم الثورة (!) وإن عدد الضحايا حتى 1954م كان في حدود ثلاثة ملايين وثمانمائة الف سجين وستمائة وثلاثة وأربعين ألفاً حكم عليهم بالاعدام والارقام من واقع اجتماعات اللجنة المركزية لكنها بالطبع لا تتضمن الملايين الخائفين من السجن والاعدام ونتعلم:
أي أي حكم متشدد وفاقد للعدل يحمل بذور فنائه وعزلته عن الجماهير ثم تكون نهايته.
وتلاعب السوفيت بالافكار الماركسية لتتواصل سلطة المستفيدين باسم العمال والحزب والنظرية ومن ذلك: ان فكرة ماركس حول ان وصول الطبقة العاملة للسلطة يعني الانكماش التدريجي لسلطة الدولة والتزايد التدريجي لدور الجماهير وفعاليتها. ثم انكارها واستبدالها بالفكرة: ينبغي تحطيم النظرية الفاسدة التي تقول انه كلما تقدمنا إلى الامام يتلاشى الصراع الطبقي بالتدريج وعلى العكس فاننا كلما أحرزنا نجاحات كل مازاد حنق الطبقات المعادية وتصاعد تخريبها.
والاختلافات في الحزب الشيوعي السوفيتي السابق (وكذلك الاحزاب الشيوعية الوطنية في معظمها) هي بسبب التنافس على سلطة الحزب التي هي سلطة الدولة. ستالين يصفي تروتسكي ويطرده من الحزب 1927 وفي نفس الوقت ينفذ كل أفكاره من عسكرة الحزب والنقابات وإلى ضرب الفلاحين الذين هم قوة رجعية. كما نلاحظ ان الاهتمام يكون شديداً بالمنافسين المحتملين على سلطة الحزب فكان أول من أعدمهم ستالين الكوادر التي قادت الثورة مع لينين وكل القيادات التي كانت أدوارها اكبر بكثير من دوره سواء في مرحلة الثورة أو بناء الدولة. بل ان ستالين أعدم من رشحاه لموقع أمين اللجنة المركزية 1936م كما أعدم بوخارين الذي اطلق عليه لينين اسم (محبوب الحزب) في 1938م مع ريكوف وفي محاكمة بوخارين استخدم كدليل ضده عبارة قالها في 1917م وكان يحاكم في 1938م والعبارة هي (ان التاريخ الروسي لم يطحن بعد الدقيق الذي سيخبز منه مع مضي الزمن رغيف الاشتراكية).
وفي السودان عند محاكمة خضر نصر حزبياً استعمل ايضاً دليل ادانة من قبل المحاكمة بعشر سنوات او يزيد وهو (لم ينتقد انقسام 1970م) !!. كما أعدم ستالين تومسكي رئيس اتحاد العمال والذي انتحر قبل اعدامه. والذين بقوا على قيد الحياة هم الذين خضعوا للسكرتير العام ممثل الطبقة والحزب والنظرية الماركسية. ان قيادات السوفيت ظلت تفترض ان كل اعتراضات من جانب الرفاق هي مقاومة للسلطات ومنافسة على قيادة الحزب والدولة (!) ومن ثم اعتبرت الخلافات في الآراء هي صراع على السلطة يتعيين التخلص من القائمين به.. وهكذا كان الحال في الاحزاب الشيوعية الوطنية ومنها الحزب الشيوعي السوداني.
اما القيادات التي ترغب في البقاء في الحزب تكون لديها وسيلتان: الصمت وتملق قيادات الحزب والسكرتير العام خاصة. ففي احد اجتماعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي السابق انتقد كاجانوفتش (أصبح رئيساً لاتحاد العمال بعد انتحار تومسكي) تساهل وتسامح القضاة وضرب مثلاً بقاضي رفض الحكم بعشر سنوات سجناً على شخص ارتكب جنحه او جريمة (السرقة) بحجة ان ضميره وشرفه المهني لا يسمحان بذلك. وبعد التهكم على ذلك القاضي والسادة المتساهلين قال: (يجب ان تنفذ توجيهات الحزب وليس القوانين) ثم صاح قائلاً (إن أحكام الاعدام أقل بكثير مما يجب).
ولا أرغب في عرض صور التملق في حزبنا (!!)
والمهم ان السوفيت اعتبروا كل التيارات بخلاف تيارهم اليميني المهيمن والحاكم التي تعارضهم انهم (أعداء الحزب) و(جواسيس) و(مخربين) ومن هنا برز المبدأ (الذي في تفسيرهم ماركسي(!) لا حوار مع المعارضين بل القتل والاعدام واشانة السمعة. وفي الاحزاب الشيوعية الوطنية خارج السلطة السياسية لا حوار مع المعارضين بل طردهم واحتقارهم ومقاطعتهم سياسياً واجتماعياً. ولذلك نحرص على قطع شعرة معاوية بين الحزب الشيوعي واليمين الحاكم لتفادي القتل والاعدام (!). ولم يبالغ عبد الخالق عند قوله ان الروس إذا وجدوا طريقة لتصفيته لفعلوا وهم فعلوا بعد قوله بعدة أيام..
نركز بشدة أن المركزية الفولاذية هي بعمر الاتحاد السوفيتي من بعد لينين وحتى الانهيار وخروتشوف، الذي فتح ملفات ستالين وجورباتشوف صاحب الانفراجه المؤقتة التي اصبحت نهائية! وستالين وبرجنيف والاخرون صنف واحد والسيد خروتشوف ورفاقه هم الذين جعلوا من ستالين مصاصاً للدماء ولم يقصروا في الاشادة به قبل موته في خطبهم (تصفيق حاد)! ولم يسلم القادة الشيوعيين الذين عارضوا خروتشوف من القتل. نكذب على العمال ونخدع انفسنا ونكذب على شعبنا اذا قمنا بالالتفاف حول الحقيقة لايجاد المبررات لانهيار النظام (الاشتراكي) والذي بدأ في ارتياد مرحلة الشيوعية منذ ان كنت تلميذاًَ بالمدرسة (!) أو البحث عن جدوى (الاشتراكية) و(الماركسية) ان الاتحاد السوفيتي (العظيم) لم يكن بلداً اشتراكياً ابداً (!) وقادة الحزب والدولة فيه اشرفوا على تحطيم الحركة الشيوعية في كل أنحاء العالم. وحافظوا على اتفاقياتهم السرية مع أمريكا (قلعة الامبريالية) بشأن التوازن الدولي وتجارة السلاح وطرق الامداد وقاوموا وافشلوا كل خطوات الاحزاب الشيوعية الوطنية للوصول للسلطة السياسية عندما تعارضت مع اتفاقياتهم.
الحقيقة ان كل مساوئ النظم الرأسمالية استقرت في الاتحاد السوفيتي من البطالة والغلاء والسوق السوداء وحتى انتشار الدعارة والرشاوي بما فيها التافهة التي كان يقدمها الطلاب الأجانب ومنهم سودانيون لاساتذة الجامعات والحقيقة أن قيادات الحزب الشيوعي السوفيتي السابق أقامت احزابها الرأسمالية وظهرت الطبقة الرأسمالية مع عدد من المليونيرات وتفكك الاتحاد إلى دويلات رأسمالية 1991م، فهم لم يكونوا شيوعيين يوماً.
ان كل الذي حاق بالحركة الشيوعية سببه أن القيادات لم تكن ماركسية رغم ادعائها التمسك بالماركسية وتطوير النظرية وتجديد النظرية هو لاخفاء حقيقة أنهم معادون لمصالح الطبقة العاملة ويجنون الفوائد باسمها فاصبحت النظرية الماركسية كما نظرية الاسلام السياسي. ووجدنا في النهاية ان فئات من المثقفين والمتعلمين مع فئات من العسكريين ورجال المخابرات تحالفوا مع طبقة الموظفين الحزبيين و(اتحدوا) واستأثروا بالاشتراكية فكانت مستشفياتهم الخاصة وأسواقهم الخاصة وأماكن راحتهم الخاصة.
إن أية قيادة مخلصة تسعى لوحدة الطبقة العاملة في أي بلد من واجبها كشف حقيقة ما حاق بالحركة الشيوعية وأي حديث عن السير في طريق تحقيق مصالح العاملين والكادحين لن يستقيم قبل أن تنظف القيادات الشيوعية الوطنية كل الادران التي علقت بها لعشرات السنين من جراء (النموذج السوفيتي) قبل ان تطور نفسها واننا نعتقد انه يجب ان يكون للطبقة العاملة وكل العاملين حزبهم وفي السودان هو الحزب الشيوعي السوداني (حتى الآن) إلا اذا اختار مؤتمره الخامس طريقاً آخر وغَير طبيعة الحزب التي وردت في النظام الداخلي للحزب 1967م واصبح حزباً كأي حزب سياسي سوداني آخر. وهنا بالضرورة لن يكون حزبا عماليا حتى إذا اطلق على نفسه اسم (الحزب الشيوعي) وندخل مباشرة في لب القضية بلا رجرجة ونعرض نماذج قليلة لانجازات النموذج غير الماركسي الذي اندثر:
*
منذ قيام الاتحاد السوفيتي اتبع سياسة آحادية الجانب (خلافاً للماركسية) اقتصرت على المحافظة على المعسكر الاشتراكي. فكان (الستار الحديدي) ولم يؤخذ في الاعتبار دور حركات الشعوب الثورية التي كان يمكن أن تعزز بالانتصارات التي تحرزها قوة المعسكر الاشتراكي.
*
أهم نتائج سياسة تعايشه السلمي مع الامبريالية كانت الخلافات في الحركة الشيوعية العالمية التي أضعفت المعسكر الاشتراكي والاحزاب الشيوعية الوطنية التي انقسمت بسببها ولم يكن كل ذلك لصالح الطبقة العاملة العالمية.
*
وبسبب سياسات السوفيت واحتكار النظرية كان حلف وارسو اداة القمع العسكري لدول المعسكر الاشتراكي والتدخل في شئونها الداخلية وتغيير قيادات الأحزاب والدول وليس لنصرة عمال العالم.
*
وبسبب سياسات السوفيت فقد أثبتت المعسكر الاشتراكي عجزه عن أي فعل عندما تأجج الصراع بين الثوريين وأنظمة الحكم الديكتاتورية في امريكا اللاتينية وجنوب شرق اسيا وافريقيا.
*
اتخاذ موقف الحياد في فيتنام بسبب ان الحزب الشيوعي غير موال للحزب السوفيتي وتنكر بذلك لاتفاقية الدفاع المشترك.
*
اتخاذ موقف المتفرج وثوار لاوس يخوضون معاركهم الشرسة حتى انتصرت الحركة الشعبية ليؤيدها السوفيت بتحفظ بعد الانتصار ودون مساعدتها.
*
بسبب سياسات التعاون مع الامبريالية كانت نظرة السوفيت لحركة ثوار كوبا انهم لا يرغبون في مشاكل مع امريكا لذلك عارض الحزب الشيوعي الكوبي (الرسمي) النضال المسلح وذلك لم يمنع قادة ماركسيين خارج الحزب الشيوعي من المشاركة في ذلك النضال وعندما اقترب النصر انضم الحزب الشيوعي للحركة ونظم اضرابات عمالية واعتصامات حتى يقول (انجزنا مع شعبنا الانتفاضة أو الثورة)!! لكن التنظيمات القاعدية ضغطت على القيادة الرسمية التابعة حتى سلمت للثوار وقام كاسترو بعزل قيادة جهاز الحزب (الرسمي) ونشأت قيادة جديدة ثورية ومن الشباب.
*
ثوار الكونغو عندما شقوا طريقهم تدخلت الامبريالية عن طريق تشومبي والسوفيت يدعون انهم لا يتدخلون في شئون الدول (!) حتى تدخلت كوبا وتمت التضحية بالزعيم لوممبا ومئات الماركسيين.
*
أما أحداث اندونسيا فقد وجهت اكبر الضربات لسياسات السوفييت وعندما استطاع الشيوعيون الحصول على اكثر من نصف مقاعد البرلمان نفذت الامبريالية انقلاباً عسكرياً بقيادة سوهارتو وتمت تصفية الشيوعيين.. مئات الآلاف من اعضاء الحزب وأنهار من الدماء وكل ما فعله السوفييت هو الاستنكار وهكذا كان الحال في العراق 63 وتشيلي 68 والسودان 1971.
*
تعليمات السوفييت وسياساتهم الخاطئة التي فرضت تحالف الاحزاب الشيوعية الوطنية مع الاحزاب البرجوازية باقامة جبهات واسعة، حيث ان تحليل السوفييت انه بضغط هذه التحالفات ونجاحات المعسكر الاشتراكي ستنهار الرأسمالية.
*
دعم السوفيت الانقلابات العسكرية في بلدان العالم الثالث ونظام الحزب الواحد وفرضوا على الاحزاب الشيوعية الوطنية التعاون مع تلك الانظمة حتى اذا كانت تبطش بالشيوعيين مما ساعد في احداث الانقسامات في الاحزاب الشيوعية الوطنية (مصر، العراق، سوريا، السودان).
*
ان التدخل السوفيتي في شئون الاحزاب الشيوعية الداخلية في دول شرق أوروبا وفي الاحزاب الشيوعية الوطنية في كل دول العالم يصعب حصره وهم ايضاً يتلاعبون بالالفاظ فيطلقون على (التعليمات) مفردة (النصح) والفرق بينهما شاسع واكتفى بامثلة قليلة:
-
في 1952م نصحت الأممية الشيوعيين المصريين بان التحليل الصحيح لما حدث في يوليو 1952م انه انتصار للاستعمار الامريكي على الاستعمار البريطاني وان جمال عبد الناصر عميل امريكي. ورفضت (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني) هذا التحليل لسبب بسيط انها شاركت في عملية التحضير والتنفيذ لثورة يوليو فكان طرد ممثليهم من اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي والمجلس العالمي للسلام (وموقف الحزب الشيوعي السوداني كان من عينة موقف السوفيت).
-
وفي 1964م نصح السوفيت الحزب الشيوعي المصري بحل حزبهم والاندماج في الاتحاد الاشتراكي العربي.
-
ونصحوا الحزب الشيوعي العراقي اولاً بوقف النضال ضد حكومة عارف ثم نصحوه مرة أخرى بحل الحزب والاندماج في الاتحاد الاشتراكي ونفذت قيادة الحزب الشيوعي العراقي التعليمات حتى قيام القيادة المؤقتة في 1967م وإعادة بناء الحزب الشيوعي العراقي الذي نصحه السوفيت بعدم الاستيلاء على السلطة في 1971م.
وشمل نصحهم الاحزاب الشيوعية في سوريا ولبنان والسودان الذي قدم له النصح ثلاث مرات على الاقل مرة لدعم نظام عبود، ومرة لدعم نظام نميري ومرة للاندماج في الاتحاد الاشتراكي السوداني.
لكن افظع التدخلات كانت في ايران عندما قررت الاغلبية في حزب توده الاتجاه الثوري لاسقاط نظام الشاه بكل الوسائل ولم يعترف السوفييت بارادة الشيوعيين الايرانيين واعترفوا بالسكرتير العام وفئية قليلة تابعة له وقاموا بدعمهم وأسسوا لهم صحفية (الحزب الشرعي) وقام الحزب الشيوعي الشرعي بدور الواشي وأصبح تحت خدمة جهاز الأمن (السافاك) لكن الماركسيين الثوريين أعدوا عدتهم وشاركوا رغم كل ذلك في النضال المسلح عن طريق (فدائي خلق) و(منظمة الماركسيين- اللبنيين) ضد نظام الشاه وقدموا مئات الشهداء ونجحوا في اشراك النساء في النضال الثوري هنا تدخلت الامبريالية لصالح رجال الدين الذين استلموا السلطة تحت رايات الديمقراطية (هل تم ذلك دون علم السوفييت وموافقتهم؟) وحاق ما حاق بحزب تودة حتى ظهور السكرتير العام للحزب في مناظرة تلفزيونية اعترف فيها بعمالته وبطلان مبادئه ثم اعلان توبته.
ان سياسات السوفيت كانت وسيلة لتحقيق مصالح دولتهم والطبقة التي هيمنت على الحزب والدولة وكل من خالفها أو وقف ضد هذه السياسات هو: عدوللحزب وامبريالي، وعميل، ومعادي للشيوعية.. والحقيقة كانت عكس ذلك تماماً والثورة ان لم تحمها الطبقة العاملة لا تستطيع المقاومة والبقاء ولذلك ذهبت الدول الشمولية التي ادعت الشيوعية وحكمت زيفاً باسم الطبقة العاملة في يسر شديد. وانتصرت الامبريالية لان الدولة السوفيتية لم تكن دولة للعمال والفلاحين وتخلت عن المبادئ الماركسية فانهزمت ومعها كل التابعين في كافة الاحزاب السياسية الوطنية. هذا ما يجب قوله لعمال السودان واعضاء الحزب وافراد الشعب.
وما حدث يحفز الماركسيين في السودان للنهوض من جديد لهزيمة الرأسمالية الجديدة وهم مدركون أن البرجوازية التي كانت مغلفة بالوطنية تعلن اليوم صراحة انها مع امريكا والامبريالية وهذا سيدفع امريكا للتخلي عن حلفائها القدامي لاحتياجها لخطاب جديد للبيرالية الجديدة وقيادات جديدة.. وهذا النهوض لن يقرره المؤتمر الخامس وحده بل أيضاً الطبقة العاملة السودانية وجميع فئات العاملين.
ونواصل

No comments: