Monday, May 26, 2008

التوافق الوطني..والحكومة مختلفة الاجزاء لحركة موحدة الأهداف..

التوافق الوطني..والحكومة مختلفة الاجزاء لحركة موحدة الأهداف..

محمد علي خوجلي

والوفاق الوطني والمصالحة الوطنية الشاملة هي المدخل الطبيعي للجان الحقيقية والمصالحة وتضميد الجراح وجبر الاضرار والمساءلة أو العفو..الخ فهي واحدة من نقاط برنامج التوافق الوطني. والقوى السياسية التي رفعت شعار (تعديل شكل الحكومة ) لم تفصح عن طبيعته ولا آلياته. مع ذلك اعتقد انه اذا جاءت حكومة ممثلة لكل الاحزاب (تمثيلاً شكلياً) لتنفيذ برنامج التوافق الوطني فإن متغيرات كثيرة ستحدث على الساحة السياسية. وهذا الأمر نفسه ليس بالأمر اليسير.فالمتغيرات بمافيها التحول الديمقراطي من المؤكد أنها ستؤثر على نفوذ الحركة الإسلامية وحزبها الحاكم، وتضعف درجات التمكين التي وصل إليها وتلك التي يسعى لها. فحزب المؤتمر الوطني رتب نفسه على أساس ان الانتخابات القادمة (اذا قدر قيامها في مواعيدها) سيخوضها ضد كل القوى السياسة الأخرى (مجتمعة) لذلك فإن خططه لاتعرف الاقتراب من التوافق الوطني الا بما يخدم مصالحه ويبتعد عملياً عن المصالحة وتضميد الجراح بل ويستبقها باجراءات ومعالجات هنا وهناك بطريقته وحسب جدوله الزمني.. وخلال ذلك ينقضي الوقت وتمر السنوات ومن المتضررين من يريدح -يائساً- توريث ابناءه مهمة الحصول على القرار السياسي باعادة المفصولين واعتبار قرارات الفصل وكأن لم تكن (!) وهذا ميراث غريب.. تمر السنوات ولا تتأثر الأوضاع المالية والاقتصادية للحركة الإسلامية وحزبها الحاكم وتصدر الحكومة بين أونة وأخرى القرارات والإجراءات والسياسات الداعمة لمصالح (الرأسمالية الجديدة) ويتمسك حزب المؤتمر الوطني الحاكم بقيادة (الشعب ) ضد كل مخططات (الاعداء)..وأهم ما يساعد المؤتمر الوطني انقضاء الوقت ومرور الفترة الانتقالية دون حسم قاطع للقضايا الرئيسية بصورة جذرية ومنها: المصالحة وتضميد الجراح والتحول الديمقراطي وتعديلات القوانين والتوافق الوطني..بتمييع الأهداف عن طريق خططه أو عن طريق آخرين أو بسبب أخطاء آخرين..وبكل الطرق..
ولأننا نلاحظ ان بعض قيادات سياسية تعمل على استدعاء الماضي بما في ذلك أشكاله التنظيمية، وإعادة صوره القديمة بعد ان عجزت عن التجديد فقد وجدت ضرورياً عرض الوفاق الوطني الشامل بالمفهوم القديم،أو وحدة القوى السياسية على برنامج الحد الأدنى وهو ما أصبح يطلق عليه (الثوابت الوطنية) وانها هي التي تكّون (معاً) حكومة البرنامج،بمعنى ان البرنامج يكون واحداً لجميع القوى السياسية بلا استثناء لفترة مؤقتة ويترتب على ذلك تلاشي (المعارضة السياسية للحكومة) لأن الحكومة تكون مكونة فعلاً و(تمثيلياً) من كل الاحزاب صرف النظر عن أوزانها الانتخابية لتنفيذ البرنامج الواحد المتفق عليه.
والصورة القديمة لحل أزمة الحكم (تحت ظل برلمان منتخب وأوزان معلومة) كانت: حكومة من أجزاء مختلفة لحركة موحدة الأهداف وهي الصورة التي عبر عنها الاستاذ عبدالخالق حجوب في مقال: الاتحاد الوطني طريق السودان للتحرر وقد كتبه في العام 1956م وكانت الصورة كالآتي:
*
إن لكل مرحلة أهدافها بالنسبة للحركة الوطنية وجماهير الشعب..وذلك يستوجب قبل كل شئ دراسة (شعارات الماضي السياسية) ووضع شعارات وأهداف متمشية مع (الظروف الجديدة).
*
وإن لكل مرحلة (ظروفها)
*
وإن الأهداف التي توضع يكون بينها دائماً (توازن علاقات) يقود الاخلال به إلى اخطاء سياسية جسيمة. ولتكون أهداف المرحلة هي أهداف القوى الوطنية فإنه يلزم التغيير الأساسي في (الجو السياسي)
*
قوتان قادرتان على التغيير هما: العاملون، العمال والمثقفون الغيورون على وطنهم والمزارعون، وهذه القوة تمثل الجماهير بطبيعتها والتي يمكن اذا ما توافرت لها القيادة السليمة ان تلعب دوراً اساسياً مثابراً ومستمراً في توجيه سياسة البلاد وأحداث التغييرات السياسية الوطنية فيها. اما القوة الثانية فهي الأحزاب السياسية.
(
ورأى عبدالخالق – وقتها- انه اذا كان المرء جاداً في نظرته لمستقبل البلاد فإنه لن يجد الحل الجوهري لهذا المستقبل في نطاق الاحزاب القائمة وفي النتيجة التي ستصل إليها البلاد من الصراع الدائر بين الاحزاب حول كراسي الحكم).
*
إن وحدة الجماهير بكل اقسامها المنظمة وغير المنظمة حول الأهداف الوطنية وسلوكها (سياسة مستقلة) وبروزها المستمر في الحقل السياسي هو عامل ثابت ومستمر وخال من الأنانية التي تسيطر على الاحزاب.
*
ولان الاحزاب قائمة ولن يستطيع أحد مسحها بجرة قلم ولن يستطيع تجاهل نفوذها الجماهيري ،الاّ مكابر خيالي (1956م) فإن الحركة العميقة وسط الجماهير لابد ايضاً ان تعالج مشكلة الأوضاع الراهنة في الاحزاب والتغيير من اتجاهاتها لتخلق وسطها تجمعأً قوياً لصالح الأهداف الوطنية الديمقراطية.
وانتشار حركة الجماهير المتحدة داخل الاحزاب وخاصة الكبيرة يخلق وحدة حول الأهداف وتوضع الشروط المناسبة لوحدة كبري على النطاق الوطني وعند ذلك يصبح من الممكن حل أزمة الحكم بتشكيل حكومة من الاجزاء المختلفة لهذه الحركة الموحدة الأهداف. وتنزوي أزمة الحكم النابعة من التكالب على كراسي الحكم دون هدف ودون دافع سوى التسلط و(المصالح الخاصة).
*
والحكومة التي تتكون من أجزاء مختلفة، ويكون التمثيل فيها رمزياً لكافة الاجزاء لتنفيذ البرنامج موحد الأهداف هي (حكومة الاستقرار) حكومة تطوير وتنفيذ الأهداف الوطنية حقاً والديمقراطية بالفعل.
*
إن الوطن يعاني أزمة في الحكم. وان الصراع حول الحكم بوضعه الراهن يعطي رصيداً للاستعمار الاجنبي في التدخل وفي استمالة دوائر اكبر في هذه الاحزاب نحوه، وادخال البلاد في حلقة مفرغة تطبعها التبعية.
ومثل هذا الوضع ايضاً يمكن ان يشيع اليأس في جماهير الشعب ويمهد لتدخل القوى العسكرية الأمر الذي يكلف الشعب الكثير ولايعرف أحد أين مداه. وهذه نقطة خطرة لا يمكن لعاقل ان يتغاضى عنها وهي النتيجة المنطقية لفساد الحكم ويأس جماهير الشعب.
*
إن الحكومة التي تتكون من أجزاء مختلفة لحركة موحدة الأهداف تلبي رغبة الشعب في الوحدة وتتماشى مع التركيب الطبقي في البلاد، الذي يجعل من المستحيل ان تتطور بلادنا تطورها المرغوب في ظل حكم طبقه واحدة أو حزب وأحد أو (إئتلاف بين بعض الاحزاب)..انها تعكس اقتصاديات معينة في بلادنا.. وهي تفتح الطريق امام الفوضى الرأسمالية في حياة الشعب.. هذا الوضع الفريد والذي تحدده أوضاع السودان الواقعية لايمكن ان تواجهه طبقة واحدة في الحكم أو حزب واحد ولكن تعكسه القوى السياسية الممثلة لهذه الاقتصاديات المتنوعة. وحزب واحد أو طبقة واحدة لا يمكن ان تلبي الاحتياجات الضرورية لهذا الوضع بل على النقيض يؤدي الحكم المنفرد إلى الإخلال وعدم الوحدة.
*
إن الدعوة لصف القوى الوطنية الديمقراطية وراء حزب معين أو كتلة أحزاب باعتبار ان هذا الوضع امر حتمي لابد منه لوضع الشروط المناسبة لتكوين الحكومة الوطنية الديمقراطية لهي دعوة خاطئة فكما تعمل الاحزاب الكبيرة لجميع أكبر كتلة من المؤيدين في صراعها فكذلك تقوم (بالضغط) على القوى الوطنية الديمقراطية ( لتصطف من ورائها) وبدون اليقظة والارتقاء بمستوى التفكير السياسي تقع دوائر هذه القوى في الخطأ. واليساريون في هذه المرحلة يجب ان يكونوا (واضحين) و(مستقلين) وعليهم ان يجمعوا قوى وطنية ديمقراطية بالتعاون مع كافة العناصر والدوائر المستعدة للنضال. وصفة( الاستقلال) لهذه الحركة مهمة جداً لمستقبلها ولمقدرتها في توحيد الجماهير.
واتفاقية نيفاشا أعلنت جميع القوى السياسية ترحيبها بها بلا استثناء وهي بذلك صالحة لان تكون أساسي برنامج الحد الأدنى عندما تضاف إليها الاتفاقيات الأخرى ونتائج الآليات الثنائية التي أقامها حزب المؤتمر الوطني مع الاحزاب الاخرى واحياناً في قضية واحدة فإن البرنامج الواحد يكون قريباً(!) والفترة الانتقالية محددة، ومواعيد الانتخابات العامة معروفة.وأفكار د.قرنق بعد خمسين عاماً من أفكار عبدالخالق راعت: (الظروف الجديدة) و(الأهداف الجديدة) وحدث تغيير فعلي في (الجو السياسي) وتنادى الناس باقامة الجبهة العريضة للسلام والديمقراطية فكانت: تكوين حكومة عريضة للوحدة الوطنية وتمثيل رمزي لمعظم القوى السياسية داخل وخارج التجمع الوطني ويكون لتلك الحكومة جسماً، ذلك الجسم يناقش كل المواضيع قبل عرضها على الحكومة والجسم يتكون من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وجميع الاحزاب الاخرى فهل نستطيع القول إن د.قرنق قام (بتجديد) افكار عبدالخالق؟
اذن فإن مجرد نقل (تجارب الماضي) بالمسطرة هو ضياع للوقت واهدار للجهود (!) حزب الحركة الإسلامية الحاكم رغبته الوحيدة الهيمنة المطلقة على السلطة والمجتمع وبسبب المرحلة الجديدة وظروفها الجديدة وأهدافها الجديدة فإنه لايستطيع ان يعلن صراحة رفضه للتحول الديمقراطي أو التوافق الوطني أو المصالحة الوطنية أو تضميد الجراح بل إنه يؤكدها كلما سنحت الفرصة له، وبذات مفردات الجماهير والقوى السياسية،شركاء وحلفاء ومعارضين وأنصاف معارضين. ولننظر للرئيس البشير في نوفمبر 2007م وفرصة إنعقاد مؤتمر الحزب الحاكم وهو يطرح شعارات ويعلن أهدافاً لا يختلف معه فيها أحد حيث نادى رئيس السودان ورئيس الحزب الحاكم بالآتي:
*
توفير مناخ من الحرية والديمقراطية والشورى للمساعدة على البناء وتحقيق الاستقرار
*
توسيع قاعدة الحكم والمشاركة
*
قيام الانتخابات في مواعيدها بنزاهة وشفافية
*
إحترام الحريات العامة والحوار والتداول السلمي للسلطة
*
توسيع فرص الحل الداخلي لما تبقى من مشكلة دارفور والعالق من مشكلات سلام نيفاشا.
*
سد الطريق أمام التدخلات الأجنبية
*
لا عودة للحرب
*
السلام المدخل الحقيقي لتحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة والمتوازنة في الريف السوداني وتوفير المأوى والسكن الصحي الآمن والصحة الأولية والتأمين الصحي وتوسيع قاعدة التعليم.
*
السمو فوق المصالح الحزبية وعلو صوت الحوار والمشاركة
*
الشراكة السياسية الفاعلة لتحقيق السلام
*
تحقيق السلام رهين بتطبيق الاتفاقية
إذن من حيث المفردات لا توجد مشكلة (!) متفقون حول أساسيات البرنامج الواحد.
إذن المشكلة هي في التفاف حزب المؤتمر الوطني الحاكم حول مشاريع الحلول والشعارات واغراقها عمداً في لجج تجزئة القضايا والتلاعب بالالفاظ وجعل ممارساته بعكس ما يدعو له.
إذن فإن القضية المقدمة هي كيف يتم إيقاف ممارسات حزب المؤتمر الحاكم؟
إن بعض القوى السياسية،وبسبب عجزها الذاتي،لا بسبب العجز في النظرية تساعد المؤتمر الوطني من خلال ممارساتها لتحقيق أهدافه وذلك يظهر لنا بوضوح في مسألتين: مسالة استجابة تلك القوى لما يقترحه المؤتمر الوطني لتمييع الأهداف والتحالفات السياسية المؤقتة بين تلك القوى البعيدة عن لب المشكلة وهي محاصرة المؤتمر الوطني في إطار ما يعلنه وايقاف ممارساته التي تجهض كل ما هو متفق عليه.

No comments: