Saturday, May 31, 2008

طريقان أمام قيادة الحزب الشيوعي

طريقان أمام قيادة الحزب الشيوعي

أربعون عاماً بلا مؤتمر..!! (1-2)

عرض محمد علي خوجلي

الأحزاب والتنظيمات السياسية كالبشر : تولد وتنمو وتتعلم وتمرض وعند الإندثار تموت. وفي السودان إندثرت احزاب كثيرة من بينها الحركة الديمقراطية السودانية 1951م والأحرار الجنوبيين، والإشتراكي الاسلامي والإشتراكي السوداني.. الخ والأحزاب وقياداتها ـ بالضرورة .. تصيب وتخطئ.. وغير الطبيعي أن تدعي قيادات أنها لم ولن تخطئ أبداً (!) وعندما تخفي قيادة حزب أخطاءها فإنها في الحقيقة تخفي أسباب أمراضها، وتقتل نفسها بالتدرج، وببطء شديد.

وقد وجد سلاح (النقد) و(النقد الذاتي) وسيلة لإثبات الخطأ بعد إكتشافه ومعرفة أسبابه ودوافعه، وتحديد المسئولية والمحاسبة. وإن السكوت عن الأخطاء أو إخفاءها يعني الخوف من كشف أسباب ودوافع الخطأ، والخوف من المحاسبة وإزالة أثار الأخطاء والهروب من النقد هو هروب من مواجهة الوقائع. والمنهج أو الاسلوب الماركسي هدفه من النقد : تربية الذات والعضوية والجماهير على الصدق في القول والصراحة عند ارتكاب الأخطاء وبيان جذورها ذاتيا وموضوعياً إلى آخر ما هو معلوم ومن يتخلى عن ذلك الاسلوب ليس بماركسي ولا يستهدى بالماركسية كعلم أو منهج.

وهناك فرق كبير بين (تصحيح الخطأ) و (التراجع عن الخطأ). إن مجرد إعلان الخطأ والإقرار به دون نقده وتصحيحه هو تراجع مؤقت يأخذ صورة النقد التبريري الذي لا يمنع من تكرار الخطأ. والتراجع هو توقف مؤقت عن ممارسة ما. هدفه، سواء كان بقفزة إلى الخلف أو إلى الامام هو تفادي تحمل التبعات، وحالة اربعين عاما بلا مؤتمر لها تبعاتها. والمنهج الماركسي يطلب تصحيح الخطأ ومحاسبة المسئولين وقد تكون المحاسبة بإنزالهم جميعاً من القيادة اذا كانت المسئولية جماعية أو لافراد والمحاسبة والانزال سلوك ممارس داخل الحزب الشيوعي السوداني ـ مثلاً ـ منذ تأسيسه ونذكر أن الجنة المركزية والتي معظمها معين قررت إنزال قائدين عماليين إبان الحقبة المايوية، من عضويتها أحدهما لضعف القدرات والثاني محاسبة على خطأ وهما منتخبين في المؤتمر الرابع(!)

وموضوع المقال : (نقد حالة عدم إنعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي السوداني لاربعين عاما) حيث أن لائحة الحزب التي أجازها المؤتمر الرابع 1967م تقرر إنعقاد المؤتمر كل عامين. واذا كان قد تم التقيد بالنظم واللائحة والمبادئ فإن المؤتمر الذي على الأبواب كان سيكون الخامس والعشرين (!) ومعلوم أن المناقشة العامة استمرت لخمسة عشر سنة وهو رقم لم يسجله من قبل لا الحزب الشيوعي السوداني ولا أي حزب آخر في كل أنحاء الدنيا. وقديماً جداً توصلت الماركسية إلى أن الإنتهازية (الاتجاهات اليمينية في الحركة العمالية). ومنذ قيام الأحزاب الشيوعية تعمل دائماً على كل تأخير وتأجيل كل ما له علاقة بتنظيم الحزب. فهي بطبيعتها لا تحترم نظم الحزب ولوائحه.

طريقان امام المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي وهو ينظر إبتداءاً (حالة اربعين عاما بلا مؤتمر) الأول : تصحيح الخطأ ونقده وإزالة أثاره والمحاسبة

الثاني : التراجع عن الخطأ والنقد التبريري. (وينتقد المؤتمر السادس بعد عشرين عاما أخرى!!) فأي الطريقين يسلك؟

إن القيادات التي عينت بعضها بعضاً بمباركة قيادة الجهاز لم تسع لاستعدال أوضاعها عن طريق مؤتمر إستثنائي (مهمته فقط إنتخاب القيادات) وهي أول خطوة لتصحيح الخطأ. وقد كتب محمد ابراهيم نقد (قد نعقد مؤتمراً إستثنائياً نقدم له وثيقة رئيسية وينتخب اللجنة المركزية ويحيل القضايا الأخرى للمؤتمر العادي أو لمؤتمر إستثنائي آخر) وكان ذلك سيكون خطوة في إتجاه التصحيح لكن الإتجاه السليم ـ كما اعتقد ـ أنه لا نقدم للمؤتمر وثيقة رئيسية بل التقرير التنظيمي وكل ما يرتبط بأداء القيادات. والانزال والفصل والتعيين والاستقالات من اللجان المركزية وإعادة انتخاب أجهزة الحزب والمكاتب المركزية إلى آخر ما هو معلوم في النظرية التنظيمية.. وفي كلمة واحدة تسليم الحزب أولاً لعضوية الحزب (!)

ولائحة الحزب التي أجازها المؤتمر الرابع توجب على اللجنة المركزية عقد مؤتمر إستثنائي لمواجهة ظروف جديدة

* سياسات جديدة مخالفة لما هو متفق عليه في المؤتمر السابق حيث أن حقوق وصلاحيات اللجنة المركزية تستمد مما قرره المؤتمر.

* تغييراً كبيراً في عضوية اللجنة المركزية أو المكاتب المركزية إلى آخر حيث أن عضوية اللجنة المركزية هي مسئولية المؤتمر.

واللجنة المركزية المقصودة هنا، هي التي إنتخبها المؤتمر. فإذا كانت اللجنة المركزية المنتخبة لا تستطيع وضع سياسات جديدة مخالفة لما قرره المؤتمر فما هي صلاحيات لجنة مركزية عين بعضها بعضاً؟

تصحيح الخطأ يبدأ بشرعية اللجنة المركزية وأجهزة الحزب المعينة بأكثر من 80% وبخلاف ذلك فإن أخطاء جديدة يتم إرتكابها.

نلاحظ مثلاً ـ اليوم ـ أن الجنة المركزية غير المنتخبة قامت ـ عمليا ـ بإلغاء العمل بلائحة المؤتمر الرابع ودلالة ذلك أن المرشحين لعضوية الحزب يقدم لهم مشروع دستور الحزب الجديد أو مشروع اللائحة الجديدة قبل عرضها على المؤتمر.. وهنا أيضا حلت اللجنة المركزية غير المنتخبة محل المؤتمر قبل إنعقاده. وهذه هي طبيعة العناصر اليمينية لا تحترم نظم الحزب ولا لوائحه ولا تحترم حقوق عضويته.. هل مهمة المؤتمر الخامس التصويت فقط؟!

ومعروف أن لائحة المؤتمر الرابع تعطي القيادات حق التعيين لكن هذا الحق ليس من الحقوق المطلقة بل من الحقوق المقيدة وقيود حق التعيين ثلاثة : (الإستثنائية) و (المحدودية) و(أن يكون التعيين في حالات ضيقة).

وهكذا : التراجع عن الأخطاء يوقع دائماً في أخطاء جديدة ويجعل الأمر أكثر تعقيداً.

ونتذكر أن اللجنة المركزية التي تجيز وتقرر كل شئ حول المؤتمر لا تمثل قواعد الحزب وأعضاؤها وكلاء العددية الضئيلة لقيادة جهاز الحزب التي قامت بتعيينهم. وهذا الوضع نفسه نتيجته الطبيعية التراجع عن الأخطاء، والصمت عنها، وإخفاءها. لكن هذا الطريق لطول مدة عدم انعقاد المؤتمر يوقعها في اخطاء اضافية تمس المسائل المبدئية.

وخطوة التراجع التالية لغض الطرف عن شرعية اللجنة المركزية التي تشرف على قيام المؤتمر هي تسمية (حالة اربعين عاماً بلا مؤتمر) فعندما تسمى أو تصف الحالة بأنها (تقصير) جسيم وتخفي حقيقة (الخطأ) الجسيم فهو الاستعداد للتراجع وللكلمات والالفاظ دلالاتها والفرق شاسع بين (التقصير) و(الخطأ) ولكل تبعات مختلفة ومعالجات ونتائج مختلفة. فالتقصير هو العجز ثم الكف. أما الخطأ فهو مجانية الصواب (الصواب هو التقيد بنظم ولائحة الحزب وعقد المؤتمرات) واختيار الالفاظ ليس مصادفة ونلاحظ مثالاً آخر في ذات السياق فعندما تقوم قيادة جهاز الحزب بتعيين قيادات فإنها تطلق على العملية اسم (التصعيد) بدلا من مفردة (التعيين) والتصعيد هو الترقية وعين فلانا في اللجنة المركزية يعني قلده. قال يوسف حسين في سبتمبر 2003م.

تم تصعيد لكثير من الشباب بدون آلية المؤتمر وذلك لغياب المؤتمر والتصعيد يشمل هيئات الحزب القيادية : اللجنة المركزية ولجان المناطق والمكاتب المركزية وان عدم قيام المؤتمر أمر سلبي وحتى نحن ننتقد الأمر ونعتبره خطأ وكثيرا ما استنكرنا هذا الوضع.

ومثل هذه المسائل لا يمكن النظر إليها فقط باعتبار أنها أخطاء في العمل وهي ليست ثانوية ولا صغيرة أنها تعبر في حقيقتها عن الذاتية التي لا تقر بمبادئ التنظيم وقواعد ممارسة المنهج الماركسي نفسه. ولا تحترم النظام الداخلي للحزب ولا تحترم مسئوليات العمل القيادي وأن ما حدث ويحدث هو فساد تنظيمي بسبب الموقف الفكري من عقد المؤتمرات (التي لا لزوم لها ما دام كل شئ على ما يرام!!).

و(التقصير) و(الموقف الفكري) بوابة التراجع يدفعان بالتبريرات على النحو التالي :

مسئولية الدعوة لانعقاد المؤتمر تقع على عاتق اللجنة المركزية التي تغيرت تركيبتها عدة مرات (دون الاشارة للجهة التي غيرتها) ولم يتبق من اعضائها الذين انتخبهم المؤتمر الرابع إلا ستة.

لم يكن ممكنا عقد مؤتمر خلال الحقبة المايوية (69 ـ 85) لكثرة الاحداث وطبيعة النظام العسكري الشمولي.

كان من الممكن انعقاد المؤتمر خلال 85 ـ 89 الاشارة لجعل الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية غير المنتخبة بديلاً للمؤتمر.

وعلى ذلك :

( كان في الامكان اختيار وتطبيق بدائل تتيح عقد المؤتمر بتنازلات في بعض الجوانب كعددية العضوية وأشكال التفويض..) إلى آخر.

وفي النهاية :

(يمكن القول أن السبب الرئيسي لتعطيل انعقاد المؤتمر كان تغليب الاعتبارات التأمينية لسلامة الحزب وكوادره على ضرورات التمسك بقواعد التنظيم الحزبية ومبادئها) وما جاء (في النهاية) هو أحد المواضيع المختلف عليها فكريا وعمليا داخل الحزب وبالذات على مستوى العمل القيادي.

ومعلوم أن معظم الأحزاب الشيوعية في دول العالم المختلفة بخلاف الاحزاب الحاكمة ظلت محظورة ومطاردة وتعمل سراً (تحت الأرض) تحت ظل أنظمة شمولية وديكتاتوريات عسكرية إلى آخر لكن الظروف لم تمنعها من عقد مؤتمراتها قد لا تكون بذات الدرجة من الانتظام ولكن لم يقم حزب واحد منها بإلغاء لائحته عمليا والاضراب عن عقد المؤتمرات من المكسيك وفيتنام وحتى جنوب افريقيا بل كانت تلك المؤتمرات تنعقد خلال النضال المسلح والحروب.

والحزب الشيوعي السوداني أبان الحقبة المايوية عقد عدداً من اجتماعات الكادر في المناطق وولاية الخرطوم ولم يكن الأمر عسيراً لدرجة نفى التفكير في مبدأ انعقاد المؤتمر. وهذا مما هو موثق في ارشيف الحزب والمناطق. وهذه من المسائل التي بالقطع لن يتعرض لها المؤتمر الخامس من قريب أو بعيد.

وفي الصورة المقابلة نجد أحزاب شيوعية حاكمة لم تتمسك بقواعد النظم الحزبية ومبادئها بالرغم من أجهزة الأمن تابعة لها، ولم تعقد مؤتمراتها لعدد من السنين وحدث أن الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي (السابق) لم يعقد مؤتمراً لاثني عشر عاماً فالموقف من عدم انعقاد المؤتمر هو موقف فكري، واتجاه يميني مدمر لقيادة جهاز الحزب هناك وهنا بدلالة أن اول اجتماع موسع انعقد بمقر جريدة الميدان بعد 1985م نال اعجاب السكرتير السياسي للجنة المركزية وعلق بصوت خافت (رداً على المطالبين بعقد المؤتمر). : أنه لا ضرورة للمؤتمر ما دام عمل الحزب متواصلاً أنه يوكد على الإتجاه اليميني بجعل الاجتماعات الموسعة بديلاً للمؤتمر وهو ذات المسلك القديم المتبع ما بين 1965 و 1967م.

إن نقد حالة الخطأ الجسيم بعدم انعقاد المؤتمر لاربعين عاماً تكون بالإقرار الواضح بأن قيادة جهاز الحزب قد سلكت اتجاهات يمينية خاطئة ومتكررة لا تتسق مع النهج الثوري للعمل القيادي الذي ارسيت قواعده منذ العام 1949م باستبعادها لانعقاد المؤتمر خلال فترات السرية بحجة التأمين والتي كانت حجة واهية لتبرير المسلك غير الثوري بدلالة ان ذات القيادة نجحت في عقد اجتماعات للكادر في المناطق الصناعية وولاية الخرطوم وخلافها تحت ظل نفس الظروف. وأنها اخطأت مرة أخرى عندما لم تعقد مؤتمراً استثنائياً خلال الفترة 85 ـ 89 لانتخاب القيادات ومنحها مع اللجنة المركزية والمكاتب المركزية الشرعية الحزبية وأنها اخطأت للمرة الثالثة عندما كررت ذات الخطأ الذي وقعت فيه ما بين 1965 و 1967م بجعلها الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية غير المنتخبة بديلا للمؤتمر كما اخطأت للمرة الرابعة عندما مددت المناقشات العامة لخمسة عشر عاماً وإن هذه الاتجاهات اليمينية لم تتوقف اخطاؤها في هذه الحدود وغياب مؤتمر الحزب لاربعين عاماً كان في الحقيقة إلغاءاً مباشراً للائحة الحزب التي أقرها المؤتمر الرابع ونظمه ومبادئه مما نتج عنه أضرار بليغة حاقت بالحزب ومن بين تلك الأضرار :

حلت آلية تعيين القيادات محل الإنتخاب وغابت الديمقراطية في الحزب وحدث خلل كبير في الممارسة داخل الهيئات الحزبية التي جعلت من قرارات اللجنة المركزية غير المنتخبة غير قابلة للمراجعة، وكذلك قرارات السكرتارية المركزية فتحولت كوادر وعضوية الحزب في معظمها إلى متلقين للموجهات مما نتج عنه جدب حياة الحزب الداخلية والذي تسبب في ضعف العمل الجماهيري والذي قاد إلى ضمور العضوية واغفال العمل بلائحة الحزب تسبب في غياب مبدأ المحاسبة وبالضرورة غاب النقد والنقد الذاتي والتعلم من الأخطاء ونتج عن ذلك توقف تطور الحزب. وهذه من بين اأسباب التي منعت الحزب أن يكون قوة إجتماعية كبرى (!) والطبيعي أن نتوجه نحو معالجات مواطن قصورنا قبل استلاف أسباب أخرى خارجنا لتبرير العجز الذاتي واسبابه.

وإن عدم انعقاد المؤتمر لاربعين عاماً نتيجة منطقية لهيمنة الاتجاهات اليمينية التي تحتقر نظم الحزب ولائحته الداخلية المعتمدة بعلو الذاتية والغرور الكاذب ويمكن إحصاء عشرات الأمثلة التي تم فيها بالكامل الغاء العمل بالنظام الداخلي للمؤتمر الرابع ويكفي أن مشروع الدستور الجديد أصبح معمولاً به من قبل عرضه على المؤتمر.

No comments: