Saturday, May 31, 2008

تنظيمات التضامن.. وتجديد الأساليب

تنظيمات التضامن.. وتجديد الأساليب

من مظاهر آفاق نهوض حركة العاملين.. (2-4)

محمد علي خوجلي

النشاط العملي اليومي يجسد بوضوح نهوض حركة العاملين ومساراتها الجديدة ومن أهم مظاهر آفاق ذلك النهوض:-
أولاً: قيام اللجان والروابط والجمعيات ولجان الحقوق العمالية في كثير من المنشآت وعلى امتداد مستويات الحكم، نشأت من تلقاء نفسها(كاحتياج موضوعي)، وتكويناتها كما اللجان في 1920م و1925م و1946م، لا تعير انتباهاً للأفكار السياسية للمتطوعين بالرغم من وجود تنظيمات حزبية في بعض المنشآت (!) والمؤكد ان الواقع المتحرك لا يعرف التوقف ولا ينتظر أحداً..(!).
ثانياً: الحركة الضخمة للعاملين التي نشطت من قبل اجراء انتخابات الدورة النقابية المستمرة حتى 2011م وتصاعدت اثناءها معبرة عن امانيها في الممارسة باشكال مختلفة. ولم يكن متوقعاً منها احراز نصر مبين حيث كان يعوزها حذق العمل القيادي ولم تكن تملك وهي في بداياتها، امكانيات حزب الحركة الإسلامية الحاكم ولا سطوته ولا قوانينه ولا موظفيه. وفقدت معرفة تجارب العمل القيادي الماضية مع منازلة الحزب الحاكم مما حصر الحركة في إطار الصور الاحتجاجية وشهدنا شباب العمال الذين قادوا جمع التوقيعات، وعقد الاجتماعات العامة والطعون امام مسجل التنظيمات والمحاكم، وكتابة المذكرات..الخ وهم بالقطع تعلموا من تلك التجارب.
ثالثاً: قيام لجان (الخريجين المستوعبين) من الفئات المختلفة من جهة ولجان الخريجين (غير المستوعبين) من جهة أخرى، في معظم الولايات باستثناء ولاية الخرطوم (!) وقيام هذه اللجان مؤشر هام نتابع خطواته على مستوى الحكم الولائي. فهذه اللجان، لمن يرى، هي (بذرة التنظيمات النقابية) القادمة. فلجان (غير المستوعبين في الولايات (كسلا نموذجاً) وضعت أمامها مهام الرقابة والاشراف عند التعيين بالتأكد من عدم وجود تمييز من اي نوع ومحاولات الاتفاق مع لجان الاختيار الولائية وأمانات الحكومات الولائية على الأسس العامة التي يتوجب تطبيقها بشأن الاستيعاب. اما لجان الخريجين المستوعبين (دارفور نموذجاً) فإنها تتابع قضايا ما بعد الاستيعاب ومن ذلك صرف المرتبات والأجور في مواعيدها. بل ان تلك اللجان عندما اضرب العاملون عن العمل خاصة في الحقل الصحي قامت بتقديم المساعدات بكل ماهو ضروري وعاجل وانساني(!)
رابعاً: حركة قواعد العاملين القوية داخل نقابات المنشأة وفرضها، بحسن تنظيمها وجرأتها، مناقشة مطالبها والوصول إلى نتائج حولها رغم انف نقابة المنشأة القائمة (الاطباء بمستشفيات ولاية الخرطوم نموذجاً)، وهذا يدلل على المسافات البعيدة بين القواعد والقيادات النقابية (الرسمية) وهي مساحات شاسعة ومفتوحة لتصحيح مسار الحركة النقابية من داخلها ..(!).
خامساً: الانتصارات التي حققها عاملون في انتخابات الدورة النقابية الحالية بذات قانون المنشأة (القطاع الصحي بولاية الخرطوم نموذجاً) والذي يؤشر لامكانيات استعادة التعددية المهنية والنقابية
سادساً: الامكانيات الفعلية لنفوذ القواعد العمالية على قيادات النقابات ودفعها لتبني مطالبها (النقابة العامة للنقل النهري والهيئة النقابية لعمال الإرصاد الجوي نموذجاً). افلحت النقابة العامة في تحقيق مبدأ (التعويض عن الفصل) بما يعادل مرتب خمسة وستين شهراً لتدلل على فقر القوانين العمالية السارية. اما نموذج الارصاد الجوي فقد أكد على أمرين:
الأول: أن الهيئة النقابية يمكنها بأثر حركة القاعدة اتخاذ مواقف ايجابية في الدفاع عن حقوق العمال. وتقدم –هنا – مصالح فتية العمال على مصالح قيادة اتحاد العمال والحزب (!)
الثاني: أنه كلما صعدنا في هرم التنظيم النقابي كلما اكتشفنا ان تلك القيادات تقدم مصالحها ومصالح حزبها على مصالح العمال حتى اذا كانت الهيئة النقابية مصدر الازعاج ليست بعيدة عنها.
سابعاً: المتغيرات في تكوين العمال في المناطق الصناعية القديمة والجديدة والعمال الحرفيين والعمال غير المهرة والذين يعملون في معظمهم في منشآت صغيرة ومن بينهم مئات الخريجات اللاتي يعملن في وظائف ومهن لاتتسق مع دراساتهن (عاملات تعبئة مثلاً) وكذلك انضمام مئات من خريجي الجامعات والمدارس الصناعية وعشرات المئات من المفصولين من الخدمة لتلك المنشآت.
ثامناً: تصدي القواعد العمالية التي تفقد وظائفها بسبب الخصخصة أو اعادة تنظيم العمل في القطاعات المختلفة (البنوك )، (الزراعة)، (النقل النهري)، (سكر كنانة)..الخ لقضايا التعويض عن الفصل والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والنجاح متعدد الدرجات واجب تسليط الضوء عليه.
تاسعاً: الوعي العمالي، وبالذات الوعي بالحقوق واتجاه العاملين لممارسة حقوقهم بالتقاضي لاستعادة ما فقدوا في صبر شديد. ويعوز هذه الآلية تحويلها إلى اداة هامة لبث الوعي القانوني والثقافة القانونية بحشد المتابعة لمتابعة القضايا وكشف مايدور من كل الأطراف وفضح أدوار المخدمين ومساعديهم من القانونيين.
عاشراً: استعادة اساتذة جامعة الخرطوم لتنظيمهم النقابي واثبات (شكلية ) الاعتراف الرسمي بالنقابة..الخ وبالرغم من ايجابيات التجربة لكننا نلاحظ ان مثل هذا النموذج واجب الاحتذاء بين اوساط المهنيين جرى بطئياً بالرغم من أن كل الظروف هي لصالح استعادة المهنيين لنقاباتهم قبل الفئات الأخرى..وحتى قوانين النقابات في الدول العربية التي جعلت المنشأة شكل التنظيم الوحيد اجازت للمهنيين اقامة نقاباتهم.
حادي عشر: الضغوط الاقتصادية وتدني الأجور (أقل من حد الكفاف) وتوالي إرتفاع الاسعار وعجز الحكومات عن دفع المرتبات والأجور والاستحقاقات والمعاشات في مواعيدها وأسباب أخرى اجبرت النقابات واتحاد العمال على اتباع اسلوب التهديد بالاضراب عن العمل.
ثاني عشر: يستقبل سوق العمل اكثر من مائة الف من العسكريين المسرحين ..هؤلاء ينتقلون من تنظيمات حديثة ولهم أساليبهم التي هي جديدة بالنسبة لحركة العاملين التي تستقبلهم وستكون ذات اثر ايجابي في تجديد أساليب العمل.
ثالث عشر: احتكارية العمل النقابي وقياداته تسببت في ضمور اعداد القيادات التي تثق فيها قيادة اتحاد العمال بدلالة اعادة استخدام القيادات النقابية محل الثقة التي بلغت سن التقاعد القانوني لاستمرار وجودهم في مواقعهم النقابية وثبت ذلك خلال انتخابات الدورة النقابية الحالية. لن يتوقف هذا الضمور وسيتواصل وبالمقابل ستبرز قيادات عمالية جديدة مستقلة التفكير..
توجد مظاهر أخرى عديدة تعبر عن آفاق النهوض بين العاملين وهذا النهوض يشترط اكتماله وتطوره ديمقراطية التنظيمات واستقلاليتها والتخلص من فكرة استبدال الاحتكارية النقابية لحزب الحركة الإسلامية الحاكم بأي احتكارية من نوع آخر وبأي اسم جاءت. وتدعم مظاهر النهوض ظروف جديدة مواتية ومعلومة وهي قضايا: التحول الديمقراطي وانفاذ وثيقة الحقوق في الدستور القومي الانتقالي والتوافق الوطني. والقضايا الثلاث ذات ارتباط وثيق بالتحولات المرتقبة في الحركة العمالية والحركة النقابية وبإمساك قواعد العاملين بقضايا الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وهي الفئات التي تكون دائماً في مقدمة جماهير المدن والقرى.
واللجان والروابط والجمعيات العمالية التي قامت وكافة التنظيمات على جميع مستويات الحكم اقامتها قواعد العاملين بطريقتها دون وصاية من أية جهة وبالضرورة فإن معظم تلك اللجان أو جميعها كانت بعيدة تماماً عن نقابات ماقبل انقلاب 1898م وهذا طبيعي (!) فالقيادات النقابية القديمة لم تعد حول (اماكن عملها السابقة) وهو التقليد العمالي في السودان: الا تنقطع العلاقات بين العاملين المفصولين ومن بينهم النقابيين بمنشآتهم وكذلك التنظيمات النقابية القائمة وذلك لعدة اسباب منها:
التصفيات التي طالت بعض تلك المنشآت بالخصخصة واعادة الهيكلة أو الاغلاق النهائي أو المؤقت وتبعثر القيادات بفعل الزمن بالهجرة خارج البلاد أو تغيير الوظائف والمهن..وهم في معظمهم (خارج الخدمة) أو تقاعدوا بسبب بلوغ السن القانونية..الخ الاسباب الطبيعية بالعجز أو الوفاة بالإضافة لما تعرضت له تلك القيادات وطلائع العمال من عسف السلطة بالاعتقالات المتصلة والاستدعاءات المتكررة..الخ مما هو معروف ولذلك ولأسباب أخرى فان تلك اللجان والروابط والجمعيات بعيدة عن (القيادة الشرعية لاتحاد العمال!!) أو (المجلس العام للنقابات قبل 1989م)!!
واختم هذه الجزئية بعرض خاص لنموذج (الهيكلة النقابية لعمال الإرصاد الجوي) والتي تتبع بحسب لائحة البنيان النقابي، النقابة العامة لعمال التعليم العالي والبحث العلمي. ومعلوم ان الهيئة علقت الاضراب عن العمل في 26 نوفمبر 2007م بعد اتفاقها مع الإدارة العامة للإرصاد الجوي. وبسبب استعمال النقابة بأمر الجمعية العمومية لسلاح الاضراب لانتزاع استحقاقات مجمدة للعاملين لامطالب جديدة (!) عاقبتها النقابة العامة كما عاقبت الجمعية العمومية بحل الهيئة النقابية المنتخبة بذات قانون المنشأة وكلفت النقابة العامة نفسها (!) بالتحول إلى هيئة نقابية للارصاد الجوي (!) وان تتحمل عبء الوفاء باستحقاقات العاملين.
يهمنا في هذا النموذج التعرف على مدى ما تتعرض له مبادئ الحماية النقابية والحقوق النقابية بيد التنظيمات النقابية (الأعلى في الهرم) وهذا من أشكال احتكارية العمل النقابي. وحل النقابة العامة للهيئة النقابية في صراع نقابي معلوم للكافة وفصل اعضاء نقابيين من النقابة..الخ يخالف وثيقة الحقوق بالدستور القومي الانتقالي ويتعارض مع الاتفاقيات الدولية والعربية ومثل العقوبات التي قررتها النقابة العامة (حلاً وفصلاً وتوبيخاً) هو حق أصيل للجمعية العمومية وهو ما يعتبر مخالفاً لمبدأ الديمقراطية النقابية. فواجب النقابة العامة أن تكشف للجمعية العومية للارصاد الجوي مخالفات النقابة لنظامها الاساسي وليس للائحة المكتب التنفيذي للنقابة العامة ومن حق الهيئة النقابية ان تدافع عن نفسها امام جمعيتها العمومية التي تملك حق اصدار القرارات أو توقيع العقوبات ..العقوبات التي نصت عليها لائحة الهيئة النقابية وقانون النقابات2001م.
ان نموذج العاملين بالإرصاد الجوي يؤكد تماماً ان النظم الداخلي و لوائح المكاتب التنفيذية للنقابات العامة قد لا تتفق مع قانون النقابات والنظم الأساسية للهيئات النقابية وانه يجب تقديم مشروع قانون جديد للنقابات يؤكد على سيادة الحريات النقابية والحماية النقابية ويخلو من أي لائحة بنيان نقابي يضعها (الوزير) أو تكون ملحقة بالقانون حيث أن مثل تلك اللائحة انما تقيد التنظيمات النقابية وتتعارض مع المبادئ والمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والدستور القومي الانتقالي..مشروع قانون للنقابات يناقشه العاملون الذين يهمهم الامر ويبدون الملاحظات حوله في حرية.
ونموذج الهيئة النقابية لعما الإرصاد الجوي فضح حقيقة لوائح المكاتب التنفيذية المخالفة لقانون النقابات 2001م، قانون المنشأة نفسه الذي يرغب اتحاد العمال في تعديله مثلما ترغب قوى معارضة في تعديله (!) فقرار النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي بحل نقابة الإرصاد الجوي وفصل الاعضاء سببه: الاساءة للتنظيمات النقابية الأعلى (!) وقانون النقابات 2001م نص في المادة (14) من الفصل الرابع (إدارة التنظيمات النقابية) انه يجوز للجنة المركزية للاتحاد او النقابة العامة أو اللجنة التنفيذية للهيئة النقابية- بحسب الحال- ان تصدر قراراً بتجميد نشاط اي من لجان الوحدات التي تتكون منها اذا ارتكبت اللجنة المعنية أية مخالفة لاحكام النظام الأساسي على ان ينعقد اجتماع للجمعية العمومية لشرح أسباب القرار واذا لم تنعقد الجمعية العمومية يسقط قرار التجميد تلقائياً.
اما المادة (17) التي تحدثت عن فصل الاعضاء فقد جاء فيها:
(1)
لا يجوز فصل اي عضومن النقابة أو الهيئات الفرعية أو الوحدة النقابية الا بموجب قرار يصدر من اللجنة المركزية أو اللجنة التنفيذية باغلبية ثلثي الأعضاء في اجتماع صحيح.
(2)
يكون للعضو المذكور الحق في استئناف ذلك القرار أمام الجمعية العمومية والتي يكون قرارها في هذا الشأن نهائياً.
اذا فإن أعلى الهرم القيادي اهتز بشدة واضطر لتجاوز قانونه حتى يكون وفياً لحزبه الحاكم .فاذا تسببت هيئة نقابية واحدة في اهتزاز العرش فكيف يكون الحال اذا تكاثرت..؟!
اذن فان التصريحات الصحفية اليومية بأن الاتحاد العام للنقابات، في أعلى الهرم، قد اطلق يد النقابات لاتخاذ الاجراءات اللازمة ازاء مستحقات العاملين المتأخرة بما فيها الاضراب عن العمل انما هي وسيلة امتصاص غضب العمال والتشبه باتحاد العمال (زمان) وإن التشبه بالرجال فلاح، أو كمال قال الشاعر.
ونواصل

No comments: