Monday, May 26, 2008

الأجور في القانون- والحد الادنى من قضايا الحقوق ½

1/2 الأجور في القانون- والحد الادنى من قضايا الحقوق ½

محمد علي خوجلي

في معاجلة مسألة الاجور في مشروع قانون العمل الاطاري انبه ان المشروع يلغي قانون الحد الادنى للاجور 1974م وقانون لجان الاجور وشروط الخدمة 1976م وتضمن المشروع مسألة الحد الادنى للاجور ولجان الاجور في المواد 156-160 في حين ان مواد الاجور جاءت عشرات المرات خلال السنوات الماضية دون حل الاشكالية التي هي في الاصل ان يكون الحد الادنى للاجور معادلاً لحد الكفاف لذلك لايحس العمال بالزيادة لان اسعار السلع الضرورية تتصاعد والدولة ترفع يدها عن الخدمات الاساسية فتتصاعد ايضاً تكلفتها وبالتالي يرتفع حد الكفاف وتقل قيمة الاجور الحقيقية..مع كل ذلك فإن مشروع قانون العمل الاطاري اتخذ وجهة ايجابية وقدم معالجات لمآخذ وأوجه قصور عبرنا عنها وبالذات بالنسبة للجنة الثلاثية وسلطاتها الفنية والتنفيذية ..(1)
وتنص المادة 7(أ)2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ضمان الحق في اجر يوفر احوال العيش الكريم للعمال واسرهم. ويوجد نص مماثل في المادة(23) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان كما ابرمت منظمة العمل الدولية الاتفاقيات الكفيلة بتنظيم تحديد الحد الادنى للأجور ومعظم بلدان العالم توجد بها تشريعات خاصة بالحد الادنى للاجور والذي تواجهه في الممارسة عدد من المشكلات اهمها:
*
ان بعض الحكومات تقوم بتحديد الحد الادنى للاجور من طرف واحد من جانبها
*
وان الحد الادنى للاجور لايتناسب مع ارتفاع التكاليف الحقيقية للمعيشة واحياناً كثيرة تنخفض الأجور من بعد تعديلات الحد الادنى للاجور..
وجاء في التقرير الاستراتيجي السوداني 1998م.
(
ونلاحظ انه حتى العاملين في القطاع المنظم خاصاً كان أو عاماً يعانون ايضاً من معدلات فقر وتناقص في الاجور الحقيقية للعاملين في القطاع العام حيث اثبتت الدراسات ان مرتبات العاملين في الدرجات المختلفة تدهورت بسرعة مخيفة خلال (1990- 1995م) حيث ثبت ان الحد الادنى للاجر للدرجة (14) في 1995م يعادل 36% من قيمته في 1990م اي ان شاغلي الدرجة فقدوا 64% من القوة الشرائية لمرتباتهم . وفي 1995م كانت الاجور الحقيقية لموظفي الدرجة الاولى تعادل 28% من قيمتها عام 1990م وفقد موظفو الدرجات الوسطى حوالي 60% من قيمة مرتباتهم في 1990م.
ونلاحظ انه لاتوجد سياسة واضحة تجاه الاجور في الخدمة المدنية،توجد فقط مراجعات دورية وزيادات اقل بكثير من معدل زيادة الاسعار..
ان اقدم التعريفات للحد الادنى للاجور انه: الاجر اللازم لعيش الكفاف ويسمى ايضاً (الاجر القائم على الحاجة) والذي يجب ان يكون كافياً لا للابقاء على الحياة فحسب، بل ايضاً للحفاظ على كفاءة العامل- كما يجب ان يوفر قدراً من مصروفات التعليم والعلاج.
ومعلوم ان الحد الادنى للاجور في السودان 2007م اقل من حد الكفاف (حوالي 35% من حد الكفاف). وجدت ان تعليق الاستاذ/ محمد رشاد عبدالرحيم بصحيفة الأيام 7/8/2007م بالصفحة الاقتصادية على خبر موافقة ديوان شؤون الخدمة على زيادة نسبة خمسين بالمائة على الاجر الأساسي للعاملين هو من جنس موضوع المقال عندما كتب:-
نأمل في تنفيذ سريع بشرط الا ترفع الضرائب الحد الادنى الخاضع لضريبة الدخل الشخصي، والا ترتفع بالمقابل الاسعار لتمتص هذه الزيادة كما كان يحدث في معظم الزيادات السابقة. كما نأمل الا تعمل آلية السوق عرضاً وطلباً عملها اذ المتوقع ان يزداد الطلب كلما ازدادت المقدرات الشرائية وبالتالي قد ترتفع الاسعار. ويهمنا هنا السلع والخدمات الاساسية.. ويجب ان تتبع هذه الزيادة زيادة مماثلة للعاملين بالقطاع الخاص فالجميع يشترون من سوق واحد. انها مناسبة للنظر في المفارقات في رواتب العاملين حتى داخل المؤسسة الواحدة حيث البون الشاسع بين رواتب البعض والاخر وهذا خلل لاشك في ذلك اتت به حكاية العقود الخاصة وغيرها من بدع التمييز الكبير والضار. ان ضعف غالبية المرتبات والتي قال السيد / هاشم أحمد البشير امين علاقات العمل لاتحاد العمال انها لاتلبي 36% من احتياجات العاملين هي احدى اسباب تفشي الرشاوي وتعطيل دولاب العمل وضعف الانتاج والاقبال على العمل والبحث عن مصادر رزق اخرى لسد الفجوة بين الاحتياجات الاساسية وضعف المرتب..
ان الاتفاقية العربية لمستويات العمل بشأن تحديد الاجور في البلاد العربية نصت على..
(1)
تضع كل دولة انظمة لتحديد حد ادنى للاجور يضمن سد حاجات العمال الاساسية ويراعى في هذا التحديد الاختلافات القائمة بين مختلف الصناعات والمناطق
(2)
تشكيل لجان مشتركة في كل منطقة لاقتراح تحديد الحد الادنى للاجور وذلك على فترات دورية وتضم اللجنة ممثلين عن العمال واصحاب الاعمال والجهات الادارية المختصة
(3)
وجوب تطبيق المساواة في الاجر وعدم التمييز بين العمال لاي سبب كان وهي المساواة التي تفرضها قواعد العدالة.. وهذا المبدأ من الحقوق الدستورية
(4)
وانه بالنسبة للأجر:
*
لايجوز الحجز عليه أو التنازل عنه الا في اضيق الحدود- ويحدد تشريع كل دولة نسبة الأجر التي يجوز الحجز عليها أو التنازل عنها للديون أو المبالغ المستحقة للغير
*
لايجوز الاستقطاع من الاجر الا بالشروط والحدود التي ينص عليها تشريع كل دولة
*
اجر العامل دين ممتاز على صاحب العمل وله الاولوية بين سائر الديون الممتازة
*
يجوز ربط الاجر بالانتاج على اساس حصول العامل على الحد الادنى للاجور فاذا زاد انتاجه على معدل الانتاج المقرر منح اجراً عنه.
فالأجر يشكل أهمية بالغة للعامل لاعتماده عليه في حياته اعتماداً كلياً في الغالب. وترك تحديد الاجر لاتفاق الطرفين باسم حرية الإرادة..الخ كما أكدت التجربة الانسانية انما يعني في الواقع حرية اصحاب العمل وحدهم بمراكزهم الاقتصادية القومية خاصة وان الاقتصاد الحر اعتبر العمل سلعة خاضعة لقانون العرض والطلب ..النتيجة المعلومة هي انخفاض اجور العمال بما لن يفي بالحد الادنى الضروري لمستوى المعيشة.
لذلك اصبح تدخل المشرع في تحديد الاجور- كفالة لعدالتها وحماية لدورها الحيوي للعمال – من الأمور غير المختلف عليها عمالياً (!) فكان فرض الحد الادنى للاجور وربط مقدار الاجر باسعار السلع والحاجيات ارتفاعاً- وتحديد الاجور عن طريق لجان مشتركة من العمال واصحاب الاعمال وممثلين عن الدولة بقرارات يعتمدها المشرع عامة او لكل فئة من العمال مع الاعتداد احيانا بما يجب من تفاوت باختلاف المناطق والاقاليم.
والاجر عنصر جوهري في عقد العمل والالتزام بادائه هو التزام اساسي على صاحب العمل واعتماد العامل على الاجر يجعله في مركز التبعية الاقتصادية إلى جانب التبعية القانونية بمقتضى العقد ولذلك كان لابد من وضع نظام خاص للأجر وحماية هذا الاجر، فالاجر الذي هو كل مايدخل ذمة العامل مقابل العمل- بصرف النظر عن الاسماء التي قد تطلق عليه ( اتعاب مثلاً) – هو المقابل القانوني للعمل.والتزام صاحب العمل بدفع الاجر يقابله التزام العامل باداء العمل بما يعني ان العامل لايستحق اجرا اذا لم يقم باداء العمل.
مع ذلك فإن صاحب العمل يدفع اجر العامل عن اوقات لايقوم فيها العامل بالعمل (الاجازة السنوية، العطلات الرسمية) الخ التطبيقات التشريعية لمبدأ استحقاق العامل اجره رغم عدم ادائه للعمل. وتوجد ايضا تطبيقات عملية يكون فيها العامل مستحقاً لاجره دون ان يعمل وهو مانطلق عليه (خطأ صاحب العمل) وتوجد عشرات الامثلة لذلك: كاغلاق المنشأة أو تعطيلها بقرار اداري،ايقاف العامل عن العمل بسبب نزاع..الخ وفي كل الاحوال اذا لم يكن السبب في قيام العامل بالعمل يعود إليه فإن صاحب العمل عليه اثبات ان لا علاقة له بالتسبب في عدم قيام العامل بعمله واثبات السبب الاجنبي.
قانون العمل الموحد السوداني (1970م) تضمن في الفصل الرابع،الحد الادنى للاجور ولجان الاجور على النحو التالي:-
1-
يصدر مجلس الوزراء قراراً يبين فيه الحد الادنى للاجر في القطاعين العام والخاص
2-
لوزير العمل ان يشكل، كلما دعت الحاجة، لجاناً للاجور في اية مديرية (الآن ولاية) أو منطقة أو بالنسبة لاي فئة من فئات العمال أو الصناعات أو المهن المختلفة. وتشكل اللجان من عدد متساوي من العمال واصحاب العمل وأهل الخبرة وتنعقد بحضور اغلبية اعضائها وتصدر اقتراحاتها باغلبية اصوا ت الحاضرين.
3-
لوزير العمل ان يشكل لجنة للاجور لدراسة قرارات الاجور التي مضى او يمضي على صدورها خمس سنوات على الاكثر أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك بسبب تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
وعرف السودان قانون الحد الادنى للاجور بالامر المؤقت رقم 14 لسنة 1973م والذي تغير واصبح القانون رقم 83 لسنة 1974م والذي تم تطبيقه على جميع العاملين من الرجال والنساء. وكان مقصوداً به العاملون في القطاع الخاص. وبالمناسبة كان الحد الادنى للاجور في 1973م ستة عشر جنيهاً وخمسمائة قرش. كما ان ذلك القانون حدد زيادة اجور العاملين التي تتعدى الحد الادنى للاجر بالنص على أنه:
لايفسر اي شئ في هذا الامر المؤقت على انه يمس الحقوق المكتسبة للعاملين وامنيازاتهم من اجور وفوائد اخرى تزيد على الحد الادنى أو الزيادة في الاجر المقررين.
لايفسر اي شئ في هذا الأمر المؤقت على انه يمنع اي منشاة من دفع اي اجر لاي من العاملين أو منحه اي فوائد أو امتيازات تكون اكثر فائدة له من الحد الادنى للاجر أو الزيادة في الاجر المقررين.
اما قانون لجان الاجور وشروط الخدمة 1976م ( الغى قانون محاكم الاجور 1957م) فقد اجاز لوزير الخدمة العامة والاصلاح الاداري تشكيل لجان للاجور وشروط الخدمة في اي مديرية (ولاية) أو منطقة أو بالنسبة لاي فئة من العمال أو الصناعات أو المهن المختلفة بغرض تحديد الاجور وشروط الخدمةوتتشكل اللجنة من عدد من العمال واصحاب العمل وذوي الخبرة من الطرفين..ويكون رئيس اللجنة من غير العمال واصحاب الاعمال ومقررها من مصلحة العمل – على ان تنظر تلك اللجان في :
(
أ‌) وضع حد ادنى للاجور سواء بشكل عام بالنسبة لمجال اختصاصاها أو لنوع معين من الاعمال
(
ب‌) وضع حد ادنى للاجازات وانواعها
(
ج) وضع حد ادنى لاي شروط اخرى للخدمة
ولتنفيذ احكام القانون ولوائحه تم تعيين (ضباط الاجور) الذين كان لهم حق الاطلاع على كشوفات الاجور والمرتبات لدى المخدمين وحق استجواب العمال واصحاب الاعمال. وحدد القانون ان اي مخالفة لاحكامه تكون عقوبتها عند الادانة السجن مدة لا تزيد على ستة شهور أو بغرامة لاتزيد عن خمسمائة جنيه أو بالعقوبتين معاً.
وعندما تكون المخالفة ناتجة عن عدم تطبيق الحد الادنى للأجور تأمر المحكمة بأن يدفع المخدم للعامل الفرق بين الحد الادنى المذكور والمبلغ المدفوع عن اي مدة يشملها الاجر على الايتجاوز ذلك ثلاث سنوات.
قانون العمل السوداني الساري (1997م) عالج مسألة الاجور في المادتين (35) و(36) وكذلك فعل مشروع قانون العمل الاطاري في المادتين (46) و(47) وزاد المشروع على القانون بتعديلين في المادة (46) المقابلة للمادة (35)من القانون الساري هما:
*
في حالة انهاء عقد العمل المسمى الأجل قبل انتهاء مدته يستحق العامل باقي المدة عن العقد بجانب الامتيازات الاخرى الواردة بالعقد
*
تمنح المرأة العاملة الاجر المتساوي للعمل المتساوي للرجل
اما النصوص المستمرة في القانون والمشروع فهي:-
*
يدفع الأجر نقداً يومياً أو اسبوعياً أو شهريا في مكان العمل واثناء ساعاته ويجب الا يتأخر دفع الاجر عن اليوم الثالث من تاريخ الاستحقاق
*
يدفع الاجر للعامل شخصيا أو لمن يوكله كتابه دونما استقطاع فيما عدا الاستقطاع القانوني
*
بالرغم من اي اتفاق بين صاحب العمل والعامل على تغيير نظام التعيين بنقل العامل من الاجر الشهري إلى الاجر اليومي أو الاسبوعي أو كل اسبوعين أو على اساس الاجر بالانتاج يظل العامل مستحقاً لجميع الحقوق المكتسبة خلال الفترة التي عمل فيها على أساس الاجر الشهري.
*
يتفق صاحب العمل وعامل الانتاج الذي يعمل بموجب عقد عمل غير مسمى الاجل على اجر محدد وذلك بالنسبة إلى الحد الادنى من العمل اليومي
*
في حالة انتهاء العقد تدفع جميع استحقاقات العامل خلال أسبوع من تاريخ الانتهاء
*
لايكون العامل مستحقاً لاجره عن الفترة التي تغيب فيها عن العمل الا في الحالات التي يسمح بها قانون العمل او يسمح فيها صاحب العمل بالغياب بأجر.
*
يستحق العامل بعد ثلاثة شهور في الخدمة المستمرة اجراً عن فترة غيابه لاي سبب يقبله صاحب العمل أو لانقطاع وسيلة المواصلات أو وقوع كوارث طبيعية أو حوادث تمنعه من الحضور للعمل أو الاستدعاء بواسطة اي محكمة أو اي سلطة عامة اخرى يخولها القانون ذلك او لوفاة الزوج أو الزوجة أو الحد الابناء او احد الابوين او احد الاخوة والاخوات.
ونلاحظ ان القانون- وكذلك المشروع – ميز بين العمال بسبب مدة الخدمة في الفقرة الاخيرة المتعلقة بالغياب عن العمل لانقطاع المواصلات او الكوارث الطبيعية أو الحوادث التي تمنع العامل من الحضور للعمل...الخ ماورد وهو تمييز معيب كما اعتقد وانه في غير محله لان العامل الذي خدمه له اسبوع والآخر الذي له خدمة سنة يتعرضان لظرف واحد (أجنبي) منعهما معا من الحضور للعمل..ونواصل.

No comments: