Saturday, May 31, 2008

عولمة الرأسمالية .. ومواجهة تجديد المفاهيم والاساليب

عولمة الرأسمالية .. ومواجهة تجديد المفاهيم والاساليب

عرض: محمد علي خوجلي

المؤتمر الخامس وماركسية الالفية:

المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني 2008م، يواجه مسائل فكرية وقضايا من نوع جديد بخلاف الجدران الضخمة بين المؤتمرين واجبة لازالة ومنها: 19 يوليو واغتيال القادة، انتفاضة أبريل وتقاعس السكرتارية المركزية، التكتيكات في حقبة الديمقراطية الثالثة، استقبال 30 يونيو والاستراتيجية والتكتيك خلال الحقبة الانقاذية، التحالفات، ما قرره المؤتمر الرابع عام 67 حول استيقاظ الريف، النواقص في عمل الحزب التي اكدها المؤتمر الرابع ومستوى معالجتها، كشف حقيقة المركزية المطلقة في الحزب (وآثار الآلة الجهنمية)! ورد الاعتبار للضحايا، الديمقراطية في الحزب، والعمل القيادي كبند مؤجل منذ عام 1967م.. بما يمكنه من وضع أولى لبنات الماركسية وقضايا الثورة السودانية في الألفية الثالثة.

وحاول مشروع التقرير المقدم للمؤتمر الاستفادة القصوى من أفكار الشيوعيين والماركسيين خارج الحزب التي اطلقت في الهواء (!) وسأعود إلى ذلك فيما بعد- لكن الملاحظة الأساسية أن ذلك أدخل مشروع التقرير في ثنائية مدهشة، جعلت نصفه الأعلى ماركسي ونصفه الأسفل مخالف للماركسية. ولذلك لا غرابة من ازدواجية نتائجه بما يفقدها المعاني. فما معنى أن الحزب مع العولمة وضد العولمة المتوحشة؟! أو ان الحزب مع الخصخصة وضد الخصخصة العشوائية؟ وهذا طريق مسدود.

وغض النظر عن القضايا الحيوية الماضية، والراهنة قد تدفع بالمؤتمر الخامس إلى المراجعة التامة، والتي لم تعد امراً مفاجئاً، فرأسمالية الدولة الاشتراكية في الدول الشمولية التي ادعت الشيوعية حلت احزابها الماركسية واستبدلتها بأخرى رأسمالية تبنت سياسات التحرير والسوق الحر (نلاحظ موقف قيادة جهاز الحزب الشيوعي التي صادقت على: اتفاق جدة الاطاري الذي تطابق مع سياسات الانقاذ الاقتصادية وطالب بالمزيد، واتفاق القاهرة في محوره الاقتصادي والذي اتخذ ذات الوجهة وحتى ميزانية العام 2008م التي أجيزت بالاجماع وهو أمر لا علاقة له بالتصويت على بند زيادة القيمة المضافة) والثنائية – هنا- في السياسة العملية: النصف الأعلى ضد الميزانية والنصف الأسفل معها.. وهذا طريق مسدود).

كما نجد أحزاباً أخرى كانت تدعي الاسترشاد بالمنهج الماركسي، لم تحل أحزابها وقامت بتحويلها إلى أحزاب ديمقراطية اشتراكية باسم تجديد النظرية (سوريا، لبنان، ايران)..الخ وفي حالة تاريخية ونادرة تحول الحزب الشيوعي العراقي (الرسمي) إلى حزب تابع للأمبريالية بمفردات ماركسية.. (!). أما الاحزاب التي حافظت على ثباتها هي الأحزاب الشيوعية في غرب اوروبا وأمريكا اللاتينية.

وواضح أن (المفردات الماركسية) ستظل سيدة الموقف في الحزب الشيوعي السوداني سواء كان ماركسياً، أو ديمقراطياً اشتراكياً، أو من الأحزاب ذات التوجه الرأسمالي!!.

النواة المسيطرة

التطور التاريخي لمنظومة الاقتصاد الرأسمالي العالمي يفيد بأنه دائماً ما تكون هناك دولة من بين دول المنظومة تتولى قيادتها. وتكون هي النواة المسيطرة أو القلب. هذه الدولة يجب أن تكون هي القوة الأكبر اقتصادياً وعسكرياً بين الدول الرأسمالية. ومنذ قيام الثورة الصناعية وحتى الحرب العالمية الأولى 1780-1915 كانت دولة النواة هي بريطانيا فقد كانت الأقوى اقتصادياً وعسكرياً بفضل مستعمراتها.

وتنازعت أمريكا وبريطانيا القيادة فيما بين الحربين وهي الفترة التي شهدت نزاعات كثيرة بين الدول الرأسمالية القوية وانتهت بالحرب العالمية الثانية. وآلت القيادة للولايات المتحدة الامريكية من بعد ذلك بسبب الضعف الشديد الذي أصاب الدول الأوروبية الرأسمالية بسبب الحرب.

وبالواقع الراهن، فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي أكبر الدول الرأسمالية من حيث القوة العسكرية وقطب واحد لا منافس له. اقتصادياً قد يوجد أقطاب آخرون ومعلوم ان الاقتصاد الامريكي بعد الحرب العالمية الثانية تكيف على الانفاق العسكري المتزايد واحتكارات الصناعات العسكرية التي تعمل وتعيش على محيطها شركات صناعية عملاقة. وتعتمد هذه الشركات على عقود وزارة الدفاع الأمريكية (سلع ومعدات حربية كثيرة من جهة، وأرباح عالية من جهة أخرى) بالاضافة إلى ما تتلقفه تلك الشركات من دعومات مالية في مجالات البحوث وتطوير الأسلحة الحديثة. وصادرات السلاح للدول النامية أصبحت أهم أدوات نهب فائض الاقتصاد وضمان السيطرة عليه.

وحتى من بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الدول الشمولية، فان أمريكا لم تفكر في التحول من صناعة السلاح إلى الانتاج المدني، وبالطبع هنا سيؤثر عميقاً على اقتصادها وتظل الولايات المتحدة الامريكية النواة المسيطرة وتكون ايضاً القطب الأول اقتصادياً فانها تسلك طريقاً واحداً من فرعين: العولمة الرأسمالية والسياسات العدوانية والاستعمارية المباشرة، كما بريطانيا العظمى قبل الحرب الأولى.. وجاءت خطة القرن الامريكية لاستمرارها نواة، بالهيمنة على أوروبا عن طريق هيمنتها على بلدان العالم الثالث والدول النامية بنهب موارد تلك الدول واستمرار احتكارات صناعة الأسلحة وتصريف السلاح بالبيع المؤجل (منحا مجانا) بعض أطراف النزاعات في دول العالم المختلفة لتأجيج الصراعات توطيئة لتدخلها العسكري للمحافظة على الأمن الانساني ووقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.. (!) أو التدخل العسكري لتغيير أنظمة الحكم الاستبدادية والدول الراعية أو الداعمة للارهاب أو لنشر الديمقراطية أو وقف التسلح النووي وأسلحة الدمار الشامل ومن ثم الغزو والاحتلال..

الرأسمالية الجديدة

من خصائص الرأسمالية الجديدة التأثير الذي تمارسه الثورة العلمية التكنولوجية والمعلوماتية على الرأسمالية. إذ تحولت المعرفة والمعلومات إلى شكل رئيسي لرأس المال وأدت إلى تجديد وتوسيع القوى الانتاجية لتشمل كل بلدان العالم. ان الرأسمالية الجديدة صارت تجمع الأموال بواسطة الرأسمال المالي الذي نشأ أساساً من اندماج الرأسمال الصناعي والمصرفي، مما يولد الافقار في مركز النظام الرأسمالي ومحيطه، حيث لم تعد هناك حدود لانتقال الرأسمال بين بلد وآخر هنا- تعني الليبرالية- أن تفعل الرأسمالية ما تشاء، وحيث تشاء بعد انهيار معسكر الدول الشمولية.

والحقيقة التي نقر بها: نجاح طغيان (حاكمية السوق) على كل أشكال المقاومة الايديولوجية القديمة. وتحت ظل سيطرة العولمة الرأسمالية برزت الرأسمالية الجديدة والتي تسعى الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية والخزانة الفيدرالية الأمريكية على فرض نموذجه على كل الدول، وجعل الموافقة عليها شرطاً لتقديم الاستثمارات إلى تلك البلدان. والمذهب الاقتصادي للرأسمالية الجديدة (توافق واشنطن) يقوم على: التقشف وخفض النفقات وخصخصة المنشآت، وتحرير الأسواق والتجارة والأسواق المالية وإزالة كافة العقبات التي تقف في وجه المنافسة والانضباط في الموازنات ويلعب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية دوراً اساسياً في الترويج للمذهب بكافة الأساليب والذي أخذت به الرأسمالية الجديدة في السودان.

إن العولمة الرأسمالية تتجاهل أوضاع الأفراد والمنشآت واستقلال الشعوب ونوع الأنظمة السياسية وتختزل الانتاج الاجتماعي إلى سلع وخدمات تغدو معها الحياة الاجتماعية هوامش للسوق لا يمكن الاستغناء عنها. وهي تشكل قطيعة اقتصادية وسياسية كبيرة حيث تضع المنشآت الاقتصادية والمواطنين أمام واقع مفروض هو "التكيف" ويعني الاستسلام لأوامر السوق المالية وبالطبع فان كل انتقاد يوجه لسياسات العولمة الرأسمالية يوصف بانه من أنواع (الجمود والتحجر).

الأمبريالية في الألفية الثالثة:

بعد انهيار الدولة السوفيتية عادت التناقضات الثانوية لتتجذر من جديد داخل أطراف الامبريالية، تلك التناقضات التي أفرزت حربين كونيتين، عادت لتتعمق أكثر فاكثر في شكل حروب اقليمية بتحالفات تعمق من الخلافات الثانوية بين تكتلات رأس المال المالي. وهذه الحروب تفرض شكلا للتطور الحقوقي الدولي، يضع اساساً لنظام اكثر ديمقراطية وعدالة. ورغماً عما يظهر في السطح من ان آلة الحرب الأمريكية قد انتصرت، فان نصرها في العراق (مثلاً) يشكل هزيمة على المدى الطويل. والبلدان التي انتقلت للتحالف السياسي وبالتالي التكامل الاقتصادي للسوق الأمبريالية نحو بناء القاعدة الصناعية، تدخل بقوة المنافسة مع ربيبتها الأمريكية وهذا يجعلها تدخل مرحلة الثورة الاجتماعية بوجود طبقة عاملة منظمة وفئات شعبية عريضة لديها مصلحة في مقاومة الامبريالية. وان النضال يكون بين الرأسمالية الوطنية المنتجة والشركات المتعددة الجنسيات التي تحاول ان تجعلها طفيلية مقابل رأس المال المالي الأمريكي وأهم ملامح انتقال الأزمة الرأسمالية العامة هو انهيار بورصات شرق آسيا في العقد الأخير.

عقيدة العولمة الرأسمالية

ان "توافق واشنطن" الذي أعدته شركات متعددة الجنسيات وبنوك في "وول ستريت" والبنك المركزي الأمريكي والمؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) يقوم على مبدئين: حكومة الحد الأدنى والأسواق الحرة.

ولعبت مجموعة الثماني دوراً كبيراً في فرض عقيدة العولمة الرأسمالية وقيادتها والسياسة التي توجه سياساتها ترتكز على الأنماط ثلاثية الأبعاد المتمثلة في الاستقرار والتحرير والخصخصة وتقوم هذه العقيدة على سبعة مبادئ هي:

1- النظام المالي (اقامة التوازن في الموازنات وخفض الاقتطاعات المالية).

2- التحرير المالي (معدلات فوائد تحددها فقط اسواق الرساميل).

3- التحرير التجاري (إلغاء أنظمة الحماية الجمركية).

4- فتح الاقتصادات كلياً على الاستثمارات المباشرة.

5- خصخصة مجمل المنشآت الاقتصادية.

6- إلغاء القيود (إزالة جميع العقبات في وجه المنافسة).

7- الحماية التامة لحقوق الملكية الفكرية الخاصة بالشركات المتعددة الجنسيات.

و"توافق واشنطن" هو مذهب اقتصادي ليبرالي لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي كانت تواجه معظم بلدان العالم سواء في المراكز الرأسمالية المتقدمة أم في البلدان المتخلفة ثم عملت الولايات المتحدة الامريكية على فرض النموذج الاقتصادي أي النيوليبرالي في اطار الترويج للعولمة، وبرامج التثبيت والتكيف الهيكلي وبرامج الاصلاح الاقتصادي على معظم بلدان العالم الثالث لكي تتبناه بوصفه نموذجاً اقتصادياً مفروضاً من قبل الرأسمال الاحتكاري الأمريكي مقابل تدفق الاستثمارات. ولعبت المؤسسات المالية الدولية دوراً رئيسياً في تقديم النصائح والتوصيات إلى بلدان العالم الثالث بهدف الانخراط في (نظام العولمة الرأسمالية المتوحشة).

مبادئ ليبرالية التكيف

أنشأ صندوق النقد الدولي نظام (التسهيلات من أجل تعزيز التسويات البنيوية FASR يقدم بموجبه قروضاً للبلدان النامية قليلة الدخل. ويطلب من البلدان التي تستفيد من قروضه الموافقة على (شروطه) والتزام التعاون معه (من أجل بلورة مشاريع محددة قابلة للقياس في مجال السياسة المالية) وعموماً يطرح صندوق النقد الدولي (ليبرالية التكيف) لكي تطبقها غالبية البلدان المتخلفة والتي تستمد قوتها من تطبيق ثمانية مبادئ هي:

أولاً: أنه يتعين على الدول المتخلفة البدء فوراً في تحسين المناخ العام للاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.

ثانياً: ابطال مفعول القوى السياسية القابلة للانفجار والتي غالباً ما يؤدي إليها نشاط الاستثمارات الأجنبية الخاصة.

ثالثاً: اتفاقيات ضمان وحماية الاستثمارات الأجنبية الخاصة التي تؤمن المستثمرين ضد مخاطر التأميم والمصادرة وفرض الحراسة وتكفل لهم تعويضاً ملائماً وحرية تحويل هذا التعويض إلى الدولة حينما تتعرض الاستثمارات الأجنبية لخطر تعديل أو تصفية نشاطها.

رابعاً: الامتيازات الضريبية التي تمنحها الدول النامية التي تعد في بعض الأحيان وسيلة مقيدة لحماية الشركات الأجنبية مؤقتاً من الأثر الكلي للنظام الضريبي.

خامساً: ضرورة العمل لتنفيذ دراسات اقتصادية لاكتشاف الفرص الاستثمارية في الدول المختلفة.

سادساً: ضرورة تطوير قوانين الشركات والاستثمار.

سابعاً: ضرورة السماح للشركات الأجنبية بالاقتراض من أسواق رأس المال المحلية.

ثامناً: تصفية القطاع العام ونزع مضمونه الاجتماعي.

عداء الامبريالية للديمقراطية

في حالة السعر التي اصابت الامبريالية لم تعد تحتمل وجود الديمقراطية الاجتماعية، فعداء الامبريالية للديمقراطية عداء فريد، فهي خرجت من احشاء الرأسمالية من خلال توافر الديمقراطية الاقتصادية التي ادت لسيطرة قطاع المال على الجهاز السياسي للدول الصناعية على حساب بقية الشرائح الرأسمالية، وحين بلغت مستويات تركيز رأس المال ما نشاهده اليوم صارت تعلم ان السلم الذي صعدت به واسع الدرجات، بحيث يصعد معه النضال الاجتماعي المضاد لموضوع التركيز المالي (القيمة الفائضة). وفي محاولاتها العنيدة لنفي نفسها عن الخروج عن قواعد اللعبة الديمقراطية، توفر الظروف لأزمة ثورية ستفتح افاقا جديدة للثورة الاجتماعية الصاعدة استجابة لمطالب السلام والعدالة الاجتماعية والفرص المتكافئة وبالتالي تفتح المزيد من الفرص للنضال السلمي الديمقراطي والذي كلما كان ديمقراطيا كلما عمق ازمة الامبريالية.

ولذلك فإن العقود الاخيرة من القرن العشرين شهدت صعود اجهزة المخابرات الامبريالية واستخدامها الواسع النطاق لكافة الاساليب المضادة لفرض الركود في بنية الدولة التي تركها الاستعمار في بلدان العالم الثالث واستخدام وسائل التخريب من الداخل حتى لمجرد الخط الوطني الاستقلالي المعادي للامبريالية، فقد ترك الاستعمار اجهزة امنية معادية لشعوبها ورثت عداء الشيوعية وعداء كافة التيارات الوطنية الاخرى ذات الاستقلالية النسبية عن الرأسمالية، او حتى تلك التي تعتقد بضرورة حماية الرأسمالية الوطنية المنتجة، كما انها كانت مركزية التخطيط مما سهل على الامبريالية ان تهيمن على كافة القطاعات الاقتصادية من خلال القروض والمنح مما ادى لتحول في مستويات التبعية.

فكلما كان القطاع معتمدا على التمويل الاجنبي (المصارف مثلا) او معتمدا على السوق الاجنبي (المنتجات الاولية) كانت اسواق الدول الاستعمارية هي سيدة الموقف في الدولة (المستقلة) ولم يكن السودان مختلفا عن بقية بلدان العالم الثالث ولكن كان الاعتقاد في (الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، الالفية الثانية) ووثيقة الشهيد القائد (حول البرنامج) ان السوق السوفيتية ستوفر السلع والمنتجات الرأسمالية مما يساعد التحول في بناء الدولة لصالح التنمية، لكن المساعدات الخارجية لدول الكتلة السوفيتية تركزت على عسكرة التنمية من خلال القوات المسلحة وجعلت المركزية اكثر عرضة للتحول نحو الشمولية بسبب الطبيعة النظامية للقوات المسلحة مما فرض تزمتا في خطوط العلاقة المتداخلة والمعقدة بين الخدمة المدنية والخدمة العسكرية وصار التنافس داخل اطراف الخدمة العامة هو اكثر التناقضات الثانوية في الدول النامية مدخلا لحصول الامبريالية على كرت ذهبي لممارسة فرق تسد.

ولذلك كانت معظم ديون بلدان العالم الثالث ناتجة عن شراء الاسلحة والاغذية في معظمها وهي سلع غير منتجة.

من اساليب الهيمنة الامبريالية:

تفرض المؤسسات المالية الدولية برامج اعادة الهيكلة التي تعني رخص اسعار المواد الاولية مقابل ارتفاع اسعار العملات الدولية والخدمات، وتزج اكثر من تسعين دولة فقيرة لشروط مجحفة اسهمت في توسيع الهوة بين الفقراء والاغنياء، بل صار الاغنياء في بعض البلدان فقراء لان ثرواتهم يمكن ان يفقدوها بين ليلة وضحاها او تنتقل من اياديهم لاخرين اكثر طفيلية وفق التعليمات الصادرة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والخزانة الامريكية، وتمكنت هذه المؤسسات من ان ترهن هذه الدول بديون يمكن القول بانها ابدية، والسودان واحد منها، حيث تعود للدائنين الغربيين اكثر من مائة مليون دولار يوميا ونتج عن ذلك ان اقل من بليون نسمة هم سكان تلك الدول المرابية يسيطرون على 80% من الثروة الانسانية.

ولقد جعل صندوق النقد الدولي من معادلة ربط النمو بنظام التصدير شرطا اساسيا لتقديم القروض الى البلدان المتخلفة التي انصاعت حكوماتها لهذه الاستراتيجية من دون اعتراض، وكانت نتيجة هذا الخيار القائم على اعطاء الافضلية للصادرات في خطط النمو كارثية بالنسبة للبلدان التي اذعنت حكوماتها لتوجيهات الصندوق في وقت تتراجع فيه اسعار المنتجات فوجدت نفسها مأخوذ ة في دوامة التصاعد المتزامن للديون والفقر (الارجنتين نموذجا).

التنظيم القوي المتميز بالوعي:

ان التناقضات الرأسمالية المرتكزة على الاجور والمنافسة تتطلب مواجهتها تنظيماً قوياً قادراً ويتميز بالوعي ليعمل على مركزة فوائد العمل، الا ان الواقع الراهن وفي ظل تبني معظم الشيوعيين السابقين ومعظم الاشتراكيين الديمقراطيية منطق السوق، وعقدهم اتفاقا تاريخيا مع (سلطة) رأس المال وتخليهم صراحة او بالالتفاف عن تصحيح مساوئ الرأسمالية وتحولهم في اتجاه الواقعية (!!) والاعتدال و(الليبرالية الاجتماعية) ازدادت سيطرة افكار الخصم من دعاة العولمة الرأسمالية وتفوق (نظامهم الايدولوجي) بشكل قوي.

والهدف الاول للعولمة الرأسمالية هو تصفية الحركة النقابية والعمل المخطط على اضعافها سواء في البلدان الرأسمالية او البلدان النامية، فالنقابات العمالية القوية هي التي تطرح كقوة طبيعية للبديل الحكومي في ظل عدم وجود بديل شرعي او بديل يساري ويعتبر ذلك مؤشرا على التبعية المتزايدة للاشتراكية امام اغراءات الليبرالية الجديدة.

النقايات العمالية في شرق وجنوب شرق اسيا ومناطق اخرى قادت الكفاح ضد العولمة الرأسمالية واثارها، ونتائج وصفات المؤسسات المالية الدولية وتضامنت مع القوى الشعبية المحلية المناهضة للعولمة ونجحت في اقامة روابط اقليمية ودولية كما سنوضح لاحقا الا ان اضعف المقاومات هي في اوروبا الشرقية، فشعوبها باثر السنوات الطويلة للحكم الشمولي القابض وعصا حلف وارسو فانها تملك القليل جدا من الخبرة الديمقراطية التي تستطيع من خلالها مقاومة العولمة الرأسمالية او تنظيم نفسها لمواجهة نماذج جديدة من الاضطهاد فاستبدلت (الحزب) الذي يعرف كل شئ امس (بخبراء السوق) الذين يعرفون كل شئ اليوم!!.

وضعف الحركة النقابية الحالي في السودان لا يعود فقط لفصل النقابيين المجربين وقانون النقابات السئ الصيت، فهناك تنظيمات نقابية (النقل النهري، الموانئ البحرية، الارصاد الجوي) وخلافها قاومت خصخصة منشآتها، وفي الواقع لم تجد عونا من اية تنظيمات ولا من اي حزب سياسي معارض، وانشغل النقابيون القدامى بقضايا اخرى وحتى عندما جعلوا من انفسهم مخططين لتنظيمات الاف المفصولين لم يحققوا اية منافع لاي فئة من المفصولين وحتى الفوائد القليلة التي حصل عليها بعض المفصولين لم تكن نتيجة تخطيط ونشاط النقابيين المجربين في قيادة اللجنة القومية للمفصولين، وغضوا الطرف عن ممارسة حقوقهم الدستورية واهدار الحقوق واتفاقية القاهرة بمفاهيم خاطئة، ان انفاذ الدستور والاتفاقيات هي مهمة الاحزاب والتنظيمات السياسية وتم ربط حركتهم بحركة القوى السياسية التي تتعارض برامجها الاقتصادية الحقيقية مع اهداف المفصولين وبالذات المسرحين بسبب العولمة الاقتصادية.

ففي ظل تبعية او سقوط وانهيار معظم الاحزاب الاشتراكية وامام سيطرة ايدولوجيا النيو ليبرالية اصبح على النقابات العمالية القيام بالجمع بين ثلاث مصالح متناقضة: المصالح الفئوية للطبقة العاملة، ومصالح رأس المال للنمو دون عقبات، والمصالح الوطنية العامة.

والنقابات في جمعها بين المتناقضات تعاني من التدمير وفقدان الحماية النقابية الى جانب انها منهكة ايدولوجيا وضعيفة اجتماعيا، وامام تحدي الثورة الليبرالية وهجومها الكاسح على جبهة العمل ضعفت القدرات النضالية للعديد من النقابات الكبيرة والشهيرة عالميا في الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وايطاليا.. الخ، وتحولت الى تشكيلات تحتكر قيادتها الارستقراطية العمالية والطبقات المتوسطة حتى وان ظلت مرتبطة بالعمال ولم تعد تملك في الحقيقة الا تاريخاً مجيداً حيث يمكن الاشارة الى دورها الطبقي عبر التاريخ في لحظات معينة، ونلاحظ اصرار بعض القيادات النقابية قبل 30 يونيو 1989م، على تمسك غريب بالنقابات الشرعية عمالية ومهنية من بعد عشرين سنة اختلف فيها كل شئ وطنيا واقليميا ودوليا.

والنقابات في الحقيقة منيت بالهزيمة امام العولمة الرأسمالية وضعف الرابط الذي كان يشد العمال الى الاشتراكية واصبحت النقابات بعيدة عن مطالب الشعب، ليس برغبتها ولكن بسبب انتشار الفقر والبطالة وضعف مقاومة المجتمع، والرأسماليون يزدادون ثراء والعمال يزدادون فقرا، هذا ما قاله الماركسيون قبل مائة عام، ويقوله الماركسيون اليوم ويضيفون اليه: ان العولمة الرأسمالية تطحن الناس طحنا وتدمر التماسك الاجتماعي تدميرا.

ضعف الدفاع عن الحقوق الكتسبة:

إن طرق الاستخدام الجديدة في السودان التي لم تثر اهتمام النقابات ولا الأحزاب والتنظيمات السياسية بما في ذلك الحزب الشيوعي (الرسمي) انتشرت في كل بلدان العالم الرأسمالي، الانهاء الكامل لما كان يطلق عليه الخدمة المستديمة أو التثبيت في العمل والذي حل محله العمل المؤقت وعقودات العمل محددة الأجل وكل أشكال الاستخدام الأخرى. وإن أول النتائج السالبة على ذلك هو تراجع النضالات العمالية وضعف النقابات وضعف الدفاع عن الحقوق المكتسبة التي هي حقوق جماعية استطاعت الطبقة العاملة الحصول عليها بتضحيات جسيمة. ان تكيف أنظمة عقود العمل محددة الأجل والعمل المؤقت والعمل الجزئي تنبثق من ذات ايديولوجية العولمة الرأسمالية. وفي معظم البلدان الرأسمالية أصبح عدد كبير من العاملين مجبرين على ترك اوضاعهم كعمال ثابتين، والتقدم باستقالاتهم (الطوعية) حتى يتم توظيفهم مرة أخرى ومباشرة بنظام العمل غير الثابت. وعلى ذلك تحولت عقود العمل محددة الأجل وعقود العمل المؤقت إلى وسائل عادية لإدارة اليد العاملة (مئات المنشآت الاقتصادية في السودان اتبعت هذا النظام، ليس في القطاع الخاص وحده بل أيضاً في الحكومة كمخدم بفصل مئات العمل من العاملين بالخدمة المستديمة وإعادة استخدام بعضهم بنظام النيوليبرالية..).

وفي ظل سيطرة النيوليبرالية تتعرض التعبئية الاجتماعية لاخطار حقيقية تتمثل في الطرد الاجباري من عالم العمل. إذ تلقى حق العمل ضربات موجعة جراء هذه التحولات فلم يعد العمال يمتلكون القدرة المبدئية لحرية الاختيار بل انهم مجبرون على القبول أو التسريح من العمل. وقاد هذا الوضع إلى ضعف النقابات وضعف المشاركة في العمل العام السياسي أو الاجتماعي وضعف ثقة العمال في النقابات وضعف ثقة المواطنين في الأحزاب والتنظيمات السياسية.

مواجهة الرأسمالية الجديدة المعولمة

من أساليب هيمنة العولمة الرأسمالية ممارسة كل ما هو مشروع وغير مشروع لتجميد الأحزاب الشيوعية، والأحزاب والتنظيمات الوطنية المعادية للامبريالية، وتسريع سيرها نحو اليمين، وتطويق الرأسمالية الوطنية المنتجة وتصفيتها وإحلال رأسمالية وطنية طفيلية في مكانها ونتيجة ذلك ارتفاع معدلات الفقر.

كما ان الامبريالية في مطلع الالفية صارت تكيل الضربات للتوجهات الديمقراطية من خلال وسيلتها القمعية والمالية ولكنها مواجهة باساليب نضالية متقدمة ابتدعتها الشعوب والنقابات العاملة أمكنها ان تمنع وتعرقل سير الامبريالية المضاد للديمقراطية الاجتماعية (فرنسا، البرازيل، فنزويلا)...الخ.

وعلى الرغم من أن العولمة الليبرالية تقتضي أولاً تسليط برنامج اقتصادي اجتماعي شديد اليمينية يعمق التفاوت الطبقي بامتياز داخل كل بلد ويعمق الهوة بين أقلية تملك كل شئ وملايين لا تملك شئياً إلا أن ذلك لا يعني أن تكون الدول عاجزة. والدولة تملك وسائل تدخل ضخمة فهي قادرة على تنفيذ تعاونيات، وتنظيم دفاع عن مصالحها، وتقديم الدعم للمزارعين. (فرنسا تقدم دعومات كبيرة للقطاعات الاستراتيجية الهامة اقتصادياً) وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي تدافع بشراسة عن العولمة الرأسمالية فانها تقدم الدعم المالي لشركاتها الكبيرة ضد المنافسة الدولية. ان لتحرير الاقتصاد وفتح الأسواق وتعديل النظام الضريبي نتائج وخيمة تضرب أية محاولة للنهوض وتخضع البلاد لهيمنة شركات أجنبية ووكلاء محليين. وإذا كانت الدول الاوروبية فتحت حدودها للانتقال الحر لرأس المال والسلع والأشخاص إلا انها حافظت على إغلاق حدودها في وجه (الجيوش والشرطة والقضاء) للدول المجاورة، والميادين الثلاث هي النواة الصلبة للسياسة الخارجية والدفاع تحت سيطرة الدولة.

ان لتحرير الاقتصاد وفتح الأسواق وتعديل النظام الضريبي نتائج سالبة تجعل البلاد خاضعة لهيمنة شركات أجنبية وتكون دولة تابعة. أما الوجه الثاني للعولمة الرأسمالية فهو تعزيز الخلافات الاثنية والطائفية والتوترات التي تنجم عنها. وان المزاعم القائلة بان العالم يتوحد وان أسوار الحماية تنهار أمام زحف راسمالية تقهر الأقوام والشعوب ليست صحيحة ويحدث العكس. ومن وجهة نظر العولمة الرأسمالية المدافعة عن حركة راس المال المتحرر من أية روابط قومية والذي يجب ان يستقر حيث تمليه المنافع الاقتصادية وعلى ذلك أصبحت الدول التي تدافع عن مفهوم السيادة الوطنية والحقوق الواسعة النقدية والضريبية المضادة لتطلعات الأسواق العالمية والشركات متعددة الجنسيات والحماية الاجتماعية للعمل هي دول متخلفة (!!)

نتابع مهمة الماركسية وقضايا الثورة السودانية في الألفية الثالثة في التوحد حول أنجع السبل لمواجهة الرأسمالية الجديدة المعولمة والأجندة العملية كتحد يواجه الماركسية في مسيرة الثورة السودانية.

No comments: