Wednesday, May 21, 2008

استراتيجية التمكين ديمقراطياً وقضية المفصولين

استراتيجية التمكين ديمقراطياً وقضية المفصولين

محمد علي خوجلي
المؤتمر (الجبهة العريضة للحركة الاسلامية) ينفذ استراتجية تمكين دولته ديمقراطياً حتى صنادق الاقتراع منذ فترة ليست بالقصيرة، من تكوين اللجان بالاحياء، متنوعة العضوية بما في ذلك معارضيه(!) مروراً بكثير من القضايا التي يقود وضع الحلول لها بطريقته انفاذا لخطط استراتيجيته.. وتنتج تلك الحلول دائماً، تعقيدات جديدة للآخرين وتربك خطواتهم ليتخلص من الحصار، خاصة بعد ان اقتناع القوى السياسية بالامتناع عن الاطاحة بالحكومة الحالية(!) لتطرح أخيراً شعار (تغيير شكل الحكومة). وعرضت قبل شهور نموذج انتخابات معاشيي الخدمة العامة بمحلية عطبرة والمآلات المتوقعة لقضية المفصولين واقامة المؤتمر الوطني للجنته المدافعة عن حقوق المفصولين بعيداً عن السياسة حتى لو كان الموضوع هو الفصل السياسي(!) وعدم الاكتفاء بتجزئة فئات المفصولين بل تجزئة انواع الفصل ايضا (اسموه تجربة تجزئة المفاوضات من مشاكوس حتى سرت) وما اختطته لضم او محو لجان المفصولين القائمة التي تحولت بارادتها الى جزء من الازمة بسبب احتكارية اتخاذ القرارات باسم جميع المفصولين داخل وخارج السودان، مدنيين وعسكريين وفي القطاعين العام والخاص (!) وان نموذج لجنة الحكومة الاولى 2005م المسكوت عنها ولجنة الحكومة الثانية 2007م واعتبارها كان لم تكن فضح ذلك الاحتكار وكشف تعدد الألسنة.
حلفاء المؤتمر الوطني من احزاب حكومة الوحدة الوطنية يساعدونه في تنفيذ خطته في قضية المفصولين بدلالة ان تقرير لجنة الادارة والعمل والحسبة بالمجلس الوطني القومي (الاب الشرعي للجنة الحكومة 2007م) نال موافقة القوى السياسية المختلفة داخل المجلس. وذلك التقرير وما تلاه رفضته لجنة للمفصولين اجتمعت في النهاية مع عباس الخضر وتحفظت عليه الاخرى وهي التي عقدت خمسة اجتماعات مع لجنة عباس الخضر ودافعت عنه لجنة المفصولين للجبهة العريضة للحركة الاسلامية.. واقتربت المسافات..
ان الحقيقة الهامة هي ان تقرير عباس الخضر لم يكن معبراً عن وجهة المؤتمر الوطني وحده بل احزاب حكومة الوحدة الوطنية والتجمع الوطني الديمقراطي كما ابان السيدان الطاهر الرفيق وعثمان عمر الشريف. والتقرير وتوصيات المجلس الوطني كرست نهائياً تجزئة فئات المفصولين وانواع ومسميات الفصل. لذلك لم يكن مفاجئاً اجازة المجلس الوطني للتقرير والتوصيات (بالاجماع) باستثناء فاروق ابوعيسى. يومها لم يجرؤ عضو واحد (معارض) او (ديمقراطي) تقديم اقتراح بتكوين (اللجنة المؤقتة)التي نصت عليها المادة 226(7)من الدستور القومي او جعل (اللجنة القومية) باتفاق القاهرة آلية للحل. الحقيقة ان (كل الكتل) اتفقت ليلة مناقشة التقرير على كل شيء.
ان لجنة مجلس الوزراء بالقرار 188- يوليو 2007- في الحقيقة انجزت مهامها قبل تكوينها.. انجزتها في ديسمبر 2005م بعد ان رفعت اللجنة الحكومية الاولى برئاسة الاستاذ عمر محمد صالح تقريرها بعد قرار تكوينها في 9 مايو 2005م بالقرار رقم 177 والتي ضم تشكيلها السادة: احمد الفكي وخالد ابو اجبر، وعثمان عبد الحليم ومحمد أحمد الطاهر وآخرين منهم مندوب لجهاز الامن ظل يعترض على أية توصية باعادة شيوعي ومن بينهم شيوعيين كان يعمل بوزارة الزراعة(!!) ونشرنا في يناير 2006م التوصيات المجحفة والمهينة لتلك اللجنة بجريدة (الأضواء) واوضحنا انه لها علاقة ايها باستعادة الحقوق ورد الاعتبار ولا يربطها رابط بإصلاح الخدمة المدنية والتي كانت:
*
الغاء مبدأ التعويض عن الفصل وأضراره ومعروف ان التعويض هو جوهر مفهوم جبر الضرر.
*
إعادة المفصولين الذين لم يبلغوا سن الخامسة والخمسين!.
*
ان تتم العودة في ذات الدرجة الوظيفية عند الفصل ولفترة ستة أشهر يتم اعادة النظر بعدها في أمر المفصول الذي أعيد استخدامه.
*
تحسين المعاشات للذين بلغوا الخامسة والخمسين واكثر من ضم السنوات قبل بلوغ الستين لسنوات المعاش.
*
اعتبار الفترة بين الفصل والاعادة او الاحالة للتقاعد مدة خدمة اعتبارية لاغراض فوائد ما بعد الخدمة.
وعلى الرغم من أن هذه المعالجات ظالمة وتشكل اهانة مجددة للمفصولين ومثيرة للاستهجان والاستنكار بتجاوزها لرد الاعتبار الذي يعلو كقيمة معنوية لدى المفصولين على كل الجوانب الاخرى. ووصفها ابوبكر الامين بانها (لا تزيل ظلما ولا تغسل صدراً ولا تشفي كبداً ولا تمحو ما علق بالنفوس العزيزة) الا انه لا لجان المفصولين ولا أي من القوى السياسية الداعمة لها اصدر بياناً او تصريحا صحافياً او اتجه نحو قواعده منبهاً بما هو متوقع ان يحيق بالمفصولين (فقط اشار محمد ابراهيم نقد لمسلك مندوب جهاز الأمن باللجنة محذراً)..
كما انه لا لجان المفصولين ولا القوى السياسية اثار انتباهها ان (لجنة شئون مجلس الوزراء في 2005م جاءت خارج الآليات المتفق عليها وهي (اللجنة المؤقتة) و(اللجنة القومية) بما يعني محاولة طمس انزال الدستور وانفاذ الاتفاقيات ولم تتدبر لغياب تمثيل المفصولين وهم الطرف المتضررمن تكوين لجنة 2005م، والتي كانت لجنة حكومية ومهنية لا سياسية. وهي الخصم والحكم. اذن فلا جديد في لجنة 2007م تكويناً او اختصاصاً او معالجات.
وفي الواقع فان لجنة عمر محمد صالح 2007م كان لها ذات اختصاص لجنته في 2005م بالنظر في حالات الفصل السياسي الظاهر (المرسوم الدستوري الثاني المادة 6(ج) بالاحالة للصالح العام او لصالح الخدمة او بانتهاء الخدمة بموجب التفويض الممنوح لحكام الاقاليم او الوزارء). او عندما تكون المادة 26(1) (ب) لغرض الاحالة لصالح الخدمة.
وبمقتضى المادة 6(ج) المذكورة مقروءة مع المادة 6(ب) من ذات المرسوم جاز لرئيس مجلس قيادة الثورة بحكم سلطة الطوارئ وكل جهة تعمل بتفويض راجع اليه، انهاء خدمة اي موظف عام مع حفظ حقوق ما بعد الخدمة (الحرمان من المكافاة والمعاش..الخ).
وفي 16 نوفمبر 1990م تم تعديل المرسوم ليصبح بموجبه امر منح او منع فوائد ما بعد الخدمة جوازياً بعد ان كان وجوبياً!.
ولسد الطريق نهائياً امام الحق في فوائد ما بعد الخدمة تم ادخال تعديل آخر على المرسوم الدستوري الثاني باضافة مادة جديدة وهي المادة 9(أ) والتي تقرأ:
(
لا يجوز للمحاكم ان تنظر بطريقة مباشرة او غير مباشرة في أي امر او قرار يصدر وفقاً لأحكام هذا المرسوم) وأصدر رئيس القضاء من بعد ذلك المنشور رقم (2) لسنة 1993م والذي نص:
(
لا يجوز للمحاكم ان تنظر بطريقة مباشرة او غير مباشرة في اعمال السيادة).
واستناداً على ذلك الواقع المرير وغيره كانت المطالبة بحق العودة وحق التعويض عن الأضرار التي لحقت بالعاملين بسبب المادة 6(ج) عند لجنة عمر محمد صالح 2007م التي اختصت بالنظر في ضحاياها. فهل وضعت اللجنة كل الظروف التي احاطت بتطبيق المادة 6(ج) أم اكتفت بالاطلاع على صورة قرار الفصل.
انني اعتقد ان اعتبار الفترة ما بين الفصل والاعادة او تحسين المعاش فترة (خدمة فعلية لاغراض فوائد ما بعد الخدمة) هو عقاب جديد والصحيح كما في تجربة ديوان شئون الخدمة اعتباره (مدة خدمة اعتبارية لاغراض فوائد ما بعد الخدمة) وان تتحمل الدولة جبر الضرر الناتج عن الاخطاء التي وقعت فيها الحكومة بسداد جاري المعاش او التأمين الاجتماعي لكل مفصول (حصة الحكومة وحصة المستخدم) فهي التي تسببت في حرمان المفصولين عن اجورهم ومرتباتهم بالفصل غير القانوني.
ان اجراءات اللجنة منافية للقانون وللوجدان السليم فاجراءات الفصل الخاطئة تقابلها مسئولية المخدم (والمخدم هنا الحكومة) في دفع جملة المرتبات والاجور في تاريخ الغاء الفصل وهنا تستطيع الحكومة الرجوع الى هؤلاء ومطالبتهم بسداد جاري المعاش او التأمين الاجتماعي.
ان المفصولين لم يطالبوا –حتى الآن – بمحاسبة او مساءلة الذين ارتكبوا الاخطاء بالفصل التعسفي والسياسي ومخالفة القانون بالحرمان من فوائد ما بعد الخدمة. لكنهم طالبوا فقط بالانصاف.
والحقيقة ايضاً انه ليس صحيحاً ان اللجنة الحكومية نظرت في حالات المدنيين دون العسكرين بل قامت بتجزئة المدنيين عندما استبعدت النظر في حالات:
القضاة والمستشارين بديوان النائم العام، والدبلوماسيين بوزارة الخارجية والمفصولين من المجلس الوطني وجعلت منهم جميعاً فئة ثالثة خارج حدود اختصاصها. وهذا تمييز سياسي، فالدبلوماسي بوزارة الخارجية المفصول بالمرسوم الدستوري الثاني 6(ج) ونائب رئيس اللجنة القومية للمفصولين سبق اعادته للخدمة سفيراً قبل تكوين اللجنة الحكومية 2007م، وبالطبع عبر تعيينه سياسياً.. وان من بين المفصولين سياسياً وبالمادة 6(ج) من تولوا ويتولون مواقع الوزراء ووزراء الدولة (مدنيين وعسكريين) بالاتفاقات التي هي سياسية. مثلما نجد مفصولاً بالغاء الوظيفة وهو يشغل منصب مستشار!..الخ فمتى يتم العدل بين الناس؟
ومعالجات لجنة 2007م تضمنت:
*
الغاء مبدأ التعويض عن الفصل واضراره.
*
عدم اعتبار فترة الابعاد عن الخدمة مدة عمل فعلية.
*
اعادة المفصول للدرجة الاعلى مباشرة لدرجته الوظيفية.
*
تكون الفترة من تاريخ الفصل وحتى تاريخ الاعادة او تحسين المعاش مدة خدمة فعلية فقط لاغراض فوائد ما بعد الخدمة.
*
بالنسبة لتحسين المعاش فان تاريخ ربط المعاش يكون هو تاريخ قرار التحسين او تاريخ بلوغ السن القانوني (او تاريخ حل الوحدة!!).
وتاريخ حل الوحدة امر جديد يفترض ان المفصول كانت ستنتهي خدماته بحل الوحدة اذا لم يكن فصل. وبذات الافتراض فان المفصول الذي يعاد تعيينه يكون مستحقاً للمرتبات والاجور قبل حل الوحدة ومنحه المزايا الاخرى.. ولذلك نقول ان اللجنة الحكومية هي الخصم والحكم ،وهذا يتنافى مع القانون.
ونذكر ان اجراءات اعادة تعيين المفصولين سياسياً او نقابياً او تعسفياً بالقرارين 118 و163 (مجلس الوزراء 1986م) كانت على النحو التالي:
*
اولا: التدرج:-
1-
يتم تدرج المفصول الذي اعيد تعيينه للخدمة للدرجة التي ترقى اليها زملاؤه الذين ترقوا معه في تاريخ واحد للدرجة التي فصل منها.
2-
بالرغم مما ورد اعلاه، ينظر في امر تحديد الدرجة المناسبة لاستيعاب ذلك المفصول الذي أعيد للخدمة اذا كان قد تحصل على مؤهل علمي رفيع خلال فترة فصله يتفق وطبيعة العمل الذي يؤديه حالياً.
ثانياً: المعاملة المعاشية:
أ/ تعتبر الفترة بين تاريخ الفصل وتاريخ اعادة التعيين مدة اعتبارية تحتسب لاغراض فوائد ما بعد الخدمة.
ب/ المفصولون الذين بلغوا السن القانونية للتقاعد في تاريخ لاحق لتاريخ فصلهم وسابق لتاريخ قرار مجلس الوزراء يتم تطبيق اسس التدرج الواردة في اولاً(1) اعلاه على حالاتهم وتضاف لهم سنوات الفصل حتى تاريخ بلوغهم السن القانونية وتتم تسوية استحقاقاتهم في فوائد ما بعد الخدمة وفقاً للمرتب الساري بموجب التدرج في تاريخ بلوغ السن القانونية للتقاعد.
ج/ شاغلوا الوظائف القيادية الذين لا يرغبون في العودة للعمل يطبق عليهم ما ورد بالبند ثانياً(ب) وتعاد تسوية استحقاقاتهم في فوائد ما بعد الخدمة.
د/ تتحمل الحكومة التزام المعاش كاملاً بمعنى ان يعفي المفصول من دفع مساهمته في المعاش بالاضافة الى التزامها المقرر في المعاش.
هـ/ يعفى المفصول الذي كان يعمل تحت قانون معاشات الخدمة العامة او قانون معاشات الجزيرة من رد اية مكافأة دفعت له عن خدمته السابقة او اي معاش تقاضه خلال فترة الفصل على ان يستثني من هذا الاجراء العاملون تحت احكام قوانين خاصة لفوائد ما بعد الخدمة مثل العاملين بالبنوك والهيئات والمؤسسات التي تطبق نظام البنوك في احتساب فوائد ما بعد الخدمة، فهؤلاء يتم احتساب فوائد ما بعد الخدمة لهم على السنوات التي يقضونها بالخدمة بعد تاريخ اعادة تعيينهم في الخدمة وان يعتبر اي استبدال تم صرفه للمفصول كجزء من الاستبدال اللاحق.
اجتماع اللجنة الحكومية بالمفصولين الذين تمت، في اعادتهم نوفمبر 2007م (حتى كتابة المقال لم يستلموا قرارات اعادتهم!!) أثاروا كل ما جاء في معالجات 1986م. والابتعاد الطويل عن الخدمة الذي رفعه ديوان شئون الخدمة لتسبيب الترقي لدرجة واحدة تدحضه حقائق التمييز الايجابي!. والتدريب والتأهيل وان هناك مفصولون اكستبوا خبرات وشهادات وكثيرون استمروا في اداء ذات وظائفهم او اخرى مشابهة..
ونلاحظ أخيراً ان اللجنة الحكومة لعام 2007م وضعت المفصولين بين خيارين: خيار العودة للعمل وخيار تحسين المعاش في حين ان اتقاقية القاهرة جعلت للمفصول ثلاث خيارات (العودة) او (التوفيق المرضي) او (التقاعد وتحسين المعاش) والتوفيق المرضي هو للمفصولين غير الراغبين في العودة ولم يبلغوا سن التقاعد القانوني. وبالطبع فانه لا علاقة بين اللجنة الحكومية 2007م واللجنة القومية اتفاقية القاهرة 2005م لا من حيث طبيعة التكوين او الاختصاصات او قوة القرارات. وتختص لجنة اتفاقية القاهرة بالنظر في:
1-
قضايا كل الذين احيلوا للصالح العام لاسباب سياسية في جميع اجهزة الدولة واتخاذ قرار بشأن كل حالة اما بارجاع كل من ثبت فصله سياسياً الى الخدمة او بالتوفيق المرضي لاوضاعه.
2-
رفع المظالم ورفع الضرر الناتج عن اي تجاوزات لحقوق الانسان او اي ممارسات مادية او معنوية سالبة.
لماذا لا تتمسك لجان المفصولين بآلية اتفاقية القاهرة؟
نواصل

No comments: