Saturday, May 31, 2008

مكاتب العمل المنهكة .. وحقوق العاملين المهدرة !! (2-2)

مكاتب العمل المنهكة .. وحقوق العاملين المهدرة !! (2-2)

محمد علي خوجلي

بيان العلاقات بين إدارات مكاتب العمل (موظفين ولائيين) ووزارة العمل القومية ضرورية وبالذات من ناحية التبعية (الفنية) إذا وجدت (!) . ومن العلاقات التي نص عليها قانون العمل (اللجنة القومية للقوى العاملة) والتي تختص بالآتي :
‌أ. تنسيق نشاط الأجهزة التنفيذية المختصة بالقوى العاملة وفقاً للسياسة العامة المقررة.
‌ب. القيام بالحصر والإحصاء المستمر للقوى العاملة ورفع كافة المعلومات والتوصيات لمجلس الوزراء القومي عن طريق وزير العمل القومي.
‌ج. الإشراف على تنفيذ برامج القوى العاملة المقررة بالصورة التي تتماشى مع خطط التنمية.
ومعلوم ان وكيل العمل وزارة العمل القومى يستطيع إصدار فتاوي تكون ملزمة للعاملين بمكاتب العمل والإدارات العامة (الولائية) كما أن ذات الإدارات الولائية ترفع تقارير وإحصائيات شهرية للوزارة القومية . لكننا نلاحظ في نفس الوقت أن وزارة العمل القومية خصت نفسها بإنشاء مكاتب الاستخدام (الخاصة) وكذلك مكاتب ووكالات استقدام العمالة الأجنبية . فالتصديق لأي شخص بفتح مكتب للاستخدام أو بممارسة أعمال الاستقدام عن طريق الوكالات من اختصاص (وزير العمل القومي) أو من يفوضه ولا يخفي أن هذا الأمر من السلطات الولائية بالجدول (ج) بالدستور القومي الانتقالي.
وعلى الرغم من أن استخدام الأجانب ليس من السلطات المشتركة ولا المتبقية بنص الدستور القومي الانتقالي لكننا نلاحظ أن وزير العمل القومي ووزارته يحتكرون تنفيذ قانون استخدام غير السودانيين متوقع الدمج في مشروع قانون العمل الإطاري . وبالرغم من وجود مفتشين (ولائيين) مسؤولين بمكاتب العمل عن متابعة تنفيذ الإجراءات المتعلقة باستخدام الأجانب لكنهم في الواقع (بلا عمل) بل تعوزهم معرفة المعلومات الأساسية عن إعداد وأذونات عمل وأماكن عمل الأجانب في دوائر اختصاصهم (!) ومكاتب العمل بولاية الخرطوم تتعرف على العامل الأجبني – لأول مرة – في حالة ظهور ذلك العامل أمام المكتب مطالباً باستحقاقات له أو بسبب نشوء نزاع.
ومن جهة أخرى فإن سلطات الوالي على مكاتب العمل (مفتوحة) إدارياً وفنياً ونأخذ المثال العملي التالي من ولاية النيل الأبيض وما قرره الوالي بشأن إيقاف ثم إلغاء أمر صادر من مكتب عمل كنانة (مع ملاحظة أن والي النيل الأبيض صحح الموقف بالقرار رقم 25 الذي ألغى بموجبه قراره بإلغاء أمر مكتب العمل) وتمسكنا بالمثال أن العمال الذين أتى الأمر لصالحهم لا يزالون في انتظار قرار (المراجعة) من المحكمة العليا القومية (وموضوع استعادة الحقوق عن طريق التقاضي موضوع آخر هام واجب العرض) ونأخذ تفاصيل موجزة للمثال :
في ديسمبر 2006 قدم حوالي 637 من العاملين المفصولين من شركة سكر كنانة شكاوي لمكاتب العمل يطالبون فيها باستحقاقاتهم والتي تمثلت في : فروقات العلاوة السنوية والاتفاقيات الجماعية والهيكل الراتبي منذ 1992 . وأجرى مكتب العمل التحريات والتحقيقات اللازمة لسبعة شهور وأصدر قراراً باستحقاق 527 عاملاً وحدد المبلغ بعد فحص كل المستندات المؤيدة لشكاوي العمال وكان القرار كالتالي :
1.
أن الشاكين يعملون في وظائف مختلفة بالشركة وأصحاب حقوق لمرتبات مختلفة ودرجات وظيفية مختلفة . وعلى الشركة دفع العلاوة السنوية والبالغ قدرها 5% حيث أنها قامت بتطبيقها خطأ ومخالفة للقانون ونفذتها على المرتب المدخل الأول (المرتب الابتدائي) دون غلاء المعيشة منذ 1992.
2.
طبقت المشكو ضدها (شركة كنانة) الاتفاقيات الجماعية بطريقة خاطئة وغير سليمة حيث أنها لم تراع الشرائح المرفقة بجداول الأجور .
3.
أصبحت هناك فروقات ناتجة عن التطبيق الخاطيء (35 شهراً حيث أصبح حقاً مكتسباً بعد تعديل المرتب الجديد) .
4.
يستحق العمال الفروقات عن تعويض الفصل التعسفي والفروقات في المكافأة.
وجاء قرار مكتب العمل بتاريخ 4/3/2007 أنه ووفقاً لأحكام الحد الأدنى من الأجور لسنة 1974 يتم تطبيق العلاوة السنوية للشاكين بنسبة 5% من المرتب زائداً غلاء المعيشة اعتباراً من العام 1992 وحتى العام 2002.
ومنح مكتب العمل إدارة الشركة فترة شهر لتنفيذ القرار لكثرة عدد العمال (بالقانون أسبوعين) والنقطة التي تهمنا أن مكتب والي ولاية النيل الأبيض أصدر القرار رقم (10) (د. محمد نور الله التجاني) والذي قضى بإيقاف قرار مكتب العمل (الصفية) ودراسة النزاع من جديد وتكوين لجنة للفصل في النزاع والتي ضمت عضويتها : وزير الحكم المحلي ومستشار الوالي للإدارة القانونية ورئيس اتحاد عمال الولاية ومدير إدارة العمل وممثل جهاز الأمن الوطني . واستند القرار على دستور الولاية في المادة 26 – 1 – 2 والتي تنص :
أن الوالي يمثل سلطات الولاية وضمان حسن إدارتها وصيانة أمن الولاية وحماية سلامتها ومراعاة حقوق مواطنيها.
وفي نهاية المهلة التي حددها مكتب العمل للشركة أصدر الوالي قراراً آخر ألغى بموجبة قرار مكتب العمل لإدارة الشركة بدفع مستحقات العاملين أو جدولة دفعها . أما التي كونها الوالي فقد أقرت – كما مكتب العمل – بكل مستحقات العاملين . ولكن قبل رفع اللجنة تقريرها وتوصياتها للوالي أصدر الواليكما جاء قراراً شفوياً بحل اللجنة وطلب تسليم كل الأوراق المتعلقة بالقضية لأمانة الحكومة.
ولا اعتقد أن هناك علاقة من قريب أو بعيد بين النص الدستوري الولائي وقرار مكتب العمل القاضي بدفع استحقاقات العاملين المفصولين من شركة سكر كنانة . ولم افهم كيف يتأثر (أمن الولاية) و(سلامة الولاية) بسبب معالجة أخطاء إدارية وقعت فيها إدارة شركة سكر كنانة بالتطبيق الخاطيء للعلاوة السنوية والاتفاقيات الجماعية والاتفاقية الثلاثية . وقرارات مكاتب العمل (شبه قضائية) وتستند على قانون العمل والقوانين العمالية الأخرى وإصدار الوالي قراراً بوقفها أو إلغائها يتعارض مع الدستور القومي الانتقالي ودستو ولاية النيل الأبيض (المساواة أمام القانون) .
كما أن قرارات الوالي تتعارض مع قانون العمل الذي ينظم طرق التظلم والاستئناف لقرارات مكاتب العمل والتي تم الاحتكام إليها أخيراً ، ويهمنا هنا أن والي النيل الأبيض جعل له ولاية (فنية) و(قانونية) إلى جانب ولايته الإدارية . مثلما جعل الوزير القومي للعمل في الخرطوم له ولاية (تنفيذية) و(إدارية) إلى جانب ولايته التخطيطية . وكل ذلك يوهن مكاتب العمل ويضعف ثقة العمال في آليات تنفيذ قانون العمل ونتيجة ذلك هي الإخلال بالسلام الاجتماعي وبحث العمال عن آليات أخرى لاستعادة حقوقهم.
وفي ولاية الخرطوم حدث أمر مشابه وله علاقة بالموضوع وهو :
تقدم عدد من العاملين بجريدة الأضواء بشكاوي إلى مكتب عمل الخرطوم مطالبين بصرف مرتباتهم المتأخرة والتي أمر المكتب في معظم الحالات بعد إجراء التحريات بدفعها كما امتنعت الإدارة في عدد من الحالات بعدم الدفع وتم الانتقال إلى محكمة العمل ثم محكمة الاستئناف .. الخ ما هو معلوم .
وخلال ذلك تقدمت إدارة الشركة التي تصدر الأضواء بطلب لمكتب العمل للموافقة على فصل عاملين بالصحيفة بسبب (الإضراب عن العمل) وقام مكتب العمل بإجراء التحقيقات والتحريات اللازمة وقرر رفض الموافقة على طلب الفصل باعتبار أن المخدم هو الذي أخل – أولاً – بالتزاماته التعاقدية بعدم دفع المرتبات.
المهم أن إدارة الشركة بدلاً من استنئاف القرار أمام محكمة العمل رفعت تظلماً لوالي ولاية الخرطوم كرئيس لهؤلاء الموظفين (!) وكيف أن مكتب العمل رفض الموافقة على فصل صحفيين أضربوا عن العمل دون إخطار .. الخ.
لكن موقف والي الخرطوم كان متسقاً مع القانون ومتطابقاً مع ما توصل إليه مكتب عمل الخرطوم وكان ذلك من حسن الطالع وإلا كان تكراراً لموقف والي النيل الأبيض ..
إن العاملين بإدارات العمل الولائية لهم السلطة في زيارة المنشآت في أي وقت من الأوقات للقيام بمهام التفتيش أو التحقيق أو فحص المستندات والسجلات التي لها علاقة بالعاملين وطلب البيانات اللازمة عنهم من أصحاب الأعمال . ومعروف أن نصوص قانون العمل هي قواعد آمرة باعتبارها من النظام العام والإدارات في مكاتب العمل من واجباتها تنفيذ القانون بالنسبة إلى (تفتيش العمل) و(تفتيش السلامة والصحة المهنية) و(تفتيش العمالة الأجنبية) و(تفتيش بيئة العمل) وتنفيذ سياسات الاستخدام أو ما تقرره اللجان المتخصصة الولائية حتى تتمكن مكاتب العمل من الوصول للمخالفات بدلاً من تلقيها لها من العمال في المكاتب .
وبالإضافة إلى كل ما ذكر من واجبات مكاتب العمل الولائية في إنفاذ قانون العمل فإن قانون العمل يلزم إدارات تلك المكاتب بالمشاركة الإيجابية في عدد من اللجان ومن ذلك :
*
لجنة القوة العاملة الولائية والتي من مهامها الحصر والإحصاء المستمر للقوى العاملة والإشراف على تنفيذ برامج القوى العاملة.
*
لجان تحديد شروط خدمة الأحداث بالصناعات والمهن.
*
لجان النظر والتوصية في طلبات إغلاق المنشآت وطلبات خفض العمالة لأسباب اقتصادية أو فنية أو تقنية ..
*
اللجنة الولائية الاستشارية لشؤون الأمن الصناعي.
*
مجلس علاقات العمل الولائي والذي يضع السياسة العامة لعلاقات العمل والإشراف على تنفيذها والمساعدة في تنظيم علاقات العمل وإجراء الدراسات وتقديم التوصيات في مجالات علاقات العمل.
وعلى ذلك فإن أوضاع مكاتب العمل بولاية الخرطوم وأعداد العاملين بها وتأهيلهم وتدريبهم وتوفير معينات العمل لهم هي من واجبات والي الخرطوم وحكومته ولا علاقة لوزير العمل القومي أو وزير المالية القومي بهذا الأمر . وأن ظروف البلاد الجديدة وقانون العمل الجديد الذي اشتمل على كل القوانين العمالية يقتضي ليس فقط مضاعفة أعداد العاملين الحاليين بمكاتب العمل والنظر في ترقياتهم ومشاكلهم . بل أيضاً الانتباه لضم خريجين من كافة التخصصات وكوادر من الفنيين بما يخدم تنفيذ القانون الذي اتسعت وتعددت مجالات تغطيته.
ونهتم بولاية الخرطوم بسبب كثافة المنشآت وأعداد العاملين الكبيرة في كل القطاعات ، وعندما نأخذ مكاتبها نموذجاً نجد أن الإداريين والمفتشين على كافة المستويات أقل من خمسين (عاملاً) 30% منهم من المفترض أن تكون وظائفهم إشرافية وذات علاقة بالتخطيط والسياسات والإحصائيات واللجان الولائية .. الخ في حين أن المفتشين المباشرين للعمل هم في حدود 35 مفتشاً ولعدة سنوات لم تجر تعيينات للمفتشين وكان آخرها قبل حوالي أربعة سنوات لثلاث مفتشين (امن صناعي) ترك العمل اثنان وتبقى واحد (!) وهذا طبيعي فآخر ترقيات للجامعيين من مفتشي العمل بالولاية تمت في 1994 (فقط مضى عليها ثلاثة عشر عاماًَ !!) أما الذين يجتهدون ويحصلون على نتائج جيدة في الدراسات العليا في مواضيع تتعلق بطبيعة وظائفهم فإنهم لا يحصدون شيئاً ..
وعلى هؤلاء مواجهة وحسم آلاف الشكاوي .. وخلال العام الواحد تتلقى المكاتب أكثر من اثنين وعشرين ألف حالة ، منها على الأقل سبعة عشر ألف حالة من النزاعات الفردية ثم الحالات الأخرى ذات العلاقة بالأمن الصناعي وإصابات العمل والشكاوي الجماعية . ومطلوب منهم من بعد كل ذلك المثول أمام المحاكم للإدلاء بشهاداتهم وتفتيش العمل وتفتيش الأمن الصناعي .. الخ ويواجهون المشكلات الجديدة والنزاعات الجديدة استناداً على خبراتهم فقط ومن ذلك (العمل الجزئي) و(العمل المؤقت) و(العمل في أكثر من منشأة بعقد في كل منشأة) . ونزاعات العمال (الصيادلة) والعمال (الأطباء) والعمال (الفنيين) بعد انتشار المستشفيات ومراكز العلاج والصيدليات (الخاصة) و(الخيرية) !!!
إن تمادي الرأسمالية الجديدة في اضطهاد العمال وانتهاك حقوقهم القانونية على مستوى العالم يجري أيضاً في بلادنا تحت ظروف استبداد حزب المؤتمر الوطني الحاكم وهيمنته على كافة أوجه الحياة فيفقد العمال حرياتهم النقابية ويفقد النقابيون الحماية النقابية .. وفي بلد تستشري فيه البطالة فإنه من الطبيعي أن يتم استغلال العاملين لأقصى الدرجات ومع تخلي النقابات عن واجباتها في مساندة عضويتها يتصاعد انتهاك حقوق العمال المنظم من قبل الحكومات ومعظم أصحاب الأعمال وعلى مرأى ومسمع من وزارة العمل ومكاتب العمل المنهكة .
وحديث المحترفين من السياسيين عن (قومية الخدمة المدنية) يكون خداعاً للذات في غياب القوانين الديموقراطية ودون مراجعة شاغلي الوظائف الحاليين . وقانون العمل الذي يتم تنفيذه بلا تمييز أو تدخل من السلطات الحاكمة في مستويات الحكم المختلفة يحتاج إلى آليات قادرة على تنفيذه إذا كان من أهدافنا السلام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية.

No comments: