Monday, May 26, 2008

التحالفات المؤقتة واللجان الثنائية .. بديل العمل الجماهيري (2-4(

التحالفات المؤقتة واللجان الثنائية .. بديل العمل الجماهيري (2-(4

محمد علي خوجلي

القوى السياسية في الساحة السياسية السودانية ترى ان العلاج الناجع لمشاكل السودان وسيلته (عقد المؤتمر الجامع) وليس المؤتمر الدستوري لتحويل الاتفاقيات الثنائية الى اتفاق قومي واحد، وان التجربة اثبتت ان الحلول الجزئية والاتفاقيات الثنائية لن تحل مشاكل الازمة الوطنية الشاملة والتي تحتاج الى حلول شاملة يشارك في وضعها كل الاطراف، اي جميع القوى السياسية (الكبيرة والصغيرة) فيكون من الطبيعي ان يسود مفهوم قيام الاحزاب والتنظيمات السياسية بمراجعة مواقفها وعلاقاتها السياسية بما يساعد في تحقيق ايجاد الرؤية الموحدة، من بين الواقع الراهن، لاخراج البلاد من ازمتها الوطنية الشاملة.
ما يحدث الان ان بعض القوى السياسية قررت قياداتها العودة مرة اخرى الى منهج (اللجان الثنائية) والاتفاقيات الثنائية تحت ستار التمهيد للمؤتمر الجامع (ولم تشاور تلك القيادات عضويتها ولا حلفاءها !!) بل وحصارها للمؤتمر الوطني، ومنه الحصار الاعلامي عندما يتأخر في تسمية ممثليه في اللجنة الثنائية، ومثالنا العملي (اللجنة السداسية) بين قيادة الحزب الشيوعي ونصف حزب الحركة الاسلامية الحاكم والتي اتفق على تكوينها في 12/12/2007م، اي قبل شهرين فقط.
ومعروف ان قيادة الحزب الشيوعي قامت بتسمية ممثليها بعد 48 ساعة فقط حيث ترى تلك القيادة (جريدة الخرطوم 29/1/2008م) ان اعتراف المؤتمر الوطني بفشله في حل مشاكل البلاد واستعداده للحوار مع (كل) القوى السياسية من اجل ايجاد حلول لتلك المشاكل بجانب ازالة القوانين المقيدة للحريات يمثل (ضمانة جدية) للحوار الذي يسعى المؤتمر الوطني لادارته مع القوى السياسية .. وفي 4/1/2008م، اعلن انه سيتم اجتماع اللجنة السداسية وان المؤتمر الوطني قام بتسمية ممثلية في اللجنة، وجاء في جريدة (الميدان) يوم 8/1/2008م، ان الحزب الشيوعي قام بتحديد من يمثلونه في اللجنة السداسية وان المؤتمر الوطني لم يسم عضويته في اللجنة وفي يوم 9/1/2008م، حل المؤتمر الوطني اللجنة على ان تسمى لجنة اخرى خلال (يومين) نتيجة للتغييرات الهيكلية بالمؤتمر الوطني وذلك قبل مباشرة اللجنة السداسية لمهامها.
وانتقدت قيادة الحزب الشيوعي (جريدة السوداني 10/1/2008م) تباطؤ المؤتمر الوطني تسمية ممثليه في اللجنة السداسية، وان المؤتمر الوطني يلجأ للقوى السياسية عند الازمات ويتباطأ عند تنفيذ الجوانب العملية (لاحظ في نفس الوقت شرحت قيادة الحزب الشيوعي ضمانة جدية حوارها مع المؤتمر الوطني) وثم كان ما هو معلوم من تعليق الاجتماع وحتى زيارة البروفيسور غندور لمركز الحزب الشيوعي (لتلطيف) الاجواء..
وعند انتقاد تباطؤ المؤتمر الوطني في تسمية ممثليه في اللجنة السداسية ثم الاستدلال باللجنة العشرية بين التجمع الوطني والحكومة التي لم تسم ممثليها منذ العام 2005م, وهو استدلال غريب ومعكوس (!) وهذا ينقلنا لمسلك (غريب وفظيع) ايضا يجب التوقف عنده، فبالرغم من ان اللجان المشتركة بين الحكومة والتجمع الوطني لم تنعقد يوما بل لم يكتمل تكوينها منذ عام 2005م، وبالرغم من ان الحكومة لا تتعرض لهذا الاتفاق من قريب او بعيد ولم تعد تذكر منه شيئا (!) الا ان بعض قيادات التجمع ولاكثر من ثلاثين مرة اعلنت عن (قرب) ذلك الانعقاد ولا اعتقد ان سبب هذا المسلك هو (خداع الذات) ولكن هدفه الوحيد (اعتقال) حركة الجماهير وجعل اللجان التي هي محصورة في بعض القيادات بديلا للعمل الجماهيري والمرة قبل الاخيرة التي جاء فيها (تحذير او اعتقال) حركة الجماهير، والتي تزامنت مع قيام لجنة مجلس الوزراء الخاصة بالنظر في حالات بعض المفصولين سياسيا وهي من النقاط (المتفق) عليها وعلى الية تنفيذها بين التجمع والحكومة، بقرب انعقاد اللجان المشتركة كان بجريدة الميدان في 24 يوليو 2007م.
ان اللجان المشتركة بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي المتعلقة بتنفيذ اتفاق القاهرة (اتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل) ستبدأ اعمالها خلال (يومين) بغرض اعداد التوصيات والمقترحات التي تضمن تنزيل الاتفاق لارض الواقع.. الخ. وبالطبع فان بديل العمل الجماهيري وبديل انعقاد اللجان سيكون البيانات والتصريحات الصحفية والنداءات والمذكرات للجهات المسؤولة للمؤتمر الوطني الذي يقود الساحة السياسية السودانية وحده، هذا المسلك الغريب والفظيع والمتكرر لعشرات المرات يتطابق مع استراتيجية نصف حزب الحركة الاسلامية شريحة الرأسمالية الجديدة في الحكم.
ولان الجمهور سئم اخبار (عقد العزم) على تكوين اللجان وتسمية الممثلين، فان المعارضة الرسمية وبالطبع المقصود قياداتها، في الفترة الاخيرة، تحاول اقناع الناس بمتغيرات طالت الحزب الحاكم اطلق عليها (الجدية او ضمانة الجدية) كما عرضت.
فجاء في نهاية خبر جريدة (الميدان) الذي اشرت اليه: ان وفد التجمع الوطني الذي فاوض الحكومة اكد على (جديتها) في تنفيذ الاتفاق على ان تنتهي اللجان من اعمالها خلال شهر بعد ان تنعقد بعد (يومين) وكان ذلك في يوليو 2007م.
وكما تتحدث احزاب التجمع الوطني عن (الجدية) فان قيادة حزب الامة القومي تسير في ذات اتجاه تأكيد الجدية وتزيد على ذلك امرين خطيرين (دلالة الشفافية) وهما ان نقد او معارضة اللجان الثنائية قد يرقي لدرجة (الخيانة العظمى) وانه يجب تفضيل (الغرف) على (الشارع) اي تفضيل حوار القيادات المغلق على العمل الجماهيري ففي المؤتمر الصحفي للامام الصادق (9 يناير 2008م) قال: ان الحوار الوطني الذي يدور الان يمكن ان يشكل خارطة طريق للملتقى الجامع وان الجميع يدركون، ان هناك مشاكل تستهدف السودان كالتشظي والتدويل والجميع يدركون ان الحماية والوقاية ضدها هي الوحدة الوطنية باعتبار انه كلما زاد الاختلاف الوطني زاد التشظي والذي يقرر الان ان السودان يكون او لا يكون.
وان كل من له (ذرة من الوطنية) لا بد ان يهرع لنجدة وطنه لان حسم الصراع في (الغرف) افضل من حسمه في (ميادين القتال) او (الشارع) واكد الامام الصادق ان مستوى الجدية عند المؤتمر الوطني اصبح اعلى من اي وقت مضى.
ومعلوم انه مع اعلان هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بتفكيك سلطة الانقاذ بالتفاوض فان تيارات داخل بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية (المعارضة) بدأت الزحف اقترابا من المؤتمر الوطني او (الالتصاق) به سرا وعلانية وشكلت بعضها في ما بعد منظومة احزاب حكومة الوحدة الوطنية، والملاحظة الهامة ان شريحة الرأسمالية الجديدة في السلطة السياسية اعتمدت في الممارسة على التعاون الوثيق مع تلك التيارات في اطار تقوية الجبهة الواسعة التي قلبها (الحركة الاسلامية) وتعديل شكل الحكومة واجهزتها لتفادي وصفها بحكومة الجبهة القومية الاسلامية لكنها لم تتجه ابدا لتقوية احزاب تلك التيارات، ومن اهم المكاسب التي احرزها المؤتمر الوطني في السياسة العملية في علاقاته السياسية مع تلك التيارات التأكيد على قيادته للساحة السياسية السودانية ويكفي ان اي حزب من احزاب تلك المنظومة لم يباشر يوما عملا مستقلا بين الجماهير.
وقيادة المؤتمر الوطني للساحة السياسية السودانية (مبدأ) لم يفرط فيه عبر جميع اتفاقياته الثنائية او الجزئية التي ابرمها سواء مع (المعارضة) او (الحلفاء والاصدقاء) ونلاحظ ذلك في مجمل النشاط، وارجو ان نتذكر الموكب الذي دعا له اتحاد المحامين، واتحاد العمل وتنظيمات اخرى المناهض للسياسة الامريكية مع العدوان على العراق صباح يوم .. وعندما خرج شباب من الخرطوم وطلاب جامعات من بعد ظهر نفس اليوم احتجاجا على العدوان الامريكي استعملت القوة لتفريقهم.. ان المؤتمر الوطني في سبيل تكريس قيادة الساحة السياسية يمكن ان يضرب مظاهرات شعارها واحد (سير سير يا بشير) بالرصاص لانه لم يقررها !.
لذلك يتصدى المؤتمر الوطني لتعديل القوانين التي صاغها والغاء الفصل للصالح العام او لصالح الخدمة، ويعالج بنفسه قضية بعض المفصولين سياسيا الى اخر فهل يكون غريبا ان يتحكم في مسار اللجان الثنائية مع بعض الاحزاب السياسية المعارضة؟ وهل تستطيع قيادات الاحزاب اطراف اللجان الحديث عن عدم جدية المؤتمر الوطني في تلك الحوارات؟ انهم يسلمون تسليما.
وبسبب التفاهم القوي بين المؤتمر الوطني وتيارات الاشباه في الاحزاب والتنظيمات السياسية والتي لها اساسها المادي فقد تزايدت طلبات تلك التيارات للاندماج في المؤتمر الوطني: تيارات من الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الامة القومي الجديد والتنظيم السياسي للمايويين واخرين وفي مايو 2007م، وقع المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي المسجل اتفاق شراكة استراتيجية لتعزيز العلاقة بين الطرفين ودعم التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والعمل المشترك لتوحيد الصف الوطني وترسيخ ثقافة الشورى والديمقراطية.
اما بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية خارج السلطة السياسية الفعلية فانها اتجهت نحو اللجان الثنائية، وقد عرضت في الجزئية الاولى من المقال طلب (توسيع الحوار) الذي رفعه واحد من قيادات (التضامن الديمقراطي المتحد) من قبل ميلاده!، واشير هنا الى ترحيب الحزب الاتحادي (جزء من تيار المرجعيات) بالحوار مع المؤتمر الوطني لجهة التشاور في كل ما يجمع الصف الوطني، واستهجن الجزء من تيار المرجعيات اصوات بعض القيادات من التيارات الاخرى التي تعارض اللجنة الثنائية مع المؤتمر الوطني بأن تفكيرها هو (سباحة عكس التيار) وان الحوار الثنائي والتفاوض مع المؤتمر الوطني ليس جديدا وظل يتم لعدة سنوات بما يعني ان هذا الجزء من تيار المرجعيات يسلم بقيادة المؤتمر الوطني للساحة السياسية السودانية، ونذكر ان اتفاق التصالح بين التجمع الوطني والحكومة في 2003م، (اتفاق جدة) كان نتيجة لجنة ثنائية، فاوض فيها تيار المرجعيات باسم التجمع فيما عرف وقتها بمسألة التفويض (فوضت هيئة القيادة الميرغني وفوض الميرغني تياره) والمؤتمر الوطني باسم حكومة السودان.
ان مباشرة الحركة الشعبية التفاوض بانفراد (منبر الجنوب) كان تفاوضا قويا ترك اثره في تاريخ السودان المعارض وذلك التفاوض الثنائي هو الذي فتح ابواب اللجنة الثنائية والاتفاقيات الثنائية والجزئية في منبر دارفور، ومنبر الشرق، ولذلك فان بعض قادة التجمع الوطني وصفوا اتفاقية المصالحة الوطنية والسلام الشامل عام 2005م، بانها اتفاقية كل السودان.
ومن تعقيدات الاتفاقيات الثنائية والجزئية، من حيث المكونات، من بعد اتفاقية نيفاشا انتقال الحركة الشعبية كجزء من جسم المعارضة، الى شراكة المؤتمر الوطني بالاتفاقية كجزء من جسم الحكومة، لكن الحركة الشعبية لم يكن يقلقها واقع مكونات هذا الجسم او ذاك حيث ان فكرتها المركزية هي تجميع (كل السودانيين) وكما عبر د. قرنق (جميع السودانيين على مختلف انتماءاتهم الايدولوجية والجغرافية) باعتبار انه لا يمكن ان يكون هناك سلام في جنوب السودان بينما توجد حرب في دارفور او في شرق السودان، واتفقت الحركة الشعبية بذلك مع اصوات الشمال معظمها خارج الاحزاب والتنظيمات السياسية وهذه نقطة هامة يجب ان تنتبه لها الحركة الشعبية والتي نادت من بعد اتفاق ميشاكوس الاطاري باقامة جبهة عريضة للسلام والديمقراطية والوحدة، اي تجميع السودانيين وهي العبارة الاكثر دقة، وتجميع السودانيين امر مختلف عن تحالف الاحزاب والتنظيمات السياسية، لانفاذ اتفاقيات السلام وايجاد الحلول السودانية للمشاكل التي تواجهها البلاد، ولم تتطور الفكرة لان الاحزاب السياسية وقتها لم تستوعب العمل المشترك مع المؤتمر الوطني.
ومن بعد ذلك حاولت بعض احزاب وتنظيمات تجسيد الفكرة في ملتقى السلام السوداني والذي اريد له ان يكون اطارا تنظيميا معارضا يجمع الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية والطلابية، والنسائية وشخصيات وطنية باعتباره تحالفا استراتيجيا من اجل السلام والديمقراطية والتنمية والوحدة وفقا لما اتفق عليه في وثيقة السلام السودانية والوثائق الاخرى، ولم يكن الملتقى بالضرورة مهتما بتجميع كل السودانيين ووجد معوقات من بعض ذات قيادات الاحزاب السياسية المعارضة، وتواصل نشاطه بعيدا عن (العمل الجماهيري) حتى سلم الرأية للتحالف القومي.
وجدير بالذكر ان المرحوم د. فاروق كدودة كان من اشد فرسان الملتقى وكانت الصحف اليومية تطلق عليه صفة عضو اللجنة المركزية، وكلما نفى ذلك عادوا لتأكيده وظن كثيرون ان نفي كدودة لعضوية اللجنة المركزية من اساليب العمل المركزي، ولم يصدقوا الا بعد ان اختاره الله الى جواره فاكتشفوا جميعا انه كان فقط (رئيس لجنة) وجاء انه استقال من عضويتها قبل الرحيل وهذا موضوع اخر.
ان نقد احزاب وتنظيمات سياسية للاتفاقيات الثنائية ثم ممارستها ذات المنهج الذي انتقدته لا بد ان تكون له اسبابه الموضوعية والذاتية وحجة ان اللجان الثنائية هي مفتاح المؤتمر الجامع ضعيفة فهيئة جمع الصف الوطني ايضا اجرت مثل تلك اللقاءات والحوارات الثنائية.
وحزب الامة القومي هو الاوضح تعبيرا لتلك الحجة وهو يرى (لقاء الدوحة) ان هدف حواره الثنائي مع المؤتمر الوطني هو الوحدة الوطنية التي ادانها الملتقى الجامع، وان نجاح الحوار الثنائي بين الامة والوطني يعني ان يجري التحول الديمقراطي والسلام الشامل باجماع اهل السودان وان السودان مرشح الان لان تكون فيه فرص لتحول ديمقراطي وسلام عادل وشامل بعد التيقن من:
-
ان المبادرات الاجنبية لم تعد مجدية.
-
الاتفاقيات الثنائية لم تحقق ما كان يؤمل منها.
-
وان تغيير الاوضاع (بوسائل صدامية) يمس السودان بالاضرار.
ولكن اهل السودان خارج تلك الغرف ولا علاقة لهم بما يجري.

No comments: