Saturday, May 31, 2008

أشكال التبعية المعاصرة..

أشكال التبعية المعاصرة..

أموال دول الخليج تهديد للأمن القومي الأمريكي

محمد علي خوجلي

لماذا تعتمد أمريكا في حقبة العولمة الرأسمالية على ذات استراتيجياتها أيام الحرب الباردة تقرباً إلى بعض أنظمة حكم (غير ديمقراطية) وامداد دول بالسلاح، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة واتفاقيات دفاع وفتح قواعد عسكرية جديدة؟وخلال الخمس سنوات الأخيرة (معهد التمويل الدولي بواشنطن) فإن الأموال الخليجية التي اتجهت صوب الاقتصاد الامريكي وبقية دول العالم بلغت حوالي ستمائة مليار دولار نصفها للاقتصاد الامريكي (شراء أصول شركات كبرى، وتمويل مشروعات عقارية وصناديق استثمار) ومئتان وخمسون مليار دولار لدول الاتحاد الاوروبي (ونلاحظ أن امريكا ودول الاتحاد الاوروبي من الدول المانحة للبلدان الفقيرة ومنظمات المجتمع المدني من رفع القدرات وحتى تمويل مراكز حقوق الانسان والحقوق النقابية وأجهزة الاعلام وبالذات التلفزيون والصحف اليومية لنشر ايولوجية العولمة الرأسمالية وتكريس أشكال التبعية المعاصرة). وبالرغم من ذلك وخلافاً لمبادئ العولمة الرأسمالية فان مراكز القوى في دول الغرب تطالب (بالحد) من توسع الاستثمارات الخليجية في اقتصاديات أمريكا وأوروبا. وهذه المطالبة تخالف يقينا قواعد منظمة التجارة العالمية بإزالة كافة العراقيل والحواجز أمام انتقال رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء...الخ

فلماذا يراد للبلدان الفقيرة وحدها الايمان بنظام مهزوز لا يحقق مصالح شعوبها؟ وفي حقبة العولمة الرأسمالية- مطلع العام الجاري- تعرضت أسواق القروض العقارية لعاصفة ضربت سوق الأوراق المالية وميزانيات البنوك ثم البورصات. ولم يتردد البنك المركزي الأمريكي في اتخاذ اجراءات الحماية بتعديل سعر الصرف وتعديل أسعار الفائدة خلافاً لما تدعو له سياسات التحرير والسوق الحر.


وإن تدخل الأموال الخليجية ساعد النظام المالي الأمريكي والاوروبي ومن ثم النظام المالي العالمي على عدم الانهيار (للتدقيق في أسباب التخالف العربي الأمريكي 1990م وغزو واحتلال العراق) وبالرغم من أن الاقتصاد الخليجي سيكون المتضرر على المدى البعيد لارتباطه أكثر بالاقتصاد الأمريكي المراجع فان مراكز القوى في امريكا ترى في الاستثمارات الخليجية تهديداً للأمن القومي الأمريكي (أربعمائة مليار دولار لشراء سندات مالية أمريكية) وبدلاً عن بحث أسباب الانهيار في طبيعة النظام الرأسمالي تتجه الحكومات في الدول الرأسمالية الكبرى لتحميل المسئولية لادارات الشركات والبنوك.


ثم يسأل ممثلو الرأسمالية الجديدة ما هو بديل سياسات التحرير والسوق الحر؟ ويتبعهم ممثلو البرجوازية الصغيرة الذين يمنون الأنفس بالانتقال للطبقة الجديدة ويسألون ذات السؤال.
محاربة الارهاب غطاء نهب الموارد:


الأطفال يعلمون أن أمريكا تجعل من (محاربة الارهاب) غطاءاً لتدخلاتها العسكرية- من بعد 11 سبتمبر التي صنعتها- ضد البلدان التي يستهدفها قيام الامبراطورية الأمريكية في (القرن الأمريكي الجديد) وان أهداف الغطاء استمرار سيادة احتكارات صناعة السلاح الأمريكية وهيمنة أمريكا على العالم بتغذية النزاعات ثم التدخل لوقف النزاعات (هدنة مؤقتة).. الخ وعلى ذلك لا يحتاج لشرح أو بيان .الذي يحتاج للبيان مواقف القوى الوطنية والثورية واليسارية في المنطقة لمواجهة ما يجري، ومن بينها الحزب الشيوعي السوداني في مؤتمره الخامس: الموقف من قضية السيادة الوطنية – مثلاً- والموقف من حركات المقاومة الوطنية والاسلامية ومواجهة كل أشكال التبعية المعاصرة بعد التحولات يميناً التي ضربت الاحزاب الاشتراكية و(القوى الثورية) في العالم والمنطقة والموقف من القضايا ذات العلاقة والموقف من القضية الفلسطينية والتطبيع مع اسرائيل.. الخ لعلاقة كل ذلك بالعولمة الرأسمالية.


وفي عصر القطبية الآحادية والعولمة الرأسمالية وجدنا أن كثيراً من قيادات الأحزاب الشيوعية في كثير من البلدان، تأمركت، وتحللت من النظرية بمفردات ماركسية تحت غطاء (تجديد الماركسية)!! (والذي نعلمه هو تطوير الماركسية بتجديد الوسائل والأساليب) ومن صور ذلك التجديد النص في دساتير تلك الأحزاب على بند خاص بمحاربة الارهاب. وعندما نتذكر ان أحزاباً شيوعية عربية دعمت الغزو والاحتلال الامريكي للعراق نرى انه يجب علينا التوقف خاصة وأن من بينها الحزب الشيوعي العراقي (الرسمي) الذي عين (برايمر) سكرتيره العام أو صعده إلى مجلس الحكم العراقي فبعض (القوى الديمقراطية) في المنطقة ترى في المقاومة الوطنية والاسلامية حركات ارهابية وقياداتها متأثرة بالشمولية وفقدت مصالحها لذلك تقاوم (التحول الديمقراطي) و (المصلحة الوطنية) و(التداول السلمي للسلطة) تحت ظل الاحتلال الامبريالي... لذلك فان كثيراً من الاحزاب الشيوعية السابقة حافظت على وجود مفهوم غامض وغائم للارهاب.. هي فقط (ضد الارهاب) وهو ذات المفهوم الامريكي وشعاره (مع الارهاب أو مع أمريكا).
ويعارض الماركسيون (حقاً) المفهوم الغائم للارهاب. فالارهاب كما جاء في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة صفة للافراد والمنظمات والجمعيات. أما ارهاب الدولة فهو (العدوان) فالعدوان الأمريكي على الدول الأخرى هو ارهاب. والماركسيون في السودان يفرقون بين سلامة ووحدة الأراضي الاقليمية او الاستقلال السياسي لدولة أخرى والتدخلات العسكرية للابمريالية الامريكية في الدول هي عدوان، وضرب الأمريكان لمصنع الشفاء في السودان من أنواع العدوان. لكن القوى الوطنية المعارضة (سابقاً) لم تطالب بقيام (لجنة تحقيق دولية) لسبب بسيط ان الوشاه كانوا من المعارضين السابقين، بعضهم أعلن ذلك، وآخرون لاذوا بالصمت. ولم يهتم أحد كيف تحرك (البلاغ) ومن كتب ورفع (البلاغ)..!! ولم يهتم أحد بتقييم مسلك (قيادات مناضلة) تدلي طوعاً لا كرهاً بمعلومات لمخابرات دولة أجنبية.(!)


*
تجديد مفهوم الارهاب:


في الألفية الثالثة قامت أمريكا بتجديد مفهوم الإرهاب الذي يلغي مفهوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بوسيلة قرار مجلس الأمن 1373 ويتناقض المفهوم الأمريكي أيضاً مع قواعد القانون الدولي. وفي الحقيقة لم يحدد القرار مفهوماً محدداً للارهاب أو تعريفاً للارهاب الدولي. والأمر الخطير هنا قوة الزامية قرار مجلس الأمن حيث تقع على جميع الدول تبعات تنفيذه وإلا تعرضت للعقوبات الأمريكية والدولية المعروفة.


وكتب د. الشفيع خضر سعيد (2002) حول ملامح استراتيجية المقاومة واستنهاض القوى في الوطن العربي كلاماً مفيداً يستوجب العرض ومما جاء فيه:


*
اكتسبت حركة شعوب العالم خبرات ضد محاولات أمريكا للهيمنة وفرض رؤاها الخاصة حول النظام العالمي الجديد سيجعل محاولات فرضه صعبة ان لم تكن مستحيلة وان فرضية الهيمنة المطلقة والدائمة غير ممكنة موضوعياً لكن هذا لا يعني أن نكون في وضع المراقب المنتظر لما ستسفر عنه النتائج، بل لابد من مشاركتنا الفاعلة في هذا الصراع حول النظام العالمي الجديد.
*
الآلة الاعلامية والايدلوجية الغربية تطرح تصورات من نوع: أن الغرب لا يقاوم وأن الوقوف ضد الغرب يعني الوقوف ضد الحضارة وأن رفض القيم الرأسمالية يعني أنك ارهابي وأن أمريكا هي الحل.

*نحن ضد الارهاب ولكن بذات المنطق ضد انحياز أمريكا لاسرائيل وتبرير ارهابها للشعب الفلسطيني ولا نقبل أن تنفرد أمريكا بتعريف الارهاب فنضال الشعب الفلسطيني بكل فصائله ليس ارهاباً ولكنه امتداد لنضالنا الوطني ضد اغتصاب الأرض وارهاب الشعب.
وأخطر انواع الارهاب هو ارهاب الدولة (العدوان) الذي تمارسه يومياً الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية في دولة اسرائيل وبالذات ما يقوم به الجيش الاسرائيلي والأجهزة الأمنية في فلسطين وجنوب لبنان وسوريا.


إسرائيل في مفهوم الماركسية السودانية


معلوم أن دولة اسرائيل هي كلب الحراسة الاقليمي للامبريالية منذ أقامتها. ولها آثارها الممتدة في السودان سواء عبر مشكلة جنوب الوطن في حقبة السودان (القديم)! أو أزمة دارفور الراهنة في حقبة السودان (الجديد)! وموقف الحزب الشيوعي السوداني كان واضحاً -في الألفية الثانية- بالربط بين القضايا الوطنية والوقوف الحازم ضد الاستعمار واسرائيل ودعم الحركات الثورية وحركات المقاومة الوطنية.

وقال عبد الخالق في أبريل 1965 عن مسألة الجنوب:

(حسب برنامجنا الذي وضعناه عام 1956م فإننا نرى منح الجنوب حكماً داخلياً يقوم على جمعية تشريعية ومجلس تنفيذي في اطار السودان الموحد وهذا ما أخذت به الأحزاب باسرها في مؤتمر المائدة المستديرة. غير أننا نرى انه لكي يطبق هذا الحل لابد من الوقوف بحزم أمام مؤامرات الاستعمار واسرائيل لتمزيق وحدة القطر، ولابد من سيادة القانون والأمن في الجنوب بتصفية الجمعيات الارهابية القائمة هناك..).

ومفهوم الماركسية وقضايا الثورة السودانية في الألفية الثانية لم يكن أبداً تابعاً بل كان معارضاً لمفهوم الاتحاد السوفيتي السابق. وجدير بالذكر ان الدولة (الاشتراكية) في الاتحاد السوفيتي السابق كانت أول من اعترف بقيام دولة اسرائيل رغم اعلان السوفييت عداءهم للصهيونية العالمية..(!) وهم اعتقدوا ان المبادئ الاشتراكية التي طبقت في المستوطنات اليهودية وماضي القادة اليهود في الأحزاب الشيوعية في شرق أوروبا سيجعل من اسرائيل (جزيرة حداثة وتقدم) و(نموذجاً ثورياً) في الشرق الأوسط، مثلما تدعي أمريكا في الألفية الثالثة أنها بصدد اقامة (نموذجها الديمقراطي) في الشرق الأوسط. وكلاهما أخطأ بل ان اعتراف السوفييت بدولة اسرائيل جلب لهم عداء الشعوب العربية مثلما تسبب في اضطهاد الشيوعيين والأحزاب الشيوعية العربية. وفي نفس الوقت لم يستطع الاتحاد السوفيتي تحقيق موقع متقدم في اسرائيل (ولا ينبغي له) بسبب العلاقات الاسرائيلية- الغربية والخلافات الاسرائيلية- السوفيتية حول هجرة اليهود السوفيت.

وجاء تقييم الحزب الشيوعي السوداني الطبقي عن دولة اسرائيل والوضع العربي في الألفية الثانية على النحو التالي:

· إن اسرائيل، الدولة الصهيونية، قامت بسند ودعم قوى الاستعمار ولا تعبر عن حق اليهود في تقرير مصيرهم فاليهود ليسوا قومية بهذا المعنى تعبر عن ذاتها بتكوين دولة منفصلة وان قيام الدولة الصهيونية- تعبيراً عن مفهوم خاطئ لحق تقرير المصير- ألحق الضرر بكل القوى المناوئة للاستعمار العالمي. وان نشاط دولة اسرائيل موجه ضد حركة التحرر الوطني العربية والافريقية.
*
ان انتصار حركة التحرر الوطني في نضالها ضد دولة اسرائيل وقيام دولة ديمقراطية في فلسطين على انقاض النظام الطبقي الصهيوني أمر يقوي من الجبهة المناوئة للاستعمار العالمي وارتكازاً على هذا الموقع الطبقي فان الحزب الشيوعي يدعو إلى النضال ضد النظام الصهيوني.
*
النزاع العربي- الاسرائيلي في الواقع هو صراع بين حركة التحرر الوطني العربية وبين الجبهة الاستعمارية الصهيونية وان العدوان الصهيوني الاستعماري في 1967م تسبب في احتلال الاراضي الفلسطينية باسرها واراضي دول عربية لهذا فقد أضيف عبء جديد على حركة الشعوب العربية وهو تحرير الأراضي التي احتلتها الدولة الصهيونية نتيجة انتصارها العسكري.
وقامت رؤية الحزب الشيوعي السوداني بإيجاز على الآتي:
*
حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته الديمقراطية على انقاض الدولة الصهيونية بما يلزم بتقوية المنظمات الفلسطينية المكافحة ومساندتها.
*
عدم الاعتراف باسرائيل وما يترتب على ذلك من أضرار على الثورة الفلسطينية.
*
الوقوف بحزم ضد اتجاهات (تزيين وجه الاستعمار في المنطقة العربية).
المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني سيحدد رؤية الالفية الثالثة فهل سيرفض التطبيع مع اسرائيل ويدعو لدعم المقاومة الفلسطينية والوقوف بحزم ضد تزيين وجه الاستعمار الأمريكي في المنطقة العربية بنشر الديمقراطية والمساعدات الانسانية والحكم الراشد وكل أقوال الحق التي يراد بها باطل؟ وننتظر التقييم الطبقي.. (!)


جذور موقف السوفيت من دولة اسرائيل
التعرف على جذور موقف السوفيت من دولة اسرائيل يتطلب عرض وقائع أساسية وهامة قد تفيد الشباب الشيوعي في مجمل التقييم للأوضاع المختلفة حيث لا انفصال بين الاوضاع الدولية والاقليمية والمحلية ولا بين الماضي والحاضر والمستقبل سلسلة واحدة والوقائع هي:
*
عندما استولى البلاشفة على السلطة اتجهوا نحو الغرب (أمل الثورة) واستبق السوفيت الشرق الاوسط (لينين) كان يشعر باهمية الشرق والجماهير التي تدخل مسرح التاريخ بمئات الملايين أو كما جاء.
*
بعد عام من الثورة أنشأ السوفيت (اتحاد تحرير الشرق) في موسكو (!) وفي 1920م كان مؤتمر باكو الذي حاول وضع (استراتيجية ثورية) لتحويل التمردات العفوية والمفككة إلى (حركة متجانسة).
*
ومنذ عقود طويلة، منذ حقبة ستالين، اختار السوفيت دعم الدول لا الحركات الثورية ولا حركات المقاومة الوطنية ولا الأحزاب الشيوعية الوطنية وتوجد عشرات النماذج..
ما يهمنا في الوقائع التي نمت الجذور من بينها تأكيد سعي السوفيت لتحقيق مصالحهم في الشرق الاوسط عبر العلاقات الدولية ويتضح ذلك في مؤتمر لوزان 1923م عندما فشل الاتحاد السوفيت السابق في فرض نفسه كقوة كبرى أو اقليمية (!).
*
منحت الحرب العالمية الثانية الاتحاد السوفيتي آفاقاً جديدة في الشرق الأوسط وحاول في اجتماع برلين نوفمبر 1940م تقاسم مناطق النفوذ مع المانيا. وطالب ستالين بدائرة مصالح تشمل العراق وايران وقسما من سوريا وتركيا ولبنان والصحراء العربية وقواعد عسكرية في مضايق الدردنيل والبوسفور وفشلت المحادثات لتبدو الحقيقة ان مصالح السوفيت في الشرق الأوسط هي (الاشراف على الطرق الكبرى للنقل) و(الاشراف على منتجي النفط).. وهذا يؤكد ان الدولة السوفيتية منذ الحقبة الستالينية وحتى الانهيار لم تكن (اشتراكية) ولا علاقة لها بالماركسية التي يبحث الاتباع اليوم عن وسائل لتجديدها.
*
وفي 1945م فتح التحالف مع بريطانيا- بعد القطيعة مع المانيا- أبواب الشرق الاوسط للسوفيت الذين كانت رغبتهم (قسمة المستعمرات الايطالية) فطلبوا انتداب اريتريا وليبيا وضم أجزاء من تركيا اقتطعت منهم مع الحرب العالمية الأولى، إلا أن الحلفاء عارضوا تلك المطالب الاقليمية.
*
وعلى ذلك فان أهداف الدولة الاشتراكية في (التوسع) لا تختلف عن أهداف الامبراطورية القيصرية. ان ستالين كان قيصر روسيا باسم الماركسية وخلفه قياصرة أقل قامة حتى الانهيار. واستخدم ستالين كل السبل التي تؤدي إلى مد نفوذه في الشرق الأوسط: مطالب اقليمية، دعم أحزاب، ثم دعم دولة اسرائيل لكنها جميعاً أدت إلى طريق مسدود وكانت النتيجة قرارهم بالانكفاء وضربهم الستار الحديدي حتى المؤتمر العشرين 1956م مؤتمر التجديدات المزيفة الذي استبدل (العمل الدبلوماسي) بالتعايش السلمي.

الشرعية الدولية


في الألفية الثالثة أصبح التدويل وفرض الوصاية الأمريكية باسم (الشرعية) من الصيغ الاستعمارية الجديدة ومنح أمريكا وحلفاءها حق اختراق السيادة ونجحت أمريكا لحدود كبيرة في جعل مفهوم تدخل المجتمع الدولي لنجدة الشعوب المقهورة وهو ما اطلق عليه (حق التدخل الانساني) ذريعة للعدوان على البلدان التي للامبريالية مصالح فيها. واتبعت كافة الوسائل لنجاحها المؤقت وعلى طريقة العصا والجذرة، فان جذرة امريكا – هنا- تخصيص ملايين الدولارات لاقامة مشروع (الشراكة الامريكية العربية) لنشر الديمقراطية وتغيير مناهج التعليم وتجديد الخطاب الديني وتجديد المفاهيم. واستهدفت الشراكة حلفاء جدد من غير القدامي واهتمت بالمثقفين والمتعلمين واليساريين ومنظمات المجتمع المدني. والدعم المالي الامريكي والاوروبي لتلك القطاعات لم يعد من الاسرار فالسفارة الامريكية في القاهرة وغيرها من المدن- كما عرضت قبل الآن- اعلنت صراحة عن الدعم الدولاري للجمعيات التي تبشر بثقافة الاستعمار الجديد. وتدفع لاحزاب وقوى سياسية وتشرف على رفع قدرات كوادرها (راجع محاضرة السفير الامريكي بالخرطوم).
وكما كانت الدولة السوفيتية السابقة تعتمد على (مدارس الكادر) والمدارس الأخرى (!) لخلق أشباه يسبحون بحمد سياسات الاتحاد السوفيتي (العظيم) ويرتبطون بنموذجها الذي هو ضد شعوب تلاميذ المدارس من الدول المختلفة وخاصة المقهورة شعوبها، فان الادارة الامريكية ومخابراتها من بين ما تعتمد عليه (ورش العمل) وكل الفرق بين مدارس الكادر وورش العمل ان الاولى كانت حصراً على الشيوعيين أما الثانية فهي تشمل كل القوى السياسية (المعارضة) مع تفضيل القيادات الوسيطة (الشباب) وبلغت الميزانية السنوية للدعم الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني في المنطقة – فقط- مليار دولار (وقد تتضمن وجبة افطار لتلاميذ في مدرسة اساس بعد تجليسهم!).
والماركسية وقضايا الثورة السودانية في الألفية ترى أن مفهوم تدويل السيادة في ظل القطبية الآحادية خضع ويخضع للمصالح الامريكية وعلى وجه الدقة مصالح الاحتكارات الدولية مما يجعل مهام (المعارضة) و(المقاومة الوطنية) و(الحركات الشعبية) مزدوجة: ضد حكومات البلدان المستسلمة للتدخلات الأجنبية وضد سياسات القوى الاستعمارية وجيوشها. ولذلك نلاحظ ان أهداف المعارضة غير الرسمية في السودان (ثنائية) وأن أهداف المقاومة الوطنية في العراق مزدوجة الكفاح ما بين جيوش المحتلين والقوات الحكومية التي تساعد قوات الاحتلال بالاعتقالات الجماعية- من قبل الشرطة العراقية والقوات الحكومية التي تساعد قوات الاختلال بالاعتقالات الجماعية- من قبل الشرطة العراقية والقوات الخاصة في وزارة الداخلية والقوات متعددة الجنسيات- وتعذيب المعتقلين حتى الموت..
ان المعتقلين في العراق وفلسطين وجنوب لبنان بالآلاف وغيرهم يفتقدون الحماية والحقوق القانونية التي تضمنتها المعاهدات الدولية لحقوق الانسان بل ان الجيشين الأمريكي والبريطاني اعترفا باستخدام مادة الفوسفور الأبيض الحارقة ضد مدنيين عراقيين وهنا يسقط (حق التدخل الانساني).
وكل ذلك يضع على عاتق القوى المناهضة والرافضة للسياسات الأمبريالية مهمة من أصعب المهام في ايجاد التوازن بين أهدافها وكبح جماح القوى الاستعمارية وحلفائها في تحقيق أهدافها مع الاقرار بان التوازن الحالي للقوى يتطلب التروي لتفادي الوقوع في شراك التبعية المعاصرة.. وإن دعم الماركسيين في السودان للمقاومة الوطنية والحركات الشعبية والقوى النقابية المناهضة للعولمة الرأسمالية واشكال تبعيتها والتدخل العسكري والسياسي في جميع البلدان لهو واجب مقدم اساسه الموقف الثابت للحزب الشيوعي السوداني في الألفية الثانية من مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية، ومن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كرست حق المقاومة الوطنية وتقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب تحت كافة أشكال السيطرة الأجنبية مع دعم شرعية النضال الوطني. وان انكسار الحق في المقاومة الوطنية هو من انواع الارهاب مع ادراكنا ان تشويه المقاومة الوطنية لن يتوقف ونشهد في العراق (نموذج الامبريالية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط) كيف أقامت اقسام مخابرات دول مختلفة تنظيمات وجمعيات ارهابية لقتل الناس وترويعهم وابتزازهم وعرض الأنشطة على شاشات التلفزيون.. فلا يكون غريباً تشويه المعارضة السودانية (غير الرسمية) والشيوعيين خارج الحزب.
دور إسرائيل في إطار العولمة:
يختلف دور إسرائيل في المنطقة في اطار العولمة الرأسمالية عما كان عليه في الألفية الثانية فالدور القديم كان التركزي على مواجهة الحركات الوطنية الافريقية والعربية أما الدور الجديد في حقبة العولمة الرأسمالية هو تطبيع علاقاتها مع البلدان العربية كما يقتضي مشروع الشرق الاوسط الجديد. وتمكنت أمريكا من تقديم عون كبير للدولة الصهيونية في 1990م عنما قامت بتجميع أغلب الدول العربية في صورة تحالف عسكري كبير تحت الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة ضد العراق. ولتقوية هذا (التحالف الديمقراطي) استبعدت منه اسرائيل.
وجاء مؤتمر مدريد 1991م وتصريح مبادئ أوسلو 1993م والذي كان هدفه التطبيع لا فلسطين. فالسلام مع الدول العربية بالطريقة الأمريكية ضرورة للامبريالية لتندمج تلك الدول في العولمة الرأسمالية. وتبع اوسلو 1994م عقد المؤتمر الاقتصادي في الدار البيضاء حيث التقت اسرائيل بدول مصر والاردن وبلدان المغرب والخليج وببلوغ العام 2000 جرى توقيع اتفاقيات اقتصادية بين اسرائيل وتونس واسرائيل والمغرب واسرائيل وبعض بلدان الخليج وخاصة قطر ووقعت الاردن معاهدة الصلح وكل ذلك قبل غزو واحتلال العراق وقبل اجتماع الادارة الامريكية مع القوى المعارضة للاتفاق على كيفية التدخل العسكري ومداه حيث رأت قوى من المعارضة أن تكون الضربة العسكرية شاملة (مع بقاء القوات الامريكية لفترة) ورأت أخرى من بينها الحزب الشيوعي العراقي (الرسمي) الاكتفاء بضربة عسكرية محدودة تزيل حكم صدام الديكتاتوري وتفتح الطريق أمام البلاد للتحول الديمقراطي (!).
إن الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها، ودورها المسيطر الذي رسمته لها الامبريالية هي أهم نقاط (الشرق الأوسط الجديد) أي الشكل الاقليمي للعولمة الرأسمالية وبذلك يصبح رفض التطبيع هو رفض لمشروع الشرق الأوسط الجديد ومقاومة العولمة الرأسمالية في صورتها الاقليمية فيكون من البديهيات ان تكون الأولوية لتطبيع العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية مستندة على دعم احتكارات قيادات سياسية وعسكرية فلسطينية والتعاون بين قطاعات رأس المال الفلسطيني والاسرائيلي. (نذكر ان من موردي الاسمنت لاسرائيل لاقامة الجدار العازل فلسطينيون).. مع كل ذلك لن يكون يسيراً أبداً كسر حركة المقاومة الوطنية بعد إنتقالها لمجموع الشعب الفلسطيني.
ان الماركسيين في السودان وشيوعيون سودانيون خارج الحزب لا يزالون متفقين مع تقييم الحزب الشيوعي السوداني الطبقي لدولة اسرائيل والذي جاء في الالفية الثانية: رفضاً للتطبيع مع اسرائيل ودعماً للمقاومة ووقوفاً حازماً ضد تزيين وجه الاستعمار الامريكي في المنطقة ويقرظون المعارضة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي مقدمتها المثقفون وما جاء في رسالتهم:
(
إننا نؤمن بان الشعوب والدول تملك حق تقرير مصائرها، حرة من القيود العسكرية التي تفرضها القوى العظمى. كما نؤمن بان كل الاشخاص الذين إما اعتقلتهم الحكومة الامريكية او حاكمتهم، لابد ان يتمتعوا بالحقوق التي تنص عليها الاعراف والاجراءات المتعارف عليها..
ندعو كل الامريكيين والامريكيات لمقاومة الحرب والقمع اللذين فرضا على العالم اجمع من قبل إدارة بوش، كونهما عمل ظالم لا اخلاقي وغير شرعي ... وقد أخترنا مناصرة الشعوب ندعو الامريكيين كافة للانضمام لمواجهة هذا التحدي..)
إعادة الاستعمار..
ومن شعارات الامبريالية في القرن الحادي والعشرين التدخل العسكري لحماية الشعوب من حكوماتها المستبدة التي تظلم المواطنين وتتسبب في الإبادة الجماعية...الخ وحماية الشعوب هنا تكون بإعادة استعمارها ولا تكتفي (بإزالة النظم المستبدة)!! ويكون ضمن تخطيط اعادة الاستعمار الاستناد على طلبات من القوى السياسية المعارضة تدعو حلف الناتو لانقاذ هذا الشعب أو ذاك، أما استمرار بقاء الاستعمار فيكون بطلبات من الحكومات الوطنية بالابقاء على القوات العسكرية الاجنبية لضمان السلام والتحول الديمقراطي وهذا قد يستمر لعقود من الزمان يتم فيها نهب الثروات وخلق انسان جديد (!).
والاوضاع في البلدان العربية في أضعف حالاتها، وعن طريق التهديد والابتزاز الاستعماري الجديد، وطبيعة معظم النظم الحاكمة غير الديمقراطية، استطاعت امريكا دفع كثير من الأنظمة الحاكمة للاستسلام بسبب انها (شمولية) أو (منبع للارهاب) أو (داعمة للارهاب) وهي في حاجة ماسة لنشر الديمقراطية ويلزمها احترام الحقوق المدنية...الخ ولذلك باشرت امريكا حملاتها بنفسها دون وكالة اسرائيل في المنطقة بل واقناع معظم النظم بان اسرائيل نفسها مستهدفة (!) فلا تكون اسرائيل إذن هي المهدد الأمني لبعض الدول العربية بل العراق او سوريا او ايران...الخ وتمكنت الولايات المتحدة بذلك من اقامة قواعدها العسكرية في بعض الدول العربية. وفي السياسة العملية ولخدعة الشعوب وتأكيد براءة اسرائيل فقد عقدت اسرائيل اتفاقيات تجارية مع الاردن ومصر واريتريا واثيوبيا وكينيا ويوغندا..الخ ولذات المبررات باعت امريكا تكنولوجيا عسكرية متقدمة لدول الخليج بقيمة عشرين مليار دولار ثم كان اعلان فرنسا فتح قاعدة عسكرية في الامارات العربية المتحدة بعد قيام امريكا بفتح قواعد عسكرية في الكويت وقطر والوجود العسكري في السعودية. والقاعدة العسكرية الفرنسية في الامارات قد تمثل تحولا استراتيجياً في سياسة الدفاع الفرنسية وهي أول قاعدة دائمة لفرنسا في المنطقة وفي دولة لا تربطها بها علاقات استعمارية وجدير بالذكر ان لفرنسا قواعد عسكرية في جيوبتي والسنغال والجابون ولها تواجد عسكري في عدد من الدول من تشاد إلى افغانستان وفرنسا في شراكتها مع امريكا عقدت اتفاقيات أخرى تجارية مع السعودية مثلاً بحوالي تسعة وخمسين مليار دولار ومع الامارات لدعم مجال الطاقة النووية السلمية.
ولذلك لا نندهش للحديث العلني الذي يجري في السودان عن امكانات التطبيع مع اسرائيل ووجود لاجئين سودانيين في اسرائيل او السعي لفتح مكتب لحركة معارضة مسلحة في تل أبيب لانقاذ شعب دارفور ولن تتوقف المحاولات ولن تتوقف مقاومة القوى الوطنية في السودان وإلى جانبها شيوعيون سودانيون في إحباط هذا المخطط وهزيمته.
الشرق الأوسط الجديد والقرن الإفريقي الكبير
معلوم أن الرؤية الامريكية بالنسبة للحكومات القائمة في دول الشرق الاوسط جميعها انها مركزية وفاسدة ومستبدة وان نظم الحكم الراهنة تشكل عبئاً ثقيلاً على السياسة الخارجية الامريكية ولابد من تغيير تلك النظم في حقبة القرن الامريكي الجديد أو كما عبر فرانك كارلوتشي صراحة:
(
لدينا استراتيجية واضحة وفي غاية البساطة نحن نريد في المنطقة العربية نظما موالية ولا تقاوم ارادتنا ثم اننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع ونريد ضماناً نهائياً لأمن اسرائيل لانها الصديق الوحيد الذي نعتمد عليه)..
وأداة امريكا في المنطقة هي مشروع الشرق الاوسط الجديد (بالتحالف العريض) للقيام بالاصلاحات ويشمل التحالف إما (الحكومات ورجال الاعمال ومنظمات المجتمع المدني) او ان يتكون التحالف العريض الديمقراطي من (القوى السياسية المعارضة ورجال الاعمال ومنظمات المجتمع المدني) أما مشروع القرن الافريقي الكبير فان امريكا تربي ان السيطرة على المنطقة ونهب ثرواتها المعدنية والبترولية خاصة في القرن الافريقي تحتاج إلى اوضاع مستقرة بوقف كل النزاعات والحروبات الاهلية والمشروع يشمل السودان الذي ساعدت حكومة السودان، بحكم طبيعتها الادارة الامريكية في تنفيذ مشروعها بالنظام الشمولي الذي فرضته ومصادرة كافة الحقوق بما فيها الحق في الحياة ثم غرورها الغريب في محاولة اقامة (دولة السودان العظمى) فتبنت سياسات (تصدير الثورة) للدول المجاورة واستخدمت أداة (مؤتمر الشعب العربي الاسلامي) ثم ما هو معروف عن (خطة تأمين العاصمة) التي فضحتها محاولة اغتيال حسني مبارك في اثيوبيا ومحاولة اغتيال اسامة بن لادن في الخرطوم فكان من الطبيعي وضع السودان في قائمة الدول المارقة والداعمة للارهاب واوقفت امريكا في 1990م مساعداتها الاقتصادية والعسكرية (أمريكا لا تدعم النظم الانقلابية) واغلقت سفارتها في الخرطوم لوجود حركات ارهابية قامت بتسميتها (الجهاد والجماعة الاسلامية من مصر وحزب الله من لبنان وحماس والجهاد الاسلامي من فلسطين) وضربت مصنع الشفاء، وشرعت قانون سلام السودان ...الخ ما هو معروف لتتراجع حكومة السودان فتوقف مؤتمر الشعب العربي الاسلامي ويغادر بن لادن البلاد، وتعيد الحكومة علاقاتها مع الدول الاوروبية وتتبع سياسات جديدة: بناء السلام من الداخل ودستور التوالي والانفراجة حتى مشاكوس ونوكورو ونيفاشا ومن قبل ذلك وبعده تعاونت الحكومة مع الادارة الامريكية واجهزتها في (محاربة الارهاب) وسمحت للأجهزة الامريكية بفتح مكاتب لها...الخ وحتى تصريح السفير الامريكي في الخرطوم بأن السودان من أكبر خمس دول في المنطقة تتلقى المعونات الامريكية يشكل في نهاية العام 2005م مرحلة جديدة.
إننا نعتقد انه لا مستقبل لنظام عالمي تهيمن عليه قوة عظمى وحيدة، بل يكمن المستقبل في نظام عالمي تعددي في ظل قواعد جديدة تكفل الحرية والعدالة لشعوب العالم وان فشل امريكا في العراق محتم وستجبر المقاومة الوطنية العراقية جنود التحالف على الانسحاب. وكما فشلت الشمولية بغطاء سلطة الطبقة العاملة التي تسترشد بالماركسية في اقامة الاشتراكية بغير مشاركة الجماهير فان فشل الامبريالية الامريكية مؤكد وهي تعمل على نشر الديمقراطية بالقوة العسكرية وان التدخل الدولي بصوره المختلفة لن ينتج تحولاً يدمقراطياً فهل يولي المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني المستجدات في الساحة العربية والافريقية ما تستحق من تقييم وبيان واجبات الشيوعيين السودانيين وعملهم المشترك مع القوى الوطنية المناهضة للعولمة الرأسمالية وأشكال التبعية المعاصرة؟
ونواصل عرض مبدأ السيادة وأخذ دارفور نموذجاً..

No comments: