Saturday, May 31, 2008

لمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني

الأيام

العدد رقم 9072

الاثنين2008-03-31

المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني

(الوخري) .. حق الطير!

ابوبكر الأمين محمد

هل سينجح المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني في حل القضايا العديدة التي تواجهه؟ فالقضايا ليست قليلة العدد ولكن أهمها القضايا التي تجاهلها عمداً التقير المقدم للمؤتمر الخامس أو طرحها بصورة هامشية ويعني الفشل في مواجهة أمهات القضايا الخروج النهائي من حلبة الصراع السياسي والفكري ويعني الاندثار والتلاشي من بعد تاريخ طويل مجيد.

هل سيأكل الطير هذا المؤتمر (الوخري) والقول مأخوذ عن (الشيخ إدريس) عندما توفى ابنه الأصغر (عركي) فبكاه وقال عنه (الوخري حق الطير) مثل الذرة تزرع متأخرة فيصبح (قنقرها) حقاً كاملاً لاسراب الطير رغم انف (المحاحاة) ولو أكل الطير (عيش) الشيوعيين فلن تكون لهم مؤونة في حقب الرأسمال المنفلت الجدباء هذا إذا لم يأكل الطير (رؤوسهم) وقضى الأمر الذي فيه تستفتيان!

* قضية القيادة

تراجعت قضية القيادة في الطرح وجرى تناولها بطريقة جزئية- وسطحية في كثير من الأحيان مع أن هذه القضية يجب أن توضع في قلب إهتمام مندوبي المؤتمر الخامس لأن قضية القيادة شديدة الترابط والتشابك بكل القضايا الأخرى بهذا القدر أو ذاك وفي جملة واحدة تقول عنها أنها قضية مركزية.

الأدب المتوفر حول موضوع القيادة كثير ومنه الأفكار المدهشة شديدة الراهنية التي صاغها الشهيد عبد الخالق محجوب سواء في تقرير المؤتمر العام الرابع أو في قضايا ما بعد المؤتمر أو في سبيل تحسين العمل القيادي بعد عام من المؤتمر أو دورة يوليو 1968م إلى جانب التناول اللاحق لها فيما بعد يوليو 1971م في دورة يونيو 1975م ودورة ديسمبر 78 ودورة سبتمبر 84.

ومن المؤكد أن الرجوع إلى الصياغات السابقة يساعد كثيراً في معرفة المسار التاريخي الذي طرحت فيه القضية وتاريخ تطور فكر الشيوعيين وهم يعالجون المسألة في إطار حزبهم، لكن الوضع الحالي وطبيعة المتغيرات داخل الحزب وفي الحركة السياسية وفي الواقع السوداني تدفع في اتجاه إعادة طرح القضية على مستوى أعلى مما سبق.

* رؤية عبد الخالق

طرح عبد الخالق على الحزب قضية القيادة بعد المؤتمر الرابع وهو يعرف حق المعرفة أن القيادة التي افرزها المؤتمر الرابع لم تكن على مستوى انجازات المؤتمر الفكرية المتقدمة، والحقيقة المعروفة هي أن المؤتمر الرابع لم ينتخب القيادة وانما أجاز الترشيحات المقدمة من اللجنة المركزية والتي أفرزت قيادة على شكل صفقة أو مساومة ولم تكن بأي حال من الأحوال خلاصة الاختيار الحر لمناديب المؤتمر. خرج المؤتمر الرابع بلجنة مركزية ضعيفة تمثلت فيها التيارات الانتهازية بوزن كبير بينما اصبح التيار الثوري الذي مثله عبد الخالق تيار أقلية داخل اللجنة المركزية لكن عبد الخلاق ظل يستدرج التيار اليميني كي يفصح عن نفسه وظل يطرح عليه قضايا الصراع ويدعوه إلى مواجهتها وتحويل النقاش حولها في الحزب إلى معركة لتصحيح أوضاع الحزب ليرتفع لمستوى ما قرره المؤتمر الرابع لكن التيار الانتهازي اليميني احجم عن ذلك ولاذ بالصمت العميق وهذه أيضاً طريقة في خوض الصراع! وكان عبد الخالق يعلم ان التيار اليميني غير عميق الجذور في الحزب لذا فهو يفضل حسم القضايا خارج الحزب وهذا ما حدث حينما عمد ذلك التيار إلى التكتيكات الانقلابية انظر قوله وهو يصوغ قانون نمو الحزب ويحدد التناقضات التي تحكمه في عام 1968 (إن البعد عن حل التناقض الجوهري الذي أشرنا إليه يمكن ان يؤدي إلى التلقائية وإلى محاولة حل مشاكل العمل القيادي خارج إطار الحزب وإلى اجهاض منجزات المؤتمر الرابع في هذه القضية الجوهرية لمستقبل العمل الثوري) وكأنه كان يقرأ الغيب فقد توجهت التيارات الانتهازية لحل مشاكل العمل الثوري عن طريق رهنها لحلفاء من البرجوازية الصغيرة العسكرية لانجاز (التحول الثوري)!.

إذا عمد المؤتمر الخامس إلى تشكيل القيادة على طريقة المؤتمر الرابع فإن ذلك سيعد انتصاراً جديداً للاتجاه اليميني المسيطر في القيادة منذ سنوات ما بعد ردة 71.

وفي الحقيقة فإن مفهوم القيادة نفسه يحتاج إلى معالجة وتوضيح ففي الغالب يجري تصويب النظر للهيئات العليا عند الحديث عن مسألة القيادة، لكن الحزب الشيوعي كان قد توصل منذ زمان إلى أن فرع الحزب هو القائد في مجاله للنشاط الذي يجري حوله وهو المسئول عنه، لهذا فإن قضية تأهيل فرع الحزب وهي قضية قيادية من الدرجة الأولى يجب ان ترتفع إلى الدرجة الأولى ثم تندرج بعدها عشرات المسائل المرتبطة مثل جماعية القيادية والمنهاج القيادي وانتخاب القيادة وقضية الكادر ومستوى معرفته ومعايير تقويمه وما يسمى بالقبضة القيادية.. الخ وفرع الحزب هو مناط القيادة وكل الهيئات الأخرى وحتى أعلى هيئة هي أشكال لخدمة فرع الحزب لانه الوجه الحزبي الذي يلامس الجماهير بصورة مباشرة والمقدرات التي ينطوي عليها فرع الحزب هي التي تحدد مستوى علاقته بالجماهير ومقدار نجاح عمل الحزب بينها وتحدد وتيرة وحجم البناء الحزبي. وعلى هذا الأساس فإن حق فرع الحزب في قيادة مجاله من أهم الحقوق الحزبية لكن هذا الحق جرى انتهاكه بصورة متواترة وبعبارة أخرى جرى انتهاك الديمقراطية في صفوف الحزب وفرضت وصاية كريهة على فرع الحزب باسم الاشراف او تحت اسماء مثل القبضة الحزبية أو تحت ستار ومبررات التأمين وحماية جسد الحزب. من الضروري واللازم الخروج من عهود الوصاية على فرع الحزب والتي تبلغ أعلى اشكالها عندما يتم تعيين قيادة الفرع نفسها من قبل الهيئات الأعلى ومن هذا الحجر جاءت كل المصائب ومنها ضعف الحزب وضعف صلاته بالجماهير وتقوقعه وعقم حياته الداخلية وابتعاد اعضائه وتوقف البناء الحزبي ومن ثم وجدت الأجهزة المعادية الجو الملائم للإختراق على كل المستويات.

يحدد عبد الخالق محجوب الإطار الذي يتوجب ان تعالج مشاكل القيادة ضمنه وهو ميدان التناقض الجوهري فيما بين الحزب والقوى الاجتماعية حوله التي تتطلع اليه للقيادة وتجلي هذا التناقض على مستوى الحزب فيما بين طموح عضوية الحزب العالي ومستوى النشاط القيادي الفعلي من قيادة الفرع وحتى اللجنة المركزية.. ولا ريب ان الحزب خلال الاربعين عاماً الماضية فشل في حل هذا التناقض لصالح تطور الثورة السودانية ويمكن القول ان القوى الاجتماعية حول الحزب وبسبب عجزه عن إفراز القيادة المطلوبة قامت بخلق منظماتها الخاصة ووصل الحد بأقسام منها إلى رفع السلاح دفاعاً عن وجودها وعن القضايا الملتهبة بمعزل عن حزب الشيوعيين، وعلى هذا المستوى الجديد تنطرح قضية القيادة- على المؤتمر الخامس لأجل حل التناقض الداخلي لمصلحة المطامح العالية لعضوية الحزب حتى يتحول الحزب من جديد ليصبح قوة جذب جماهيري. لكن على المؤتمر الخامس أن يبدأ من الاقرار بالحقيقة وهي الفشل في هذه المهمة- هذا إذا كان المؤتمر يرغب في مواجهة المسألة على نحو جدي ويترتب على هذا الاقرار المحاسبة الضرورية للقيادات التي فشلت في حل تناقضات الحزب لصالح تطوره. وهذه مسألة مبدئية للحد البعيد.

الولوج إلى تفاصيل هذا (الفشل) القيادي أمر يخص أعضاء الحزب الشيوعي وهو فشل متعدد الأوجه وملئ بالتفاصيل وممتد لفترة ما بين المؤتمرين. لكن دعنا نأخذ قضية واحدة من بين مصفوفة القضايا التي تقاعست عنها قيادة الحزب الشيوعي فيما يتعلق بموضوع القيادة كما تناولناها أعلاه مثل قضية الدراسة الباطنية للواقع السوداني للوصول إلى إطار نظري عميق لتطوير استراتيجية الحزب وتاكتيكاته. فأين مثل هذه الدراسة للتطورات التي جرت خلال الفترة فيما بين المؤتمرين؟ حتى يستطيع الشيوعيون تطوير برنامجهم واغناء استنتاجات كدحهم الفكري السابق. وفي الحقيقة فإن قيادة الحزب الشيوعي تدخل على المؤتمر الخامس وهي خالية الوفاض من مثل هذه الدراسة ومن أي (تفهم نظري) (كما يقول عبد الخالق) لقضايا الثورة السودانية.

مثل هذه الدراسة ليست موضوعاً أكاديمياً محضاً، فهو أمر قد يتوفر عليه باحث واحد لكن الموضوع هنا متعلق بالتجربة الجماعية للحزب وجماع عقله العلمي المعتمد على النهج الجدلي وهو يقارب الواقع وتناقضاته واتجاهاته وبهذا فالموضوع متعلق بتجربة الحزب والدراسة متعلقة بالتلخيص النظري لمجموع التجارب المنفردة والملموسة لفروع الحزب ورؤيتها لواقعها وتركيب القوى المحيطة بها واتجاهاتها وهي تنشط حول مجال الفرع الحزبي ولأن ذلك غير موجود صار من المستحيل أن تقدم مثل هذه الدراسة لمؤتمر الحزب لانه من المستحيل ان تنوب مجموعة من الدارسين عن الحزب مهما ارتفع شأنها وتأهيلها وعلا كعبها في المعرفة وهي في عزلة عن الخبرة الجماعية هذه المتراكمة خلال سني النضال والعمل اليومي وعلى الرغم من ان الحزب الشيوعي يضم كوكبة من المختصين وذوي التأهيل النظري إلا أن قيادة الحزب لم تستثمر ذلك الرصيد ضمن عملية الدراسة الباطنية لانها لم تطرح الأمر أصلاً كواجب على فرع الحزب وتوظيف القدرات الموجودة للقيام بالتعميمات الضرورية. لكن قيادة الحزب ظلت مشغولة في (تأمين) (قبضتها) القيادية على الفروع حتى لا (تفرفر) بحثاً عن مبادرة خارج إرادة (المركز) وحينها تم وأد أساس الدراسة المرجوة وانهار الركن الذي تقوم عليه أي (قيادة) مهما كانت لتهدي الشيوعيين سواء السبيل.

ونواصل

No comments: