Saturday, May 31, 2008

المصالحة وتضميد الجراح .. وقضية المفصولين .. 2-2

المصالحة وتضميد الجراح .. وقضية المفصولين .. 2-2

محمد علي خوجلي

المعلوم أن الأمين العام للأمم المتحدة بطلب من مجلس الأمن قدم تقريراً في 23/8/2004م حول دور الأمم المتحدة بشأن "المصالحة الوطنية في مرحلة ما بعد الصراع" والجدير بالذكر أن مجلس الأمن عقد اجتماعاً على المستوى الوزاري لمناقشة دور الأمم المتحدة في إقامة العدالة وسيادة القانون في مجتمعات ما بعد الصراع في 24/9/2003 ومن أهم ما جاء في تقرير الأمين العام :
*
إن مفاهيم مثل "العدالة" و"سيادة القانون" و"العدالة الانتقالية" هي مفاهيم ضرورية لتعزيز حقوق الإنسان وحماية الأفراد من الخوف والعوز وتسوية منازعات الملكية وتشجيع التنمية الاقتصادية وتعزيز الحكم الخاضع للمساءلة وتسوية الصراعات بالوسائل السلمية ..
*
ومفهوم سيادة القانون هو جوهر مهمة المنظمة الذي يشير إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعان العام والخاص وبما في ذلك الدولة ذاتها ، مسؤولين أمام قوانين صادرة علناً وتطبق على الجميع بالتساوي ويحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل وتتفق مع القواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان ويقتضي هذا المبدأ كذلك اتخاذ التدابير اللازمة لكفالة الالتزام بمبادئ سيادة القانون ، والمساواة أمام القانون ، والمسؤولية أمام القانون ، والعدل في تطبيق القانون ، والفصل بين السلطات ، والمشاركة في صنع القرار ، واليقين القانوني وتجنب التعسف والشفافية الإجرائية والقانونية.
*
والعدالة تنطوي على احترام حقوق المتهمين ومصالح الضحايا ورفاه المجتمع بأسره .
*
ويشمل مفهوم "العدالة الانتقالية" تفهم المجتمعات لتركه تجاوزات الماضي بهدف كفالة المساءلة وإقامة العدل وتحقيق المصالحة بالآليات القضائية وغير القضائية ومحاكمات الأفراد ، والتعويض عن الأضرار السالبة المادية والمعنوية وتقصي الحقائق وكشف التجاوزات .. الخ.
*
تؤكد التجربة أن اتباع مناهج مجزأة في إقامة سيادة القانون لن تثمر في بلد مزقته الحرب أو نهشت فيه الفظائع ، وحتى تتسم استراتيجيات سيادة القانون والعدالة بالفعالية يجب أن تكون شاملة تشارك في إطارها جميع مؤسسات قطاع الدولة الرسمية وغير الحكومة في وضع وتنفيذ خطة استراتيجية واحدة والاتفاق على معايير العدالة وآليات التنفيذ والرصد وفئات المتضررين الذين يجب أن يستفيدوا منها ..
وأن العدالة الانتقالية تستلزم الاهتمام بتحديات بيئات ما بعد النزاع بنهج يوازن بين مجموعة متنوعة من الأهداف ، منها السعي لتحقيق المساءلة وتقصي الحقيقة والتعويض عن الأضرار وصون السلام وبناء الديموقراطية وسيادة القانون.
وينبغي للاستراتيجية الشاملة كذلك الانتباه والاهتمام الخاص للتجاوزات المرتكبة ضد الفئات الأكثر تضرراً من الصراع مثل المفصولين من الخدمة والمشردين من قراهم والمعاشيين والمسنين والأطفال واللاجئين والنازحين .. واتخاذ خطوات جادة ومحددة لحماية هذه الفئات والانتصاف لها في عمليات المصالحة ..
إن وجود برامج فعالة وعاجلة لمنح تعويضات إلى الضحايا لقاء ما عانوه من أذى تشكل عنصراً هاماً لتحقيق المصالحة وإعادة بناء الثقة في نفوس الضحايا بالدولة . والتعويضات تكون سالبة أو غير ذلك مثل رد الحقوق القانونية إلى الضحايا (حق العودة للعمل وحق الاستمرار في العمل وتطبيع الموارد لصالح المتقاعدين في قانون معاشات الشرطة وقانون معاشات ضباط القوات المسلحة ، ومعاش المثل في قانون معاشات الخدمة العامة ، التي تم إيقاف بعضها بقرارات وتنفيذ الاتفاقيات بشأن إنهاء الخدمة في القطاع الزراعي وقطاع المصارف ، وتنفيذ الأحكام القضائية .. الخ) .. أما غير المالية من مثل الاعتذارات الرسمية وتنظيم الاحتفالات بذكرى الانتهاكات ..الخ.
ومن المرجح ألا يحظى شكل واحد فقط من التعويضات رضا الضحايا وبدلاً من ذلك يلزم وضع مجموعة مختلطة ومدروسة على النحو الملائم من التدابير لمنح التعويضات كعنصر مكمل لإجراءات لجان المصالحة الوطنية واستجلاء الحقيقة .. وأن ما تقتضيه العدالة ويمليه السلام يستوجب القيام بشيء ما لمنح تعويضات إلى الضحايا ..
وفي النصف الأخير من هذه الجزئية أركز أكثر على مسألة هامة وهي أن تعدد لجان المتضررين للفئة الواحدة تجعلها جزءاً من الأزمة ، أزمة حلول القضية حيث أوضحت أن طريق المؤتمر الوطني للتمكين ديموقراطياً هو تجزئة القضايا وتعدد الآليات لحل القضية الواحدة .. وأن تعدد تنظيمات متضرري الفئة الواحدة دونما تنسيق يكون احتكارية للقيادة التي تعادل احتكارية المؤتمر الوطني للسلطة والساحة السياسية بل كل الساحات حتى الرياضية (!) ويكون تعدد الأجسام بلا تنسيق معادلاً لتجزئة القضايا عن المؤتمر الوطني وهو ما يعرقل حركة ونشاط المتضررين وسلامة برنامجهم وتوجهها لتحقيق أهدافها ..
ولما كان التقديم هو لفئة المتضررين بسبب الفصل من الخدمة فإننا نهتم بكافة المظاهر التي تضعف من قوة تنظيمات المفصولين وتوحيد خطها . وجاء في أدب هيئة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالعاصمة القومية (9/8/2006) :
ندرك جميعاً أن لجان المفصولين ليست أحزاباً سياسية ولا صدى لها ولا ينبغي كما أنها ليست تنظيمات نقابية أو تدار بعقليات نقابية وحزبية تقيم التنظيمات الهرمية وتلزم المفصولين بالخضوع لها .. لجان المفصولين لجان تنسيقية مؤقتة ، تطوعية ومتحركة وليست لها عضوية محددة ولا نصاب قانوني ولا يشرف عليها مسجل التنظيمات أو الجمعيات ..
وقوة هذه اللجان مستمدة من متانة علاقتها مع قواعد المفصولين (في الأحياء والأسواق والقرى) .. ونعتقد أنه لا توجد لجنة واحدة اليوم تدعي تمثيلها لمفصولي السودان من كل شاكلة ، لذلك نرفض بحزم احتكارية قيادة أية مجموعة للعمل . ونؤمن أن وحدة المفصولين وتنسيق أعمال اللجان هي مفتاح الحل للقضية ومفتاح صدور القرار السياسي ..
ونبهت وآخرون في فبراير الماضي 2007 أننا تيقنا أن عدم وحدة حركة المفصولين أصبحت مشكلة فرعية ومن بين الأسباب الجذرية لعدم حل مشكلة المفصولين وأنه إذا لم تنجز هذه الوحدة فإن حزب المؤتمر الوطني سيحلها بطريقته المعروفة (!) وعدم الوحدة في تقديرنا هو الذي جعل مفصولين يبحثون عن حلول وآليات في حين أن تلك الحلول والآليات متفق عليها في الدستور القومي الانتقالي واتفاقية القاهرة .
وأن قضية المفصولين اليوم تطرح في ظرف دقيق ومعقد حيث يواجه الوطن النتائج الوخيمة التي أفضى إليها برنامج القوى الاجتماعية المعادية للديموقراطية والتطور الاجتماعي ، هذه القوى التي درجنا على تسميتها بالقوى الطفيلية والتي أوصلتا إلى خيارها الأخير (إما أن تسود أو يتلاشى الوطن) في مقابل خيار أغلبية الجماهير (أن يبقى السودان الديموقراطي الموحد ذو السيادة ولتذهب ريح الظلمة الجبارين) ..
وقضية المفصولين من الخدمة هي جماع لقضايا عديدة :
*
هي قضية سياسية من الطراز الأول لأنها تتعلق بجهاز الدولة بشقيه المدني والعسكري .. هل يظل خادماً لمصالح ضيقة وجماعات محدودة أم يتحول لخدمة المصالح العامة والأغلبية الساحقة من السودانيين ؟ فالفصل كان ركناً أساسياً في عملية تخريب منظم لجهاز الدولة (هل يستطيع شيخ الترابي الاعتراف بذلك التخريب خلال الفترة 89 – 91 (بس) ؟ وكان وقتها يملك توجيه جهازه الخاص لفعل ما يريد وبالذات خلال فترة حظر التجوال . ذلك ضروري قبل قيادة حملات الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي هو أيضاً جعلها تحت ...!!)
*
هي قضية اقتصادية ارتبطت بسياسات السوق الحر والخصخصة وإعادة الهيكلة ومن فصلوا لهذه الاسباب صاروا ضحايا سياسة الدولة الاقتصادية المالية التي تدعمها مؤسسات مالية دولية . ولا يمكن الحديث عن حلول دون أن يجد المفصولون أنفسهم في مواجهة هذا النهج .
*
هي قضية قانونية ، حقوقية ،مرتبطة بطيف واسع من المسائل التي هي في صميم الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية مثل حق التنظيم واستقلالية وديموقراطية تنظيمات الجماهير العاملة والنقابات والاتحادات بشكل خاص .
وقضايا الحماية الاجتماعية في شمولها لمسائل المعاشات والتأمين الاجتماعي والصحي والحقوق في الخدمات العامة .. الخ .
قضية بهذا الحجم لا تحتمل إلا الجدية في العمل والجماعية في التفكير واتخاذ القرار والنشاط ، وعلى فئة المتضررين من المفصولين من الخدمة تعول الفئات الأخرى لتوحيد المتضررين كافة . لكن اتحاد كافة المتضررين يتطلب أولاً وحدة المفصولين من الخدمة . وأن هذه الوحدة ضرورية لتحقيق أهدافهم والمساهمة في تحقيق أهداف الفئات الأخرى من المتضررين.
وما توصلنا إليه بالتجربة وتبادل المعارف أن وحدة المفصولين من الخدمة غير ممكنة دون الوصول إلى وضوح قاطع حول قضايا الفصل من قبل كل مجموعات المفصولين على اختلافها . فالعمل على توضيح هذه القضايا وتقديم أفكار حولها وتوعية الجمهور بأهميتها يقع في صميم هذا المسعى ويوصل إليه .
لهذا لا بد أن تجد قضايا المفصولين من الخدمة صياغتها في برنامج موحد بعيد عن غموض التعميم ، ويلبي مطالب كل المفصولين بمختلف فئاتهم ويمثل الحد الأدنى الضروري للوحدة دون أن يقصي الحدود العليا نهائياً . وبرنامج المفصولين الموحد يجب أن يشتمل على سلم أولويات مطلبية عملية بجانب أساليب وطرائق متسقة أو موحدة . وللوصول إلى البرنامج المبتغى والوحدة المرتجاة لا بد أن يتم ذلك من خلال عمل ونشاط وليس التأمل المدرسي (والدخول لاجتماع والخروج من آخر !!).
أما وحدة المفصولين من الخدمة فإننا نعتقد أنها تتطلب أشكالاً تنظيمية ملائمة للوصول لدرجة من الوحدة معقولة ، وتطويرها . وفي هذا الصدد لا بد من التخلي عن تصورات وحدة قائمة على هيكل عمودي واحد مركزي تتربع على قمته قيادة ما (وأن يكون لها دورها وأختامها وحارس لتلك الدار !!) فهذا التصور فشل في الواقع الحي الذي أثبت أن حركة المفصولين من الخدمة عصية على أن نوع من أنواع التبعية فهي لن تتبع السلطة ولم تتبع أي حزب وإنما تتبع مصالحها المحددة المتوافقة مع مصالح الوطن .
لذلك اقتراحنا ونجدد اقتراحنا بتشكيل هيئة للتنسيق (وهي ليست قيادة للتفاوض باسم جميع فئات المفصولين فكل فئة تفاوض هي إلى جانب هيئة التنسيق التي هي داعمة للحلول التي تقترحها تلك الفئة) للوصول للاتفاق حول البرنامج والمعالجات المقترحة لكل فئة ونشرها على أوسع نطاق لأننا ننظر إلى وحدة المفصولين من الخدمة ضمن التعدد الواقعي فالوحدة حول برنامج واهداف واساليب لا الهياكل والأجسام رغم أهيمتها ..
إننا يجب ألا ننسى ولو لبرهة أن المواجهة الرئيسية هي مع الذين أجروا الفصل وأعدوا كشوفاته وليس فيما بين مجموعات المفصولين من الخدمة . فما بينهم (مهما بلغ) هو أمر ثانوي ممكن الحل لأجل الوحدة التي تفتح آفاقاً هامة للانتصار لاستحقاقات المفصولين من الخدمة ورفع الظلم عن كل فئات المتضررين الأخرى ولهزيمة مخططات السلطة واستراتيجية التمكين ديموقراطياً لحزب الحركة الإسلامية.
إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تميز بين الحقوق ولذلك فإننا لا نميز بين المفصولين من الخدمة من حيث الانتماء السياسي أو غير ذلك .. ولا نميز بين لجانهم المتعددة التي هي كثيرة وليست اللجان الثلاث المعلومة .. والواقع اثبت أن معظم المفصولين من الخدمة فصلوا بسبب عدم الانتماء أو التعاطف مع حزب الحركة الإسلامية (الوطني والشعبي معاً) وعلى ذلك لا يمكن القول بأن كل المفصولين من الخدمة هم أعضاء منظمين في الأحزاب السياسية الوطنية وعلى ذات النهج فإننا لا نميز بين القوى السياسية التي تدعم قضايا المفصولين صادقة وقضايا كل المتضررين.
وبقاء سلطة الإنقاذ التي لم تسقط نهائياً بل انتقلت إلى مرحلة جديدة ، ووجهة معظم القوى السياسية في عدم الإطاحة بما تبقى من سلطة الإنقاذ يعني صراحة أنه لا سبيل للمصالحة وتضميد الجراح إلا بقبول الحركة الإسلامية في السودان للمبدأ وحثها حزبها الحاكم لتقديم التنازلات في هذا الشأن أو الضغط على الحركة الإسلامية وهذه النقطة هامة وتدركها الحركة الإسلامية جيداً ولذلك تعرقلها ونأخذ مثال (الوفاق الوطني الشامل) مدخل المصالحة وتضميد الجراح لنتعرف على ما فعلت به الحركة الإسلامية وكيف ساعدها الآخرون في الجزئية الخامسة من المقال .

ونواصل

No comments: