Saturday, May 31, 2008

منازعات العمل الجماعية وحق الاضراب..(2-2)

منازعات العمل الجماعية وحق الاضراب..(2-2)

محمد علي خوجلي

المادة(8) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (وثيقة الحقوق في الدستور القومي الانتقالي لجمهورية السودان..المادة 27 من الدستور) نصت على : الحق في الاضراب على ان يمارس طبقاً لقوانين القطر المختص وجاءت الفقرة (3) لتنص على انه ليس في المادة (8) ما يخول الدول الاطراف في اتفاق منظمة العمل الدولية لسنة 1948م الخاص بحرية المشاركة وحماية الحق في التنظيم اتخاذ الاجراءات التشريعية التي من شأنها الاضرار بالضمانات المنصوص عليها في ذلك الاتفاق أو تطبيقها بشكل يؤدي إلى الاضرار بتلك الضمانات..
للتعرف على واقع حال ممارسة حق الاضراب في السودان نأخذ بعض النماذج اعتباراً من يناير 2007م وأود التنبيه أن قانون العمل الساري 1997م ولا أي قانون آخر معمول به في السودان نص أو ينص على حق الاضراب عن العمل وكلما يطلقه قادة اتحاد نقابات عمال السودان من شرعية أو قانونية أضراب أو عدم شرعيته أو قانونيته لا سند له من أي قانون مكتوب. الا ان استند على الارث النقابي السوداني وحق الاضراب عن العمل في الممارسة.. وننظر:
نفذ معلمو مرحلتي الاساس والثانوي بوحدة كوستي في 15 يناير 2007م اضراباً مفتوحاً عن العمل لعدم صرف 50% من المرتب الشهري عن العام 2006م. وفي جنوب كردفان واصل معلمو اربعة محليات اضرابهم عن العمل لعدم التزام حكومة الولاية بسداد مرتبات المعلمين (ثلاث مليارات) اما الهيئة النقابية لعمال التربية والتعليم بالنيل الازرق فقد رفعت اضرابها الذي بدأ يوم السبت 13 يناير في يوم 15 يناير 2007م بعد صرف نصف المرتب المتبقي عن ديسمبر 2006م وجدولة المتاخرات.
وتوقف العمل بقسم الجراحة والعملية الكبيرة بمستشفى النو يوم الخميس 8 مارس 2007م بسبب اضراب فنيي وطاقم التحضير والتخدير بسبب عدم سداد الاجر الاضافي. وتواصل اضراب اطباء مستشفى سنجة حتى 3 ابريل 2007م الثانية عشر ظهراً بسبب تأخر المرتبات لثلاث شهور مع تهديد الاطباء بمستشفى ابو نعامة وودالنيل بالاضراب لذات السبب. اما العاملون بهيئة توفير المياه في الدمازين فقد دخلوا في اضراب عن العمل بسبب تأخر رواتبهم وعدم صرف استحقاقاتهم لمدة ثلاثة اشهر (23 ابريل 2007م) مثلما اضرب عن العمل الاطباء البياطرة في الدمازين يوم 24 ابرييل.
ثم كان اضراب العاملين بوزارتي الزراعة والثروة الحيوانية والمالية والشؤون الهندسية بولاية النيل الازرق (الف عامل) في الاسبوع الأول من ابريل 2007م لثلاث ايام وجدير بالذكر ان العاملين بالمياه رفعوا اضرابهم لاسباب انسانية ورفع عمال المياه الاضراب لاسباب انسانية يعادل (حظر دول للاضراب بالقانون لفئات من العاملين بالخدمات الأساسية).
وفي 5 مايو 2007م اضرب عمال المهن الصحية بولاية الخرطوم من الصباح الباكر وحتى الواحدة ظهراً باستثناء عمليات الطوارئ واستقبال الحوادث. ونفذ الاضراب بنسبة 90% وافاد رئيس مجلس تنسيق الهيئات النقابية بأن الاضراب هو إشارة للمسؤولين بالدولة واتحاد العمال والنقابة العامة واتحاد عمال ولاية الخرطوم وماتجدر الإشارة إليه ان هذا الاستثناء للطوارئ والحوادث هو تقليد نقابي قديم في السودان فعبر جميع الحقب كانت اضرابات الاطباء والعاملين بالمهن الصحية تتخذ هذا المسلك باختيارها لا بقوة قانون،اذ ليس من اهداف الاضراب عن العمل معاقبة مواطنين مرضى يحتاجون لمساعدات طبية عاجلة ومعروف ان قوانين العمل في بعض الدول التي تنظم حق الاضراب تنص على مثل هذه الاستثناءات.
واضربت الهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم عن العمل لثلاث أيام بدأت في 19 مايو 2007م احتجاجاً على قرارات إدارة الجامعة بفضل اكثر من خمسين عالماً بجامعة الخرطوم وقد وجد الاضراب استنكاراً من إدارة الجامعة ونقابة عمال الجامعة (الرسمية) اما اتحاد نقابات عمال السودان فقد وصف الاضراب بأنه (غير شرعي) لان الهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم غير شرعية. ويهمني هنا وصف اتحاد العمال للإضراب بعدم الشرعية لانه يثبت ان هناك اضراباً شرعياً أو قانونياً وهو موضوع ومطلب هذا الجزء من المقال (!).
وفي 25 يونيو 2007م دخل العاملون في منطقة ارياب للتعدين في اضراب بعد انقضاء مهلة الاسبوع التي حددها لهم والي البحر الاحمر بحل مشاكلهم ..والاضراب (مفتوح) حتى تتحقق مطالبهم (!) (بدل منجم، علاوة غلاء المعيشة، تأهيل المستشفى وتقديم الخدمات العلاجية للعاملين) وتنمية المنطقة (!).وقررت الهيئة النقابية لعمال الهيئات الزراعية: حلفا، الرهد، السوكي التوقف عن العمل اعتباراً من يوم 17 يونيو 2007م ولمدة خمسة أيام في حالة عدم ايجاد رؤية واضحة لمعالجة مسألة الفصل الأول وصرف المرتبات والمستحقات المتأخرة.
وأعلن الاتحاد العام لنقابات عمال السودان انه يساند موقف عمال التعليم وحقهم في الاضراب اذا لم تطبق لهم علاوة الـ5% طبيعة عمل حسب الاتفاق . ومنح الاتحاد وزارة المالية مهلة اخيرة تنتهي في يوم 19 سبتبمر 2007م وهو اليوم المحدد لبداية الاضراب(!).
ومعلوم ان شهر سبتمبر 2007م شهد توجيه الاتحاد العام لنقابات عمال السودان انتقادات حادة لوزارة المالية لعدم وفائها بالتزامها بسداد الزيادات السنوية للأجور وفقاً لما تم الاتفاق عليه مع الاتحاد وقرر المكتب التنفيذي للاتحاد اطلاق يد النقابات العامة والاتحادات الولائية في اتخاذ اي قرارات تكفل لهم الحفاظ على حقوقهم ومكتسباتهم بما فيها الاضراب عن العمل وفي السابع من اكتوبر 2007م اعلنت النقابة العامة للارصاد الجوي عن عقد العزم على الاضراب عن العمل احتجاجاً على عدم صرف مستحقات العاملين منذ مارس 2007م والمعلوم ان هناك اضرابات عن العمل نفذت بنجاح لكن معظم الاعلانات عن الاضرابات كانت من قبيل التهديد بالاضراب في الحقيقة كحالة اضراب الارصاد الجوي مثلاً ودائماً وقبل الاضراب يتم التدخل من المسؤولين ويرفع الاضراب قبل ان يبدأ ولان ذلك طال عشرات الحالات فان العمال يرون ان هناك تنسيقاً بين (النقابات) و(الادارات) في هذا الشأن (!) وفي حالة الارصاد الجوي تدخل وزير الدولة بالطيران.. وكذلك في حالة العاملين بمؤسسة الرهد الزراعية،رفعوا الاضراب بعد تدخل وزير الدولة بالزراعة..الخ وكذلك العاملون بالتعليم العالي الذين حددوا 19 مارس 2007م بداية لاضرابهم لثلاث أيام وتم رفعه كالمعتاد والذي اعتبرته الهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم انه بهدف (تمييع) قضايا الاستاذ الجامعي(!).
المهم بعد كل ذلك، يرى الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ان الاضراب عن العمل وسيلة قانونية وحق من حقوق العاملين متى ما استنفذوا الوسائل الاخرى من حوار وآليات تحكيم ونقبل برؤية اتحاد العمال ونسأل قيادته لماذا لم يضمن هذا الحق في مشروع قانون العمل الأطاري؟
قانون العمل في جمهورية مصر العربية 2003م استجاب للمادة (8) من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية و(المادة 27 من دستور السودان الانتقالي القومي)!!
وتكفل بتنظيم حق الاضراب (بطريقته) التي اعرضها عبر المواد 192 وما بعدها حيث نص على:
للعمال حق الاضراب السلمي ويكون اعلانه وتنظيمه من خلال منظماتهم النقابية دفاعاً عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية وذلك في الحدود وطبقاً للضوابط والاجراءات التي قررها قانون العمل.
ونظم قانون العمل المصري حق الاضراب السلمي كالآتي:
*
يجب على النقابة بعد موافقة ثلثي الاعضاء اخطار صاحب العمل ومكتب العمل بمواعيد الاضراب قبل عشرة أيام على الاقل.
*
اذا لم تكن بالمنشأة نقابة يمكن الاخطار عن طريق النقابة العامة التي توافق باغلبية الثلثين على الاخطار.
*
يتضمن الاخطار الاسباب الدافعة للاضراب والمدة الزمنية المحددة له
*
يحظر الاضراب بقصد تعديل اتفاقية عمل جماعية اثناء سريانها، كما يحظر خلال جميع مراحل واجراءات الوساطة والتحكيم
*
يصدر مجلس الوزراء قراراً يحدد فيه المنشآت التي يحظر فيها الاضراب وهي المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها الاخلال بالامن القومي أو بالخدمات الاساسية التي تقدمها للمواطنين.
*
تعتبر فترة الاضراب اجازة للعامل بدون مرتب
ومع اننا نعتبر ان قانون العمل المصري الجديد احرز تقدماً في مسألة الاضراب عن العمل والذي كان يعتبر جريمة جنائية (!) وخطا خطوة للامام بالنص على حق الاضراب عن العمل. إلا ان المآخذ على طريقة تنظيمية لاستعمال الحق لا تخفى..كما ان التقاليد الكفاحية والارث النقابي يختلف بين عمال دولة وأخرى ولذلك شكل التنظيم النقابي وقانون النقابات المصري قائم على نقابة المنشأة، كما السوداني ويتميز هذا الشكل باحتكارية العمل النقابي والابتعاد قدر الامكان من انعقاد الجمعيات العمومية والتقليد النقابي في السودان قبل انقلاب يونيو 1989م هو الاحترام الثابت للديمقراطية النقابية والاضراب عن العمل تقرره قواعد العاملين التي ستنفذ الاضراب لا قيادات النقابات بقرارات فوقية.. ولذلك فرض القانون المصري موافقة ثلثي اعضاء النقابة، الذي هو من جهة اخرى تدخل إداري فقط في العمل النقابي عن كيفية وصول العاملين لقرار الاضراب عن العمل. هذا من جهة ومن جهة أخرى فكيف تكون النقابة العامة مسؤولة عن اضراب عمال منشأة لا نقابة فيها وان يطلب القانون ان توافق بثلثي اعضائها عن اضراب عمال منشأة خارج تنظيمها.
اما أخطر مانص عليه قانون العمل المصري هو اصدار مجلس الوزراء لقرار يحدد فيه المنشآت التي يحظر فيها الاضراب لدواعي (الأمن القومي) وهذه لاسقف لها..(!)
وأتفق مع ماجاء في (دفتر الحقوق) حول الحق في الاضراب وان الفعالية الحالية التي يحظى بها هذا الحق تعود إلى قوة النضالات التي خاضها العمال. ويكفي ان السودان عرف الاضراب عن العمل منذ 1903م والمادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نصت على الحق في الاضراب عن العمل كما اشرت في اول المقال، لكن يجب ان نقر بأن اتفاقيات منظمة العمل الدولية قد التزمت الصمت فيما يتعلق بهذا الحق، كما مشروع قانون العمل الاطاري، لكننا –هنا- نتمسك بالحق الدستوري (المادة27) والارث النقابي وتقاليد الحركة النقابية السودانية وموقف اتحاد نقابات عمال السودان القائم.
ويتم الاعتراف على نطاق واسع بالحق في ممارسة الاضراب دون النص عليه كما في السودان حيث يقر اتحاد العمال بالحق في الاضراب عن العمل ويدعو إليه احياناً (!) على الرغم من ان قانون العمل ساري المفعول(1997م) لاينص على حق الاضراب عن العمل. وايضاً فإنه يحظر في بعض البلدان على العاملين في عدد كبير ومنوع من الخدمات الاساسية. وهناك تشريعات في بعض البلدان تمنح السلطات العامة سلطة تقديرية واسعة لفرض الحظر على الاضراب في خدمات معينة أو اعلان ان الاضراب غير مشروع بسبب اضراره (بالاقتصاد الوطني) أو (الأمن القومي) فيكون المطلب الدستوري والمتفق عليه: تضمين حق الاضراب عن العمل في مشروع قانون العمل الاطاري.

No comments: