Saturday, May 31, 2008

طريقان أمام قيادة الحزب الشيوعي

طريقان أمام قيادة الحزب الشيوعي
اربعون عاما بلا مؤتمر (2)

عرض: محمد علي خوجلي

غياب المؤتمر لاربعين عاما، وآلية تعيين القيادات، واضعاف الديمقراطية في الحزب ورفع رايات التأمين والحماية وامن الحزب بمناسبة وبغيرها، كان مظلة نشر الفوضى التنظيمية، وتقوية مواقع اختراق الحزب. وبالاستناد على (القبضة القابضة) و (القبضة التنظيمية) تم اجهاض الصراع الفكري وتصفية ممثلي التيارات واجبار تيار او اخر على الصمت انتظارا لليوم المشهود، والتيار اليميني عندما يهيمن على التنظيم، لا يحترم اصلا لائحة ولا مبادئ تنظيم، ويجعل التنظيم (ملكية خاصة). واحتكار نظام الحزب يحدث باشكال عديدة: بالاختفاء دون قرار والتفرغ احيانا بحكم الظروف، وفي مرة قامت لجنة حزبية ما باصدار اعلان بالصحف اليومية موضوعه استطلاع للرأي بين عضوية الحزب حول تغيير اسم الحزب، الغريب ان ذلك الاعلان قلب البلاد راسا على عقب ولم يقلب الحزب، وايضا لا يفهمون.

ولتأمين بقاء القيادات المعنية واستمرار هيمنة التيار اليميني، ابتدعت قيادة الجهاز ما يسمى (الاشراف) على تنظيمات الحزب، وللمشرفين مهمة مزدوجة: من جهة (تكريب) القبضة القيادية لوقف اي انفلات للنشاط الجماهيري والنقابي والحزبي ومن جهة اخرى هم مدبجو التقارير السرية صحيحة او مفبركة، عن مسار التيارات ومواقعها وممثليها او من يحتمل تأثره بذلك التيار لتفادي اية اخطاء في التعيينات ولاتخاذ الاجراءات الادارية والتأمينية اللازمة حتى اذا تطلب الامر حل هيئة حزبية، واعادة تكوينها لابعاد فرد واحد هو رفيق وعضو في ذات الحزب، واحيانا اقامة تنظيمين، احدهما وهمي ليوضع فيه المخالف لرأي التيار المهيمن.

ومرض القبضة القيادية من الامراض المستوطنة في التيار اليميني ولا علاج لها الا الاستئصال والمرض كما يستشري في ظروف العمل السري فانه لا يختفي في الظروف الاخرى فخلال فترة الديمقراطية الثالثة (85-89) لم يكن يستطيع تنظيم حزبي او ديمقراطي او حتى اصلاحي (جمعية خيرية) بأي منها عدد من الشيوعيين القيام بأي نشاط جماهيري الا بعد التصديق من (ممثل السكرتارية المقيم) واخص بالذكر سكرتارية مديرية الخرطوم، وتنظيمات (العاصمة القومية) وقد شهدت تلك السكرتارية وهي تجري التحقيقات والتحريات كأي مركز للشرطة حول (لبن جاف) لاحدى جمعيات ربات البيوت مرة، وعربات كارو خاصة بحمل النفايات مرة اخرى.

فهل من بين قضايا المؤتمر مناقشة تكتيكات الحزب في حقبة الديمقراطية الثالثة ذات العلاقة الوثيقة بما حدث في نهايتها وبيان طبيعة السلطة الجديدة وكيف واجهها الحزب؟ ام يحال الامر الى لجنة ما؟!!

وضعف الديمقراطية في الحزب، بالتجربة السودانية وغير السودانية ينتج عنه ضعف النشاط الجماهيري بموت المبادرات، والخوف من غضب القيادة، وضعف الديمقراطية في الحزب هو جدب وعقم الحياة الداخلية، ومصادرة حقوق العضوية ومصادرة الصراع الفكري، وكل ذلك لا علاقة له بانهيار المعسكر الشيوعي الستاليني او اسم الحزب او الماركسية التي شاخت، وتصحيح ذلك يبدأ بتصحيح خطأ عدم انعقاد المؤتمر لاربعين عاماً، وهذا التصحيح لا يستقيم الا بتصحيح كل اثار الخطأ.

ولا يكفي القول بأنه كان ممكنا انعقاد المؤتمر العادي او الاستثنائي ما بين 85-89 ثم الصمت، يجب اكمال الجملة حتى النهاية: ان تلك الامكانية لم تحقق لان قيادة جهاز الحزب جعلت الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية غير المنتخبة بديلا للمؤتمر اي انها كانت تعيش حالة (انحراف يميني ومجافاة للمنهج الثوري) خاصة وانها تعلم علم اليقين ان كل القيادات بالتعيين بما في ذلك اللجنة المركزية التي تعقد الاجتماعات الموسعة وان وضع الحزب التنظيمي بعد 85 لم يختلف كثيرا عن وضعه في العام 1965م.

ولمزيد من الايضاح نعود الى ما كتب الاستاذ التجاني الطيب بابكر:

(شهدت فترة ما بعد اكتوبر 1964م، سلسلة من اجتماعات الكادر التي كان يطلق عليها الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية، ويبدو ان الاقتناع قد ساد بان اللجنة المركزية المنتخبة من المؤتمر الثالث تساقطت عضويتها بنسبة 60% ولم تعد جديرة بتحمل المسؤولية اللائحية المقررة، ولم تعقد اللجنة المركزية اجتماعا لائحيا الا لفترة قصيرة جدا في اعقاب انتخابات 1965م، وقد ادى اغفال اللائحة الى انحراف اللجنة المركزية في الاجتماعات الموسعة التي كانت تجاز فيها القرارات بالتصويت دون تمييز بين اعضاء اللجنة المركزية وخلافهم).

واشار الاستاذ التجاني لحقيقة اخرى هامة وهي ان التقرير الرئيسي للمؤتمر الرابع غابت عنه فترة واجبة التقييم، احد عشر عاما، ولذلك فان المؤتمر الرابع لم يناقش تفصيلا الانحراف اليميني للجنة المركزية 65 – 67 وابتعادها عن لائحة الحزب والنهج الثوري في القيادة ولذلك لم يتم انتقاد الخطأ الجسيم ولم تتم محاسبة اللجنة المركزية عن مسلكها الخاطئ عندما جعلت الاجتماعات الموسعة بديلا للمؤتمر وبسبب هذا الموقف الخاطئ تم تكرار الخطأ مرة اخرى خلال الفترة 85 – 89م.

وقلت ان التراجع عن الخطأ قد يوقع في مزيد من الاخطاء، فاذا وجدنا من يقول مثلا:

( لن يكون مشروع التقرير تاريخ للحزب منذ المؤتمر الرابع، ولكن الطبيعي ان المؤتمر من صلاحياته تكوين لجنة او تحديد جهة ما لاستكمال كتابه تاريخ الحزب, وحقيقة يفتقر الحزب الى توثيق وافي وصحيح ودقيق لتاريخه، وطبيعي ان مثل هذا التوثيق يصبح اكثر مشقة مع مضي الزمن).

فاننا نكون امام مفهوم غير ماركسي لمهة التقرير بين المؤتمرين. وتاريخ الحزب واي حزب شيوعي اخر لا تقوم باعداده لجنة متخصصة او لجان شاركت بعض عضويتها في جزء او اجزاء من الاحداث، ولن يكون المقصود من تسجيل تاريخ الحزب حشد الوقائع وترتيبها الزمني والمواقف الرسمية، وانما هو تحليل للمواقف وبيان لمجريات الصراعات الفكرية التي دارت او التي حسمت اداريا وجذورها، وهنا لا توجد مشقة مع مضي الزمن لان معظم الوقائع، وقد مضت عليها سنوات طويلة، تكون عمليا قد توصلت الى الاتجاهات السليمة والخاطئة، وان اداة التحليل والتقييم لكل ذلك هي عقل الحزب الجماعي، او المؤتمر والى ان ناتي لاثبات اهمية التقرير الرئيسي للمؤتمر في كشف صراع التيارات بامثلة عملية لوقائع تاريخية، دار فيها صراع فكري، يلزم اثباته اعرض بعض افكار الاستاذ التجاني حول الموضوع:

(من حق المؤتمر العام عرض وتقييم كامل للفترة بين المؤتمرين في كل الجوانب الاساسية لعمل الحزب ونشاطه الداخلي والجماهيري ومحاسبة اللجنة المركزية، وان المؤتمر الرابع كان يتوجب عليه ان يستوفي تفصيلا احد عشر عاما بالغة الاهمية في حياة البلاد السياسية وفي تطور الحزب، ان غياب ذلك التقرير يمثل الان ثغرة واسعة في تاريخ الحزب).

وقد ربط الاستاذ ما بين (تاريخ الحزب وتقييم النشاط في المؤتمر) الذي يسجل تاريخ الحزب ببيان الصراعات الفكرية والمبدئية التي صاحبت المواقف، واذا كانت احد عشر عاما ثغرة واسعة يمتد اثرها السالب حتى اليوم، فكيف اذا كانت الفترة الاربعين عاما التي لا تخفى اهميتها؟).

واضاف: (ولانه عندما تغاضى المؤتمرون عن هذا الغياب، تغاضى المؤتمر عن واحد من حقوقه الاساسية مما ترتب عليه عجزه الحتمي عن النهوض بمهمته الرئيسية وهي تقييم الفترة السابقة له واصدار حكمه على لجنته المركزية).

وقال عبد الخالق في ذات الاتجاه:

(ان الذي يجهل تاريخ الحزب من العضوية يضعف وعيه ويقعد به دون المساهمة الجادة في تطور الحزب، ولا يؤهله من الناحية الفكرية لحرب التيارات الانتهازية التي يتعرض لها الحزب خلال نضاله).

وعندما تصل تبريرات التراجع عن الخطأ نهايتها تقذف ميتا بخلاصة: انه تم تغليب الاعتبارات التأمينية على النظم والمبادئ، ويتم استغلال (امن الحزب) مرة سوطا على العضوية ومرة درعا لتبرير الخطأ، وهذه الخلاصة في الحقيقة قضية منفصلة خارج موصوع الحديث الا في اطار مناقشة الخلاصة، وهي قضية اساسية من صلب قضايا التقرير بين المؤتمرين (امن الحزب واختراق التنظيم).

ان من اهم اسباب الضعف الذاتي للتنظيم، والتي اشار اليها المؤتمر الرابع وتم التأكيد عليها في المؤتمر التداولي 1970م، واثبتت الايام صحته بعد ذلك، والذي قطع شوطا كبيرا من قبل ثورة اكتوبر 1964م، ولم تتم متابعة اثار ذلك الاختراق وبالذات الذي اكده المكتب السياسي ان عرض تجارب مكاتب الرقابة والمعلومات المتعددة والتي هي خارج سيطرة الحزب عليها، مسالة لا غنى عنها، وهي ستعيد كتابة تاريخ الحزب من جديد، ويعلم قادة جهاز الحزب ومعظم الكوادر الوسيطة، دون الشباب الشيوعي، ان عشرات الشيوعيين الثوريين كانوا ضحايا المعلومات المفبركة ومنهم من قدم حياته من اجل الوطن والقضية والحزب والذين اتهم بعضهم زورا وبهتانا بالبوليسية والضعف وكانوا من اشرف المناضلين واشجع الثوريين.

وفك طلاسم المسألة لا يحتاج لاختصاصيين ولن يحل القضية مناقشة رفاق (مختارين) لتجديد عضويتهم في الحزب فهم لن ينسوا الماضي وما حاق بهم وافراد عائلاتهم واسرهم، ولن يحل قضية تجميع تفاصيل واثار الاختراقات خطوة التعلم من الاخطاء، ولا يحتاج الامر لاكثر من قرار من سطرين: كل الذين خارج الحزب من العضوية السابقة، عليهم التوجه نحو فروع الحزب، دون ان يكونوا اعضاء فيها، وفتح الملفات امام الفروع، وعندما يتم نقل القضايا الى التنظيمات القاعدية التي هي (الحزب) اليوم سيتم التعرف على كل التفاصيل، اختلاق البيانات، والبلاغات الكاذبة، والوشاة والذين اشرفوا على ذلك من القيادات الحزبية المعنية، وقد تقر عضوية سابقة بأنها تدربت على رفع البلاغات الكاذبة بتوجيهات حزبية، من قبل اتهامها بالبوليسية وقابلت من امتص الندم عروقه عندما يتذكر كيف اضر برفاق له لا يعرفهم، وسيفضح رفاق كيف استجابوا وعيونهم مغمضة للتحريض بمقاطعة رفاقهم سياسيا وعزلهم اجتماعيا.

ان المفهوم الخاطئ لقيادة جهاز الحزب لمسألة (امن الحزب) ليس فقط عدم انعقاد المؤتمر بل ايضا مقابلة (الضربات) التي توجه للحزب بمزيد من اجراءات احكام القبضة القيادية، رد فعل ساذج يحقق هدف اعداء الحزب، في حين ان رد الفعل من المفترض ان يكون في الاتجاه المضاد، واستنادا على المفهوم الخاطئ لامن الحزب اصبحت (المركزية المطلقة) درعا للدفاع عن بقاء الحزب، في حين ان الحزب لا يبقي بالاجراءات القمعية التي تجفف دماءه، بقاء الحزب وتأمين كادره هو بمواجهة اساليب اضعافه واهمها عزله عن العمل الجماهيري والجماهير التي تحمي نشاطه وبقاءه، ولا طريق لمواجهة الحزب لاساليب اضعافه الا باستقلال تنظيمات الحزب ومشاركتها في التفكير والتحليل واعداد الخطط لمواجهة المخاطر والنشاط المعادي للحزب. واعداء الماركسية هم من بين الماركسيين زيفا، والتنظيمات القاعدية وجماهيرها هي المسؤولة عن تأمين وحماية الحزب لا سواها.

والمفهوم القيادي الخاطئ (لامن الحزب) قد يصبح اليوم تبريرا لحالة اربعين عاما بلا مؤتمر بالقول بتغليب التأمين على النظم والمبادئ! والمسالك القيادية المتكررة والعمل بدأب على جعل قضية تأمين الحزب (قضية خاصة) دفع كثيراً من اعضاء الحزب للوقوع في شراك مفهوم خاطئ اخر مقابل وهو ان مناقشة (امن الحزب) من المحظورات وخارح صلاحياتها، حتى يكون العضو ناشطا في تنظيمه عندما يصدر فجأة قرارا بايقاف نشاطه، وحبس المطبوعات عنه، او تطلع زوجه وابناء له وهم اعضاء في الحزب على العنوان العجيب (الى مزبلة التاريخ) ذلك العنوان الذي لم يطل حتى اليوم اعظم الوشاة.

ومن هنا نخلص الى ان:

قضية (امن الحزب) لن تكون تبريرا لعدم انعقاد المؤتمر لاربعين عاماً، وانما هي قضية منفصلة من واجب المؤتمر الخامس التدقيق فيها، وان هذه المسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقا بمسألتين من دونهما سيكون (تجديد الحزب) وهما كبيرا: الاولى مسألة الديمقراطية في الحزب، وما نطلق عليه الديمقراطية المركزية، والثانية مسألة العمل القيادي والتي هي اصلا من اجندة المؤتمر كما تقرر في المؤتمر التداولي 1970م، والعمل القيادي هو الموضوع القادم.

No comments: