Thursday, May 29, 2008

الحركة النقابية بين تجاوز الواقع الراهن وإرتياد آفاق المستقبل

الحركة النقابية بين تجاوز الواقع الراهن وإرتياد آفاق المستقبل

محمد علي خوجلي

رفض تدخل الحكومة في الأوضاع النقابية والتفاكر حول قوانين نقابية تتطابق مع التطورات الدستورية التي سحبت الشرعية من نقابات المنشأة واتحادها المزعوم.
ان الاسئلة التي طرحها الأخ/ محمد علي خوجلي في مقاله الهام بجريدة الايام العدد 8760 السبت 24 مارس 2007م يتردد صداها بقوة في المحيط النقابي وهي هل الاتحاد العام لنقابات عمال السودان الحالي يدافع عن مصالح جميع العاملين؟ وهل التنظيمات النقابية بصورتها الراهنة تطور وعي وطموح العمال؟الحقيقة انه يوجد إجماع ان نقابات المنشأة واتحادها المزعوم هي مجرد هياكل ميتة تم فصلها وانفصالها من واقع العاملين والمجرى الطبيعي والتاريخي للحركة النقابية السودانية بصفتها راعية لمصالح العاملين وما يتم من الظلم والإرهاب والتشريد وقد اثبتت وقائع لاتحصى انحيازهم للسلطة وإدارات الشركات والمؤسسات خلال هوجات الخصخصة والتشريد والفصل التعسفي تحت ستار الصالح العام الذي بلغ ضحاياه عشرات الآلاف حتى أصبح مشكلة وطنية بالنسبة للدولة ومأساة إنسانية للعاملين وأسرهم والسؤال الهام هو كيف جاء هؤلاء النقابيين وقفزوا إلى قيادة النقابات؟ من المعروف ان الأنظمة الانقلابية الدكتاتورية التي ابتلى بها الوطن تمثل قاطرات ظلامية تجر خلفا أو في معيتها مجموعات من الانتهازين المتربصين للقفز إلى مواقع قيادية بعد أن يمهد لهم الانقلابيون الطريق بحل الأحزاب والنقابات وسجن القادة الشرعيين وهكذا اتى ما يسمى بقادة النقابات واتحاد العمال ثم تكونت فيما بينهم وسلطة الإنقاذ رابطة تقوم على المصالح والمنافع المشتركة وبذلك تم تحويل النقابات إلى جزء من السلطة ليس لمصلحة العاملين وإنما لمصلحة السلطة ولمجموعة الفئة النقابية المتحالفة معها ونتيجة لهذا الوضع لم يعد هناك فرق بين النقابي المتمكن أو الممكن وبين المدير الفعلي للمؤسسة وبذلك تلاشت الشخصيةالاعتبارية للنقابة وابتعدت تماماً عن قضايا العاملين بل أنهم صاروا يديرون الصراع النقابي ليس عن طريح التفاكر والحوار وإنما بأدوات السلطة وأجهزتها وحينما تحاصرهم قضايا عمالية ملحة تتطلب اتخاذ موقف واضح ومحدد يطلقون بالونات التصريحات بالرفض والاستنكار ويقفون عند هذا الحد فقط وان كان بعضهم لم يصل إلى مستوى هذا التصرف الذكي مثل رئيس اتحاد المعايشيين الذي أغضبه جداً وازعجه تماماً وقوف الرأي العام بأحزابه وصحفه مع قضايا المعاشين مستكراً ورافضاً لذلك الدعم متهماً الجميع بتحويل قضية المعاشين إلى قضية حزبية وسياسية وبذلك برهن سيادته على أنه ما يزال في مرحلة التدريب النقابي الانقاذي لانه كان من الأجدر به لو كان نقابياً طبيعياً مخلصاً لقضية من يمثلهم وتوظيف دعم الرأي العام للقضية لأن الرأي العام يمثل القوة الحاسمة التي تعتمد عليها النقابات لتحقيق أهدافها ومطالبها وهكذا يتضح تماماً الجوانب السالبة التي افرزتها قوانين نقابة المنشأة من مجموعات النقابين المنفصلين عن قواعدهم والمنافقين والجهلاء بأبسط قواعد العمل النقابي اللذين تدعمهم السلطة الانقاذية بكوادرها الإدارية والأمنية والسياسية وهو دعم واضح وعلى المكشوف لايقيم وزناً للحقوق الأساسية للعاملين ويتعارض مع اتفاقية العهد الدولي التي وقع عليها السودان والتزم بتطبيقها واشترك بموجبها في منظمة العمل الدولية وهو يبعث بالممثلين الحكوميين والنقابيين والتابعين لها لتزيف الحقائق وتضليل الرأي العام العالمي حول أوضاع الحقوق والحريات النقابية في السودان وسنرى صورة التدخل الذي مارسته حكومته الانقاذ لحرمان العاملين من إدارة نقاباتهم وفق إرادتهم الحرة والإمكانيات والقدرات التي تتمتع بها الحركة النقابية لتجاوز الواقع الراهن وارتياد آفاق المستقبل.
نحن نعلم دون شك ان المرسوم الجمهوري المؤقت لقانون النقابات 2001م الصادر استناداً على الدستور 1998م الذي قنن النظام الشمولي وصادر الحقوق والحريات الديمقراطية وكرس هيمنة المؤتمر الوطني على السلطة لم يعد يمثل مرجعية قانونية لانه يتعارض تماماً مع نصوص الدستور الانتقالي الذي كرست مواده لتحقيق التحول الديمقراطي المادة (40 ـ1) التي تنص على حق العاملين في تكوين تنظيماتهم النقابية وفقاً لإرادتهم الحرة وليس كما تريد السلطة والواقع ان قادة اتحاد نقابات المنشأة قد فهموا تلك الحقيقية لكنهم بدلاً من ان يتعاملوا معها بأمانة ومسؤولية ويتجاوبوا مع دعوات الإصلاح والتجديد للأوضاع النقابية التفوا عليها واجروا انتخابات صورية كانت مهزلة حقيقة لانها اعتمدت على طريقة الإجماع السكوتي التي مارسوها طوال فترة حكم الانقاذ وهي فرض الوصاية على العاملين وتزوير إرادتهم حيث يجتمع الذين يتراوح عددهم بين العشرين عضواً نيابة عن المئات والالوف من الأعضاء وذلك بالضبط ما جرى في انتخابات الدورة النقابية في 31/12/2005م ثم حصلوا كالعادة على شهادة من مسجل النقابات وذلك دون ان يقدموا للعاملين كشف حساب عن اعمالهم خلال الدورة أو الدورات السابقة ولا عن الدخول المالية والمنصرفات التي جمعوها من اشتراكات العاملين التي تخصم منهم إجبارياً وهذا يتعارض تماماً حتى مع القوانين الشمولية التي ارتكزوا عليها في القانون 2001م الأمر الذي يؤكد أن نقابات المنشأة واتحادها القائم تفتقد الشرعية القانونية حتى في ظل القانون النقابي الشمولي بما يحتم حلها وتفكيكها بجانب تعارض وجودها واستمرارها مع الدستور الانتقالي وقانون العهد الدولي للحرية النقابية والسؤال الهام هو كيف يمكن للحركة النقابية تجاوز الواقع الراهن وارتياد آفاق المستقبل؟ لا شك ان المعركة لتصحيح الأوضاع النقابية ليست سهلة وتحتاج إلى تصميم وعزم والى توحيد وحشد كل التيارات النقابية في جبهة واسعة تتجاوز الاختلافات الحزبية وتتخذ من منهج أساتذة جامعة الخرطوم واتحاد طلابها ومزارعو الجزيرة طريقاً لتجميع الصفوف وتكوين لجان تمهيدية بديلة لنقابات المنشأة في كل المصالح والمؤسسات ثم تكوين لجان تمهيدية بديلة لنقابات المنشأة في كل المصالح والمؤسسات ثم تكوين اتحاد تمهيدي يكون مركزاً لقيادة الحملة التنظيمية يطور تجربة المجلس العام للنقابات السابق ويتصدى بفاعلية لمقاومة المجموعات النقابية الانتهازية الإنقاذية التي حولت الصراع النقابي من صراع فكري إلى تآمر تستخدم فيه أجهزة الدولة الأمنية والإدارية لفصل وتشريد النقابيين وبذلك فرضوا هيمنتهم على قيادة الحركة النقابية حيث جرى تحويل العمل النقابي من نشاط اجتماعي طوعي لخدمة أهداف وطنية وإنسانية لمصلحة العاملين إلى جهاز إداري تابع للسلطة وحزبها ولاتربطه أي صلة بذلك الكيان النقابي التاريخي الذي انتزعه عمال السودان من مخالب الإدارة البريطانية الاستعمارية وشيدوه صرحاً شامخاً يرتكز على الحوار والتفاكر الديمقراطي الحر بين جميع التيارات النقابية والسياسية وكياناً مستقلاً عن أجهزة الدولة مهما تعددت احزابها لهذا انجبت الحركة النقابية قادة عظماء برزوا في الساحات الوطنية والعالمية وسجلوا بطولات ستبقى علامات بارزة في تاريخ السودان تنير طريق الحركة النقابية ومناضليها الأبطال الذين تعرضوا خلال حكم الانقاذ للسجون والتعذيب والتشريد والموت وما يزال عشرات الآلاف منهم اليوم يواجهون وأسرهم مأساة التشريد والفاقة والفقر وكل جريمتهم انهم لم ينحنوا أو يركعوا لنظام الانقاذ لهذا سوف يماطل حكام الإنقاذ في قضية إعادة المفصولين لأسباب تعسفية وسياسية وبالطبع ليس حرصاً أو شفقة على المال العام المهدر والمنهوب لان ماصرف على القصور واليخوت والمنظمات الأجنبية كان يكفي لإعادتهم وتوظيفهم أو تعويضهم بل لتوظيف كل الخريجين الذين تفيض بهم شوارع الخرطوم وبلاد العالم ولكن السبب الحقيقي لعدم إعادتهم يتمثل في حقيقتين الأولى هي حرمان المناضلين المعنوي من التمتع بفرحة انتصار قوى الشعب المسلحة بفرض اتفاق السلام والسير في طريق التحول الديمقراطي وتفكيك دولة الحزب الواحد وتحقيق العدالة والسبب الثاني حدوث زلزال في كل مواقع الخدمة المدنية والعسكرية والأمنية وانكشاف مواقع الفساد والعبث وانعدام الخبرات والقدرات المدنية بجانب اعادة الحيوية والفعالية للحركة النقابية وبروز دورها الهام في خدمة العاملين وقوى التغيير والتقدم لهذا فإن قضية إعادة المفصولين تمثل رأس الرمح في البعث النقابي ويجب ان تتصدر اجندة الاحتفال بعيد العمال العالمي في مايو 2007م بجانب الغاء قانون النقابات 2001م وبناء النقابات الديمقراطية الحرة وتكوين المجلس العام للنقابات الذي يقود ويحمي الحقوق والحريات النقابية.

No comments: