Saturday, May 31, 2008

منازعات العمل الجماعية وحق الاضراب (1-2)

منازعات العمل الجماعية وحق الاضراب (1-2)

محمد علي خوجلي

قانون العمل الحديث لا يقتصر على مسائل علاقات العمل الفردية وحدها بل يعني كذلك بالعلاقات والروابط الجماعية وما ينشأ عنها من منازعات جماعية. وجود النقابات كمدافع عن مصالح العمال يعني التجمع للخروج بمنازعات العمل من النطاق الفردي الى الجماعي وايجاد الحلول الجماعية..
والنقابات كتجمع هي التي ادت الى سلوك طريق جماعي لايجاد الحلول وهو الاضراب عن العمل كوسيلة ضغط على اصحاب الاعمال وحملهم على الاستجابة لمطالب العمال حتى تم الاعتراف بمبدأ مشروعية الاضراب طالما انهلا يتخذ صورة العنف او التعدي. وتتجه قوانين العمل الحديثة للحد من سلاح الاضراب وجعله وسيلة احتياطية يتم اللجوء اليها عند استنفاد الوسائل الاخرى التي اوجدها المشرع لحل منازعات العمل، الجماعية حلاً سليماً عن طريق (المفاوضات الجماعية) والتوصل بذلك الى ابرام اتفاق عمل جماعي مع صاحب عمل واحد او اكثر او اتحاد اصحاب العمل ينظم شروط العمل بما يضمن للعمال حقوقاً وضمانات غير مقررة في القانون او اوسع من تلك التي يقررها القانون بحيث تتم عقود العمل الفردية في حدود هذا التنظيم فيبطل بذلك كل شرط فيها يخالف قواعده ما لم يكن اكثر فائدة للعامل.
فالصيغة الجماعية لعلاقات العمل ومنازعاته قد خلقت اذن وسائل ونظم وادوات فنية جديدة تتجاوب مع طبيعتها الخاصة ومع استقلال قانون العمل وذاتيته.
ولما لكان موضوعنا هو مناقشة مشروع قانون العمل الاطاري فان موضوع المقال يكون: علاقات ومنازعات العمل الجماعية وحق الاضراب عن العمل في مشروع قانون العمل الاطاري. وارجو ان أبيَّن ابتداء ان مشروع القانون سكت عن حق الاضراب عن العمل فلم يات له بذكر.
واحكام علاقات ومنازعات العمل الجماعية تنشأ بسبب كل نزاع عمالي يقع بين واحد او اكثر من اصحاب العمل وجميع عمالهم او اي فريق منهم سواء كانوا اعضاء في نقابة عمل او لم يكونوا. على انه لا يجوز لصاحب العمل ان يتفاوض مع اي مجموعة من العاملين متى كان هناك تنظيم نقابي مشروع يمثلهم الا عن طريق ذلك التنظيم او ممثلين للعمال في حالة عدم وجود نقابة..
في المفاوضات الا اذا وافق المتفاوضان..
واذا لم يتوصل الطرفان المتنازعان الى اتفاق لتسوية النزاع جاز لكل منهما ان يقدم بنفسه او عن طريق ممثله طلبا للسلطة المختصة لحسم النزاع بالطرق الودية. ومتى ما قدم احد الطرفين مثل ذلك الطلب فان الطرف الآخر ملزم بقبول ذلك التدخل، اما اذا لم يطلب اي من الطرفين التوفيق جاز للسلطة المتخصة ان تصدر قراراً باحالة النزاع الى التوفيق دون الحصول على موافقتهما وعلى الطرفين الالتزام بذلك.
والسلطة المختصة يجب ان تسعى لحل النزاع ودياً خلال ثلاثة اسابيع فاذا تمت التسوية يثبت ما اتفق عليه في محضر وينص في الاتفاق على مدة سريانه على الا تزيد عن ثلاث سنوات. اما في الحالات التي تكون فيها احدى المؤسسات او الهيئات العامة او الشركات التي تملك الحكومة القومية (او الولائية) 50% من اسهمها فاكثر طرفا في نزاع يتعلق بشروط خدمة العاملين فان وزير المالية الاتحادي (او الولائي) يعين ممثلا له لحضور جلسات التفاوض والتوفيق.
واذا لم تتم تسوية النزاع ودياً يجب احالته الى هيئة تحكيم بموافقة الطرفين ويكون التحكيم اجبارياً بالنسبة للخدمات الاساسية التي تحددها اللائحة. وتشكل السلطة المتخصة بقرار منها هيئة التحكيم (قاضي لا تقل درجته عن قاضي محكمة عامة يرشحه رئيس الجهاز القضائي بالولاية رئيساً وكذلك صاحب عمل في القطاع الخاصلا علاقة له بالنزاع يرشحه اتحاد اصحاب العمل، وفي حالة الحكومة الاتحادية واجهزة الحكم الولائي ممثل لوزارة المالية وكذلك ممثل لوزارة العمل وخبير او اختصاصي).
وجدير بالذكر انه في بعض قوانين دول عربية فان لجنة التحكيم او هيئة التحكيم تضم اكثر من قاض واحياناً ثلاثة قضاة.
ويحدد رئيس الهيئة جلسة النظر الاولى خلال اسبوع من تاريخ النزاع ونصاب الهيئة اربعة اعضاء بما فيهم الرئيس. وتفصل الهيئة في النزاع خلال اربعة اسابيع، ويجوز لرئيس الهيئة ان يطلب من السطلة المختصة تحديد الفترة بما لا يزيد عن اربعة اسابيع ولهيئة التحكيم سلطة استدعاء الشهود وحلف اليمين واجبارهم على تقديم المستندات والدفاتر..الخ مما يمكنها من الفصل في موضوع النزاع دون التقيد بطرق الاجراءات المتبعة امام المحاكم المدنية وأفرد مشروع قانون العمل الاطاري حصانة للنقابات من دعاوى المسئولية التقصيرية ( باستثناء المسئوليات المدنية والجنائية) بالنص على انه لا تقبل اي دعوى ضد نقابة عمل او ضد اي من اعضائها او موظفيها او من قبل عمال او مخدمين بالنيابة عن انفسهم او عن جميع اعضاء النقابة الاخرين فيما يتعلق باي فعل تترتب عليه مسئولية تقصيرية يدعى انه قد ارتكب بواسطة نقابة عمل او نيابة عنها..
وحظر مشروع القانون الاطاري التآمر في النزاعات العمالية بعدم قبول اي دعوى تتعلق بالقيام باي فعل طبقاً لاتفاق بين شخصين او اكثر اذا كان القيام به لتوقيع حدوث نزاع عمالي او التحريض عليه (الا النشاط الذي يشكل اي جريمة ضد امن الدولة او سلامتها او نظمها الاساسية وفقاً للقوانين السارية).
كما لا يجوز رفع دعوى في المحاكم المدنية ضد اي مخدم او مستخدم لقيامه بأي فعل لتوقع حدوث نزاع عمالي او الاستمرار فيه. كما منع مشروع القانون الارهاب والمضايقة بأن يقوم شخص باجبار آخر على اي فعل او الامتناع عن فعل يكون لذلك الشخص حق قانوني لفعله او الامتناع عنه وذلك عن طريق:
*
استعمال العنف او الاستفزاز او اهانة ذلك الشخص او زوجته او اطفاله او اتلاف ممتلكاته.
*
تتبع ذلك الشخص من مكان لآخر.
*
اخفاء اي ادوات او ملابس او اي ممتلكات يمتلكها او يستغلها ذلك الشخص او يحرمه من استعمالها.
*
مراقبة او مضايقة اي شخص في منزله او في اي مكان آخر يقيم فيه او في طريق يؤدي الى ذلك المنزل او المكان.
ونظم مشروع القانون مراحل تسوية النزاع في التفاوض والتوفيق والتحكيم.. ويجدر بالذكر ان عدداً من قوانين العمل بالدول العربية تأخذ بنظام الوساطة والتحكيم.. فاذا نشأ نزاع عمالي يجب على الطرفين المتنازعين الدخول في مفاوضات ودية لتسوية النزاع في خلال اسبوعين من الاخطار بموضوع النزاع..وحدة التفاوض ثلاث اسابيع الا اذا اتفق الطرفان بزيادة المدة لاسبوعين اخرين على الاكثر. وللسلطة المختصة (وزير العمل او من يفوضه من مكتب العمل) حضور التفاوض دون المشاركة ويجوز لأي من طرفي النزاع ان يوكل محامياً او مستشاراً قانونياً للظهور نيابة عنه امام هيئة التحكيم. وتصدر الهيئة قراراتها بالاغلبية ويجوز توضيح الرأي المخالف مع بيان أسبابه.
وقرارات هيئة التحكيم ملزمة ونهائية ولا يجوز الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن ويجب على رئيس الهيئة اعلان طرفي النزاع بالقرار واعطاؤهما صورة منه وارسال صورة الى السلطة المختصة مع جميع المستندات المتعلقة بالنزاع لحفظها لديها وتنفيذ القرارات يسند لرئيس هيئة التحكيم والذي له حق مباشرة كافة الصلاحيات القانونية والقضائية وفقاً لقانون الاجراءات المدنية.
ويجوز للسلطة المختصة او اي طرف من طرفي النزاع ان يطلب من رئيس هيئة التحكيم دعوة الهيئة لتفسر اي لبس او غموض او تصحيح اخطاء مادية او جسيمة ظهرت في قرار. الهيئة والتي يجب عليها بعد اعادة سماع طرفي النزاع او بدونه ان تصدر قرارها ويعتبر القرار اللاحق الذي تصدره مفسراً او مصصحا لقرارها السابق.
على انه يحظر على العاملين التوقف عن العمل كلياً او جزئياً ويحظر على صاحب العمل قفل مكان العمل كلياً او جزئياً بسبب اي نزاع عمالي وذلك في الحالات الآتية:
-
قبل الدخول في المفاوضات واثناء اجراءاتها.
-
بعد تقديم اي طرف طلباً للتوفيق واثناء اجراءاته.
-
مباشرة بعد قرار السلطة المختصة باحالة النزاع الى التحكيم واثناء اجراءاته.
-
بعد اصدار او اعلان قرارات هيئة التحكيم.
واعتقد انه من الملاحظات التي يجوز ان تكون محل نظر في معالجة مشروع القانون للنزاعات الجماعية للعمل:
اولاً: مشروع القانون لم ينص على حق التقاضي في ما يتعلق بمنازعات العمل الجماعية، وان كل ما جاء حولها سواء تعلق بشروط الخدمة او ظروف العمل او اسس الاستخدام لا يخل بالحق في التقاضي.
ثانيا:ً جاء بمشروع القانون ان قرارات هيئة التحكيم ملزمة ونهائية ولا يجوز الطعن فيها بأي من طرق الطعن لكن هناك من يرى ان يكون لكل من طرفي النزاع ان يطعن في الحكم او القرار بالنقض امام المحكمة العليا.
ثالثاً: كما يقرر مشروع القانون اسناد تنفيذ قرارات هيئة التحكيم لرئيس هيئة التحكيم والذي له حق مباشرة كافة الصلاحيات القانونية والقضائية وفقاً لقانون الاجراءات المدنية. وفي كثير من قوانين العمل الحديثة ان وثيقة التحكيم تودع لدى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها المركز الرئيس للمنشأة ويكون هذا التحكيم قابلاً للتنفيذ بأمر يصدره قاضي التنفيذ بالمحكمة التي اودع فيها اصل الحكم. ويختص قاضي التنفيذ بكل ما يتعلق بتنفيذ حكم هيئة التحكيم.
وعلى العموم فان مشروع قانون العمل الاطاري، في جانب النزاعات العمالية الجماعية، متفق مع قوانين العمل والتجربة السودانية. واكتفى في هذا الجزء من المقال بالعرض الذي تقدم لأعرض في الجزء الثاني حق الاضراب عن العمل الذي لم يتعرض له مشروع قانون العمل الاطاري اطلاقاً.

No comments: