Thursday, May 29, 2008

الغاء الوظائف وخفض اعدادها والتعويض عن الفصل

الغاء الوظائف وخفض اعدادها والتعويض عن الفصل

محمد علي خوجلي

معظم البلدان النامية تحت ضغط رأس المالي المالي والمؤسسات الدولية للراسمالية العالمية فرضت عليها سياسات التحرير والسوق الحر واعادة الهيكلة التي هي برامج في حقيقتها لصالح رأس المال المالي ولحل أزمة الرأسمالية الدولية. والرأسمية الجديدة في السودان (الانقاذية) اختارت بنفسها ودونما تنسيق مع ادوات ومؤسسات الراسمالية الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي..الخ) هذا الطريق. والبلدان المتخلفة التي انصاعت لموجهات وسياسات تلك الادوات والمؤسسات قدمت لها منحاً مالية أو قروضاً ميسرة..الخ لانها مدركة لآثار سياساتها وبالذات الاجتماعية والتي اقرت بها صراحة.
ونفذت الحكومة الخصخصة منذ 1992م دون اي إعتبار أو احترام لحقوق الانسان السوداني الاقتصادية والاجتماعية، وكانت امراً مختلفاً عن الخصخصة التي عرفتها البلاد منذ 1978م والتي لم يحس بها الناس العاديين لان العاملين لم يتاثروا بها تشريداً بالآلاف. ان سياسات التحرير والسوق الحر لن تستطيع الحكومة وحدها تحمل تبعاتها ولن تفلح في مواجهة آثارها. وستظل الاوضاع الاقتصادية تتدهور بالنسبة لاغبيلة السكان وستتواصل (زيادة اسعار السلع والخدمات بعد ان رفعت يدها عن الدعم الاجتماعي و(دعم الخبز) ولن تكف وزارة المالية من محاولات بسط سيطرتها على المال العام ومايطلق عليه ضبط الانفاق الحومي (خفض الميزانيات بنسبة 50%) واستمرار الاوضاع على ماهي عليه يؤكده ثبات الاجراءات وثبات التدهور الاقتصادي. وانتشار الفساد، وعنت الحياة اليومية منذ 1992م وحتى اليوم. فيكون فقدان الوظائف في القطاع الخاص بسبب سياسات الدولة والغاء الوظائف وخفض اعدادها شر مستطير.
ونظمت المادة (13) من الاتفاقية 158 (مؤتمر العمل الدولي) إجراءات انهاء الخدمة لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو تنظيمية بأن يتم تزويد النقابة أو (ممثلي العمال) في الوقت المناسب بالمعلومات المتصلة بأسباب إنهاء الخدمة وعدد وفئيات العمال الذين يرجح ان ينهي استخدامهم. وان يتاح للعمال وفقاً للقوانين والممارسات الوطنية وباسرع مايمكن فرصة لاستشارتهم بشأن التدابير واجبة الاتخاذ لتجنب أو تخفيض حالات التسريح إلى ادنى حد ممكن والتدابير اللازمة لتخفيف الاثار الضارة على العمال وخاصة ايجاد اعمال بديلة لهم مع اخطار صاحب العمل للسلطات المختصة.
وقانون العمل الحالي تم تصميمه قبل سياسات التحرير ولايستوعب الواقع الراهن في القطاع الخاص واغلاق المصانع كلية أو جزئياً بالمئات..وحماية العمال غير المسنودة بالتشريعات لن تتحقق بالتصريحات وابداء حسن النوايا من شاكلة انه لن يفصل عامل بالغاء الوظيفة بعد اليوم (في الحكومة) واذا اضطر لانهاء خدماته فإن الحكومة تلتزم بدفع مرتباته حتى سن التقاعد القانوني ..الخ. والصحيح ان تتحول الأقوال إلى نصوص في التشريعات ونخص بالذكر قانون الخدمة العامة ( اجازة المجلس الوطني بالاجماع) ومشروع قانون العمل الاطاري (قيد النظر امام المجلس الوطن). والمعايير الدولية للعمل جعلت التعويض عن الفصل من الخدمة بسبب سياسات التحرير والسوق الحر حقاً لا عاقة له بما هو مقرر في نظم الضمان الاجتماعي والمعاشات ولا علاقة له بالاستحقاقات القانونية الاخرى.
اما مشروع قانون العمل الاطاري فإنه لم يراع المتغيرات الاقتصادية التي حدثت بالبلاد وسار في ذات الوجهة التي بدأت في العام 1948م: ( لا تعويض عن الفصل وعدم مراعاة مشروع القانون للمتغيرات جعلته في تناقض بما يتم على مستوى الممارسة في القطاع الخاص وعلى مستوى القانون والممارسة في الحكومة كمحترم.
ونظم قانون العمل مسألة تخفيض عدد العاملين لاسباب اقتصادية أو تقنية في المادة (56) بأنه يجوز واصحاب العمل تقديم طلب للوالي أو وزير العمل لتخفيض عدد العاملين أو لاغلاق مكان العمل. ويرفع الوالي الطلب إلى لجنة مختصة للدراسة (العمال وأحصاب الاعمال ومكتب العمل) والتي تصدر قرارها خلال ثلاثة أسابيع فاذا وافق الوالي على طلب التخفيض ينفذه صاحب العمل دون اضرار بحقوق العاملين بمافي ذلك حقهم في الانذار. كما يحق لصاحب العمل نفس الشئ اذا لم يصدر قرار من الوالي بعد مضي أربع اسابيع من رفع الطلب. اما اذا خفض صاحب العاملين دون مراعاة للاجراءات أو خلافاً لقرار الوالي أو قبل صدور قراره أو قبل تقديم الطلب فإنه يلتزم باعادة العمال لاعمالهم ودفع اجورهم عن مدة الايقاف عن العمل او فصلهم تعسفياً ولأن قانون العمل الحالي لا يعاب على مخالفة احكامه فان صاحب العمل من الممكن ان يجري الفصل دون الوفاء بالحقوق القانونية وعلى العامل التوجه نحو مكتب العمل ثم محكمة العمل ثم محكمة الاستئناف.. الخ لصرف حقوقه التي يعلمها صاحب العمل ويحددها القانون..(!)
أما مشروع قانون العمل الإطاري فإنه في المادة (67) التي تقابل المادة (56) المذكورة فإنه اضاف بعض التعديلات.نعتقد انها ايجابية ولكنها لا تشمل (التعويض عن الفصل) ولا أي تعديل في حساب المكافاة ولا معاش البطالة المؤقت).
حيث نصت المادة الجديدة على ان ترفع اللجنة المختصة توصياتها خلال اسبوعين (بالاغلبية) لكن اذا لم يوافق الوالي على طلب صاحب العمل بالاغلاق او التخفيض فإن توصياته تعاد مرة أخرى للجنة المختصة لتصدر قرارها خلال اسبوعين على ان (تتوخى الاجماع) في قرارها الذي يكون ملزماً للوالي.
وانه مع مراعاة احكام قانون النقابات لا يجوز تخفيض اعضاء اللجنة التنفيذية للتنظيمات النقابية لاسباب اقتصادية أو تقنية الا في حالة تخفيض جميع العاملين.كما ان النص الجديد الغى حق صاحب العمل في اجراء التخفيض حسب طلبه اذا لم يتسلم رداً من الوالي.
وفي حالة رفض صاحب العمل لقرار الوالي بعدم اجراء التخفيض أو اذا لم يقدم طلباً به فيجوز له إنهاء خدمات العاملين (تعسفياً) مع الالتزام باداء حقوقهم القانونية بما في ذلك مدة الانذار.
اما المادة (77) من مشروع القانون والمقابلة للمادة (66) من قانون العمل فانهما تقرران انه اذا حل محل صاحب العمل الذي تم التعاقد بينه وبين العامل شخص آخر بسبب بيع العمل أو تحويل إلى شركة أو شراكة أو بسبب انتقال الملكية عن طريق الارث أو الهبة أو الوصية أو بسبب انتقال سلطة الإشراف والإدارة يظل عقد العمل مستمراً وساري المفعول مع ذلك الشخص.
والمعلوم ان قوانين العمل السودانية جميعها بسبب الظروف التي صممت فيها لم تضمن تعويضاً عن الفصل عند الغاء الوظائف أو خفض اعدادها. وانه عند هلاك المنشأة كلياً الا جزئياً أو تعطل الآلة أو نفاد المواد الخام يجوز الغاء الوظائف. قانون 1948م منح العامل الذي تنهي خدماته في هذه الحالة (مدة الانذار) وقانون 1970م في المادة (86) قرر للعامل مرتب شهر كامل..ومع اختلاف الظروف الاقتصادية نجد ان قانون علاقات العمل الفردية 1981م هو اول قانون نظم اجراءات تخفيض العاملين لأسباب اقتصادية او تقنية وهي ذات الاجراءات التي اخذ بها قانون العمل الحالي 1997م.
الحكومة كمخدم، تجاوزت في الواقع العملي مسالة (التعويض عن الفعل) لاسباب اقتصادية أو تقنية، بتحويل اعداد من مستخدمين وبالذات الوظائف العمالية في ادنى الهيكل الراتبي من نظام المعاشات إلى نظام التامين الاجتماعي (وهناك عمال في الحكومة والحكم المحلي والشعبي اصلاً خاضعين للتأمين الاجتماعي بحكم درجاتهم الوظيفية) وابتدعت مايسمى (معاش الفصل الوزاري) لتغطية فاقدي الوظائف بالالغاء، وهو معاش مؤقت( لايعدل ولايزيد واقل من الحد الادنى للمعاش ينقطع عندما يجد العامل وظيفة جديدة. ومعاش الفصل الوزاري كرس تمييزاً بين العمال المؤمن عليهم والخاضعين لذات القانون،فهو من جهة لايطبق على العاملين في القطاع الخاص الذي اغلقت منشاتهم ومن جهة اخرى فان شرط استحقاق المعاش الوحيد هو مدة الاشتراك لاثنى عشر سنة دون مراعاة السن المؤمن عليه القانوني، فنجد ان ذات العامل في القطاع الخاص لايربط له معاش في مثل هذه الحالة مهما كانت مدة اشتراكه الا بمراعاة بلوغ السن القانونية التي حددها القانون. واستمرت هذه الاوضاع حتى 31 مارس 2004م عندما تم الغاء معاش الفصل الوزاري بصورة غير مباشرة بتعديل شروط استحقاقه وجعلت ذات شروط المعاش الاختياري.
ففقد عمال الحكومة الذين تلغى وظائفهم بعد ذلك التاريخ حقاً مكتسباً ولم يطال عمال القطاع الخاص شيئاً في المرتين.
في اطار ممارسة الحكومة ايضاً كمخدم نجد انها منحت (تعويضات عن الفصل) في مثل هذه الحالات والامثلة لذلك كثيرة، والتعويضات متفاوتة المقدار ومتفاوتة المعايير. ففي القطاع الزراعي منحت العاملين تعويضات نقدية عن الفصل عن طريق الاتفاقيات بينها والنقابات وادارات المنشأت. نفذت احياناً بالكامل وجزئياً في أحوال ولم تنفذ في حالات أخرى وذات المسلك انطبق على العاملين بالهيئة القومية للكهرباء بل ان وزارة العمل بولاية الخرطوم عندما قررت خفض اعداد عمالها اجرت معهم اتفاقاً بإنهاء الخدمة بالتراضي مقابل (تعويض نقدي) عن الفصل. ووزارة المالية ايضاً اتبعت طريقاً للتعويض غير المباشر بإعلانها ان العاملين في سن الخامسة والخمسين يمكن منحهم بالتراضي مرتب خمسة سنوات دفعة واحدة أو ان يصرف العامل مرتبه شهرياً لخمس سنوات على ان يعودوا إليها عند سن الستين لربط معاشاتهم. والمقصود مساعدة العامل الذي لديه مشروع ويحتاج لرأس المال لارتياده واخلاء الوظيفة بدفع مرتب الخمس سنوات دفعة واحدة، وان هناك من لديه مشروع ولكنه متردد أو يخاف الفشل. ومنحه مرتبه الشهري وهو منقطع عن العمل يساعده في حسم تردده لاخلاء الوظيفة..(مأخوذ من التجربة المصرية).
وفي القطاع غير الحكومي نلاحظ ان الادارات وفي احيان قليلة تهتم بمسألة التعويض عن الفصل بسبب الغاء الوظائف أو خفضها (شركة الاتصالات المعلومة) مثلاً أو الاجراءات التي اتخذت في واحدة من اهم شركات السكر والتي ارغب في تسليط الضوء على ممارستها فهي تجربة هامة وبالذات لان عمال الشركة ينطبق عليهم قانون العمل الحالي.
فتلاحظ ان خفض الوظائف والغاء بعضها واقتراح وظائف جديدة لم تكن ضمن الهيكل قد تم عن طريق (بيت خبرة اجنبي) وتم انهاء استخدام اكثر من الف عامل ومن المؤسف ان الصحف اليومية ابرزت الخبر، خبر فصل العمال الجماعي دون التعرض لمسائل هامة وهي (أسباب الفصل) و(استحقاقات العاملين) و(التعويض عن الفصل) وهي المسائل التي تهم العمال وذات العلاقة بموضوع المقال. اننا ندرك ان العمال في تلك الشركة بصرف النظر عن مقدار الاستحقاقات القانونية والتعويضات النقدية قد فقدوا (الاستقرار) وارتبكت أحوالهم الاجتماعية باخلاء المنازل وخروج الابناء من المدارس.زالخ ومعلوم ان اسباب الفصل مهماً استندت على (الموضوعية) و(العلمية) فإن لها آثاراً ضارة وآثار معنوية سالبة.
ونجد ان الشركة في الممارسة، واستناداً على قانون العمل الحالي قامت بالغاء الوظائف (المراسلات والخفراء) مثلاً واستبدالهم هذه المرة ليس بعمال آخرين يحلون محلهم تستخدمهم الشركة بل عن طريق تعاقعد الشركة مع شركة أمنية تؤدي ذات مهام العمال الذين الغيت وظائفهم . لذلك الغاء نظام العمل القديم الخاص باستخدام الشركة للعمال الموسميين بتحويل العلاقة بين الشركة والعمال إلى علاقة تعاقدية بينها والشركات التي تستجلب العمال الموسميين (مقاولو الانفار) واننا لا نستبعد انه خلال عملية الفصل الكبرى قد تم استخدام سودانيين من الخارج كخبراء وطنيين (!) أو إضافة اسماء للمفصولين لم ترد في كشوفات بيت الخبرة الاجنبي الذي يقال انه اعتمد على البيانات والمستندات وملفات الخدمة الشخصية للعاملين (!) أو تعيين آخرين من ذوي الحظوة لاي سبب كان (التمييزفي الاستخدام)!!
مثلما يكون من الصعب علينا ان نفرق بين حركة النشاط الدوؤب في تلك الشركة، والوعي النقابي والوعي بالحقوق.. يهمنا ان إدارة الشركة لم تعرق حساب الاستحقاقات القانونية او التي قررتها شروط الخدمة أو الاتفاقيات وأقرت بها جميعاً،ليس ذلك فحسب بل انها طبقت مبدأ التعويض عن الفصل بما يعادل (مرتب ثمانية شهور) في الحد الادنى و( مرتب اثنين واربعين شهراً) في الحد الاقصى بمعيار السن القانوني لبلوغ المعاش.
وكل تلك الامثلة وخلافها، ومعايير العمل الدولية هي التي تدعم مطالبتنا القوية بتعويض العمال عن الفصل في مشروع قانون العمل الاطاري عند الغاء الوظائف بالتعويضات الحكومية النقدية.
وطريق صندوق دعم المتأثرين بالخصخصة (!!) وطريق معاش البطالة المؤقت) ..الخ وانه من الاستحالة ان يظل قانون العمل كما في العام 1948م يمنح فاقدي الوظائف مرتب شهر (!) وفي مرات كثيرة صرح وزير العمل القومي بأن المشروع الاطاري لابد ان يواكب المستجدات والمتغيرات في الساحة الاقتصادية وان قانون العمل المعمول به عندما تمت صياغته لم تكن كل تلك السياسات موجودة وبالذات سياسات السوق الحر.. لكن مشروع قانون العمل الاطاري لم يستوعب اياً من تلك المتغيرات.

No comments: