Saturday, May 31, 2008

حلام الانتهازيين في مؤتمر الشيوعيين السودانيين «2/2»

أحلام الانتهازيين في مؤتمر الشيوعيين السودانيين «2/2»

جتماع الجريف الموسع عام 6

عرض: محمد علي خوجلي
حوار «الصحافة» (الغراء) مع د. فاروق 20 فبراير 2008م، والندوات التي يقيمها هي جزء من المناقشات المفترضة للتقرير السياسي للمؤتمر الخامس 1967-2007م وهي علانية تجد ترحيبنا والملاحظة العامة أن د. فاروق ينشر غطاءً شفافاً لن يستر حقيقة هزيمة الحزب الشيوعي السوداني لكل أفكار التيارات الانتهازية اليسارية واليمينية في 47، 50، 51، 64، 66، 67، 69، و1970م وعرضه وكأن قيادة الحزب تحت هيمنة عبد الخالق وتراجعه مرة بأثر تدخل السوفيت، هي التي عرقلت حلّ الحزب وتحوله إلى اشتراكي ديمقراطي، إن عضوية الحزب لها موقف بخلاف ذلك أنه تجاوز قاصداً مقررات المؤتمر الرابع 1967م ومداولات وقرارات وتوصيات المؤتمر التداولي 1970م وتجاوز وقائع الأحداث والتاريخ التي أكدت صحة كل ما توصل إليه الشيوعيون في المؤتمرين، ويؤسس ما طرحته التيارات الانتهازية.
وجاء في التقرير السياسي للمؤتمر الرابع «الماركسية وقضايا الثورة السودانية»:
«
هناك المواقع الفكرية التي تشن منها الحملات قصد عزل الحزب الشيوعي من الجماهير أولاً: ثم إحداث إرتباك في داخله وفي داخل الحركة الثورية بأسرها. وبين هذه المواقع هناك ما تطرح عناصر الإصلاح اليميني من نظريات تستهدف كيان الحزب الشيوعي ذاته، وعلى رأسها النظرية القائلة إن السودان ليس به طبقات، ولهذا فلا أحتياج للحزب الشيوعي. هناك عمل فكري دائب في كل الميادين يستهدف تأكيد هذه الفكرة: لا حاجة للحزب الشيوعي في السودان، وفي مستوى أعلى يمكننا القول إن النضال الفكري المستمر والثابت ضد هذه العناصر هو في نهاية الأمر نضال من أجل استمرار الحركة الثورية في بلادنا، ومن أجل منح هذه الثورة قيادة من نوع جديد، قيادة الماركسية اللينينية والطبقة العاملة. وهذه القضية تطرح بوضوح علاقة المثقفين الشيوعيين لا بعمل الحزب وحده بل بالعمل في داخل الحركة الثورية بأسرها».
ولن يجدي طمس الطراع الفكري داخل الحزب الشيوعي أو تبسيطه عن طريق تقديم مقترحات دون بيان لجذورها وأسسها الفكرية.. ولن يفيد إختزال صراع التيارات برد الأفكار لهذا القائد أو ذاك. والشيوعيون في السودان داخل وخارج الحزب ليس هناك ما يقنعهم بأن التيار الانتهازي اليميني حريص على تجربة الحزب الشيوعي ولذلك يريد من المؤتمر الخامس أن يعلن حل الحزب بنفسه وتحوّله إلى حزب اشتراكي. ولا يوجد قائد أو تيار شيوعي «حقاً» يضعف حزبه بالإنقسام أو يدعو لتصفية الحزب الشيوعي بالحل أو التحول أو التحلل من النظرية وتغيير طبيعة الحزب. وإذا كانت دلالة الحرص أنه لم يعلن عن قيام الحزب الاشتراكي «حزب البرنامج» فإن د. فاروق كاي انتهازي قال نصف الحقيقة أما النصف الآخر فإن التيارات الانتهازية أقامت عدداً من الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية لكنها لم تفلح ولن.. بل ويحذّر د. فاروق المؤتمر الخامس أنه إذا لم تنفذ مطالبه، ويرد الاعتبار لقيادات التيارات الانتهازية منذ 1951م وتتم إدانة عبد الخالق فإنه يمكن باسم مؤتمر الجريف 66 وباسم مؤتمر الحزب الاشتراكي السوداني 67 توسيع الدعوة لتشكيل حزب جديد.
والانتهازية في الماركسية هي البرجوازية داخل الحركة العمالية يسارية أو يمينية وهي التقليل من دور النظرية الماركسية والفصل بينها والممارسة.. والاعتماد على الأساليب البراجماتية وإنكار الصراع الطبقي وإنكار دور حزب الطبقة العاملة. والانتهازية من هنا وهناك داخل وخارج الحزب الشيوعي حلمها وضع المؤتمر الخامس أمام خيار واحد من شقين يتم تصويره زيفاً أنه صراع بين اتجاهين والشق الأول من الخيار: حلّ الحزب وتحوّله إلى حزب اشتراكي غير ماركسي والشق الثاني: الغاء الماركسية بديلاً لحل الحزب وتغيير الاسم بديلاً لتحوله لحزب اشتراكي. وهذه هي الخطة «ب» ويغضون الطرف عن الخيار الثاني: بقاء واستمرار حزب العاملين الشيوعي الذي يسترشد بالماركسية.
إن الأحزاب الإشتراكية والديمقراطية سبقت في وجودها الأحزاب الماركسية «الشيوعية» ومعلوم أن حركة الطبقة العاملة من بعد ظهور الماركسية ظل صراعها بين تيارين الاصلاحي اليميني والشيوعي الثوري. وشهد التاريخ تحول تيارات من أحزاب الاشتراكية إلى أحزاب شيوعية مستقلة. فالحزب الشيوعي الإيطالي أقامه العمال في 1920م من خلال احتلالهم للمصانع وقرار التيار الشيوعي الخروج من الحزب الاشتراكي الذي كشفت الممارسة حقيقته.
والحزب الشيوعي السوداني شهد أيضاً الصراعات الفكرية التي هي صراعات طبقية بين التيارات التي كان لها قادتها وممثلوها والتيار الشيوعي الثوري الذي مثّله عبد الخالق ورفاقه.. ومنهم من انقسموا كدكتور فاروق ورفاقه ومنهم من خرجوا كالخاتم عدلان ورفاقه. والصراع الداخلي في الحركة السودانية للتحرر الوطني 1947م كان حول استقلالية الحزب في العمل الثوري أو تحوله إلى جناح يساري في حزب الأشقاء وهو صراع فكري حول قومية النضال الوطني تحت قيادة الطبقة المتوسطة.
والصراع الداخلي في 1950م نتج عنه انقسام 1951م وتأسيس حزب الحركة الديمقراطية السودانية وكانت الفكرة الرئيسية للتيار الاصلاحي اليميني الذي مثّله عوض عبد الرازق، هي حل الحزب الشيوعي وتحوله إلى حزب ديمقراطي جماهيري باعتبار أن الماركسية هي فكرة لصفوة من المثقفين وأن العوامل الموضوعية لتأسيس حزب شيوعي غير متوافرة حيث لا توجد طبقة عاملة وضعف وعدم تنظيم طبقة المزارعين.
وأكدت التجربة السودانية الفشل الذريع لكل محاولات قيام واستمرار أحزاب اشتراكية جماهيرية وغير ماركسية حتى إذا شارك في تأسيسها وقيادتها شيوعيون سابقون. بل وحتى عندما وجد مثل ذلك الحزب سلطة سياسية تبذل له الحماية لم يكتب له النجاح. فبعد استيلاء الديمقراطيين الثوريين على السلطة 1969م طبق تيار الجريف 66 والاشتراكي 67 وكل الذين تحللوا من الماركسية «مقدمات انقلاب 69» اعتقاد (روزا لوكسمبرج 1920م): أن الانتقال إلى الاشتراكية لا يستند إلا على وجود أجنحة ثورية داخل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية. فاتجهت التيارات نحو الاتحاد الاشتراكي السوداني 1972م بعد فشلهم في جعل الحزب الشيوعي إلى جانبهم وفشلهم في تصفيته حتى بعد الاغتيالات وفشلهم في فرض الاتحاد الاشتراكي الذي أرادوا أن يكون تيارهم «قلبه».
وكتب تيم نبلوك: «المؤسسات التي تصوّرها القوميون العرب وجناح معاوية الشيوعيين الذين تحللوا ما كان لها أن تكون ذات فعالية إلا إذا كانت أعداد مناسبة من الراديكاليين على استعداد للعمل فيها وبدون دعم ومشاركة الحزب الشيوعي، فإن مشاركة الراديكاليين تظل متواضعة».
والتيار الانتهازي اليساري عارض صراحة ما قرره المؤتمر الرابع:
«
إن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية لا تحتمل حزباً واحداً عمودياً ومركزياً حتى إذا كان ذلك الحزب هو الحزب الشيوعي ولا جبهة أحزاب متحدة.. هي مباراة بين التنظيمات الديمقراطية وأحزابها الوطنية ولا تحتمل سيطرة طبقة أو فئة».
وسيلة التيارات الانتهازية اليوم لتحقيق أهدافها القديمة هي المؤتمر الخامس، أو المؤتمر التأسيسي الأول للحزب الاشتراكي كما جاء في اجتماع الجريف 66 والذي اطلق عليه د. فاروق المؤتمر الرابع، وكتب الأستاذ التيجاني الطيب «الذي أرجو له عاجل الشفاء»، عن فترة السنوات السبع 64-1971.. شهدت فترة ما بعد أكتوبر 1964م سلسلة من اجتماعات الكادر التي كان يطلق عليها الاجتماعات الموسعة للجنة المركزية ومن أهمها اجتماعات نوفمبر 64 وسبتمبر 65م وديسمبر 65م وثلاثة اجتماعات في 1966م. إن الاجتماعات الموسّعة كانت تقليداً ثابتاً خلال تلك الفترة، وجدير بالذكر أن أخطر اجتماعين موسعين في ديسمبر 1965م حول ما عرف في الحزب بالانحراف اليميني أما اجتماع 1966م فقد انتخب لجنة مركزية.
لا حاجة للإفاضة هنا حول الآثار السالبة الماحقة للاجتماعين الموسعين المذكورين غير أنه من الضروري التأكيد على أنهما يمثلان انحرافاً يمينياً عن النهج القيادي الثوري الذي بدأ لحزب ارساءه في 1949م. وقد دفع الحزب ثمناً باهظاً لإصلاح نتائج ذلك الانحراف. وقد أدى إغفال اللائحة إلى انحراف اللجنة المركزية في الاجتماعات الموسّعة التي كانت تجاز فيها القرارات بالتصويت دون تمييز بين أعضاء اللجنة المركزية وخلافهم.. وهو ما أطلقنا عليه الاجتماعات الموسّعة بديل المؤتمر.
كما نلاحظ أن أهداف التيارات الانتهازية داخل الحزب الشيوعي وخارجه تتطابق مع أهداف الخصوم السياسيين والأعداء الطبقيين، ومن ذلك «حل الحزب» بالقانون وطرد نوابه 1965م في جهة الخصوم وعن طريق الحزب في 66 و67 «الحل الاختياري»، وعن طريق الحوار وضغط السلطة في 1970م وعن طريق المؤتمر الخامس في 2008م بالتصفية الاختيارية. والإمام الصادق المهدي منذ أكثر من خمس سنوات أعلن أن حزب الأمة على اتصال بالحزب الشيوعي 2001م ويتطلع لعقد مؤتمره الخامس بتأسيس الاجتهاد الاصلاحي الجديد، أما نصح قيادات الحركة الإسلامية في السودان 2008م إنه لا مستقبل للحزب الشيوعي في السودان إذا لم يغيّر اسمه فيكون خصوم الحزب الشيوعي السياسيين حريصين على مستقبل الحزب الشيوعي السوداني(1).
وكذلك كان نميري الذي نذكر لقاءه مع عبد الخالق 1970م بحضور معظم أعضاء اللجنة المركزية وعرضه باسم مجلس قيادة الثورة:
أن يغير اسم الحزب بحيث لا تكون فيه كلمة «شيوعي» ويكافأ بالترخيص له بنشاطه أو أن يتحوّل الحزب الشيوعي من حزب «طليعي» إلى حزب «جماهيري» يفتح أبوابه لكل العناصر التقدمية وعندها ينتسب له كل أعضاء مجلس قيادة الثورة. ويصبح هو نفسه التنظيم الشعبي لثورة مايو. ورفض عبد الخالق العرضين!
الغريب إنه بعد انقسام 1970م ود. فاروق من قياداته بدلاً من تأسيس قادة التيار لحزبهم الاشتراكي الديمقراطي أقاموا حزبهم الشيوعي السوداني والذي إندثر فهو لم يكن شيوعياً حقاً ولم يكتف قادة التيار بذلك بل انتقدوا زيفاً وخداعاً ذات اجتماع الجريف الموسع 1966م الذي يقترحون على المؤتمر الخامس اليوم رد اعتباره»، ووصفوا حل الحزب وتحوّله إلى إشتراكي بأنه خط تصفوي صناعة عبد الخالق وليس خطهم(!!)، وأنه لولا لطف من الله ونصيحة اخوية من السوفيت لكان الحزب في خبر... وعرض د. فاروق كيف سحر عبد الخالق أعضاء اللجنة المركزية التي انتخبها الاجتماع الموسع لمؤتمر الحزب وجعلهم ينقلبون على ما قرروه بأنفسهم بأثر الروس.
وجاء في وثيقة قادة الانقسام بتاريخ 10/10/1970م:
وفي نهاية 1965م أصدر النظام الرجعي البائد قراراً بحل الحزب الشيوعي.. وواجه الحزب الشيوعي حملة واسعة من العنف الدموي، وفي تلك اللحظات التاريخية حيث كانت المهمة الأولى المطروحة أمام الحزب الشيوعي هي الصمود في وجه تلك الحملة وتصعيد النضال الشعبي، وواصل عبد الخالق تطبيق خطه التصفوي الذي ظل يبشر به ويمهد له فكرياً ويجعله خطاً عاماً مقبولاً في صفوف الحزب وفي أوساط الحركة الشعبية. وقدم عبد الخالق بعد حل الحزب الشيوعي مباشرة مشروعه المعروف والداعي إلى حل الحزب الشيوعي ودمجه مع الديمقراطيين الثوريين من داخل الحزب الاشتراكي. وأجازت اللجنة المركزية للحزب ذلك المشروع مع اعتراض قلة من أعضائها وبدأت بعد ذلك عملية الدمج هذه على النشاط العملي.
وأنه في صيف 1966م توجّه عبد الخالق في زيارة إلى الاتحاد السوفيتي، وهناك قدم الرفاق السوفيت نصيحة اخوية موضحين خطأ الاتجاه الرامي إلى تصفية الحزب.. وعاد عبد الخالق من الاتحاد السوفيتي ليكتب تقريره الذي نشر في العدد «127» من نشرة «الشيوعي» الذي أشار فيه إلى مصدر هذا الاتجاه وجذوره من دون أن ينتقد الأفكار التصفوية التي ظل يبشر بها طوال عام كامل لتصبح خطاً رسمياً للحزب».
فأي روايتي التيار الانتهازي نصدّق، رواية العام 1970م أم رواية العام 1994م التي يعاد عرضها في العام 2008م؟ وما هو التبرير لوجود روايتين؟
تبرير واحد للمسلك الانتهازي غير الواضح، أن التيارات الانتهازية، حلمها، اختطاف الحزب الشيوعي كاملاً ولا تهم الوسائل.. هم صنعوا تاريخهم الانتهازي بأنفسهم ولأنني أعتقد أن من بين قيادات التيارات الانتهازية من ربطوا أنفسهم بالسياسات السوفيتية وغيرها فإنه لا مناص من تسليط الضوء على تلك العلاقات موضوع المقال القادم.

No comments: