Saturday, May 31, 2008

التحالفات المؤقتة واللجان الثنائية .. بديل العمل الجماهيري

التحالفات المؤقتة واللجان الثنائية .. بديل العمل الجماهيري

محمد علي خوجلي

بعد انقضاء نصف الفترة الانتقالية تنتقل الاحزاب والتنظيمات السياسية خارج السلطة السياسية لنصف حزب الحركة الاسلامية، شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة، من مرحلة التحالفات واللجان الثنائية مع شريحة الرأسمالية في الحكم (واقامة التحالفات واللجان الثنائية قررتها قيادات الاحزاب والتنظيمات!!) وهذه هي النقطة الثالثة من المقال الذي يحاول ايجاد مفهوم للمصالحة والوحدة الوطنية بين (الجمهور) والدولة خلافا لمفهوم (التصالح) بين النخب السياسية والحكومة.
وخلال هذا الانتقال تتم اعادة جدولة (اجراءات) التحول الديمقراطي. ومنها مؤامة الستين قانونا المعمول بها مع الدستور المؤقت، والتي قد تنجز باذن الله عشية اجراءات انتخابات الحكم المحلي، بعد انجاز الاحصاء السكاني وعودة النازحين واللاجئين بما فيها (الحواكير) الى اخر ما هو معروف، وفي نفس الوقت تواصل شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة تنفيذ استراتيجية تمكين سلطتها السياسية ديمقراطيا وتزكية اموال الشعب بالف وسيلة وميادين نشاطها هو الجمهور في اطراف المدن او القرى وداخل الاحياء ومن كافة الفئات الاجتماعية (الجيوش المفترضة للقوى السياسية خارج السلطة السياسية الفعلية) ونذكر انه لهذا السبب اموال الشعب في قبضة حزب واحد، قال د. الترابي في لقاء بورتسودان ان التفاوض مع المؤتمر الوطني يبدو صعبا.
واللجان الثنائية في الحقيقة هي اعادة حوارات لقضايا اصلا تم الاتفاق عليها واذا كان هناك جديد فهو تنوع وتعدد الغرف وتصوير الاحداث التاريخية والمقابلات الصحفية والتلفزيونية الفريدة واخص بالذكر قناة الشروق التي تنافس صحف (بالقلم والصورة) فاحزاب التجمع الوطني الديمقراطي عندما يدخل كل حزب منها منفردا، الان، في لجنته الثنئاية، مع نصف حزب الحركة الاسلامية الحاكم لن يضيف شيئا الى نتائج الحوارات التي كانت مغلقة، ولن يزيد على ما تم التوصل اليه في (اتفاق المصالحة الوطنية بين الحكومة والتجمع في 4/12/2003م) والذين اطلقوا عليه اتفاق جدة الاطاري او (اتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل بين التجمع والحكومة) والذي يحبون ان يطلقوا عليه اتفاقية القاهرة ولكنا لا نرغب في تغيير او اختصار اسمه، وحوار حزب الامة القومي الجديد لن يأتي بجديد يضاف الى ما تم الاتفاق عليه قبل او بعد (نداء الوطن) مع حزب الحركة الاسلامية الحاكم او نصفه الحاكم الان.
المزاج العام للجمهور لم يتقبل حكاية (نصف معارض ونصف حاكم) مثلما التندر على اللجان الثنائية، وقد انتبه الشريكان لذلك خاصة بعد (السداسية) فكان حل اللجان الثنائية وقيام (اللجنة المشتركة).
ونذكر ان مؤسسة الرئاسة قررت في 19/12/2007م، تشكيل ثلاث لجان للمصالحة الوطنية وتعديل القوانين وقانون الشرطة وحددت يوم 7/1/2008م، لاجتماع اللجان، كما اقامت لجان اخرى للمصفوفة ولكن في 14/1/2008م، قرر حزبا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حل كل اللجان الثنائية وتحويل مهامها الى (اللجنة السياسية التنفيذية المشتركة) واقر الطرفان باحالة كافة المهام وصلاحيات اللجنة السداسية واللجان الاخرى للجنة السياسية التنفيذية المشتركة.
وعلى الرغم من ان الجمهور يعلم تماما قدرات د. الترابي الفائقة في المناورات السياسية ولكنه (انبسط) عندما اكد المؤتمر الشعبي (المعارض) لنصف المؤتمر الوطني (الحاكم) انه لن يلتقي بنصف الاخرون وان د. الترابي لن يلتقي بالرئيس البشير (الا اذا) والتي جاءت على مستويين في المستوى الاول (الا اذا كان هناك لقاءا جماعيا بكافة القوى السياسية في اطار المصالحة الوطنية) اما في المستوى الثاني فانه لن تنعقد لقاءات ثنائية (الا اذا) تم بسط الحريات العامة وتم اطلاق سراح جميع المعتقلين، واللا مركزية في الحكم، والانتخابات النزيهة من القواعد وحتى رئاسة الجمهورية والولاية على المال العام (.) ويجوز ان تكون (الا اذا) احد الاحزاب والتنظيمات السياسية: اصدرت رئاسة الجمهورية قرارا باعادة جميع المفصولين منذ 30 يونيو 1989م، مدنيين وعسكريين وفي القطاعين العام والخاص والغاء قرارات الفصل واعتبارها كأن لم تكن فهذا يتفق مع (المزاج العام)!
والتحالفات السياسية المؤقتة عرفتها الساحة السياسية السودانية منذ قيامها وبكافة الاشكال ولاغراض واهداف مختلفة عرفت التحالف بين الاشباه: احزاب اليسار والشيوعيين والمكون الثاني للساحة السياسية في السودان، نقابات العمال، واتحادات الزراع والطلاب والمهنيين وتنظيمات النساء والشباب من جهة واحزاب اليمين التقليدي والحديث وادواتهم من جهة اخرى.
وفي مرات نادرة قامت تحالفات سياسية مؤقتة ضمت كل الوان الطيف السياسي، او كما يقولون ومنها جبهة احزاب المعارضة ابان الحكم العسكري الاول والتي اشرت في النقطة الثانية من المقال لظروف تكوينها ودوافع اطرافها المتباينة الى اخر..
وبسبب انفراد شريحة من الرأسمالية الجديدة بالسلطة السياسية عن طريق العنف المسلح وممارساتها لكل انواع القمع السياسي وغير السياسي ضد (الاغلبية) بما في ذلك شرائح الرأسمالية الاخرى قامت التحالفات السياسية (الجامعة) لكل الفئات الاجتماعية خارج السلطة السياسية لاستفادة الديمقراطية او اذا شئنا الدقة استعادة السلطة السياسية القديمة القيادة الشرعية للقوات المسلحة، واتحاد العمال الشرعي واتحاد الموظفين الشرعي الى اخر الذي كان زمان، وكانت الوسيلة الاولى (نزع السلطة) بالقوة وما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، و سلم تسلم، ولحدوث متغيرات كثيرة بالبلاد وبسبب (الاثر الخارجي) الذي له علاقة كبيرة بالتمويل والتسليح استبدلت التحالفات السياسية المعارضة وسائلها بالاتجاه نحو تفكيك النظام (بالتفاوض) بدلا من (نزع) السلطة بالقوة بما في ذلك (الانتفاضة المحمية).
اننا لا نهمل التطورات التي اوصلتنا لحالة اللجان الثنائية وعلينا ايضا الانتباه للمتغيرات التي طالت العناصر المكونة للساحة السياسية السودانية فهي المفتاح لتجديد الخط السياسي والخطاب السياسي والخط التنظيمي وكذلك التحالفات المؤقتة واهدافها وارتباطها بالعمل الجماهيري المتنوع وهذا من التحديات الاساسية التي تواجه قضية التجديد في نظرية (الحزب) .
دخلت الحركة الشعبية الساحة بعلاقات جديدة لم تألفها قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية الذين ظلوا في مواقعهم القيادية لعقود طويلة ومنها علاقة الحركة الشعبية بحزب الحركة الاسلامية الحاكم بمقتضى اتفاقية السلام وهذه العلاقة لا نستطيع وصفها بالتحالف وفي نفس الوقت لا نستطيع وصفها بأنها نصف حاكم ونصف معارض، وهي لم تدخل الساحة السياسية صدفة، وجاءت محملة بافكار ومكاسب للجمهور اقلها وثيقة الحقوق الدستورية المؤقتة، كما شكلت الحركات المسلحة الدارفورية الى جانب الحركة الشعبية وكذلك حركات الشرق وخلافها مكونات جديدة في الساحة السياسية كثير من قياداتها وجمهورها كان من قيادات وجمهور الاحزاب والتنظيمات السياسية القائمة قبل عام 1989م، ويزيد تعقيد الوضع انه بالرغم من اهميتها في الساحة السياسية السودانية الا انها لم تتمكن بعد من التحول الى تنظيمات سياسية بالمعنى المعروف، ولا تزال تحت تأثير القيادات العسكرية ومجالس الحرب، وكل ذلك يأتي خلافا لمكونات الساحة السياسية القديمة والتحالفات المؤقتة التي قامت وقتها.
ومن مستجدات الساحة السياسية السودانية التي لم تجد الاهتمام الكافي الاندثار الكامل لحزب الطبقة المتوسطة والذي مثله في التاريخ الحزب الوطني الاتحادي قبل تحول قيادته وانساجمها في حزب طائفة الختمية (حزب الشعب الديمقراطي) الذي استند تكوينه على انقسام الكتلة البرلمانية للحزب الوطني الاتحادي عام 1956م، والائتلاف مع حزب الامة القديم ليصبح حزب الاغلبية (اقلية معارضة) ويقوم من بعد ذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي تحت هيمنة طائفة الختمية ومصالح قيادة الطائفة كاحدى شرائح الرأسمالية السودانية.
ومن بعد انقلاب حزب الحركة الاسلامية على السلطة عام (1989) لم يتوقف امرالساحة السياسية السودانية في هذه الحدود بل تخطاها نحو مكونها الثاني (العمال والمزارعين والمهنيين والفنيين) الى اخر والذي اصابه الوهن بما هو معلوم، الفصل الجماعي، ترسانة القوانين التي تصادر او تقيد حرية النشاط وحق التنظيم، وحق الممارسات المالية والاقتصادية للدولة التي جعلت جمهور المكون الثاني للساحة السياسية في حالة بحث دائم عن (لقمة العيش) و (علاج الاسرة) و (تعليم الاولاد) خارج البلاد بالهجرة او اللجوء السياسي او داخلها وهم يواجهون اثار الفقر والكدح الذي ليس من اولوياته النشاط السياسي القوي (الجماهيري) ومن جهة ثانية فان كل القوى الحية القادرة على الكفاح من اجل حقوقها الطبيعية او حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ظلت تحت اسر وقيود من نوع جديد، اسرتها اولا التحالفات التي تجعلها في (حالة انتظار) لنهاية النظام بالقوة العسكرية، وقيدت حركتها في ما بعد واستمرار (حالة الانتظار) لما تسفر عنه المفاوضات والتفكيك بالتفاوض، والان يتم اعتقال الحركة الجماهيرية جماعيا في انتظار نتائج (اللجان الثنائية) مع انه من البديهيات ان رد الحقوق ورفع الغبن وازالة الضرر ان يصل اليه اي تفاوض اذا لم يكن مرتكزا على ظهر حركة جماهيرية تجمع كل فئات المتضررين من سياسات الشريحة الرأسمالية الحاكمة.
اثار سالبة اخرى ضربت الساحة السياسية السودانية بسبب غياب الديمقراطية الداخلية في معظم الاحزاب والتنظيمات السياسية ومن تلك الاثار اقامة تكوينات حزبية جديدة عن طريق تيارات داخلها وكثير منها اتخذ له مواقع الى جانب الحكومة، وهناك من اتجه نحو اقامة التنظيمات القبلية والجهوية لاسترداد الحقوق بخلاف صراع التيارات المتعاظم وغير المحسوم داخل تلك الاحزاب، ان المحصلة النهائية والتي تثير الفزع هي تواصل الانفصال بين قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية وجماهيرها قبل عضويتها، حيث لم تعد تلك القيادات في معظمها تمثل مصالح الجماهير في اغلبيتها المفصولين وفاقدي الوظائف والبطالة والمعاشيين والفقراء والمعدمين .. اما العمال فلا قيادة تمثلهم لانه لا توجد طبقة عاملة في السودان او كما يقولون الى آخره.
وقيادات الاحزاب الرأسمالية (الكبيرة) تسعى دائما للعمل المشترك او التحالف المؤقت مع الاحزاب الصغيرة التي هي في الغالب (قومية) او (اليسارية) في حالة المعارضة والعكس صحيح في جانب الحزب الحاكم، والتي تؤثر في الساحة السياسية بحكم تواجدها بين قواعد العاملين والجماهير في مختلف المواقع ولكن الاحزاب الكبيرة تتخلص من تلك الصغيرة في اول سانحة، وفي حالتنا: اللجان الثنائية ولذلك لم اصدق ان (التضامن الديمقراطي المتحد) الذي جاءت اخباره بجريدة اخبار اليوم (18/1/2008م) بأنه سيكون بمثابة تنظيم معارض جديد وسيعقد مؤتمرا صحفيا لاعلان قيادته الى آخره .. لانه لم يخرج من حيث طريقة التكوين من شاكلة التحالفات الفوقية المؤقتة التي سبقته والتي لا يعلم احد عنها شيئا بعد الاعلان عن قيادتها كما لم يتجاوز اهداف التحالفات التي تعلن بين اونة واخرى: مراجعة اجهزة الدولة لتصبح قومية وخاضعة للدستور والقوانين ووحدة البلاد واقامة الدولة المدنية الديمقراطية والتوزيع العادل للسلطة والثروة والدعوة لتنفيذ جميع الاتفاقيات وهو ذات ما يطرحه حزب الحركة الاسلامية الحاكم، واعتقدت منذ الوهلة الاولى ان مكونات التضامن او بعضها يرغب في اقامة (لجان ثنائية) مع شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة بعد ان تناست الاحزاب (الكبيرة) حلفاءها من الاحزاب (الصغيرة) وهذا ما حدث وبعد ايام قليلة اوضح احد قيادات (تقدم) التضامن الديمقراطي المتحد مباركة الحوارات الثنائية وطالب (بتوسيع) دائرة الحوار مع انه كان يمكنهم طلب الحوار الثنائي مباشرة خاصة وان حزب الامة القومي يصف الحوار الثنائي بأنه يأتي في اطار الاتفاق على اجندة وطنية وتهيئة المناخ والاستعداد لملتقى جامع متفق عليه وان الحوار يتداول قضايا: السلام، دارفور، الحريات العامة، والانتخابات اي ما يتحدث ويكتب عنه الناس يوميا.
واكدت التجربة ان قيادات الاحزاب الرأسمالية بتحالفاتها المؤقتة مع الاحزاب الاخرى قومية او يسارية او شيوعية تستفيد من اثر العمل الدعائي بالعمل المشترك والذي يصور قيادات الاحزاب الرأسمالية في غير صورتها، وجميع التحالفات المؤقتة للقوى متباينة الاهداف لمناهضة الديكتاتورية العسكرية او الحكومة الشمولية تقدم خدمات مجانية لقيادات احزاب شرائح الرأسمالية التي لا مصلحة لها في (ازالة النظام) ولا قطعه من جذوره ولا مصلحة لها في (التغيير) بل ان مصالحها في المحافظة على النظام والائتلاف او حتى وحدة شرائح الطبقة الواحدة في الاحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة..
والمهم ان كل التحالفات السياسية التي قامت منذ عام 1989م، هي تحالفات مؤقتة وفوقية وتكتيكية، ومن غير المتصور ان يكون اي منها تحالف استراتيجي كما يصف بعض قادة التجمع الوطني الديمقراطي تحالفهم، والتأكيد اليومي على بقائه واستمراره (تحالفا استراتيجيا) باقي ما بقيت السياسة في السودان (اي حتى يوم القيامة)
وكل هذه الضجة والتأكيد على (البقاء والاستمرارية واعادة الهيكلة) وضم حزب الامة القومي للتجمع وقائمة الانتخابات الموحدة، هدفها اخفاء حقيقة انه لا توجد اية اختلافات جوهرية في الافكار التي تحملها معظم قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية (الحاكمة) والمعارضة الكبيرة والحقيقة انهم في معسكر واحد، ليس هو معسكر الشعب، واخص بالذكر احزاب التجمع الوطني الديمقراطي والمثال العملي (اتفاق المصالحة بين التجمع الوطني والحكومة في عام (2003) واتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل بين التجمع الوطني الديمقراطي والحكومة في عام 2005م، ونواصل الجزئية الثانية.
مصادر اجزاء المقال الاربعة:
1.
د. التجاني عبد القادر (رأي الشعب).
2.
كمال الجزولي (سودانايل عام 2003م).
3.
موقع حزب الامة على الشبكة.
4.
أ. عوض الكريم موسى (تناقضات الصادق المهدي).
5.
حسن مكي (الحركة الاسلامية في السودان).
6.
الصادق المهدي (المصالحة الوطنية، البديل).
7.
الصحف اليومية المحلية.
8.
بيانات قوى سياسية مختلفة.

القوى السياسية في الساحة السياسية السودانية ترى ان العلاج الناجع لمشاكل السودان وسيلته (عقد المؤتمر الجامع) وليس المؤتمر الدستوري لتحويل الاتفاقيات الثنائية الى اتفاق قومي واحد، وان التجربة اثبتت ان الحلول الجزئية والاتفاقيات الثنائية لن تحل مشاكل الازمة الوطنية الشاملة والتي تحتاج الى حلول شاملة يشارك في وضعها كل الاطراف، اي جميع القوى السياسية (الكبيرة والصغيرة) فيكون من الطبيعي ان يسود مفهوم قيام الاحزاب والتنظيمات السياسية بمراجعة مواقفها وعلاقاتها السياسية بما يساعد في تحقيق ايجاد الرؤية الموحدة، من بين الواقع الراهن، لاخراج البلاد من ازمتها الوطنية الشاملة.
ما يحدث الان ان بعض القوى السياسية قررت قياداتها العودة مرة اخرى الى منهج (اللجان الثنائية) والاتفاقيات الثنائية تحت ستار التمهيد للمؤتمر الجامع (ولم تشاور تلك القيادات عضويتها ولا حلفاءها !!) بل وحصارها للمؤتمر الوطني، ومنه الحصار الاعلامي عندما يتأخر في تسمية ممثليه في اللجنة الثنائية، ومثالنا العملي (اللجنة السداسية) بين قيادة الحزب الشيوعي ونصف حزب الحركة الاسلامية الحاكم والتي اتفق على تكوينها في 12/12/2007م، اي قبل شهرين فقط.
ومعروف ان قيادة الحزب الشيوعي قامت بتسمية ممثليها بعد 48 ساعة فقط حيث ترى تلك القيادة (جريدة الخرطوم 29/1/2008م) ان اعتراف المؤتمر الوطني بفشله في حل مشاكل البلاد واستعداده للحوار مع (كل) القوى السياسية من اجل ايجاد حلول لتلك المشاكل بجانب ازالة القوانين المقيدة للحريات يمثل (ضمانة جدية) للحوار الذي يسعى المؤتمر الوطني لادارته مع القوى السياسية .. وفي 4/1/2008م، اعلن انه سيتم اجتماع اللجنة السداسية وان المؤتمر الوطني قام بتسمية ممثلية في اللجنة، وجاء في جريدة (الميدان) يوم 8/1/2008م، ان الحزب الشيوعي قام بتحديد من يمثلونه في اللجنة السداسية وان المؤتمر الوطني لم يسم عضويته في اللجنة وفي يوم 9/1/2008م، حل المؤتمر الوطني اللجنة على ان تسمى لجنة اخرى خلال (يومين) نتيجة للتغييرات الهيكلية بالمؤتمر الوطني وذلك قبل مباشرة اللجنة السداسية لمهامها.
وانتقدت قيادة الحزب الشيوعي (جريدة السوداني 10/1/2008م) تباطؤ المؤتمر الوطني تسمية ممثليه في اللجنة السداسية، وان المؤتمر الوطني يلجأ للقوى السياسية عند الازمات ويتباطأ عند تنفيذ الجوانب العملية (لاحظ في نفس الوقت شرحت قيادة الحزب الشيوعي ضمانة جدية حوارها مع المؤتمر الوطني) وثم كان ما هو معلوم من تعليق الاجتماع وحتى زيارة البروفيسور غندور لمركز الحزب الشيوعي (لتلطيف) الاجواء..
وعند انتقاد تباطؤ المؤتمر الوطني في تسمية ممثليه في اللجنة السداسية ثم الاستدلال باللجنة العشرية بين التجمع الوطني والحكومة التي لم تسم ممثليها منذ العام 2005م, وهو استدلال غريب ومعكوس (!) وهذا ينقلنا لمسلك (غريب وفظيع) ايضا يجب التوقف عنده، فبالرغم من ان اللجان المشتركة بين الحكومة والتجمع الوطني لم تنعقد يوما بل لم يكتمل تكوينها منذ عام 2005م، وبالرغم من ان الحكومة لا تتعرض لهذا الاتفاق من قريب او بعيد ولم تعد تذكر منه شيئا (!) الا ان بعض قيادات التجمع ولاكثر من ثلاثين مرة اعلنت عن (قرب) ذلك الانعقاد ولا اعتقد ان سبب هذا المسلك هو (خداع الذات) ولكن هدفه الوحيد (اعتقال) حركة الجماهير وجعل اللجان التي هي محصورة في بعض القيادات بديلا للعمل الجماهيري والمرة قبل الاخيرة التي جاء فيها (تحذير او اعتقال) حركة الجماهير، والتي تزامنت مع قيام لجنة مجلس الوزراء الخاصة بالنظر في حالات بعض المفصولين سياسيا وهي من النقاط (المتفق) عليها وعلى الية تنفيذها بين التجمع والحكومة، بقرب انعقاد اللجان المشتركة كان بجريدة الميدان في 24 يوليو 2007م.
ان اللجان المشتركة بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي المتعلقة بتنفيذ اتفاق القاهرة (اتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل) ستبدأ اعمالها خلال (يومين) بغرض اعداد التوصيات والمقترحات التي تضمن تنزيل الاتفاق لارض الواقع.. الخ. وبالطبع فان بديل العمل الجماهيري وبديل انعقاد اللجان سيكون البيانات والتصريحات الصحفية والنداءات والمذكرات للجهات المسؤولة للمؤتمر الوطني الذي يقود الساحة السياسية السودانية وحده، هذا المسلك الغريب والفظيع والمتكرر لعشرات المرات يتطابق مع استراتيجية نصف حزب الحركة الاسلامية شريحة الرأسمالية الجديدة في الحكم.
ولان الجمهور سئم اخبار (عقد العزم) على تكوين اللجان وتسمية الممثلين، فان المعارضة الرسمية وبالطبع المقصود قياداتها، في الفترة الاخيرة، تحاول اقناع الناس بمتغيرات طالت الحزب الحاكم اطلق عليها (الجدية او ضمانة الجدية) كما عرضت.
فجاء في نهاية خبر جريدة (الميدان) الذي اشرت اليه: ان وفد التجمع الوطني الذي فاوض الحكومة اكد على (جديتها) في تنفيذ الاتفاق على ان تنتهي اللجان من اعمالها خلال شهر بعد ان تنعقد بعد (يومين) وكان ذلك في يوليو 2007م.
وكما تتحدث احزاب التجمع الوطني عن (الجدية) فان قيادة حزب الامة القومي تسير في ذات اتجاه تأكيد الجدية وتزيد على ذلك امرين خطيرين (دلالة الشفافية) وهما ان نقد او معارضة اللجان الثنائية قد يرقي لدرجة (الخيانة العظمى) وانه يجب تفضيل (الغرف) على (الشارع) اي تفضيل حوار القيادات المغلق على العمل الجماهيري ففي المؤتمر الصحفي للامام الصادق (9 يناير 2008م) قال: ان الحوار الوطني الذي يدور الان يمكن ان يشكل خارطة طريق للملتقى الجامع وان الجميع يدركون، ان هناك مشاكل تستهدف السودان كالتشظي والتدويل والجميع يدركون ان الحماية والوقاية ضدها هي الوحدة الوطنية باعتبار انه كلما زاد الاختلاف الوطني زاد التشظي والذي يقرر الان ان السودان يكون او لا يكون.
وان كل من له (ذرة من الوطنية) لا بد ان يهرع لنجدة وطنه لان حسم الصراع في (الغرف) افضل من حسمه في (ميادين القتال) او (الشارع) واكد الامام الصادق ان مستوى الجدية عند المؤتمر الوطني اصبح اعلى من اي وقت مضى.
ومعلوم انه مع اعلان هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي بتفكيك سلطة الانقاذ بالتفاوض فان تيارات داخل بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية (المعارضة) بدأت الزحف اقترابا من المؤتمر الوطني او (الالتصاق) به سرا وعلانية وشكلت بعضها في ما بعد منظومة احزاب حكومة الوحدة الوطنية، والملاحظة الهامة ان شريحة الرأسمالية الجديدة في السلطة السياسية اعتمدت في الممارسة على التعاون الوثيق مع تلك التيارات في اطار تقوية الجبهة الواسعة التي قلبها (الحركة الاسلامية) وتعديل شكل الحكومة واجهزتها لتفادي وصفها بحكومة الجبهة القومية الاسلامية لكنها لم تتجه ابدا لتقوية احزاب تلك التيارات، ومن اهم المكاسب التي احرزها المؤتمر الوطني في السياسة العملية في علاقاته السياسية مع تلك التيارات التأكيد على قيادته للساحة السياسية السودانية ويكفي ان اي حزب من احزاب تلك المنظومة لم يباشر يوما عملا مستقلا بين الجماهير.
وقيادة المؤتمر الوطني للساحة السياسية السودانية (مبدأ) لم يفرط فيه عبر جميع اتفاقياته الثنائية او الجزئية التي ابرمها سواء مع (المعارضة) او (الحلفاء والاصدقاء) ونلاحظ ذلك في مجمل النشاط، وارجو ان نتذكر الموكب الذي دعا له اتحاد المحامين، واتحاد العمل وتنظيمات اخرى المناهض للسياسة الامريكية مع العدوان على العراق صباح يوم .. وعندما خرج شباب من الخرطوم وطلاب جامعات من بعد ظهر نفس اليوم احتجاجا على العدوان الامريكي استعملت القوة لتفريقهم.. ان المؤتمر الوطني في سبيل تكريس قيادة الساحة السياسية يمكن ان يضرب مظاهرات شعارها واحد (سير سير يا بشير) بالرصاص لانه لم يقررها !.
لذلك يتصدى المؤتمر الوطني لتعديل القوانين التي صاغها والغاء الفصل للصالح العام او لصالح الخدمة، ويعالج بنفسه قضية بعض المفصولين سياسيا الى اخر فهل يكون غريبا ان يتحكم في مسار اللجان الثنائية مع بعض الاحزاب السياسية المعارضة؟ وهل تستطيع قيادات الاحزاب اطراف اللجان الحديث عن عدم جدية المؤتمر الوطني في تلك الحوارات؟ انهم يسلمون تسليما.
وبسبب التفاهم القوي بين المؤتمر الوطني وتيارات الاشباه في الاحزاب والتنظيمات السياسية والتي لها اساسها المادي فقد تزايدت طلبات تلك التيارات للاندماج في المؤتمر الوطني: تيارات من الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الامة القومي الجديد والتنظيم السياسي للمايويين واخرين وفي مايو 2007م، وقع المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي المسجل اتفاق شراكة استراتيجية لتعزيز العلاقة بين الطرفين ودعم التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة والعمل المشترك لتوحيد الصف الوطني وترسيخ ثقافة الشورى والديمقراطية.
اما بعض الاحزاب والتنظيمات السياسية خارج السلطة السياسية الفعلية فانها اتجهت نحو اللجان الثنائية، وقد عرضت في الجزئية الاولى من المقال طلب (توسيع الحوار) الذي رفعه واحد من قيادات (التضامن الديمقراطي المتحد) من قبل ميلاده!، واشير هنا الى ترحيب الحزب الاتحادي (جزء من تيار المرجعيات) بالحوار مع المؤتمر الوطني لجهة التشاور في كل ما يجمع الصف الوطني، واستهجن الجزء من تيار المرجعيات اصوات بعض القيادات من التيارات الاخرى التي تعارض اللجنة الثنائية مع المؤتمر الوطني بأن تفكيرها هو (سباحة عكس التيار) وان الحوار الثنائي والتفاوض مع المؤتمر الوطني ليس جديدا وظل يتم لعدة سنوات بما يعني ان هذا الجزء من تيار المرجعيات يسلم بقيادة المؤتمر الوطني للساحة السياسية السودانية، ونذكر ان اتفاق التصالح بين التجمع الوطني والحكومة في 2003م، (اتفاق جدة) كان نتيجة لجنة ثنائية، فاوض فيها تيار المرجعيات باسم التجمع فيما عرف وقتها بمسألة التفويض (فوضت هيئة القيادة الميرغني وفوض الميرغني تياره) والمؤتمر الوطني باسم حكومة السودان.
ان مباشرة الحركة الشعبية التفاوض بانفراد (منبر الجنوب) كان تفاوضا قويا ترك اثره في تاريخ السودان المعارض وذلك التفاوض الثنائي هو الذي فتح ابواب اللجنة الثنائية والاتفاقيات الثنائية والجزئية في منبر دارفور، ومنبر الشرق، ولذلك فان بعض قادة التجمع الوطني وصفوا اتفاقية المصالحة الوطنية والسلام الشامل عام 2005م، بانها اتفاقية كل السودان.
ومن تعقيدات الاتفاقيات الثنائية والجزئية، من حيث المكونات، من بعد اتفاقية نيفاشا انتقال الحركة الشعبية كجزء من جسم المعارضة، الى شراكة المؤتمر الوطني بالاتفاقية كجزء من جسم الحكومة، لكن الحركة الشعبية لم يكن يقلقها واقع مكونات هذا الجسم او ذاك حيث ان فكرتها المركزية هي تجميع (كل السودانيين) وكما عبر د. قرنق (جميع السودانيين على مختلف انتماءاتهم الايدولوجية والجغرافية) باعتبار انه لا يمكن ان يكون هناك سلام في جنوب السودان بينما توجد حرب في دارفور او في شرق السودان، واتفقت الحركة الشعبية بذلك مع اصوات الشمال معظمها خارج الاحزاب والتنظيمات السياسية وهذه نقطة هامة يجب ان تنتبه لها الحركة الشعبية والتي نادت من بعد اتفاق ميشاكوس الاطاري باقامة جبهة عريضة للسلام والديمقراطية والوحدة، اي تجميع السودانيين وهي العبارة الاكثر دقة، وتجميع السودانيين امر مختلف عن تحالف الاحزاب والتنظيمات السياسية، لانفاذ اتفاقيات السلام وايجاد الحلول السودانية للمشاكل التي تواجهها البلاد، ولم تتطور الفكرة لان الاحزاب السياسية وقتها لم تستوعب العمل المشترك مع المؤتمر الوطني.
ومن بعد ذلك حاولت بعض احزاب وتنظيمات تجسيد الفكرة في ملتقى السلام السوداني والذي اريد له ان يكون اطارا تنظيميا معارضا يجمع الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية والطلابية، والنسائية وشخصيات وطنية باعتباره تحالفا استراتيجيا من اجل السلام والديمقراطية والتنمية والوحدة وفقا لما اتفق عليه في وثيقة السلام السودانية والوثائق الاخرى، ولم يكن الملتقى بالضرورة مهتما بتجميع كل السودانيين ووجد معوقات من بعض ذات قيادات الاحزاب السياسية المعارضة، وتواصل نشاطه بعيدا عن (العمل الجماهيري) حتى سلم الرأية للتحالف القومي.
وجدير بالذكر ان المرحوم د. فاروق كدودة كان من اشد فرسان الملتقى وكانت الصحف اليومية تطلق عليه صفة عضو اللجنة المركزية، وكلما نفى ذلك عادوا لتأكيده وظن كثيرون ان نفي كدودة لعضوية اللجنة المركزية من اساليب العمل المركزي، ولم يصدقوا الا بعد ان اختاره الله الى جواره فاكتشفوا جميعا انه كان فقط (رئيس لجنة) وجاء انه استقال من عضويتها قبل الرحيل وهذا موضوع اخر.
ان نقد احزاب وتنظيمات سياسية للاتفاقيات الثنائية ثم ممارستها ذات المنهج الذي انتقدته لا بد ان تكون له اسبابه الموضوعية والذاتية وحجة ان اللجان الثنائية هي مفتاح المؤتمر الجامع ضعيفة فهيئة جمع الصف الوطني ايضا اجرت مثل تلك اللقاءات والحوارات الثنائية.
وحزب الامة القومي هو الاوضح تعبيرا لتلك الحجة وهو يرى (لقاء الدوحة) ان هدف حواره الثنائي مع المؤتمر الوطني هو الوحدة الوطنية التي ادانها الملتقى الجامع، وان نجاح الحوار الثنائي بين الامة والوطني يعني ان يجري التحول الديمقراطي والسلام الشامل باجماع اهل السودان وان السودان مرشح الان لان تكون فيه فرص لتحول ديمقراطي وسلام عادل وشامل بعد التيقن من:
-
ان المبادرات الاجنبية لم تعد مجدية.
-
الاتفاقيات الثنائية لم تحقق ما كان يؤمل منها.
-
وان تغيير الاوضاع (بوسائل صدامية) يمس السودان بالاضرار.
ولكن اهل السودان خارج تلك الغرف ولا علاقة لهم بما يجري.

العلاقات السياسية بين قيادات احزاب (اهل القبلة)!! الاسلامي والامة والاتحادي قوية ولا يقطعها سيف وتربط بينهم المصالح العميقة وهم الاقرب للتحالف الاستراتيجي فالقيادات في معظمها تمثل شرائح طبقة واحدة، وما بينها مما يسمى خلافات هي من باب التنافس لا الصراع، والعلاقات بين حزب الامة وحزب الحركة الاسلامية ضاربة الجذور بالنشاط المشترك والجهاد العسكري والمدني.
جبهة احزاب المعارضة للحكم العسكري الاول 58/64 والى جانبهم الاتحادي بعد تحولهم من مؤيدين الى معارضين او في الحقيقة (منافسين) اسقاط حكومة اكتوبر الثورية 1964م، حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، اتفاق الاحزاب الثلاثة على مشروع الدستور الاسلامي 1968من والذي يحرم بموجبه اي نشاط ثوري، معارضة انقلاب مايو 1969م، معركة الجزيرة أبا وودنوباوي 70، اقامة الجبهة الوطنية للمعارضة التي مركزها في الخارج (ليبيا)، انتفاضة شعبان 1973م، حركة محمد نور سعد 1976م، والمصالحة الوطنية 1977م، حكومة الوفاق بين الفرسان الثلاثة في 1987م، وفي ذلك كتب د. الترابي (1987م):
ان هناك تحولا جذريا وايجابيا قد حدث في علائق حزب الامة بالجبهة القومية الاسلامية والصراع في السابق بينهما لا يعود لاسباب استراتيجية بل لاسباب تنافسية انتخابية زالت بزوال اسبابها وعادت العلاقات الى طبيعتها.
ورد الامام الصادق المهدي التحية بمثلها فقال في الجمعية التأسيسية(8/10/1987م):
اذا استعرضنا المحصلة لهذه المراحل في العلاقات بين الامة والجبهة القومية الاسلامية، نجد ان معظم هذه المراحل كانت وفاقا بين الجانبين وان الخلاف كان مرحلة استثناء والذي كان مستغربا هو الخلاف وليس الوفاق.
وحزب الامة القومي مدرك لطبيعة التحولات التي حدثت في تنظيم الاسلاميين في السودان إبان الحقبة المايوية وما بعد ذلك، فالامام الصادق المهدي ليس ببعيد منهم (1) وكتب د. فضل الله علي فضل من قيادات حزب الامة في كتابه (من يحكم السودان):
ان الجبهة القومية الاسلامية تنظيم طبقي ويرتبط بعجلة النظام الرأسمالي العالمي وان دخول كوادر الجبهة القومية الاسلامية في المجال المصرفي والتجاري حولها من مجموعة فكرية (عقائدية) تنشد المثالية الى طبقة رأسمالية مترهلة وقاد ذلك الى تصنيف الجبهة القومية الاسلامية في المعاجم السياسية من تنظيم آيدولوجي ذي اهداف محددة الى تنظيم طبقي يتمحور حول مصالح اقتصادية ويرتبط بالرأسمالية الدولية.
ان اهم لجنة ثنائية اقامها حزب الحركة الاسلامية الحاكم مع حزب الامة (لقاء الشريحة مع الشريحة) كانت بعد لقاء جيبوتي بين البشير والصادق في 25 نوفمبر 1999م، وكان موضوع اللقاء: وسائل دفع جهود الوفاق الوطني بالسودان والاتفاق على اعلان مبادئ تحقيق الحل السياسي الشامل فتكون حجة اللجنة الثنائية في 1999 و 2008م، واحدة.
وتضمن اعلان مبادئ (نداء الوطن):
-
ان تكون المواطنة هي اساس الحقوق والواجبات الدستورية.
-
مراعاة المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان.
-
الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية والاثنية.
-
اقامة حكم البلاد على اساس فيدرالي وتوزيع السلطة بين المركز والولايات.
-
لا تنال اية مجموعة وطنية امتيازا بسبب انتمائها الديني او الثقافي او الاثني.
-
المحافظة على قومية مؤسسات الدولة المبنية على اعتبار الكفاءة المهنية معيارا اساسيا.
-
المشاركة العادلة في السلطة المركزية.
-
المشاركة العادلة في السلطة بكافة مستوياتها واقتسام عادل للثروة.
ووقع عن حزب الامة مبارك عبد الله الفاضل (امين العلاقات الخارجية لحزب الامة) وعن حزب الحركة الاسلامية مصطفى عثمان اسماعيل (وزير العلاقات الخارجية) والذي يقود اليوم حوار اللجنة الثنائية ايضا، وفي 2002م، انتهى الحوار وشارك مفاوضو حزب الامة في السلطة.
وتحدث وكتب كثيرون عن هجرة الرأسمالية من الحزب الاتحادي تيار (المرجعيات) الى نصف حزب الحركة الاسلامية شريحة الرأسمالية الجديدة الحاكم وهو امر طبيعي أسف له البعض ورحب به اخرون كعملية (تنظيف) يحتاجها الحزب الاتحادي لاكمال ممايزة الصفوف بين الراغبين في التقرب للمؤتمر الوطني والمتشبثين بمبادئ الحزب بعبارة اخرى تتمنى قيادات الطبقة المتوسطة انتقال شريحة الرأسمالية دون ان تنقل معها الحزب والحال من بعضه!!.
لكن هجرة الرأسماليين الاتحاديين للرأسمالية الجديدة الحاكمة تشير الى أمرين:
اولا: ان معظم قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي هي من شريحة الرأسمالية.
ثانيا: ان حزب الحركة الاسلامية (نصفه+ نصفه) من الرأسمالية الجديدة وتوجد ايضا هجرة في هذا الجانب.
ولنعود معاً الى ديسمبر في العام 2003م، ونعيد التوثيق في اتفاق المصالحة بين التجمع والحكومة الذي عُرف باتفاق جدة او وثيقة جدة حيث تهمنا ثلاث مسائل ذات علاقة بموضوعنا:
الاولى: ان اتفاق المصالحة هو نتيجة (لجنة ثنائية) بين الحزب الاتحادي و(اختطف اسم التجمع) وبين حزب الحركة الاسلامية (واختطف اسم الحكومة).
الثانية: ان هيئة قيادة التجمع اجازت بالاجماع تلك الوثيقة والتي قام عليها المحور الاقتصادي لاتفاقية المصالحة الوطنية والسلام الشامل 2005م، بين التجمع الوطني والحكومة.
الثالثة: الفقرة ب/ خامسا من الاتفاق والتي تنص على التزام الطرفين بالمضي قدما في سياسات الانفتاح وتوجيه السياسة الاقتصادية نحو اقتصاد السوق الحر ورفع يد الدولة ومؤسساتها عن الانشطة الانتاجية والتجارية والخدمية.
وهذا يعني التسليم طوعا لنهج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي الذي اورث البلاد الخراب واذاق شعوبها مرارات الفاقة، ومنذ ذلك التاريخ تم اختطاف المعارضة نهائيا. ان اتفاقيتي (جدة والقاهرة) هما تأييد للنظام الاقتصادي لشريحة الرأسمالية الجديدة في حرية السوق وغل يد الدولة من التدخل في النشاط الاقتصادي والخدمي لصالح الطبقات والفئات الاجتماعية الكادحة، وجاء التأييد في اتفاقية جدة بشكل من التواثق لا يسمح لاي حوار لاحق بمقتضى بنوده بأن يتطرق لغير التفاصيل، تفاصيل الاتفاق وهذا دلالة على ان الاتفاقية رتبتها الرأسمالية السودانية الجديدة والرأسمالية الدولية.
ان اتفاق جدة واتفاق القاهرة في محوره الاقتصادي يؤكد ان البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لشريحة الرأسمالية الجديدة الحاكمة يتطابق مع مصالح قيادة حزب الامة القومي وقيادة الحزب الاتحادي ومصالح قيادات كل الاحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة التي اجازته بالاجماع في اجتماع هيئة قيادة التجمع الوطني، وهذا هو الاساس المادي للجان الثنائية سداسية او غير سداسية.
أما بشأن هجرة الرأسمالية من الحزب الاتحادي الى حزب الحركة الاسلامية فلا بد من مراجعة ما كتبه د. التجاني عبد القادر:
تولد لدى حزب الحركة الاسلامية (مكتب التجار) ليكون بمثابة الاصابع التنظيمية في السوق ثم تحولت اشتراكات العضوية الصغيرة الى شركات، ثم صارت كل شركة صغيرة تكبر حتى تلد شركة اخرى، ولما تلاحظ ان عددا كبيرا من العضوية الاسلامية ميسورة الحال في السعودية ودول الخليج تم انشاء مكتب (المغتربين) ليقوم بجمع الاشتراكات ثم تحولت وظيفته بصورة متدرجة الى ما يشبه الوساطة التجارية والوكالة والاستثمار ولما تلاحظ تكرار المجاعات والكوارث في السودان أُنشئت اعداد من المنظمات الخيرية التي تهتم بالعون الانساني ولكنها تركت لاصحاب العقلية الرأسمالية التوسعية فصار القائمون عليها في كثير من الاحيان ينحدرون من الشريحة التجارية ذاتها، الشريحة التي تتخندق في البنوك والشركات والمكاتب التجارية ثم (كانت اللحظة التاريخية) التي وقع فيها التلاحم الكامل بين الشريحة التجارية والمؤسسات الاقتصادية في الدولة، اي مع استيلاء حزب الحركة الاسلامية على السلطة السياسية الفعلية فاصبحت اجهزة الدولة ومؤسساتها ادوات تحقيق مصالح الشريحة الرأسمالية التجارية والعقارية المحلية والدولية وتطابقت مصالح بيروقراطية الدولة والشرائح الرأسمالية الحاكمة ولم يعد المشروع الحضاري او العدل الاجتماعي ما يهم الغايات الاجتماعية المهيمنة وتحالفها القائم (شريحة الرأسمالية الجديدة والقوى الامنية والبيروقراطية في داخل الدولة) والقوى القبلية خارج اجهزة الدولة.
ان كافة المساعي التي يراد بذلها في التحالفات واللجان الثنائية والمؤتمرات ستكون بالضرورة في اطار ترسيخ السلطة السياسية لشرائح الرأسمالية الجديدة و (التعاون) مع الشرائح خارج الحكم والفئات الاجتماعية الطفيلية وبيروقراطية الدولة، واعتقد ان هذه المرحلة هي مرحلة (توفيق مصالح شرائح الطبقة والاشباه في كافة الاحزاب والتنظيمات السياسية).
ونتذكر ان شرعية السلطة السياسية الراهنة استمدها نصف حزب الحركة الاسلامية من اتفاقية سلام نيفاشا وهذه (الشرعية) تواجهها في الفترة المقبلة مهددات عظيمة تحالفات انتخابية تفقدها السلطة ديمقراطيا مثلما ان (مقاطعة الانتخابات) او (تأجيل الانتخابات) بمد الفترة الانتقالية تكون مهددات جديدة، ولتفادي كل ذلك وغيره فان الوفاق الوطني الذي يمنع المقاطعة ضروري!! والاتفاقيات الثنائية التي تحقق القسمة العادلة للسلطة والثروة لشرائح الطبقة التي حرمت منها اصبح امرا لا مفر منه، والاجماع الوطني الذي يتخذ اجراءات لمنع الاضرار عن السودان وابعاده عن حالة التشظي هو وسيلة تعاون الشرائح الحاكمة والمعارضة لاستقرار الحكم واستقرارالمصالح.
وعلى ذلك فان إنسان السودان وتعديل السياسات الاقتصادية والاجتماعية لصالحه، صالح الاغلبية من الفقراء 96% من افراد الشعب، ورد الحقوق الى اهلها لن يكون محل نظر التحالفات واللجان والمؤتمرات، ولن يوجد قانون لاعادة المفصولين ولا قانون لمحاربة الفساد ولن تتم محاسبة او مساءلة لكل الذين انتهكوا حقوق الانسان في انحاء البلاد المختلفة فماذا يجني الشعب من كل تلك الضجة التي تثار بخلاف صرف الانظار؟.
ان شرائح الطبقة الحاكمة من الرأسماليين والاشباه خارج اجندة الدولة ومعاونيهم من بيروقراطية الدولة والفئات الاجتماعية الطفيلية في كل الاحزاب يتأذون من العمل الجماهيري فاللجنة التمهيدية للقوى السياسية المعارضة او برلمان الشعب (اكتوبر 2007م) قتلت من قبل قيامها وانتشارها لسبب واحد وهو قولها:
انه قد تم الاتفاق على تأسيس (تيار وطني جامع) اي قواعد الاحزاب المنفصلة عن قياداتها، يقوم على اساس ميثاق وبرنامج عمل يرتكز بصورة اساسية على مجموع (جماهير الشعب) ليتولى ادارة شؤونه بنفسه، وان استنهاض الجماهير وتنظيمها يعد احساسا لاي تحرك، وان الجماهير قادرة على اخراج البلاد من الازمة بالتخلص من نظام القهر والاقصاء واستشراء الفقر وان الجماهير وحدها لها المصلحة والقدرة على إقرار (سبل خروجها) من المأزق و اقرار البديل.
وقيادة التجمع الوطني الديمقراطي واحزابه حرصت -كما الحكومة- على عرقلة اي نشاط معارض للحكومة مستقلا عن قبضتها .. ان تلك القيادات مهمتها بسط الاستقرار!! فتطلق السنتها الغليظة مع استعداد اجهزة الاعلام لتلقفها فهي كما عارضت اللجنة التمهيدية للقوى السياسية المعارضة عارضت قبل ذلك منتدى السلام السوداني والتحالف القومي وتحالف المعارضة الوطنية وتطلق مقولاتها المأثورة ان قيام اي تنظيم معارض يعني اقامة تنظيم موازي للتجمع الوطني وهو خدمة للمؤتمر الوطني، حتى عرف الناس اخيرا من الذين يعوقون النشاط المعارض ويخدمون المؤتمر الوطني (وهي مهمة امنية)!!
وفي نفس الوقت الذي يرفض فيه التجمع قيام اي تنظيم معارض اخر (خلافا لحرية التنظيم!!) فإن الحكومة اعلنت مراراً انها لا تعترف بأية معارضة بخلاف التجمع الوطني .. الحقيقة ان المؤتمر الوطني دافع عن احتكار التجمع لقيادة المعارضة مثلما دافعت المعارضة التجمعية عن احتكار المؤتمر الوطني للساحة السياسية السودانية.

موضوعات الحوارات الثنائية الجارية تتضمن الوجود الأجنبي، وحدة البلاد، تنفيذ الاتفاقيات، دافور، التحول الديمقراطي والانتخابات.. وكثير من هذه الموضوعات ظلت لسنوات خلت محلاً للنقاشات واتفقت القوى السياسية الحاكمة والمعارضة على معظمها اعادة الحوار قد يكون بسبب ازالة تباين في المفاهيم برز فجأة (1) او هي (ترتيبات) يتطلبها بقاء واستمرار (السلطة السياسية) لحزب المؤتمر الوطني او (سلطة الحزب) لبعض قيادات من الاحزاب.
واكتفى في الجزئية الأخيرة من النقطة الثالثة للمقال بالتحول الديمقراطي نموذجاً كموضوع مشترك بين كل اللجان الثنائية والتحالفات الممتدة التي سبقتها والتي اندثرت في معظمها ومنها (منتدى السلام) و(التحالف القومي) و(تحالف القوى الوطنية) الى آخره والتي ظلت رؤيتها واحدة.
عقد العزم على التصدي للأزمة الوطنية التي اوصلها نظام الانقاذ لذروتها القصوى بسبب سياساته الاقتصادية وفساده السياسي والاقتصادي وبطشه بالخصوم. ولتجنيب البلاد الانهيار ومخاطر التمزق فانه يلزم تغيير الأوضاع والتحول الديمقراطي على أساس ان التحول الديمقراطي شرط لازم للاستقرار والسلام العادل واهم مفرداته: كفالة الحريات العامة وحقوق الانسان كما حددتها المواثيق الدولية بسيادة حكم القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات وقومية اجهزة الدولة والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة وفق قانون يضمن اوسع واعدل مشاركة في الحياة السياسية لكافة شرائح المجتمع وقواه السياسية.
اما هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي فإنها في تقييمها لاتفاق المصالحة الوطنية والسلام الشامل بين التجمع والحكومة عام 2005م فقد اكدت ان الاتفاقية جاءت متكاملة مع اتفاقية سلام نيفاشا، وتمثل خطوة هامة لاحداث تغيير في (تركيبة النظام) لصالح نظام ديمقراطي تعددي وان الاتفاقية تضمنت قضايا هامة ومحورية و(متفق) عليها ومنها.
*
تنفيذ متطلبات التحول الديمقراطي وتشمل الغاء حالة الطوارئ ومراجعة القوانين السارية بالتعديل او الالغاء او سن قوانين جديدة.
*
تحويل اجهزة ومؤسسات الدولة من التبعية الحزبية الى مؤسسات قومية.
وربطت هيئة قيادة التجمع (الوعاء الجامع لأهل السودان) كما ترى، التحول الديمقراطي بتحقيق ((الاجماع الوطني) فاصدرت قرارين هامين: الأول توجيه سكرتارية الداخل للتنسيق مع حزب الأمة القومي والثاني تكليف ثمانية من قيادات التجمع الوطني باعداد مشروع للاجماع الوطني يكون مستنداً على المسودة بين التجمع وحزب الأمة القومي اغسطس 2003م ومشروع العقد الاجتماعي الذي اقترحه د. قرنق واي وثائق اخرى (ومعروف أن هذه اللجنة لم تعد مذكرتها حتى اليوم.. دلالة الجدية).
لكن د. نافع عبر عن رغبة المؤتمر الوطني (الوعاء الجامع لأهل السودان) كما يرى، في تحقيق التحول الديمقراطي (الحقيقي) رافضاً أن تكون الدعاوى للتحول الديمقراطي بقصد (تفكيك الانقاذ) او اجبارها على ترك (برنامجها) وان المؤتمر الوطني مع التحول الديمقراطي اذا كان المقصود منه اتاحة فرص للقوى السياسية لتقديم نفسها وشرح برامجها في الانتخابات المرتقبة اما اذا كان المقصود من التحول الديمقراطي تخلي الانقاذ عن برامجها فان حزب المؤتمر الوطني لن يكون جزءاً من هذا التحول. وهذه رؤية واضحة ان شريحة الرأسمالية الجديدة لن تتنازل عن مصالحها وتستطيع القوى السياسية الأخرى (التعاون) او (المنافسة) وان المؤتمر الوطني هو الذي (يقود) التحول الديمقراطي.. بالطبع بمفاهيمه ويمكنه ان يتوافق مع القوى السياسية حول (الثوابت الوطنية الكبرى).
ولا يخفى ان المؤتمر الوطني يسعى حثيثاً نحو (اجراءات شكلية) او اتخاذ خطوات اولية في طريق احداث تحولات تحمل (صوراً ديمقراطية) فيسمح مثلاً، باقامة مئات المنظمات التطوعية وجماعات المجتمع المدني ويعلم انه قد يكون من بينها منظمات لتحويل الانشطة المعارضة لسياساته (1) ويسمح بتوسيع حرية الصحافة والتعبير، ويخفف من الاعتقالات التحفيظية او يوقفها نهائياً ويكون التوقيف اتهاماً بمخالفة القانون الجنائي.. كما يسمح بانتقاده في الفضائيات السودانية الجديدة الى آخره ويسعد مناضلون فهو بذلك يعطيهم الأمل فيعلنون فرحين ان الانقاذ الشمولية (انتهت) ويجب على الأحزاب الاتجاه لتكوين لجان الانتخابات الحزبية والبحث عن توفير التمويل الى آخر (مولد الانتخابات).
حزب المؤتمر الوطني شريحة الرأسمالية الجديدة اندمج بالدولة وجعل اجهزة الدولة ومؤسساتها تحت خدمته ولا يوجد اي برنامج تفصيلي ومحدد مقدم من القوى المعارضة او مشاريع قوانين (لمراجعة شاغلي الوظائف) او (لاعادة المفصولين) فبقيت اجهزة الدولة كما هي (حزبية) والقوانين غير المنسقة مع الدستور القومي الانتقالي تظل كما هي ولأطول فترة ممكنة حتى قيام الانتخابات ما دام هدفه هو الاجراءات الشكلية لا التحول الديمقراطي الحقيقي.. ان تحقيق المؤتمر الوطني هدفه تمكين دولته ديمقراطياً اي بالانتخابات يدفعه لكل ذلك وليكون ايضا الحزب الأقوى والمسيطر فتكون القوى السياسية الأخرى في ظل (تحوله الديمقراطي) مجرد شكل من اشكال النظام فبضعفها ووسيلة اضعافها معروفة : تعميق الفصل بين قيادات الاحزاب وقواعدها وجماهيرها وهذا موضوع مهم واجب التفصيل.. ويكون المواطن في النهاية بين خيارين اما (موالاة) المؤتمر الوطني او (معارضته) فيتم قمعه وتصادر حقوقه الاساسية والثانوية.
واتفاقية المصالحة الوطنية والسلام الشامل بين التجمع الوطني والحكومة عام 2005م نصت على قيام (لجنة قانونية) لمراجعة القوانين لتتسق مع الدستور، وحددت القوانين محل المراجعة (63 قانوناً) لكن اللجنة القانونية لم يكتمل تكوينها حتى اليوم وهذه ايضا من دلالات الجدية(!!) والحقيقة ان اتفاقية المصالحة في جانب القوانين تم الغاؤها عملياً بالدستور المؤقت نفسه الذي حدد كيفية وآلية تعديلات القوانين وابتدارها والتي ليس من بينها (اللجنة القانونية) بين التجمع الوطني والحكومة.
وواصل المؤتمر الوطني (قيادة) مساحة تعديلات القوانين وقدم عدداً من مشاريع التوطين بالاجراءات المحدودة. واعلن مجلس الوزراء القومي انه قد فرغ من اعداد واجازة 23 مشروع قانون سترفع للمجلس الوطني القومي لاجازتها. وان خطة عمل مجلس الوزراء في هذا الاطار تنتهي في 31 يوليو 2008م وتعديلات القوانين من المتوقع ان تنتهي بنهاية عمر المجلس الوطني القومي.. وجاء في مصفوفه جداول تنفيذ قرارات وتوجيهات الرئاسة التي اتفقت عليها اللجنة المشتركة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على اكتمال المؤامة للقوانين خلال ستة شهور كما نصت المصفوفة على مراجعة القوانين من خلال تنفيذ عدة اجراءات اولها ان تشكل الرئاسة (لجنة) والتي ترفع تقريرها متضمناً خارطة للأولويات التشريعية على ان تصدر رئاسة الجمهورية التوصيات اللازمة للمراجعة والتي يتم تنفيذها عن طريق (حكومة الوحدة الوطنية) و(المجلس الوطني القومي) و(مفوضية المراجعة القانونية) وبذلك راحت اللجنة القانونية بين التجمع الوطني والحكومة في حق الله (!)
والتحول الديمقراطي له علاقة وثيقة بالسيادة الوطنية (الوجود الاجنبي والأثر الاجنبي) فالتحول الديمقراطي في فلسطين او العراق مهما بلغ فهو منقوص وفي الزمان القديم في مثل هذه الاحوال يقدم مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية على ما عداه بما في ذلك نشر الديمقراطية والصراع على السلطة(!)
والمؤتمر الوطني (شريحة الرأسمالية الجديدة) يدعي الدفاع عن السيادة الوطنية ومعارضة الوجود الأجنبي ويعمل على تحقيق التحول الديمقراطي (الحقيقي) واكد السفير الأمريكي في الخرطوم (نوفمبر 2007) ان الادارة الأمريكية لا تطلب اسقاط النظام او تقسيم البلاد او تدمير الشمال وان امريكا تعمل على تحقيق المصالحة وسيادة السلام والديمقراطية في السودان الذي يمثل لامريكا اولوية قصوى في القارة الأفريقية وأولوية من اكبر اولويات الادارة الأمريكية.
ومعظم القوى السياسية المعارضة لا تعمل على اسقاط النظام: فحزب الأمة القومي فضل الحوار الثنائي داخل (الغرف) على (الشارع) الذي تخوف الصادق المهدي ان يختار (اسقاط النظام) وذلك يحدث ضرراً بالسودان وقيادة الحزب الشيوعي (الصحافة 27/10/2007م) اكدت ان لم ولن تتحدث عن (اسقاط النظام) وفي ليلة التعبئة السياسية (لمظاهرة السكر) اعلن ممثل قيادة الحزب الشيوعي من على المنصة بدار الأمة انه يجب ان يكون واضحاً ان المواكب المتوقعة يجب الا يكون هدفها (اسقاط النظام) اي تتواصل حتى.. وهو قطع مقدم لعمل جماهيري منظم وهي (الوصاية او الخوف) وهذا الموقف ليس غريباً ولا جديداً ونماذجه كثيرة اشهرها ان ذات قيادة الحزب الشيوعي وجهت المهندس على خليفة الحسن بقطع (المظاهرات والاضرابات) في نوفمبر عام 1988 ببيان من على شاشة التلفزيون خوفاً من (اسقاط النظام) ووقتها كانت حكومة حزبة الأمة القومي التي يشارك فيها الإسلاميون (نتعلم من الماضي ودروسه، وهو امر ضروري في منهج التوقع السياسي بعكس ما يقول الاستاذ نبيل اديب خاصة وان قادة الماضي هم قادة الحاضر.. نفس الاشخاص).
وكثير من القوى السياسية في الساحة السودانية تؤكد ان نظام الانقاذ وضع البلاد تحت الوصاية الأجنبية ولكن بعض هذه القوى جعلت من وسائلها الاستعانة بذات الاجنبي لممارسة ضغوطه على الحكومة لاستكمال التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.. ويصعب على هذه القوى تفادي الاستعانة بالاجنبي بعد ان تلقت منه الدعم المالي والمادي. وقال السفير الامريكي في الخرطوم : ان امريكا تدفع بسخاء لتمويل الانشطة الخاصة بعمليات (الديمقراطية) او (الحكم كبناء القدرات وتطوير الاحزاب السياسية).
ومعروف ان الولايات المتحدة تبنت استراتيجية نشر الديمقراطية طويلة الأمد وشعارها الحرية من متطلبات العصر، وفتحت ابواب التمويل لدعم التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وافريقيا عن طريق المؤسسات والشركات والسفارات الأمريكية و(المساعدات) الأمريكية او الأوروبية عبر مؤسسات دعم الديمقراطية وخلافها هو الاختراق العملي لمبدأ السيادة الوطنية فهذه المساعدات تمنح (لحكومات) وايضا لاحزاب وتنظيمات سياسية (معارضة) والهدف اقتناع كل مكونات الساحات السياسية بأن السيادة الحقيقية تخص الشعوب ووسيلتها الحكومات وعندما تسمى الحكومات السلطة الموكلة اليها وتعجز الشعوب عن الاصلاح فان تدخل (المجتمع الدولي) او التدخل الخارجي يكون مبرراً ولذلك اطلقت بعض القوى السياسية المعارضة في السودان على (التدخل الدولي) المبرر (!) التدخل الأجنبي الحميد.
والأمم المتحدة (والسودان عضو فيها) تحولت الى احدى ادوات الرأسمالية الدولية وتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية حيث دعا كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة صراحة لاعادة النظر في مبدأ السيادة الوطنية بالقول: يتم اعادة تحديد سيادة الدولة بشكل اساسي تحت تأثير قوى العولمة والتعاون الدولي.. ان الدول اداة لخدمة شعوبها والعكس ليس صحيحاً وان قادة الدول التي تتمتع بالسيادة يقع على عاتقهم حماية مواطني الدولة، وعندما يعجزون عن ذلك تتحول المسئولية الى (المجتمع الدولي) أو الادارة الأمريكية او الاتحاد الأوروبي.
لذلك لا تندهش عندما نلاحظ ان بعض قيادات الأحزاب السياسية المعارضة بدلاً من قيادة كفاح اهل السودان من اجل التحول الديمقراطي تكافح هي باللجان والاتفاقيات والضغوط الخارجية وعلى اهل السودان (الانتظار) حتى يتم منحهم الديمقراطية (!) ففي ديسمبر 2004م وعند زيارة الميرغني رئيس التجمع الوطني.. للولايات المتحدة الأمريكية اجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي وقتها كولن باول وناقش معه مسألة (عودة الديمقراطية في السودان) وقال عن ذلك اللقاء (قلت له ان بوش وبلير يتحدثان دائماً عن فلسطين ديمقراطية واسرائيل ديمقراطية وعراق ديمقراطي ونحن نتطلع الى ديمقراطية في السودان).
وعندما نظم مكتب الأمم المتحدة بالسودان (سبتمبر 2007م) لقاء الاحزاب الأربعة.. تركز حديث د. الترابي على عدم وجود ديمقراطية (اعتقالات غير مشروعة ومحاكم تفتقر للشرعية القانونية) وطالب بالتحول الديمقراطي اما ممثل حزب الأمة القومي فقد طالب بتطبيق كل قرارات الامم المتحدة الخاصة بالسودان (بالطبع المقصود قررات مجلس الأمن) والتحول الديمقراطي واجراء انتخابات حرة نزيهة لكن ممثل الحزب الاتحادي ـ الذي قدم مذكرة منفصلة أوضح رأي الحزب في قرارات الامم المتحدة بالنسبة للقوات الدولية والمحكمة الدولية واقتراح الحزب تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة جرائم انتهاكات حقوق الانسان بدارفور بدلاً عن المحكمة الجنائية الدولية كما اكد ان أهل السودان قادرون على حل مشاكلهم عن طريق التفاوض.
وقال صديق يوسف (قيادة الحزب الشيوعي) عضو وفد الاحزاب الذي عقد اجتماعاً مع لجنة الاتحاد الأوروبي (أخبار اليوم نوفمبر 2007م) ان الوفد طلب من البعثة ان توقع بالاتحاد الأوربي للعمل على انفاذ الاعباء الملقاة على عاتقه تجاه الحفاظ على اتفاق السلام واوضح وفد الأحزاب لرئيس القسم السياسي للبعثة بالسودان ضرورة (الضغط) تجاه الاستجابة لكافة المطالب المرفوعة وقضايا التحول الديمقراطي. كما طرح الوفد رؤيته حول مفاوضات سرت وقانون الانتخابات وقانون القوات المسلحة المقترحين واشار الى ان الاخير يكرس لانفصال السودان)
والحقيقة ان امريكا تسعى لتحقيق جملة من الأهداف في الشرق الأوسط وأفريقيا وكل مناطق العالم (نشرت الديمقراطية وتأكيد الهيمنة على العالم وضمان امدادات النفط) وهي متناقضة في نهاية المطاف. فالمملكة العربية السعودية مثلاً ـ نظام ملكي لكنها حليف اقتصادي مندمج بقوة في الرأسمالية الدولية وهنا تملك الولايات المتحدة مصالح محددة من اجل ان تقوم السعودية احتياطياً نفطياً ولذلك لا تهتم امريكا في مثل هذا النموذج بنشر الديمقراطية وهكذا.
وفي ختام هذه الجزئية ـ التي لم تحتمل كل نقاط العرض ـ لابد من الاشارة للعلاقة بين الدعوى للتحول الديمقراطي والمسلك العملي لقيادات الأحزاب في معظمها (التي لا تعني ابداً الاحزاب حيث من غير المتصور وجود ديمقراطية دون وجود احزاب وتنظيمات سياسية) لكن انتقاء العمل القيادي تفسره القيادات بأنه اضعاف للاحزاب بمقولة ان قيادة الحزب هي الحزب(!) وكأن مفهوم تلك القيادات للديمقراطية ان تكون وحدها في السلطة السياسية ونلاحظ ذلك من ميلها التاريخي والثابت لنظام (الحزب الواحد والنظام السياسي الواحد) هذا الميل الذي اضعف ترسيخ الديمقراطية مثلما اضعفه احتكار قيادة الاحزاب وقد يكون ذلك الميل هو سبب الواقع الراهن الذي تعتمد فيه معظم قيادات الاحزاب على (الاتفاقيات) و(اللجان) و(الأجنبي) في استعادة الديمقراطية بديلا للعمل الجماهيري.
ففي حقبة مايو 69ـ1985م كان الاتحاد الاشتراكي السوداني: الحزب الوحيد المعترف به قانونياً وشملت عضويته القوميون العرب وتيار من الشيوعيين معظمهم من القيادات والمتفرغين ثم شملت عضوية الاحزاب السياسية الأخرى (الأمة والاتحاد وحزب الحركة الإسلامية) الا الحزب الشيوعي السوداني (حقاً) وضم المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الصادق المهدي والترابي واحمد الميرغني وهذا المسلك مرتبط بميثاق الجبهة الوطنية للمعارضة عام 1976م الأمة الاتحاد وحزب الحركة الإسلامية) والذي نادى باقامة تنظيم سياسي واحد بعد اسقاط حكومة نميري ولذلك كتب الامام الصادق بعد عام 1977م
(
اما الآن بعد المصالحة الوطنية فموضوع عدم الرغبة في التفرق الحزبي والحرص على ايجاد وعاء قومي ديمقراطي لتوجيه الارادة السياسية هو محل اتفاق كل الاطراف، واسس لذلك بفكرة كتبها في (احاديث الغربة)
اما النظام السياسي الملائم لهذه البلاد ـ الإفريقية والعربية ـ فلا يمكن ان يكون النظام البرلماني المتعدد الاحزاب لأن هذا النظام لا ينجح الا في مجتمعات نالت قدراً معلوماً في التطور الاجتماعي والاقتصادي والبلاد الأفريقية والعربية خامات تفتقر للبناء ولا يمكن ان يقوم البناء في لجة الصراع والافتراق.
وكانت دعوة حزب الحركة الإسلامية الحاكم في السودان 1992م وما بعدها اقامة تنظيم سياسي جامع بديلاً للاحزاب التي تحدث الفرقة.. وما بين الاتحاد الاشتراكي السوداني) والتجمع الوطني الوعاء الجامع لأهل السودان والمؤتمر الوطني الوعاء الجامع لأهل السودان والتحالفات التي لا أول لها ولا آخر يتوه العمل الجماهيري بفقدان ادوات ترسيخ الديمقراطية.
ونواصل الجزئية الأخيرة للمقال حول مفهوم المصالحة الوطنية

No comments: